عثرت بين جذاذات أوراقي على مقال لي نشرته جريدة الوطن السورية بتاريخ 5-07-2008، فوجدت في سطوره روح اللحظة التي نعيشها ، وصدى لأماني تعتمل في صدور كل عاشق لوطنه، فرغبت بإعادة نشرها وكلي يقين بأن الحق لا يبلى بكرّ الأزمان والدهور.


صباح الخير أيها الوطن،

تشرقُ عليك شمسُ أبنائك ما كُتبت لهم الحياة، لينيروا وجهك بعشقهم، ويروّوا أديمك بعرقهم، ويكحلوا عيونك بأشجارهم، فيزهرُ ياسمينـُهم على جبهتك عطاءً تلو عطاء... ثم تنقضي ساعات حياتهم فيبذرون شموسهم في جسدك لتنال أنت الأبدية وينالوا شرف الانتماء إليك .

وفي زحمة العولمة والقرية الصغيرة وانتفاء الحدود عبر الشبكة العنكبوتية أرادوا تعليب شمسي لأنساك بالكليّة: اسمك، وروعة تاريخك وأمجادك، وسيرة أبطالك، لأغدو مجرد باحث عن لقمة مستوردة، ومقتن ٍ لدثار ٍحيكَ وراء البحار من قطنك، ومستبدل ٍآثم لسجادة مصنوعةٍ من طين بلادهم و فولاذِ مصانعهم بأخرى خضراءَ، ومُضمِّخ ٍ لصدر حبيبتي بعطر جُبلَ من ورودك المسروقة بأبخس الأثمان.

ولأني أرفع صوتي محتجاً على باطل يروِّجون له، وآفات يزرعونها في كبد أبنائك، بتُّ أُدعى إرهابياً، ولا ديمقراطيا، وبتُّ أشكو جوْرَ جيراني الذين تقمَّصوا دورَ السادن في معبد الطاغوت، يأتمرون بأمره ويسيرون في ركابه وفق هوىً مُستحكِم ونزوة هابطة، فإذا قال ( لا) أذعنوا لمشيئته، وإن قال (نعم) أنفذوا مراده. ورغم هذا وذاك ما زلتُ ثابتاً كزيتونك، شامخاً كمآذن جامعك الأموي، مردداً بحزن عَبرَ قيثارة مُلئت بأنات قلب مُفعم بالأسى:

وظلم ذوي القربى أشدّ مضاضة ً على النفس من وقع الحُسام المهنّد

أهبُّ من كوابيسي مُترعاً بالأسى والحزن فأرى على وجهك ابتسامة تـُبدِّد كل مخاوفي وتعيد إليّ انتمائي إليك، وتفتح آفاق مستقبل واعد بالخير. أسمعك وأنت تنشد في آذان عشاقك:

أرضي جنة، ترابها حنة
زندك أسمر سيف الهمّة


وصلتْ رسالتُك هذه..! ولأنني أعيشُ معك أيها الوطن دقائقَ بوح المحب لحبيبه، أجد لزاماً عليّ أن أعترف بهَنـَات اقترفتـُها، ومثالب أعيشُها، ولعلّ أبرزَها أنني تعودتُ على طلب الكثير والعطاء الخجول القليل، والتململ من السير الوئيد في مسيرة التحديث والبناء، لكن ما يثلج صدري ولادة ُ هذا العقد الاجتماعي المتماسك بكل شرائحه وأطيافه؛ لحمتُهُ الإيمانُ بالله، وسداتهُ الولاءُ لك، وسبيلهُ العملُ الجادّ للنهوض الأمثل بك فكرياً واجتماعياً واقتصادياً.

فاحتس ِ قهوتك العربيةَ معي أيها الوطن، لقد حضَّرتها لنا أمُّ العيال، لكني أعتذر منك فحبوبها برازيلية سكبتها لك في فنجان صيني.