تعانى منذ ولادتها

إيمان أبو صبحة / تكسر عظامي الزجاجية عقدتي منذ الصغر

تقرير / هبة كريزم

عندما تسمع صوتها للوهلة الأولى ، يستحضرك صوت طفولى رقيق ، يعبر عن براءة الأطفال المعتادة ، ولكنك لا تتخيل أن صاحبة هذا الصوت تبلغ من العمر أربع وعشرون عاما وتعانى من مرض غريب ، فصوتها يعطيك الأمل والتفاؤل بالغد ، هذه الفتاة تعانى منذ كانت جنين في رحم والدتها من مشاكل عديدة نتيجة خطا طبي ، دفعت ثمنه هي وحدها .
إيمان أبو صبحة تعمل محفظة في مسجد قريب من منزلها ، فتوجهنا إليها لنتعرف على قصة معاناتها الكاملة .

معاناة مستمرة
وتبدأ قصتنا منذ حملت والدة إيمان بها ، حيث كانت الظروف الحياتية المحيطة بها صعبة جدا ، فكان بناء المنزل الذي يحتاج وقت وجهد كبيرين ، وفى يوم مرضت أمها ، فتوجهت إلى الطبيب في عيادة الوكالة ، على اثر مرض أنفلونزا شديدة ، فشرحت له حالتها ولكنه لم يسمعها جيدا عندما أضافت جملة "أنها حامل" في الأشهر الأولى ، فاخدت أمها الدواء على عاتق الطبيب ولم يكن في ذلك الوقت تصوير للأجنة لمتابعة حالتهم ، ومرت الأيام والأشهر وخرجت إيمان إلى الدنيا ولم يكن أحدا يتوقع حالتها ، ولكن من هول ما شاهده الممرضات من حالتها الغريبة فضلوا أن يخفوها ولا يعطوها لأهلها، لأنها ولدت عجينة لينة لا يوجد لها عظام فمنذ ولاتها تبين أنها تعانى من نقص حاد في الكالسيوم وهشاشة عظام اثر على حياتها إلى الآن ، فأرادت والدتها رؤيتها لتطمئن عليها ولكن الممرضات رفضن ،ولكنها عندما أصرت على رؤيتها وبكل شدة ، فجلبوها لها ملفوفة بغطاء ، فكشفت والدتها عن وجهها ووجدته سليم لا يوجد به شي ، وعندما كشفت عن جسمها أغمى عليها مباشرة ، وبعد ذلك خرجت الممرضة لتطمئن والدها عليها وعلى والدتها فقالت له ابنتك ولدت مكسرة عجينة لينة أما والدتها سليمة ، فنطق والدها بالشكر والحمد لله سبحانه وتعالى ، وثم توجه إلى زوجته فوجدها تبكى بشدة من الألم والحسرة على ابنتها ، ولكن إيمانه القوى بالله جعله يصبر على ما أصابه واخذ بالكلمات البسيطة السهلة يصبر زوجته ويقول لها انتى إمراة صالحة مؤمنة بقضاء الله وقدره ، لا بدان تكوني أقوى من ذلك هذا امتحان واجر كبير من الله سبحانه وتعالى ، وندر لها بذبيحة يطعمها للفقراء والمساكين .

وتستكمل إيمان قصتها ومشاعر الأمل تبدوا واضحة في ملا محها،وتقول لقد توجهت في فترة العلاج الأولى إلى مستشفى زعيتر في بيت لحم ، وقام الطبيب بتوقيع الكشف الطبي على حالتي ، وطمأن عائلتي على وأكد لهم اننى أتمتع بدرجة ذكاء عالية ، واننى سأنطق بالكلام عندما ابلغ الستة أشهر ، فوالدي فرح كثيرا بهذه النتائج وتوجه في صلاته بالمسجد الأقصى بالدعاء بالشكر والعرفان لله سبحانه وتعالى ، ومن ثم توجهت إلى جمهورية مصر للعلاج ، وأول شي قاموا به اعطائى علاج لجعلي أحبو، وفعلا استفدت عليه وبدأت بالحبو ، ثم قاموا بمد قدمي بالبلاتين ولكنه لم ينفع بحالتي لأنه كان يوخذنى في اللحم ، ويسبب لي آلام صعبة التحمل ، ولكنهم قالوا لوالدي انه لاتوجد فائدة أو أمل في الشفاء أو المشي ، وجاء اليوم الذي عدت به إلى غزة فنحن عندما كنا في المعبر ، كان لابد من التفتيش الذاتي للقادمين إلى القطاع ، فقامت الشرطية بتفتيشي ووضع آلة الكشف عن المعادن على فأخرجت صوت ، فامسكتنى الشرطة وانزلتنى أرضا أدى إلى تكسر في أنحاء كثيرة من جسدي ، فتوجهت مباشرة إلى مستشفى ناصر بخانيونس فتبين من خلال التصوير الكسور الكثيرة ، فعظامي كانت مثل الزجاج من اقل حركة تنكسر ، ولن تقوى عظامي إلا بعد سن السابعة عشر ، ولكن بحمد الله شوفيت وخرجت من المستشفى، وتوجهت إلى منزلي فانا كنت أنام في سرير أطفال إلى هذه اللحظات ،خوفا من أن يقع على احد من اخوتى ويكسرني إذا نمت على الأرض مثلهم أو في اى مكان أخر ، فالتف اخوتى حول سريري ليطمئنوا على .
وبعد ذلك بدأت اكبر وأترعرع فانا لم تكن لدى ادني فكرة عن اللعب، فكنت اخرج إلى الشارع أبقى بجانب الجدار خوفا من الكسر ، فكانت امنيتى أن أجرى وامسك ايدى رفيقاتي بالحارة والعب معهم ولكن الحظ لم يحالفني ، فاقل حركة أو تسليم خاطئ يحدث عندي كسر كبير ، فعقتدتى الوحيدة في حياتي هي الكسور والتكسير من كثرة ما رأيت تكسير في حياتي , ومرت السنيين وأنا على نفس الوضع تكسير في يدي وقدمي يوميا تقريبا .

وبعد فترة قصيرة توجهت لي رفيقاتي، وقالوا لي أنهم سيسجلون في المدرسة ،وأنا لا لاننى معاقة ، فقلت لهم اننى سأسجل مثلهم في المدرسة بالرغم من اننى لم اذهب إلى الروضة ،ولكن والدتي كانت تعلمني الحروف والأرقام وسور القرآن القصيرة في المنزل ، فدخلت المنزل وقولت لوالدتي أريد أن أتسجل في المدرسة مثل رفيقاتي ، فنقلت لوالدي طلبي، ووافق وتوجه إلى مديرية التربية والتعليم وشرحت لوكيل الوزارة حالتي فهو لم يدخلني معه ، فوافق وكيل الوزارة بتسجيلي في المدرسة ومضى قرار التسجيل ، ومن ثم عرض والدي عليه رؤيتي وفعلا خرج من مكتبه وشاهدني وصدم من حجمي وحالتي ، فقال لوالدي هي صغيرة جدا وحجمها لا يوحى بسنها وقام بتوجيه أسئلة لي عن الحروف والأرقام وأعجب بدرجة الذكاء التي أتمتع بها ، وفعلا بدأت الدوام في المدرسة مثلى مثل اى طالبة عادية ، فكان اخواتى الشباب هم من يساعدوني في الذهاب إلى المدرسة ، ولكنني كنت أواجه صعوبات كثيرة فقد جلبوا لي كروسة لأركبها خلال ذهابي وانصرافي منها ، لكن صعوبة الطرق الرملية والتعليقات الكثيرة التي كنت اسمعها باذنى كانت تؤثر بنفسي كثير ، ولكنني لم أكن اظهر ديقى منها أمام الآخرين ،بالعكس كنت أهون على آخى عندما يسمع تعليق ولا يعجبه ، لكن مشكلة التكسير المستمرة لعظامي لم تتركني أتمتع بحياتي التعليمية على أحسن وجه فانقلب الكروسة بى أكثر من مرة ، ووقوعي أكثر من مرة أو التسليم على من قبل الطالبات بدون قصد كانا يسبيا لي الكسور الدائمة ، كان أملى تحقيق طموحاتي بان أكون إنسانة تؤدى واجب اتجاه مجتمعها، فقد كنت موفقة جدا بالمدرسة إلى الصف السادس الابتدائي ، كنت أتضايق جدا في حصص الرياضة فزميلاتي في الصف كن يخرج للعب والمرح وأنا كنت أبقى وحدي في الصف ، وأحيانا يتأخر آخى في القدوم إلى المدرسة لأخذى للمنزل فكنت أخاف أن تغلق بوابة المدرسة وأنا داخلها ، أما في الصف كانت زميلاتي يساعدنني فلا إخراج الكتب والكراسات من الشنطة للكتابة أو المتابعة مع المدرسة ، فحساسيتي اللازمة جعلت زميلاتي يفهمن على من نظرتي ولكن مدرساتي لم يراعين ظروفي أبدا ، خاصة أن أيام دوامي في العام الواحد، لا تتعدى الشهر فكنت أواجه صعوبة في تقديم الامتحانات فالكثير من المعلومات لم أتذكر اننى أخذتها أو مرت على ـ

فكنت اسأل زميلاتي فكن يقلن أخذناها عندما كنت غائبة ، ففي الصف الخامس عند الامتحانات النهائية تعرضت لكسر في يدي اليمنى و لم اذهب للامتحان ، وفى مرة أخرى قررت دراسة المنهج في غرفة فارغة يوجد بها فراش فقط ، فدخلت الغرفة وبقيت ادرس للحظات ولكن فجأة وقع على الفراش فصرخت من شدة الألم ، فحضر اهلى إلى الغرفة مسرعين على اثر الصرخة ، ولم اذهب للامتحان ، كانت هناك نظرة سائدة بين المدرسات ، هي اننى دائما يدي معلقين على رقبتي ومجبستين ، فكن يقلن لماذا هذه الطالبة دائما هكذا ، كن يعتقدن أنى افعل ذلك من اجل الدرجات ،فكنت أتضايق جدا من تلك النظرة وحرنت كثيرا ولكنني لم أتفوه بكلمة واحدة حتى لا اسبب جرح لاى شخص من اهلى .

ففي الفترة الأولى من ولاتي كانت والدتي تخاف كثيرا علي ، فكانت لا تعتتنى بى كثيرا من شدة ضعف قلبها وخوفها الزائد ، فتولت اختى الكبيرة هذه المهمة ، فكانت جزاها الله كل خير تعتني بى كثير إلى أخر صف السادس .
ومضت الأيام وأصبحت في الصف السادس الابتدائي، وكان هناك إعادة اعمار لمدرستي بسبب ظروف معينة ، فنقلوني إلى مدرسة طابق ارضي جميلة ، كنت سعيدة جدا وأنا ادرس فيها ،وبعد فترة انتهى اعمار مدرستي ورجعت إليها فوجدتها عمرت للطابق الثالث ، ولكن بالرغم من جمالها وترتيبها كان يوجد لدى إحساس قوى باننى لن ارجع لهذه المدرسة بعد ذلك ، فبقيت فترة قصيرة اذهب مع آخى وأحيانا ياتى لا خذى إلى المنزل ، وذلك لتحويل دوامه إلى الفترة الصباحية مثلى ، فكانت الطالبات يذهبن للمدرس ويطلبن منه أن ينزلني من الطابق الثالث وزميلاتي كانوا يوصلونى إلى منزلي ، فكنت أتضايق جدا لاننى لا أحب أن أثقل على احد ، فقرر والدي التوجه لناظرة المدرسة والتحدث إليها بإيجاد حل مناسب لي ، فرفضت الناظرة تنزيل صف سادس للطابق الارضى بسبب مرض مدرسات صفوف الأول والثاني الابتدائي ، فعجزنا عن إيجاد الحل المناسب ، فقالوا لي ادرسي منازل ، فاعترضت ورفضت وقلت لهم أريد ادرس مع صديقاتي وان أتابع شرح المدرسة ، فاتخذت في لحظتها قرار تركي للمدرسة .

أما فترة ما بعد المدرسة فقضيتها محبوسة بين جدران المنزل ، أتابع برامج التلفزيون لاننى كنت أتعلم أشياء في الحياة العامة ، ومشواري الوحيد كان على البحر والاحتلال كان يغلق طريق البحر كثيرا، فلا توجد لي مشاوير اخرج إليها ، فبقيت سنوات كثيرة داخل المنزل لا اخرج أبدا ، وبعد ذلك جاء عمى وقال لي " شو رأيك تذهبي إلى الهلال الأحمر ، يوجد هناك نشاطات ثقافية وترفيهية " ، فقلت له سوف اذهب وفى طريقي إلى الهلال الأحمر طلبت من والدتي فتح نوافذ السيارة لاستنشق هواء نظيف غير هوا المنزل الذي أعدت عليه ، فوصلت الهلال وانتسب إليهم فكانوا يخلطون بين الأناشيد والاغانى ، وأنا لم يعجبني ذلك فقدمت اعتراض ، وقررت عدم الاستمرار معهم ، ورجعت إلى جدران المنزل مرة أخرى ولكنني كنت مصممة على تعلم وحفظ القرآن الكريم ،خاصة اننى اعرف القراءة والكتابة فكنت امسك كتاب الله وأقرا فيه ولكنني كنت اجد صعوبة في بعض الكلمات والحركات ، فتوجهت لعمى وقلت له أريد أن اذهب إلى المسجد ، وتوجهت بالدعاء إلى الله سبحانه وتعالى بان يقوموا ببناء مسجد قريب من منزلنا ، وفعلا استجاب الله لدعائي وقاموا ببناء مسجد قريب فلم اجد صعوبة في الذهاب أو الانصراف منه ، فذهبت لحفظ كتاب الله ولكن واجهت مشكلة آلا وهى أن المحفظة في المسجد لديها مسجد رئيسي تحفظ به ، بس كان تحت التطوير وقد حان الوقت لرجوعها إليه ، فقلت لها وأنا من سيتابع معي التحفيظ ، فقالت لي أنا لن أتخلى عنك ، أنت ذكية ولديك مقدرة كبيرة على الحفظ لذلك ساتى إلى منزلك للمتابعة معك ، وفعلا جاءت إلى منزلي وتابعت معي إلى أن مرضت " الحمد لله " فبدأت بحساب اننى كيف سأتم حفظ القرآن كامل فلم يتبقى لي سوى ثلاثة أجزاء ، ولكن الله سبحانه وتعالى لا يترك عبده فقامت هذه المحفظة بتكليف فتاة أخرى بمتابعة التحفيظ والحضور إلى منزلي إلى أن أتممت حفظ القرآن الكريم كاملا ، وخلال مخيم الشهرين في المسجد قمت بالتطوع في المسجد كمحفظة للقرآن الكريم للفتيات ، وفى ختام المخيم قام إسماعيل هنية بتكريمي خلال مهرجان تكريم حفظة القرآن الكريم على مستوى القطاع .
حلم الكرسي الالى

أما عن المؤسسات والمساعدات فتتحدث إيمان ومشاعر اليأس تسيطر عليها ، لقد توجهت للكثير من المؤسسات الأهلية من اجل طلب كرسي آلي حتى استطيع التحرك من خلاله ، ولكن هذه الطلبات رفضت كلها لدرجة اننى كنت ملازمة لاختى خلال فترة قضائها لعدة وفاة زوجها ، كنت ابعث بالرسائل القصيرة على شريط الاهداءات الموجود أسفل القنوات الإخبارية" اننى فتاة فلسطينية معاقة احتاج لكرسي آلي بأقصى سرعة ممكنة ، وبعد انتهاء مدة العدة رجعت إلى منزلي وخلال هذه الفترة تعرفت على مذيع في إذاعة الأقصى يقدم برنامج اجتماعي انسانى ، وكنت أشارك في برنامجه بالخواطر المختلفة ، فقام بنشر معلومات عنى عبر الإذاعة لإيجاد اى مؤسسة تقدم لي اى مساعدة احتاجها ، ومن ضمن هذه المؤسسات التي سمعت البرنامج مؤسسة الأسرى ، فطلبوا من المذيع معلومات عنى ورقم جوالي للتواصل معي ، وفعلا اتصلوا على وقالوا لي نحن سنتقدم لك الكرسي الالى بحسب المواصفات التي تريدينها ، وفى شهر رمضان الكريم كان الكرسي متواجد لدى في المنزل ، وقام المجمع الاسلامى بتولي بناء بيت الخارج لي ، فانا الآن أقوم بفعل اى شي لي بدون مساعدة من اى شخص .

وأنا الآن اعمل كمتطوعة في المسجد لتحفيظ القرآن الكريم ، وهذا نابع من مسئوليتي والواجب الذي اشعر به اتجاه ربنا سبحانه وتعالى ، فهذا العمل اقل ما أقدمه لله شكرا له على هذه النعم التي أتمتع بها إلى هذه اللحظة .

عذابات المستشفيات والمؤسسات
أما والدة إيمان السيدة " أم على " فتقول أن من أصعب المواقف التي مرت عليها عندما توجهت للطبيب وهى صغيرة لتعالجها فأعطها علاج لسحب عظام يديها ، فكنت أعطيها العلاج واشعر أنها تتألم وبشدة إلى أن قررت التوجه بها إلى المستشفى لتصويرها بالأشعة ، فتم تصويرها وخرج فني الأشعة يسال عن والدة الطفلة فوقفت ، فنظر إلى وقال ابنتك مكسرة تمام لا توجد عظمة مكانها ، فلم اصدق ما اسمع فأغمى على مباشرة ، وبعدها اهتممت بإعطائها الكالسيوم و الأطعمة التي تحتوى على المقويات والكالسيوم ، ولكنا تضيف أن الكثير من المستشفيات رفض استقبال إيمان ، فالكل كان يقول اتركيها تموت لا تهتمي بها كثيرا ، هي لا تنفعك ستتعذبين معها ، ولكنها كانت مستعدة لتحمل اى شي من اجل إيمان .

وتوضح أم على أن الكثير من المؤسسات الأهلية والحكومية ، كانت تصنع لهم المشاكل من اجل استقبال إيمان لديها منذ صغرها ، إلى أن قررت إيمان منذ فترة قصيرة التوجه للشئون الاجتماعية من اجل الحصول على مستحقاتها مثلها مثل اى شخص محتاج ، بل وهى من أكثر المحتاجة للدعم المعنوي والمادي من قبل جميع شرائح المجتمع .

إيمان فتاة تتمتع بالروح المرحة الجميلة ، لديها الكثير من الصدقات بين الفتيات ، تذكر وتحافظ على جميع من تراه ، إنها فعلا إنسانة بمعنى الكلمة بلا اى مجاملات أو مقدمات .

من الايميل