مقال مهم للدكتور عمار عرب... الباحث في قضايا التنوير الإسلامي
.........نحو تيار إسلامي ديمقراطي :
يقام في مدينة اسطنبول التركية هذا الشهر في 21 و 22 منه ...المؤتمر التأسيسي لما يسمى " نحو تيار إسلامي ديمقراطي " تحت إشراف الفاضل د. محمد حبش مشكورا و بحضور كريم من المفكر الإنساني الكبير جودت سعيد ...
يعرف معظم أصدقائي أن تأسيس هكذا تيار كان ثاني أهم ما أسعى إليه في حياتي بعد تغيير " العقلية العربية " أو على الأقل " النمط الفكري السائد " في المجتمع العربي ..وقد تم توجيه دعوة رسمية كريمة لي من قبل المنظمين للحضور و لكن للأسف فظروف عملي في هذا الوقت تتطلب بقائي في ألمانيا و لا يسعني إلا أن أتمنى النجاح للمشاركين الذين اعتمدوا مبدأ " أن تشعل شمعة خير من أن تلعن الظلام والظلاميين و وزراء الكهرباء العرب " ...
و إن كنت أتمنى لو تمت تسمية المؤتمر ب " نحو تيار إسلامي ديمقراطي علماني " و ذلك للأسباب التالية :
1 - العلمانية التي يحميها دستور الدولة هي الضمانة الحقيقية لعدم صبغ الديمقراطية بصبغة أحادية اللون الديني أو المذهبي لأحد الأحزاب وبالتالي استغلال الأكثرية المذهبية في المجتمع و استخدام اللغة المذهبية و مبدأ الفرقة الناجية أو استخدام الكهنوت واستغلال المساجد في حشد الناخبين لصالح حزب مذهبي معين ..مما يجعل التنافس بين الأحزاب غير شريف وغير نزيه بالمرة ..
وهذا إن حصل فما هو إلا تدمير لأسس الديمقراطية والعلمانية على حد سواء وتمهيد لانقلاب تيوقراطي ناعم في المجتمع لأحد الأحزاب الدينية لا يهمه تطوير البرنامج الانتخابي بقدر ما يهمه أن يوصل لعقول البسطاء والجهلة وهم الأغلبية في البلاد النامية أنه هو ممثل الله على الأرض و أن انتخابه جهاد في سبيل الله ...وهنا تكون الطامة الكبرى والانقلاب على الديمقراطية.
2 - العلمانية الحقيقية المدعومة بسلطة القانون هي ضمانة لعدم تحول الدولة الديمقراطية لدولة محاصصة طائفية كما في لبنان والعراق و نرى تأثيرها المدمر إلى اليوم ..
3 - العلمانية هي بالتالي ضمانة حقيقة لعدم ظهور مايسمى ب زعماء الطوائف. ..أو العائلات السياسية الطائفية التي ترسخ زعامة عائلة كضمانة للطائفة فتصبح السياسة توريث إنتقاءي جيني لا استحقاق و برنامج سياسي ..
4 - العلمانية تجبر أي تيار إسلامي وجوده أمر واقع إلى إفراز حزب سياسي علماني حتى لو كانت خلفيته دينية (( كقيم عليا سماوية فقط )) ..وهذا الحزب سيضم بالتالي كل أطياف المجتمع و طوائفه ليحوز على ثقة الجماهير بتبنيه للقيم العلمانية ...و يصبح الترشيح الحزبي قائم على أساس الكفاءة للشخص و القدرة العلمية و المعرفية والأكاديمية
5 - العلمانية حارس حقيقي للديمقراطية و لا يصح أحدهما دون الآخر في الديمقراطيات الحديثة المتطورة وليس صحيحا أن الديمقراطية تتضمن في تعريفها كلمة العلمانية
6- العلمانية هي ضمانة فعالة ضد العنصرية القومية أو الدينية وضد خطاب كراهية الآخر في المجتمع بل تشجع للاندماج والتعاون مع الآخر
7- العلمانية تم الإشارة لها أيضا بكل وضوح في القرآن الكريم في أكثر من 20 آية ....وما قوله تعالى ( من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ) أو تنبيهه لنبيه بأن الإيمان خيار شخصي ذاتي ومنعه له من ممارسة ضغط على أحد ليؤمن بقوله جل وعلا ((ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين)) ...وقوله تعالى .. (( وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم )) ...
إلا ترسيخا للمبدأ العلماني المعروف ( الدين لله والوطن للجميع ) ...
وقد قرأنا جميعا عن دولة النبي في المدينة التي كانت تضم قبائل وأديان متعددة كان الرسول فيها يقول للناس ( أشيروا علي ) ...لأن الله تعالى تعالى كان يريد أن يقول له في أمور قيادة الناس لا يوجد وحي ولكن اعتمدوا على أنفسكم و أحكام القرآن هي أحكام حدودية وليست حدية فقال تعالى (و أمركم شورى بينكم ) ...أي بتشاوركم في أمور دنياكم جميعا بكل أطيافكم تحققون غاية القرآن فالإسلام ولد ديمقراطيا و لكن تم تحريف مقاصده عن قصد أو بغير قصد عبر بعض محطات التاريخ التي يعتقد بعض الناس أنها أصبحت دينا يجب الأخذ والعودة إليه حتى بعد مئات السنين من تطور المجتمعات والعقل البشري ...للأسف ..فنحن نأخذ من الدول المتطورة كل ما تنتجه العلم من تطور من مكنات إنتاج وسيارات وساعات و أسلحة و و و ....ولا نقول دول كافرة ولكن عندما نريد أن نأخذ منهم آخر ماتوصلوا إليه من تطور سياسي واجتماعي يقال دول كافرة ...وهذه هي الانتقائية الكهنوتية الديكتاتورية المدمرة للأسف.
و أخيرا أشير أن المهمة ليست سهلة أمام المؤتمرين في إسطنبول في وقت لازالت معظم الناس التي استفحل الجهل بينها تعتقد أن الديمقراطية كفر فقط لأن الغرب طبقها قبلنا وأن كلمة العلمانية هي عكس الإسلام ...ولا نجد أخيرا إلا الدعاء للمؤتمرين بالنجاح في كسر حاجز الخطيئة المقدسة التي مورست لمئات السنين باسم الدين والله ولي التوفيق
>>>