لغة واحدة ولهجات متعددة

- عرف الانسان العربي الغناء , منذ أن بدأ نظم القصائد قبل مئات السنين , فالغناء في الاساس , كلمة تشدو بها الاصوات العذبة وترافقها الالحان , وتشكل في في مجموعها الاغنية , وعلى امتداد الوطن العربي من المحيط الى الخليج , ونشر الشعراء وانتشر المطربون , وانتشر الغناء ...!!!
فلم يكن صعبا على الانسان العربي في أي مكان متابعة الاغنية العربية إن كانت بلهجتها اللبنانية , او المصرية , او الخليجية , لاننا كلنا من المحيط الى الخليج نعيش حروف لغة مشتركة موحدة , وإن اختلفت لهجاتنا وتعددت , فإن المعاني واحدة في اللغة الواحدة .
ومقادير واحدة , غناها طلال المداح , ونقلتها عنه وردة الجزائرية كما هي .
وهذا المعنى الكبير الذي تحمله اغانينا العربية , يحمل في ثناياه تلك الاصالة في الهم الانساني العربي المشترك من المحيط الى الخليج , وهذه الاصالة تتمثل في التفاعل مع الكلمات والالحان من قطر الى اخر والتعايش معها بالقوة نفسها التي يمكن ان يتعايش فيها كل فرد منا مع لهجته الخاصة به , وهذا يؤكد امرا غاية في الاهمية لدى الانسان العربي من خلال الانسجام الروحي مع معاني الاغاني رغم اختلاف اللهجات , انسجام معنوي , وليس انسجاما ترفيهيا راقصا كما هو الحال عند الاستماع الى مطربي الديسكو من الغرب والشرق .,
فالانصات لصوت كوكب الشرق العربي " ام كلثوم " هو في الاساس معايشة للكلمات التي تشدو بها , وللمعاني التي تغنيها بصوتها الشجى قبل ان يكون انصاتا للموسيقى , وقبل ان يكون الامر ترفيهيا , فانه معايشة لقصة انسانية يعيشها العربي في مصر او في الشام او في المغرب او في الخليج , وقد يمر ملايين العرب بقصة متشابهة في وقت واحد عند سماع تلك المعاني الجميلة لمطربة لها قدرات كوكب الشرق الراحلة " ام كلثوم " في اغانيها العاطفية الطويلة التى انفردت بها في حياتها الفنية العامرة بكل جميل ...!!
- ولم يكن غريبا ان نسمع اغاني ام كلثوم باصوات عربية ترددها بالروح نفسها والتفاعل نفسه والتعايش نفسة , كما انشد المطرب الراحل عوض الدوخي , الامل , بصوته , فكان صادقا ودافئا في ادائه .
- والامل , كلمة تحمل في ثناياها معاني بحجم الحياة كلها , بل انها الحياة ذاتها ومن يفهمها بحروفها العربية الخمسة غير الانسان العربي ...!!!
ومن يستطيع ان يفرق بين امال العربي في المغرب وامال العربي في المشرق – وامال مشتركة واحدة – ومصير مشترك واحد – يجسدها لغة مشتركة واحدة – ويؤكدها تاريخ مشترك واحد ...!!!
- واهاتنا متشابهة , امراضنا متشابهة , واحزاننا متشابهة والاغنية رحالة متجولة في داخل العقل والقلب العربي , تحمل هذه المعاني من جيل الى جيل , وتقفز على الازمات , والمحن , وتهدم الحدود والحواجز , ولا تفهم الا في وحدة المعاناة , فتسافر من قطر الى قطر بالكلمات وبالالحان , وتعيش في الضمائر, لا تفارقها , فتعطي وتأخذ , وتعلم وتوصل , تقرب ولا تبعد , وعبد الحليم حافظ الذي غني باللهجة المصرية صافيني مرة , وجواب , وفوق الشوك , الى اخره , غنى بالحرارة نفسها والعطاء الصادق والدافئ نفسة يا هلي يكفي ملامي والعتاب في الكويت وباللهجة الخليجية قبل عشرين عاما .
- ومع كلمات يا هلي – وناحل جسمي وانا في عز الشباب – نعود الى الوراء – الى قيس بن الملوح – وهو يغني بحزن عميق محبوبتة
" ليلي " تائها بين الرمال الصحاري , متبعدا في مناجاة عواطفه , ملتاعا على المصير الذي وجد نفسه فيه بعد ان حرمه الاهل والاقارب من ابنه عمه – وهذا التداعي الانساني – يقفز على حرفية المعاني والالفاظ ويعيش التراث الاجتماعي الواحد والمشترك , فيتجاوز حدودها العاطفية مخترقا اعماق البيئة العربية في البادية , التي تنتشر في وطننا العربي حيث تنطق الحياة بتفاصيل يومية متشابهة واحدة من الجزيرة الى المغرب ..
----------------------------------------------------