حــوار مـع الــكـاتــبــة الـســعـــوديــة فــاطــمــة الحــويـــدر
أجــرى الـحــوار: هـيـثـم البـوسـعـيـدي
فاطمة الحويدر كاتبة قديرة من المملكة العربية السعودية، تغلف نصوصها الادبية بلغة راقية، ويتميز أسلوبها الأدبي بالتشويق والامتاع، حروفها تمتلأ بالاحاسيس الرقيقة وكلماتها تكتنز بطلاقة الخيال، تمارس الكتابة الرمزية ذات الدلالات والأبعاد المختلفة، أما أعمالها الأدبية فتتوزع بين القصيدة والقصة والمقال.
هي في المقابل أدبية مهمومة بقضايا ومشاكل مجتمعها بمختلف طبقاته وشرائحه، كما أنها ناشطة في مجال الدفاع عن حقوق المرأة ودائما ما تسلط الأضواء في نصوصها على هموم العنصر النسائي وما يتعرض له من صور التهميش وأشكال الأقصاء.
كان هذا الحوار الشيق مع الكاتبة فاطمة الحويدر لرصد أبرز المحطات في تجربتها الكتابية:
1- ما هو الهدف الرئيس من ممارستك الدائمة لفعل الكتابة الأدبية؟
بالنسبة لي هواء نقي أتنفسه حينَ اختناق، وصدر حنون أسكبُ آلامي وأوجاعي على عتباتهْ عند ممارسة الصعود الشاق لمناحي العيش استمراراً صبور في هذهِ الحياة.. دنيا أخرى ثانية أسافرُ فيها، وأولدُ منها جديدة متجددة وإليها أظلُ أعود.. فبدونها لا أشعر بمعنى جميل لوجودي.
2-ما مدى العلاقة بينك وبين ما نقرأه في نصوصك ؟ وإلى أي مدى ما تكتبيه يمثل تجربتك الحياتية؟
هناك علاقة في البعض منها وليس الكل فأنا أكتب عن هموم الغير أيضاً وأعيش المعاناة تفاعلاً لا شعورياً عميق وكأنها مأساتي، ولي العديد من القصائد والكتابات في هذا الصدد.. بعضها نشر وبعضها ليس بعد، أما ما يمثل التجربة .. فهو في أنواع الظلم الواقع على المرأة عامةً بتهميشها والحط من شأنها عن طريق فرض قيود رهيبة قاسية محكمة الإغلاق عليها وتكبيلها بطوقها الفولاذي دون النفاذ منها، بلا رحمة أو وازع من ضمير أو حتى صفة إنسانية.

3-ممارسة الثقافة عبر العالم الافتراضي هل تختلف نتائجها عن الممارسة التقليدية للأدب؟
نعم فهناك في عالمك الافتراضي تستطيعُ بإحساسك المرهف ملامسة وجه الشمس الحارق ومداعبة أسلاك النور الجامحة وتحقيق المبهم والخارق من الأمور دون ترمد أو تلاشي، ومن ثمَ التحليق بالشعور انسيابية متناهية الذوبان بلا ثوابت.. ارتقاءً فانعتاقاً عالياً جداً مع طيور الحُلم، ترفرفُ أجنحة خيالك المفرودةِ ورداً مضمخاً بالشغف فوق قمم جبالٍ شاهقة المجهول لقطف ندى نشوةٍ حبلى بعبق ارتواء لا ينضبُ معينهُ أبداً ولا تنضوي شعلته.. فيضهُ يظلُ أبداً هارباً منك إليك.. متجلياً فيكَ غيمهْ أفقاً غامضاً ممتداً سهوباً خضراء التطلع، سماءُ فضائها لانهائي المدى ..تنسكبُ فيها حواسك المفعمة شبقاً أسيل في تناغمٍ لذيذ حدَّ بلوغ الذروة ..دون السقوط الركيك في براثن الخجل أو الانكماش الخاضع تراجعاً وتلكؤَ خيبة، ففي عالمك الافتراضي ذاك تنحلُ الروح من قيود جسدٍ ثقيلة هي مثقِلة أبداً لرؤى النفس البشرية..صخباً ملتهب البوح..كسجيرِ جمرٍ ساكن اللهب، متضرجاً أبداً حرارة في سكونِ هباءٍ بارد.. دون خوف أو وَجل.. فهناك تنطلقُ أبعادك المعنوية والحسية بحرية كاملة وبانسيابية فائقة الخلاص تتخطى جسورَ وهم ٍقاهر الحواجز ومجاهِلَ سدودٍ بليدة النهاية..لتعلو بشفافية قصوى حدَّ بلوغك التماهي عبر دقائق الأثير.. تعانقُ خفاء المبهم.. و تعبرُ المستحيل.
4-تتميزين بتنوع في انتاجاتك الادبية فأنتي تجيدين كتابة القصة والقصيدة والمقال، فما سر هذ الالمام بمختلف الادوات المنتجة لهذه الاجناس الأدبية؟
أولاً- ُتوِجَتْ سنين عمري الخمسة عشرة بجائزة أفضل كاتبة على مستوى المنطقة وكانت هذهِ البداية، فتلك ( الجائزة النور) كانت كقنديلٍ مشع أنارَ لي طريق الاستمرارية، يظلُ فتيلهُ الوقاد يضيءُ شغافُ عشقي لسحر البيان نبراساً أسيرُ على دربه مما جعلني ذلك أستمر في الكتابة وحفزني أكثر للمواصلة والعطاء بجزالة وأنا بطبعي صادقة المشاعر جداً بعيدةٌ عن المداهنات والصعود الرخيص الذي دائماً يكون ثمنهُ بخس كحب الظهور المتسلق والمتطفل حتى على حساب نفسه، انحدارً بعزة النفس للوصول و لو على الغير أو الظهور بمظهر غير كريم ولائق، وذلك فقط للاشتهار وهوس المعرفة، لذلك لم أكتب في الممنوع والمخالف أو المسكوت عنه ولم أرق ماء الكرامة على أقدام الاستجداء المستغل لنوعية الظروف..لأجل هدف بعيد أو قريب.. وكانَ لسطوة الأقدار وصروفها حظوظٌ في المسيرة ، وتحضرني هنا حادثة حصلت معي منذُ زمن عندما عرضت علي إحدى الزميلات الكتابة في إحدى الصحف المحلية بعد أن أُعجب المسئول بما أكتب وتمت الموافقة ولكن الرفض أتى من جهتي لغرابة الطلب المرفق.. ( بمقابلة شخصية )كشرط لإجازة النشر !؟ فعجبتُ من هذا الخلط الغير مبرر والغير مفهوم أو مقبول .. ومنها لم أحاول مجدداً الكتابة في الصحف الورقية..حيثُ النشر متوفر بكثرة ( بصفحات الأدب ).. واكتفيتُ فقط بالمساحة المفتوحة في النت،ولهذا ومع أني كاتبة منذُ الصغر ومتمكنة من أدواتي الكتابية لم أصل لمستوى شهرة الكتاب الجدد ! ولكنني أدركُ جيداً أن زمام الوصول الحقيقي بيد الزمن المنصف، ترسو موانئهُ العادلة عند الضفاف فتقدر حينها حق قدرها ؛ ويبقى اعتزازي أنني عندما أكتب في أي شيء.. اكتبهُ بصدق وإخلاص متفاني ومن أعماق القلب وبتأثر عميق، ففي كل مجال أدخل فيه أعطيه كامل حقه وبكل ما أملك من قدرات، فما أن امسك قلمي حتى يتدفق الشعور غزيراً صافياً منهمراً حدَّ الإغداق.
5-الأدب النسوي في الخليج ما هو رأيك فيه وإلى أي مدى استطاع أيصال الهموم والقضايا التي تعاني منها المرأة الخليجية ؟
مزدهر وجميل، غني ومتميز، أما الإيصال كقضايا مصيرية عالمياً وحتى إقليمياً فربما إلى حدٍ ما معين لم توصل الصورة المطلوبة.
6- الثالوث المحرم : الدين ، السياسة ، الجنس ، هل من السهولة التعرض له أو تجاوز خطوطه الحمراء في أدبنا العربي؟
إذا كان الهدف هوَ معالجة المشكلة فلا بأس من الطرح، وحتى التقبل من الآخر يكون أشد تأثيراً على المتلقي ..إذا كان موضوعياً ويسلط الضوء على الحلول..أما إذا كان الهدف من تجاوز الخطوط الحمراء ( الترويج للشهرة ) وللوصول السريع فقط بحيثُ يكون خادش للحياء في مسألة الجنس أو مثير للفتن في مسألة الدين ومؤججاً للحروب عبر المصالح الشخصية .. اتكاءً على أشلاء الآخر كما في مسألة العبث السياسي الحاصل وهلم جر .. فهو فاقد للمصداقية ولا يفتأُ أن ينطفئ قمره ويتلاشى مهما أضاء و استمر على الساحة.
7-ما هي أوجه الشبه والاختلاف في الرؤى والأفكار بينك وبين الكاتبة وجيهة الحويدر؟
أوجه الشبه بيننا نحمل نفس الهموم الأنثوية..
وأوجه الاختلاف هيَ واقعية وبقوة وأنا شاعرية حدَّ التناهي.
8-نشاط الملحوظ في مجال الدفاع عن حقوق المرأة ماذا اضاف إليك كأمرأة؟ وما تقييمك لواقع المرأة في الخليج؟ وهل نالت حقوقها أم لا زالت في أول الطريق؟
في الحقيقة لم يغير من الواقع المر شيئاً يذكر.. لأنهُ لم يؤطر بالقوانين الصارمة والعقوبات الرادعة للمهمِّشين والمضطهدِين لحقوق النساء، أما واقع المرأة في الخليج فأفضل بكثير وفي تطور مستمر كما المرأة العمانية التي تقود السيارة ونرى تواجدها في كل مكان حتى في المطارات وبالشرطة النسائية والفنادق كقوى عاملة وكفرد فاعل في المجتمع وكذلك المرأة الكويتية فقد نالت الكثير من حقوق لا نزال نحلم بها في عالم الخيال كحصولها مؤخراً على حق السفر واستخراج الجواز لها ولصغارها دون إذن من محرم أو هبة من ولي.
9-حياتك في الولايات المتحدة واختلاطك بأشخاص ينتمون لثقافات متعددة، وتعرفك عن قرب على بيئات مختلفة هل مثل لك ذلك حافز كبير نحو طرق أبواب مغلقة في عالم الكتابة ؟
نعم فدراستي جزء من الثانوية والجامعية هناك بمثابة من يشعلُ مصباحاً ساطعاً بقوةٍ شديدة الوهج، وبلا حدود أو مساحات على ظلام غرفةٍ سجينة العزلة،كانَ مُسدَلاً على ضعفها حصاراً مقيت يظلُ ديجور ليلهِ المدلهم.. يقتاتُ نور رؤاه ُ المُراقب تداعيات بصيص ٍواهنٍ لشمعةٍ صغيرة جرحها إصبع الثقاب فأشعلها انطفاء، تسكنُ أبداً زوايا ظلمة الحياة لأنثى عربية أتت من بلاد الشرق، هذا كفِكر وتنور، أما ككتابة فلقد كان تنوع مشاهد الطبيعة الخلابة المبهرة واختلاف التأثيرات المناخية الفريدة على طقس البلاد هناك هو بمثابة الفردوس الفاتن لدنيا ساحرة منشودة البهاء جمالاً آسر ، سبباً لإثراء الخيال ونبع القريحة.
10-منذ فترة كانت لك زيارة خاصة للسلطنة؟ كيف وجدتي عمان وأهلها؟
نعم كنتُ في عمان أيام فكأنها ثوان.. وليتني ما زلتُ هناك فقد تيمتُ بها عِشقاً ولهان .. وسأعودُ إليها دون توان .. فبرغم سفري المتعدد للكثير من دول العالم العربية منها والغربية إلاَّ أني فتنتُ جداً وبقوة بجمال عُمان فتشربتها العروق حدَّ التعلق .. بل وبهرتُ بمنتهى الدهشة بجبالها الشاهقة السمراء.. الراسيةِ في خشوع جليل خلاب آسرٌ للنظر.. والمحيطِ شموخها الجميل المنبسط ملِكاً على معظم معالم المدينة "مسقط"، باعثاً منظرها المُهيب رهبةً وخشية، مدينةٌ تحتضنُ الصلابة بحب حاني.. ويحرسُ حدودها مزيج من صمتٍ متدفق الحماية حدَّ التمكن وانبساطٍ بديع مترامي الأطراف.. يمنحها طابع الحِصانة بود حميمي وملامح الصرامة بأنفة صمود تراثي عريق، وبالجانب الآخر تستلقي في دلال شواطئها الساحرة كعقدٍ ماسي مجدول، تتخللُ سكونه سفنٌ كبيرة تزينُ جيد الماء.. محملة بغنائم الصيد الكثيرة، تشاركها بهجة العوم قوارب صغيرة تلقي بحبال شباكها الرمادية هنا وهناك في عبورها المائي الرشيق.. مما يجعلُ المكان يتدفقُ حيوية حركة نابضاً أبداً بثراء الحياة، في حين يسري بينهم بجمال هادئ دفءَ خضارٍ صافي اللون.. ساحر الجمال.. طرزتهُ أعناق نخيلٍ طويلة باسقة، سامقة الارتفاع، مشرئباً فيها العنفوان كبرياءَ فتنة.. ممتدةً أعناقها ظلالاً وارفة الإغواء على طول الطريق.. يطلُ عليكَ حسنها المورق زهواً بهيج.. متمايلاً فيئها الحالم خيلاءً بهي هوَ محبب للنظر جاذبٌ للعين ( كغيدٍ حِسان) يمثلن طبيعتها الوادعة الحلوة ، فكنتُ أحبُ منظر الشروق عندما تلقي الشمس ببواكير نورها الفضي على زرقة البحر لديكم فيزدهرُ الماءُ بموجٍ عاجيُّ البريق.. متساقطاً حبات ثريا على وجنة البحر الكبير، تكسرُ لآلئهُ الساطعة عيون الضياء، ُمزيحاً الغيم وشاحهُ الأبيض الهفهاف عن غفوة الصبح المستيقظِ لتوِّه ولهاً محب.. مأسور الهيام بمفاتن هذهِ المدينة الغيداء، متجدداً صِباهُ لها حضن عودة.. غاسلاً نداهُ الرطيب أجنحة نورسٍ يحلقُ مع خيوط الفجر الأولى، وما أن تعانق زرقتهُ الداكنة شهب الضياء..حتى يسرع مدهُ الفيروزي الدفيء عدواً جانحاً نحو ثرى السواحل ينثرهُ قلادة زبدٍ صافٍ، متلألئاً ذُراهْ لهباً ساطع الحسن على صدر الرمال، مداعباً فيضهُ المقتربِ بلطف رقيق المراوغة أطرُفَ قدماي المدفونة في رطوبة تلك الرمال البيضاء، وبسلاسةٍ ناعمة يغدقُ انحسارَ طفوهْ على وحشتها نشوة سعادةٍ لذيذة ودغدغةِ لدونهٍ باردة.. ثم يغادرُ جزراً هارباً مسرع الرحيل نحو مجهولِ فراغ، تاركاً أثرهُ الآسر مطبوعاً في أعماق الذاكرة ؛ وقد شدَّتني نظافة البلد الملحوظة بقوة وترتيب شوارعها المنظمة والجسور المنورة المتناسقة مما يدل على حضارة ورقي أهلها والطيبة الشديدة النادرة التي لمستها في أهل عمان بل وعشتها هناك ، ( فللعمانيين تنحني الأخلاق العالية الرفيعة ).
11-هل من كلمة أخيرة لقراءك ومتابعي أعمالك في السلطنة؟
كلمتي الأخيرة.. أصدرت كتاب ( الرقص بألم على حافة من زجاج ) عام 2006 .. موجود بمكتبة جرير بالسعودية وبمكتبة النيل والفرات وبصدد رواية قيد الإنجاز، وكذلك التفكير بجمع وطباعة أشعاري في كتاب شامل ؛
( تحياتي الخالصة إلى الشعب العماني الأصيل وإلى الكاتب المبدع المتميز هيثم البوسعيدي )
نــصــوص مــتــفــرقــة لـلــكــاتــبــة الــســعــوديــة فــاطــمــة الـحــويــدر

1- الــكــتــابـة حــيـاة ( مقال)
بدأ افتتاني ببياض الورق يكبرُ تعلٌقهُ البعيد انسداراً دائمَ وله.. مذُ تفتحت مداركُ حُلم على دنيا حياة .. وأنا أجدُ الميل كل الميل تأخذني ألوانُ حُسنهْ دون هوادة إلى فتنة كتابةٍ شمسها الولاء ، كلما غازل الطرف بياض صفحاتٍ خلابة بعد، واهبة منح لحن نقاءٍ تجلى وفاءً مستفيض الوميض ليراع قلم ، يبدأُ عندها استعارُ خلجاتٍ كبير.. أخاذُ عبير.. فواحُ أريج.. مكتنفاً بحرُ موجه اضطراب هديرٍ سواحلهُ لا تريم .. يرتفعُ فيهِ المد مدراراً متوهجاً بشدة أمام كلماتٍ عبقها حيٌ يتنفسُ في رسمهِ البديع، منادياً ولعٌ متيم لهفة تأجج التقاء النبض بيننا رغبة حصادٍ أدركَ شهدَ الخصوبةِ مخاض ، مخاطباً زخرف القول إغواء شوقٍ نبعهُ كامل الإغداق بعذوبة، لا يألو دخولاً مأسور إرادة إلى سحر عالمٍ فاتنُ الجمال مفتتنٌ بهِ شغاف الشعور.. أبداً يجذبني عشقه في شدَهٍ عصيُ كبح وانبهارٍ بهيج لا يتوانى رونقُ بيانه هنيهة أو يتريث قليلاً أو هو يتمهل ! لتبدأ نشوة إغراءٍ لذيذة سطو تسكب سُكر عسلها حرارة سيلٍ يتدفقُ منهمراً كشلالٍ جمريُ مدار.. ملتهب لوعة.. منسحباً في فلكه دفءُ الدمِ وهجاً يركضُ تحرراً هاجرَ برودة أسر العروق، عطراً ثملاً يشدني إليه لهبُ الَّا عودة ولا يعتقني خمرُ أسره حتى جذوة الانصهار ذوباناً ناعماً ملئهُ البهاء، مفتتناً ذاكَ الاستلاب المأخوذ بغتة.. شغفَ غزوٍ حميمي الاشتعال.. منتشياً جذل الوصل بروعة وصل.. كمالاً زاخراً يجنيني معاني عطاء ، ليغفو الخيال ذروة التحامٍ عميق الاتقاد.. متدثراً استلقاءً نشواناً على صدر سطورٍ منمقة الأبعاد تنتظمُ في عِقدها الأبجدي مستريحة الإكتمال ، مداعباً الوجد منمناتٍ حاضرة التمثل تزهو بنفسها سحر داناتٍ تتلئلئ إيحاءً لامعاً بين السطور كحبات الثريا.. وتلك النقاط الحلوة تطلُ استدارتها البهية غموضاً مناكفاً أبداً يهادنُ تزاحُمَ الجمل كقمرٍ ينيرُ ظلمة نهاية هيَ تعودُ نظمَ حروف، حاضناً بحب رموزاً تشعُ نجوماً قزحيةُ إشراق، تتهادى مرصعة خطو، زينتها تباهى جذباً ولهان حُلول بين متاهات جواهر اللغة وألماس الكلم ؛ وما عانق جيد السطر (تناغماً) من تناثر فواصل أسيلة قد، هيَ كواكبٌ تنحني شهبها الولهى بخجل المستضيف لتوارد جملٍ أبداً تظلُ تنيخ الرحال استراحة استكمال على ضفافها من حينٍ لحين، بينما تحاكي انسيابية النظر تلك اللفتة الجميلة لعلامات تعجبٍ تعترضُ بخفة طريق العبارات سلاسةً ترنو لماحة لحظ لفينةٍ وأخرى.. طيفاً ينشدُ توردهُ العذري رهبة حيرة مستدراً فيها عطفَ فهمٍ مُريد.. إلى جانب انتظارٍ يبرزُ مشدود الوقفة لعلامات استفهامٍ متراصة الاستفسار تجرُ ذيل الفكر إليها استجابة.. متشكلةً استقامةً ملحة الارتواء لعطش تساؤلٍ غديرهُ يظلُ يشاكسُ نباهة مجرى ريان هوَ يستزيد، محفزاً غفوة إصرارٍ مستكين ومستفزاً استلاب منابع القريحة.. مممتداً فنارُ خيلاء حتى ظلام مرسى قد يبين ؛ كلُ تلك الدرر تجددُ عرشاً ذهبي .. فضيُ البريق لا يضاهى كنزهُ المجدول لؤلؤاً مكنوناً يكتسيهِ هيامُ جمالٍ شعري بديع.. يقطفُ الأبجدية جوهراً حللهُ سندسٍ تباهى بصولجانٍ جزالةٍ هيَ نورٌ على نور يظلُ سناهُ يخطفُ شرفات حرف من علوه ومنافذ كلم من نفسه بلا حدود ولا نهاية.. حتى تناهى خلاصة التتويج مرآة جمالٍ صقيل.. تناهبُ الانعكاسة إشعاعاً شاهِق تطلع يطاردُ أبصاراً كاشفةً للصورة، مكثِفةً رؤى بصيرة خاضعةً لها كمصير، تبقى هيَ ومضاتُ حياة لإكسير وجود، موصودةُ عتبات خلوده فجرُ إشراقٍ يفتح فقط أبواب ملكهِ المزدانِ ثراء زبدَ انخلاقٍ آخر لكيانٍ يبعثُ مختلفاً مزهراً فيهِ الربيع نعيماً يتجلى عمراً جدد.
2- ضــيــاء الــروح ( قــصــة)
غــادر الفجرُ حضن الليل وأسبغت العتمة رداء الضباب على خَدَر جفنها المتخفي ديجوراً آخر طويل السبات.. ساحبةً ًأطراف انتماءٍ هوَ أسير الحضور.. رافعاً الظلام لوهلة حجاب السواد الدامس عن ظلِ عينيهِ قليلاً.. ليرى رماد ثوبهِ الشاحب سِحر النور الجميل..؛ وفي غفلةٍ من النهار المتعب ارتبكت السماء في سكينة..صمتاً أزرقَ طويل.. مجهولاً مدهْ.. عسير الفهم فسقطت الريح حضناً عميق الولاء بين يدي العودة.. تصارعُ جنوح نفسها الصاخبة هدوءاً صارخاً حدَّ الفتات.. سارقاً الوَجل هروب وقهر الرحيل ذهول لحظةٍ أخيرة..انطلاقاً وحيد جبار الإرادة حزنُ مطرهِ يعودُ غزير السيول..غائبُ الملامح.. جافى هطولهُ العنيد انهمار عبراته المتدفقةِ شغف وحارب تناسل ذاته عمق ذاكَ التوقف وأبعاد الانتهاء أو لهفة الرحمة..!؟ ماسحاً عبورهُ الشديد بقايا أسرار المدن.. مُصادراً عناوين الأماكن وغموض الأرواح التي سكنتها زمناً.. طامساً معالم كينونة الأشياء وتلك الخطوات المجهولة التي مرت بالطرقات يوماً ما..؛ لكن الخروج من ثقب الضوء واصلَ سيرهُ عشقاً شاقاً متأجج اللهب.. بهاءُ حسنهِ متوهج الانتشاء.. ساهراً طيفهُ أبداً جمال عودة عند الحدود لندى بريقٍ هو ساحرُ اللقاء افتتاناً بنصرهِ الموعود..يظلُ يتجددُ نبضَ حبٍ متألق الولَهْ وعبير وردٍ ملون الفرح.. عنفوانهُ يتفتحُ فلاً وعبق رياحين..؛ في كل غفلةٍ من بُعد النسيان ذاك.. جذور ولاءهِ تنبتُ بذور ألمها من جديد حيويةً آسرة التعلق.. تحصدها حياةً أخرى في وعدٍ بعيد حتى وإن هوَ ظلَّ مفقود الضفاف والتتويج.. لكن خيال ربيعه يبقى عذب النمير.. حُلو الورود.. بريقُ إغراءهِ زاهٍ جداً للنهل شهداً من زلالهِ المعين.. حتى قطرات الندى لياسمينهْ يتجددُ حسنها في كل مرة بياضاً ناصع العطاءِ سلسبيل..عاكساً بِشدة طيف حرارة تلك اللوعة المفتتنة بنفسها..حتى وإن احتضر الثباتُ زمناً وانتحر الأملُ عمراً وتوقف النبض عن سيرهِ في دروب الحياة قسراً…. مختنقاً التنفس في ماهية كونهِ موتاً، فامتدادهُ العطري الفريد.. يعودُ أبداً زكي الأريج.. عَطِرُ الرائحة.. فتان الحضور.. مترع الحميمة.. دافئ الإشراقِ لوناً في صقيع البرد ونوء شحوب الغربة..؛ إنها انكسارات الرغبة الملحة يتساقط خضارُ أوراقها عبثاً قدرياً في كل لحظة.. لا يستكينُ ميلادُ إلحاحها ولا روعُ مخاضها يهداُ.. ما دامَ إكسير الحياة يُسقيْ مَيْلَهْ لواعجَ البقاء.. بعثاً آخر لميلادٍ جديد ما يفتأُ سحرهْ يعودُ منتعشاً مرةً أخرى في كل خذلان .. في حين ينمو ويكبر فيهِ الحُلم فتنة.. متسلقاً أغصان ذروة الوصول حتى نشوى لحظات ذاك العناق وتقبيلْ مُحيا جبين إصرارٍ مُريد .

3- ذكــرى الــرحــيــل ( قـصــيـدة)
يعاتبُ دمعٌ بريقاً هجر

نالَ الجفافُ منهُ المُقل

وحطَّ النهارُ بليلٍ ضيّعهْ

فحارَ فجرٌ للنورِ ِكيف يصل

جفاهُ البعدُ رمش نظر

وعابَ عليهِ روح الكلل

تحرُّق شوق ٍلظاهُ انتظر

ضياع الحنين طريقه أضل

وصبحاً ظلامُهْ يعودُ مقر

يثورُ الرمادُ اختلاف حُلل

ما عادَ أحيَا ناقوس خطر

جسماً كستهُ ثيابُ العِلل

غيابٌ تبدد ما من مفر

بعد ما حاورتهُ عين الأجل

لثمُ الترابِ لأمرٌ عَسِر

يخطفُ قهراً روحاً خَضِل

جبينٌ تداعى رفاتٍ ُدُثر

هلالهُ غابَ عند النُزُل

جسد ٌضعيفٌ يذوبُ أثر

حسنُ ذكراه متعة ٌلا تُمل

يخافُ الفهمُ عبور الممر

ويخشى لهُ قدمٌ أن تزل

وقد نهبتهُ الظنونُ فِكَرِ

لعمرٍ يجوبُ بحور الوصل

يعاود زيارة رموز قبر

يجاري يحاور ذات النِحل

فها هوَ دربٌ يجب أن يُمر

لديجور ُِجرحِ مصابٍ جلل

فلا حزنٌ مديدٌ أعادَ الأغر

يشاطر رحيله جنون أمل

فكيف يكونُ الهروبُ أمَر

وحتى الفيافي ربوعاً أثِل

يظلُ الوجود يعودُ مَدَر

فلكٌ تجري منذُ الأزل

تدورُ السواقي بحور غدر

يعاود فناءَهْ زماناً ضحِل

هيَ البصيرةُ تجافي بصر

فيسدلَ الموتُ حُلْكَ النُكل

لوهمِ تيقظَ َجفن سهر

يكابر صروفه دون الملل

يغالبُ نوره ظلام السحر

فتيل ًٌُيصارع لهيب العدل

بقاءُ الحياةِ يتوهُ قدر

ليهزمَ قهرٌ نفوساً تُذل

قلوبٌ بليدة تضاهي حجر

تظلُ تهادن خوفاً وجِل

عطاءُ الجهودِ نضوباً ُهدِر

نشوى ما جنا ذاكَ العمل

لدنيا تنسي وعيد النُذ ِر

وعشقاً هواهٌجداً ثمل

تعودُ العقولُ لرشدٍ سُحِر

ما أن تسقط صروف الثكُل

ُتناخُ الرِحالُ إلى مستقر

ليُعتقَ فيها ثقلُ الحِمِل

لدرس ٍعميقٍ يعطي العِبر

ولَنا أن نكونَ حد َّالنصِل
4- : غــزة الــجــريــحــة تستغيث ( مــقــال)
لقد قالوا أنهم كانوا مجتمعين هناك يحتمونَ من شمس ظهيرة مستظلين بنصرهم فهيا بنا هيا وهلُمَّ إلى أمنهم، أحرقوا الخيمة المظللة بلبلوهم شتتوهم ثم أهرقوا الكؤوس عنوة على الرؤوس واشربوا بكل سعادة وموت ضمير نخبهم ولا تنسوا أن تحتفلوا بعيد الهزيمة عند بوادر فجر، وقبل الظلام ارقصوا بتشفي على رفات قلوبٍ ستبقى كسيرة ثم أغمضوا بلا رحمة عيوناً غريبة قد تكونُ بالقرب بصيرتها حولنا ساهرة ! بكل هذا هم تآمروا علينا نعم تآمروا فتدفق شلالٌ من أحجارٍ قاتلة فوق هامات ٍ عالية وعلى صدورٍ نفسها للحقِ واهِبة، وعند النهر جفت رطوبة حناجر صادحة فاجتاح الأجسادُ كلها انهيار شديد حاولنا لمهُ من على الجسور ولكن دماءً غزيرة تفجرت من بين الأظافر الخانقة هرَّبت نبض العروق، فشحبنا وظمأَ الوريد.. مصفراً بيننا الاخضرار، صرخ الغضب فينا جميعاً على أحلامٍ ٍ ورؤى هيَ محفورةً عميقاً في الذاكرة، فكانَ الاتحادُ سوياً فشلٌ ذريع حيثُ هوَ المصير! أخذنا نبحثُ فيهِ عن مواليد مصلوبة تحت تراب، نبشنا قبوراً مصادرة فمزقتنا الجدران بقسوة ومرَّ ركبٌ سائرٌٌ بطئهُ فوق الجمال رفعوا أصابعهم الطويلة نحونا وأشاروا هناك نحو نورٍ كان يشعُ وهجاً من بعيد، أي أولئك هم بمعنى دفنوها عند بزوغ النجم لكم وذلك قبل طلوع النهار ثم رحلوا بالشباك بعد مجزرة صيدٍ ساحقة وبعد أن رموا بحاضركم ومستقبلكم وليمةً مهرَّبة عرض البحرٍ بشكلٍ مريع لتطفو هياكلَ يابسة بلا حياة، تاركين رماحاً وسيوف يرقصُ نصلها المخيف على الأعناق البيضاء رعباً منظَّم يشربُ فيها النقاء وتمرغُ ترهيباً وقمع بقايا القطع في الوحل، متكئاً حداً قاطع على شرايين وفاء يذبلُ دفقها بين القضبان والدمع، فما من خروجٍ أو مفر سوى من ثقوبٍ ضيقةٍ في جدار الذاكرة ولا كرامة لوجوهٍ مكفهرةٌ أغلالها سافرة وأقدامٌ تعرجُ خطواتها بين الأصفاد وتئنُ فيها أشلاءَ كسور متوجعةً، تظلُ تهادنُ الجراح آثاراً لها واهنة، وفي الحلم سرقنا الأمل قنديلاً جميل وأخذنا خفيةً فتيلهُ المحتضر بين أيدينا كي نجتاز العبور سوياً فوق الجسر الكبير ليقطف جوعنا خبز العطاء أزهاراً مثمرة، وسط الضجيج برغم القيود ورغم المخاوف والألم سبحنا في السحر الآتي من عبق المجهول نحو عظيم هدف، عُمنا وسط أمواجهِ الهادرة فتساقطنا لهاثاً متعبا وعندما أفقنا من غيبوبة وعدٍ موهوم لزيف حريةٍ غائبة، رأينا وجوهنا الحزينة منعكسةً أطيافاً كثيرة مكررة الصورة متبددة على خد موجةٍ مسافرة فجرينا بين الحدود نختصرُ بعد المسافات نخبئُ زمنها قليلاً، نعدو في كل الاتجاهات، وبكل مكانٍ بهِ لقاء عوادي الظلمة تطفئُ فيهِ جميع الألوان ويُصَادرُ بهاءُ أنوارهِ خيبة حسرة وخذلان، حتى اعتادت البصيرة شكل ظلام، مسدلين الستار على انتظار لنا طويل موجوع البدايات والذي مات مداهُ بيننا دون التقاء مذوِّباً أدنى بادرة لأنهُ بلا طريق منذُ بداية الطريق، وسطوةٌ ماحقة بملامحَ قاهرة بعد تربعٍ على عرش امتلاك أقفلَت النظر (إليكِ غزة) في جفون كل عينٍ ساهرة، شاهدة أو حتى ناظرة فكانت حقيقة نهاية النهاية أبداً هيَ تنمو بلا بداية قوية تتوجُ حاضِرة ؛



5-لوتعرفني الأشياء ( شــعــر)

*****************

لو تعرفني فتنة الصبا بزهوها ..
بأني قد ضاعت ثمارها بضياعي
ولو تعرفني الدمعةُ في سكبها ..
بأن السكب لجزءٍ مني ..
لمحتوياتي .. …
***
،
،
لو تعرفني الكرامةُ عند نحرها ..
بأني أترك العمر يبكي ..
مصلوباً ورائي ….
ولو يعرفني الحزن الشديد
حين يغتصب ..
بأن سر الوجود فقدته ُ
في انتمائي …….
***
،
آه … …. ….
لو تعرفني حريةُ الوجود ..
حين أسجنها مرغمةً ً…
بأني أسجن البهجة في كياني ..
ولو يعرفني الأمل حين أضيعهُ خِلسة ًً..
بأني دفنتني في الظلام أحلامي
***
،
،
لو تعرفني الشمس التي غيبتها ..
بأني غيبت من الحياة زماني …..
ولو تعرفني سنوات السحر الماضية
التي هربتها……
بأني انساب الزمان من حدود مكاني
وانحسر الربيع بشكلٍ مُريع..
كالرمل هارباً ..
كالبحر غاضباً ..
ثم كثنايا الموجِ متكسراً ..
حُسناً يسرقُ َزَبدُه ْ كل بديع ...
يطفو وهماً على السطح بشكلٍ سريع …
يُهرقُ في دنيا الطموح بهائي ..
***
،

ووعداً كبير ..
عابراً باقتضاب ..
يُحلِّقُ سُهداً عليلاً كئيب ..
عند العتبات يظلُ يطرقُ الباب ..
سحابهُ قسراً ..
يبقي نورَ الشرفةِ ضباب..
خيالاً جميل ..
ماثلاً بدرهُ في المحراب ..
حضوراً وحيداً غريب ..
لا يجدُ لقمعهِ تفسيراً أو جواب ..
***
،
،
وآه ٍ.. من سؤال ..
َفهمهُ يبقى مُحال ..
لو يعرفُني فيه ِ..
الجسد المثقل حين أنطفئُ حرقة ً..
أتوسدُ ديجور الظلام لوعةً ..
ُأذَوِِّبُ كأس العناء ِ مرارة ً..
أحتضنُ عارَ القهرِِ ِعنوة ً…
أرتشفُ ذُلَّ عهرهِ…
قطرة ً .. قطرة ً..
آه لو يعلم ……
بأن الهموم نسيجها من ثيابي …
***
،
،
ولو يعرفني الماء لم أريقهُ
في عطشي ……
وأُحيي النضوب دائماً في ظمأي ..
أُسقي أحجاره سيولَ وَلَعِي ..
وكيف أُذيقُِ الهباء دماءَ وفائي ..
!!؟
،
بأني لا معنى أحققهُ لارتوائي
***
،
،
لو تعرفني الإرادةُ ..
آه .. لو هيَ تعرف ..
حين أخنقُ حرارة الشموخ ..
أظلُ أراهُ منعشاً كسرابِ صحراءٍ يلوح ..
أئدُ هُ بارداً أبداًً..
كثلج السفوح ..
يذيبُ الأحلام معه وزهوَ الطموح ..
تتبعهُ الأنفة ُوالعزة ..
جبلاً ينهارُ رضوخ..
متفتتاً بياضه سوادَ يأس ٍلا يبوح ..
تتمددًُُ فيهِ البقايا…
ندوب جروح …
خجلاً منعكساً ُيرائي … راحاً لولائي …

قد تغفرُ الكرامة ُ.. ربما تغفر ..
رماداً هوَ يتجمَّر ..
.. لوَ تعرف ْ .. فقط لو تعرف ..
بأني غالباً ما أدمر ..
في ندى العطاء عطائي ..…
***
،
آه …. ….
لو تعرفني كل تلك الأشياء الجميلة
حقيقة ً …..
لو تعرفني لم أسجنها أنــــــــا ..
أبددُ جمالها ضنا ..
،
لاحتضنت لوعتي وعذابي ….
؛؛ معانقة ً كفاحي ؛؛
؛؛ ومعي سلاحي ؛؛