سلطة قطاع عصابات
سوسن البرغوتي
بميزان الربح والخسارة، ترتفع وتهبط أسهم سلطة الاحتلال برام الله وتتلقى الصفعات واحدة تلو الأخرى من الإدارة الأمريكية والاحتلال الصهيوني، ولا يتعاملون معها إلا من منطلق "نفذ ولا تعترض". وبميزان المكتبسات على مبدأ الشراكة مع الاحتلال الصهيوني، توازن ميزانتيها، وتحسب حساباتها وفق أرقام الواردات من الدول المانحة، والصرف على كلاب مسالخ الشبح والتعذيب، وتخريب مقصود لعقل الفلسطينيين بالضفة الغربية تحديداً، إقطاعية اختلقها الاحتلال، لتحويل رعاياها إلى عبيد، تسودهم مشاعر اللامبالاة لما يحدث لمقاوميهم وأبناء حيهم وقراهم ومدنهم.. ما بال الشعب الفلسطيني بالضفة، وهم شهود على جريمة الاعتقال والتعذيب في سجون عباس، وما بالهم لا يفقهون ما يقرأوون؟!.لم يمض أربع وعشرون ساعة على إطلاق سراح أسرى أوكار العصابات بعد إضرابهم عن الطعام لأكثر من أربعين يوماً، وبعد وساطة قطرية، حتى اعتقلتهم سلطات الاحتلال. وأذناب السلطة يصرحون ليل نهار أن لا اعتقالات على خلفية سياسية! وهذا بحد ذاته، كذب وخداع الشعب المغيب أو الغائب بفعل التخدير الأوسلوي أو القمع والإرهاب وبفعل عقدة الدولة، القشة التي ما برحت لا تفارق مخيلة الغرقى بوحل الخيانة دونما وجل. لم تستمر هذه السلطة المستنسخة من النظام العربي المقايض، إلا لأنها تحمي الكيان الصهيوني، وتدعم مشروعه الاستعماري، وما يُسمى بالمفاوضات إلا تسخيف وتحقير لشعب يأبى الفناء. يخرج علينا أحد عباقرة تبرير"التنسيق الأمني" نمر حماد، ليسوق جملة أكاذيب من بينها أن السلطة بخدمة الشعب، وأن اعتقال المقاومين كان لحمايتهم من الاحتلال، ويستغبي البشر، فلا حماية للشعب ولا دفاع عن المقدسات في ما يُسمى بمناطق السلطة، وتنفيذ القضاء على "المتمردين" جارٍ منذ ما قبل توقيع اتفاقية الإجرام في أوسلو، وبتوقيع مهره عرفات نفسه على رسالته لرابين. فضائح وجرائم تُرتكب وما زالت خيمة البين والانفصال عن إرادة الشعب، تمارس دورها بالعلن، وما زالت فصائل المقاومة تنتهج سياسة النفس الطويل، والسؤال الذي يرواد كل من يملك نصف عقل، إلى متى؟! إن سلطة الاحتلال ليست الوجه الآخر له، بقدر ما هي مجموعة عصابات متعهدة علناً لاستكمال المهمة، ولا اختلاف بينهما، وهي الدمية التي ارتضت زعامات النصب والاحتيال، الدور الخسيس، ويحركها الاحتلال بخيوط "الريموت كونترول"، لتعمل كدليل يرشد قوات الاحتلال إلى أماكن وجود المقاومين بالضفة، فقد أثبتوا عملياً وفعلياً، أنهم أذناب الصهيونية. من المضحك أن سلطة عباس تتحرى الفساد وهي أمه وصانعته ومروجته، ومن المبكي أن يصدق الشعب أن ثمة إصلاحاً داخل هذه السلطة العفنة من أساسها إلى رأسها، ولا تعدو أكثر من سلطة تجارة بقطاع محدد المهام وموظف الأهداف لصالح العدو. لقد طالت مرحلة تصفية المقاومة، ومع ذلك فإنهم لن يستطيعوا القضاء عليها، إلا إذا أفنوا روح رفض الخنوع والاستسلام، وهذا الأمر ضد سنن الشعوب وعجلة التاريخ، لكن الكارثة تأتي بمشهد صامت باهت دون حراك يُذكر، وكأن ثلة استكانت واستطربت لنداء سراب الغرب والشرق، وأن نجاة العبيد تكمن بفتات مقاولين الدم والأرض. سلطة محمية رام الله استهوت حفلات التعرية بوقاحة مخزية، ولا قناع ترتديه، فهي هكذا بشعة وقميئة منذ بدايتها، ولسان حالها، أعلى ما بموجكم اركبوه، فكأن البعض نسي أقبية "الوقائي" في القطاع المحاصر وبمشاركة مباشرة ممن فقدوا امتيازات ضرائب المعابر وعملاء زرعوا المال بديلاً عن الضمير الوطني، فجنوا شر طردة، وكأن البعض الآخر، يحسب أن تلك الدابة المسماة ديمقراطية تحت إشراف وتحكم الاحتلال، واقعة، وما هي إلا ذريعة مشوهة، تمطتيها قاذروات أوسلو ومخلفاتها على أنقاضنا جميعاً، حسب أهواء وأمزجة أمساخ. فالشراكة الوطنية لا تكون مع من خان القضية وتنازل عن 80% من أرض فلسطين، ولا تكون مع من باع فلسطيني المهاجر والتشرد واللجوء. قيادة لا قادة:العالم يتغير، وكل الشعوب تعمل بشكل جماعي منظم ضمن فرق عمل ومهام تنسيقية لخدمة قضاياها، ونحن ما زلنا نفكر بمزايا القائد الأعلى والصفوف الأولى والرموز وألقاب كفخامة رئيس دولة فلسطين، فأين الفخامة لموظف عند الاحتلال، وأين الدولة هذه التي ما زالوا بعد عقدين يروجون لها، وقد دخلت غيبوبة الموت؟!. ثم إطلاق مصطلحات لا تليق بمسؤوليات التحرير، "كالدولة العبرية" ولا فرق بينها وبين اليهودية، والخط الأخضر الوهمي والمبتدع (إسرائيلياً)، عدا استبدال أسماء يهودية لقرى ومواقع فلسطينية، وقس على ذلك تطبيع ثقافي وسياسي بلا أدنى احترام فلسطين كأرض وشعب جزء من الوطن العربي وبثقافة إسلامية متأصلة، ولو كره الكارهون، فأم الكوارث أن فلسطين ما زالت محتلة، وأن أطماع الصهاينة ليس لها حدود، وهم يسوقون لتذويب القضية بأسيد صهيوني!. القيادة التي تعمل مع كل الأطياف والتلاوين الفكرية والسياسية الوطنية المخلصة، من منطلق مفهوم المسؤولية وليس المهنة، والتي تكتسب المصداقية وانسجام القول مع الفعل على أساس مشروع التحرير الشامل، تستحق الثقة والعمل معها لأجل الصالح العام. لسنا بحاجة إلى وزارات وسجاد أحمر وبطاقات العبور الخاصة، فلا أحد منهم يجرؤ على الخروج من غرفة نومه، دون إذن الاحتلال. الشعب بحاجة إلى فريق إنقاذ القضية في غياب مشروع وطني عربي شامل، ووفق معطيات إقليمية ودولية، لن تكون القوى الحية إلا مساهمة مساندة، وليست بالتأكيد عليها الاعتماد الكلي، فالتوكل على الله بعد الإعداد والتخطيط السليم، غير التواكل وانتظار أوراق متناثرة هنا وهناك، وبالعمل الجاد خواتيم تصب بصالح قضية تحرير لا تحريف وتجديد بالعطاء، لا تجريف جذور متشبثة بالحق دون أي إنقاص لذرة واحدة من التراب الفلسطيني، أو أي مساومة لاحتواء سلالة قتلة ومجرمين، عرب أو غير عرب، فكلهم محتلون مغتصبون، وتلك السلطة آن لها أن تُدك وتُحرق، فالطاعون لا خلاص منه إلا بالكيّ، وإلا عمّ الخراب وانتشر الدمار.