( رحلة الإنسان في سفر المعرفة ))
سعد عطية الساعدي
الجزء الأول
لو تمعنًا في خلق الإنسان وما هيأ له وجعل فيه الخالق تبارك وتعالى من ممكنات وطاقات ووسائل وقدرات ساعدته في التمكين والرقي والإنتفاع في حياته وعالمه الدنيوي على زخمة تنوع حيثياته ودقائق مفرداته الا منتهية تشد الإنسان إليها شدا لايمكنه الإستغناء عنها مهما بلغ تطوره وتعدد أجياله وتقادم العصورعليه
ولما كانت الحاجة الملحًة لنمو الفكر والمسائل العقلية كون الفكر هو ركيزة كل نمو وبناء إنساني مجتمعي يتطوًرتطورا ونموا إمتداديا تصاعديا لتحقيق الغرض من خلقة الإنسان وتمكينه على الأرض وحتى الرسالات السماوية وكتبها وجهد الأنبياء والرسل بما هي إيمانية عقائدية للسمو بالإنسان نحوالخير والفضيلة والأخلاق الكريمة وهي عين الفكر الحق الملتزم بالقيم والمعاني العقائدية والإنسانية الواقعي المقدمات والنتائج هو العقائدي الرسالي السماوي ولا خلاف كما هو الحال بين الرسالات السماوية والمعاني والقيم الإنسانية حيت الرسالات كلها قد أكدت على تلك القيم والمعاني الإنسانية وكذلك حثت الإنسان على الأخلاق الفاضلة والتفكر لكي يحوز على فكر إيماني عقائدي وهو بالناتج إنسانيا لكي يخطوا بمعارفه وطموحاته وتطوره العلمي والحضاري والبنائي السليم لكي يحوز على العلم النافع والمعارف الصائبة والفكر النافع والرصين المنقى من التشكيك والإنحراف وهو ما حصل ويحصل في كل الأمم من الذين تلاعبوا بالفكر والعقائد وتاهوا في متاهات الإنحراف والضلال
والمتتبع لرحلة الإنسان في سفر المعرفة يجد مدى الصراع والتناقض بين الإتجاهين إتجاه الفكر العقائدي الرسالي والفكر التشكيكي المتشتت فى الرؤى والنظريات -
إن لمسائل الفكر وجوب المقدمات فيه فإن كانت صحيحة كان ما بعدها فكرا صحيحا صائبا وإن كانت المقدمات خاطئة مشككة فيكون بالضروة ما بعدها فكرا مخطوءا شكي يتناقض في مبانية ونتائجه التائهة غير المستقرة ولهذا نرى في سفر المعرفة الكثير من المدارس المتشعبة والنتائج المشككة والتي لا تفضي إلى واقعية فكرية تبني الإنسان بناءا فكريا يشده نحو القيًم والمعاني الإنسانية الحقة لحفظ الكيان الإنساني
لقد عمل الفكر العقائدي الأخلاقي بروًية ودقة عاملة من خلال البراهين والأدلة العقلية إرتكازا على اليقينيات ودلائل الخلق والسمات الإنسانية وقيًمها الخالدة لكي يكون الخير صنو رحلة السفر هذه لكي يكون الفكر ورحلة السفر الإنساني إرتباطية تكوينية يشق من خلالها أمواج الظنون والشكوك صوب مرفأ اليقين والحقيقة حتى تكون الرحلة وسفرها سفرا حقيقيا ضمن واقعية ممكنات العقل وقدرات تمكنه من إستشفاف الحقيقة ببراهين اليقين المعتقد رساليا والذي ترتكز عليه واقعية المباني الفكرية لاحقا ليكون التحرًز منهجا ملازما ولا يمكن بدونه كونه صمام أمان من الوهم والشطط والضلال
الفكر هو ما يصبوا له العقل ويجد له الذهن لأن يكون عاملا في الحقيقة مبتعدا جهد القدرة والمستطاع عن الوهم والشك حيال أولويات اليقينيات وبراهين الخلق والجعل والتمكين وبما يتناسب واستخلاف الإنسان على الأرض ليعمرها وينتفع مما سخر له من خيراتها كونه مخلوقا عاقلا مفكرا يعي ما حوله ويتفكر بما حوله من آلاء الخلق وما جاءت به من يقينيات وبراهين دالة عليها لا يمكن دحضها بظنون وشكوك مخلوق ضل عن الصواب فينظًر ظنونه وشكوكه تلك فيما يدعي من مذاهب ومدارس فلسفسية فكرية بينما الفكر العقائدي العقلي المتوازن بين قواعده العقلية المعرفية الأولية وبين مستجدات مسائل الفكر بما فيها دحض تلك المذاهب والمدارس التي تقاطعت مع المعقول المتوازن الرصين والذي ينظر إلى الشك الذي ينبًه العقل على وجود الخطأ كحافز للتدقيق والبحث وليس للنكران والضلال والتشتت كناتج لا محال -
حيث من أكبر المخاطر التلاعب بالفكر لغايات نزعات نفسية أو إلحادية لأن الفكر هو المعوًل عليه لبناء الإنسان والحضارة بالمعنى الحقيقي للرقي والتقدم ومن هنا تكمن الخطورة من ناتج ما يشغل الإنسان في مسائل هي أكبر من قدراته العقلية والتي بسببها أنشق الفكر الإنساني وسار في إتجاهين متعارضين جذريا ولا يمكن التسوية بينهما وهي مسائل بدء وكيفية الخلق الكلي للكون والإنسان وما موجود في عوالم الوجود وهذا فوق قدرة العقل لإن الإنسان لم يشهد كيفية بدء خلقه فهو لا يعلمها بدقتها وتفاصيلها فكيف بالخلق الكلي وهو أيضا لايعلم ما خفيًه عن ما بين يديه ولايدرك ما سيحصل له بعد لحظات فكيف يفسر الخلق على هواه وينكر الخالق
في نظرية النشوء والتطور المزعومة ودعوى الطبيعة الخالقة فمن خلق الطبيعة ؟ وهل هي خلقت نفسها ؟ وهل المخلوق عنده القدرة على الخلق ؟
تبقى هذه أسئلة تبحث عن إجابة عند أصحاب الفكر الإلحادي التشكيكي وهم عاجزون عن الإجابة ولن يسعفهم العلم التجريبي الذي يتشدقون به والذي غذوه بالأكاذيب في هذه الغاية من أجل تثبيت نظرية النشوء والتطور لدارون -
لقد بين الفكر الرسالي العقائدي حقيقة الخلق والإيمان بالخالق الواحد سبحانه والذي عذر الإنسان عما لايطيق وفوق قدرته فكان الفكر العقائدي يسير بعقلانية صوب الحقيقة من خلال التفسير والتعليل جهد القدرة والمستطاع مع الحذر من إعتماد ما لايدرك والخوض بالظنون بلا دليل يأمن له العقل ويرتكز عليه وأن الخالق سبحانه لايكلف نفس إلا وسعها - مما يثبت أن الفكر الإسلامي يتحرك ضمن تلك السعة والنصوص الرسالية السماوية بما فيها حث الإنسان على التفكر في سفر رحلته بأمان بما لديه من القينيات واليراهين القاطعة للشك
إن مسألة الخلق والوجود والعدم والواجب والممكن والأصالة والنقائض هي أهم محطات رحلة سفر الفكر الإنساني وما يتشعب منهما من مئات المسائل بما فيها القياس وأنواعه وفروعه والإستقراء والإستنباط وكذلك الإستدلال وما هية صحة وثبوت الدليل والإسس البنائية القواعدية لعمل العقل قي الفكر الإسلامي ووليدته الفلسفة الإسلامية - لقد تعامل هذا الفكر مع الشك والظن تعاملا قواعديا لا كما فعل الفكر الأخرفتعامل مع الشك على أنه حقيقة تامة لإنكار حقائق ثابتة اليقين وكذلك الظن - نحن نعلم إبتداء وبلا جهد أو خبرة أن الشك هومرحلي قابل للزوال في قضية أو مسألة ما بعد الإتنباه له ويتم بعدها التصحيح وهذا الشك هو شك مفيد كونه من ناتج الإشتباه أوإرتكاب الخطأ غير المتعمد لا الشك من أجل الشك للمغالطة المتعمدة لأغراض خطيرة وكما بينا لأنه عامل بالديل المادي التجريبي في مجاله الجزئي المحدود ومن ثم يعمم كحكم نتائجي على كل لاتدركه أو تناله التجربه من كونه خارج متناول يد وقدرة الإنسان فالجأ أصحابه إلى التزوير أو المغالطة أو تبني فكرة لها واقع فكري جزئي لتعمًم كحكم كلي تمسكا بفكرهم المادي مع إفلاسهم عن الحوز على أي برهان حقيقي قابل لحكم كلي يدًعم فكرهم والذي ثبت أنه فكرا تأليفيا صيغ على مرتكزات المادية ونكران كل ما يناقضها من المعقولات وإن إرتكزت على البراهين غير المؤلًفة بالتصوًر والشك فهذه ليست ببراهين وإنما أعذارتشبثية لاتصمد أمام دحضها بالأدلة العقلية الرصينة والبراهين الرسالية والكونية والخلقية 0