بعد اعتقال دام تسع سنوات
الأسير المحرر أمين صالح / أوضاع الأسرى داخل السجون مأساوية وتحتاج إلى اهتمام أكثر
غزة – هبة كريزم
لقد انكبت الفعاليات الشعبية والرسمية في الفترة على ملف الأسرى ، الذي يعتبر من ركائز القضية الفلسطينية ومن أهم الملفات التي يجب التركيز عليها في اى مفاوضات فلسطينية إسرائيلية ، فهذا الملف الشاك الذي مركون على رف يتحدث فيه المسئولين وقتما يشئون ويهمشونه وقتما يشئون ، فلم يكن هناك اهتمام كبير به ، ولكن الذي قلب موازين هذا الملف في الفترة الأخيرة هم اهالى الأسرى في قطاع غزة ، الذين حرموا من زيارة فلذات أكبادهم لأكثر من خمسة أعوام ، مما جعل وزارة الأسرى تنشيط الفعاليات التضامنية مع الأسرى في إضراباتهم والدفاع عن حقوقهم المسلوبة ، لذلك سمى هذا العام " بعام الأسرى " بناءا على طلب وزير الأسرى محمد فرج الغول .
الأسير أمين خليل صالح والذي أفرج عنه منذ اقل من شهر ، بعد أن ا مضى فترة اعتقاله داخل السجون الإسرائيلية ، سيحدثنا عن قصته ويشرح لنا أوضاع الأسرى المؤلمة التي تخلو من الإنسانية /
سنقلب الآية في هذا التقرير ونتحدث في البداية عن المشاعر، التي سيطرت على الأسير أمين صالح بعد انتهاء فترة اعتقاله ، فيقول صالح وملامح السعادة تبدوا عليه أن الحرية مطلب لكل إنسان ، ويتمنى أن يكون بين عائلته وأحبابه ، فمن الطبيعي أن كل سنوات الاعتقال تمضى بغير حساب ، بعكس الشهر الأخير الذي يمضى كأنه دهر فيكون تفكير الأسير خارج السجن وليس بداخله ، ففي يوم إطلاق سراحي بقيت في منطقة " إيرز" لمدة 3 ساعات منها ساعة ونصف تعذيب نفسي من تفتيش ذاتي وللملابس والأغراض الشخصية ، فوضعت في غرفة معزولة من الزجاج وأنا اعرف انه يراني من خلاله ، يراقب تصرفاتي من خلال الزجاج يستنتج مدى تأثير فترة الاعتقال على نفسيتى وتصرفاتي .
ومن ثم جاء ليطرح على بعض الأسئلة انه إذا أتى إلى شخص يستشيرتى لينفذ عملية استشهادية ماذا سأجيب عليه ، فقلت له اننى لا أؤيد العمليات الاستشهادية ولست ضدها ، فقال لي أفكار مثل ما هي في السابق لم يتغير منها شيئا ، وأيضا عرض على التعامل معهم مقابل اى مطالب تلبى لي ، لكنني أجبته اننى لا أتعامل بهذه الوسائل القذرة .
واذكر اننى في محكمة شليش للحكم لربع مدة الاعتقال تحدثت للقاضية الإسرائيلية عن مدى العنصرية والتطرف التي يتبعونها مع العالم كله حتى مجتمعهم الاسرائيلى ، حيث أن في ذلك الوقت قتلت طفلة تدعى " روزا" على خلفية مشاجرات عائلية ، فحكم على القاتل بثماني أعوام سجن ، مما يدل على تخلف المجتمع .
وخلال التحقيق معي في نقطة ايرز اطلعنى ضابط الشاباك الاسرائيلى على المنطقة والمنزل اللذان اقطنهما ،فطرح على سؤال أنني ماذا سأفعل عندما أتوجه إلى قطاع غزة ، فالوضع الاقتصادي سئ للغاية ، فأجبته اننى سأكمل تعليمي الجامعي ، حتى أكون مؤهل للاستقرار فى عمل ومنزل ، فقال لي من أين ستاتى بالمصروفات ؟، فقلن له اننى أتقاضى مبلغ من وزارة الأسرى ، لكنه أجاب أن هذا الراتب لا يكفى للخبز الحاف ،فأجبته اننى لست على استعداد للدخول في خلافات أو قضايا من اجل المال ، فضابط الشاباك الذي يحقق معي على دراية كاملة بعلم النفس وينطق اللغة العربية بطلاقة .
يؤكد صالح أن قضية الأسرى لا تكمن في المأكل والمشرب ، لكن مشاكلهم تكمن أنهم أسرى حرب في القانون الدولي ، فالقانون ينص على " أن أسير الحرب يسجن لمدة سبعة أعوام ومن ثم يطلق سراحه " ،فالانجازات التي يحققها الأسرى داخل السجون يدفعون مقابلها الدماء والجهد المتواصل من اجل تحقيقها ، فالإضرابات الأخيرة جاءت احتجاجا على منع الزيارات من قبل الاهالى للأسرى .
فالاهالى في قطاع غزة ممنوعون من الزيارات منذ ستة أعوام ، أما في الضفة الغربية كان يمنح للاهالى تصاريح زيارة لمدة ستة أشهر ، فعدم رؤية الأسير لأهله يخلق له معاناة، بالإضافة أن هناك اهالى ممنوعون امنيا حيث يقال للأسير " انك لست ممنوع من الزيارة ، ولكن أمك أو والدك أو أخوك ممنوع امنيا .
أيضا مشكلة التفتيش من قبل جنود الاحتلال للاهالى على الحواجز العسكرية في الضفة الغربية ، فهناك قانون السجون الإسرائيلية أن الأسير الذي لا يرى أهله ، يحق له أن يتحدث عبر التلفون مرة واحدة شهريا للاطمئنان عليهم ، لكنهم لا يلتزمون به حيث لايتم التحدث عبر التلفون مرة واحدة في العام كله .
مشكلة أخرى تكمن في الإهمال الطبي للأسرى ، فنحن نطالب جمعية أطباء بلا حدود لزيارة الأسرى وتقيم أوضاعهم الصحية ، فهناك اسري مصابون بشظايا في الرأس تحدث لديهم غيبوبة نتيجة هذه الإصابات ، وهناك أسرى يعانون من أمراض مزمنة يحتاجون للرعاية دائما ، إلا أن إدارة السجون تهملهم إلى أن يصلوا إلى أقصى حالات الإحراج ، فاذكر انه في عام 2008 عندما كنت أمارس الرياضة حدثت لدى إصابة ، فبرزت لدى عظمة الرقبة بصورة واضحة جدا ، فطالب برؤية الطبيب ولكن بعد 7اشهر عرض على الطبيب لوصف العلاج اللازم لي .
فالجميع يتحدث عن مؤسسة الصليب الأحمر الدولي ، ولكن بالرغم من الاسم الضخم التي تتمتع بها هذه المؤسسة ، ولكن دورها يكمن كوسيط في الأمور الشخصية للأسرى ، فكل ستة أشهر توصل لنا مطالب شخصية لنا .
بالإضافة إلى مشكلة التفتيش الليلي للغرف ، فهذه المشكلة لها ظروفها الخاصة عندما يتواجد من 30-40 أسير في غرفة لا تتعدى السبعة أمتار ، يتعمد الجيش الاسرائيلى إفزاعنا على أصوات عالية وتخريب للغرفة ، هدفها عدم الشعور بالاستقرار والحجج التي يتبعونها لممارسة هذا الأسلوب البحث عن تلفونات أو جوالات مخبأة في الغرفة ، والتأكد من عدم وجود جلسات علمية ثقافية .
والتفتيش العاري للأسرى أنفسهم مع الضرب والتقيد حتى يوصلوا الأسير إلى مرحلة الانتحار .
ناهيك عن قصة العقوبات الجماعية برش الغاز ،العزل في غرفة منفردة ، عدم السماح بالزيارات للسجون لمدة شهرين ، ودفع الغرامات المالية فعلى سبيل المثال " عندما يجدون سلك نحاس لجلب ترددات الإذاعة يتم دفع 250 شيكل ، عدم السماح بممارسة الرياضة ، تكسير الغرف وسحب الأجهزة الكهربائية ، بالرغم أن هذه الأجهزة أدخلت إلى السجون بطريق دماء هؤلاء الأسرى ، ولأنها غير مثبتة في محاكم رسمية ، عندما تتم المعاقبة تسحب هذه الأجهزة ، ومتابعة القنوات الفضائية تدفع لها غرامة مالية .
غلاء أسعار " الكنتين " كما يطلق عليه الأسرى ، فالشركة التي توزع البضائع الإسرائيلية على السجون تطرحها بأسعار غالية جدا ، وهذا يكلف الأسير أكثر من طاقته ، بسبب سوء التغذية الذي تتبعه إدارة السجون ، التي تدفع بالأسير للشراء من الكنتين .
مواد التنظيف التي تحتاجها السجون كانت تزويدها بها دائما وبشكل مستمر ، ولكنها بعد ذلك توقفت وتم تعويضها في الكنتين لزيادة العبا على الأسير ، مما يشعره بالثقل على مجتمعه وعائلته .
بالإضافة إلى سوء المعاملة إدارة السجون ، فبصراحة موضوع الانقسام الفلسطيني اثر علينا كاسري داخل السجون ، فاكبر السجون الإسرائيلية ( نفحة ، رومل ، النقب ) يحتوى على ما يقارب 350 أسير فلسطيني ، حدثت فيها مشكلات بسبب الانقسام ، وهذه المشكلات أدت إلى شل حركة الأسير والمؤسسات والدور الذي تلعبه في تقديم الخدمات ، فالأسرى غير قادرين على تبنى موقف فلسطيني موحد يحمل معنى النضال بشكل كامل، للأسف الشديد لا يوجد وعى سياسي لتبنى موقف موحد ، فبعد هذه الخلافات إن تم الاتفاق لن توافق إدارة السجون تجميع الأسرى بمختلف تنظيماتهم تحت سقف واحد .
وعن قضاء الأسرى لأوقات فراغهم يوضح صالح أن الأسرى يقدمون الثانوية العامة داخل السجون ولكنها في الوقت الحالي توقفت ، ممارسة الرياضة ، المطالعة الذاتية ، الجلسات العلمية والثقافية حسب الوقت إما في الصباح أو المساء ، قراءة الكتب الدينية والفقه ، يدرسون دراسات عليا كالماجستير والدكتوراه ، الاحتفال في المناسبات الوطنية والدينية .
وبالرجوع إلى قصة الاعتقال يقول صالح أنه كان يعمل في مدينة بئر السبع منذ مدة طويلة ، وفى يوم كنت أنام فوق سطح الغرفة التي أبيت بها ، فاستيقظت فجأة على صوت ينادى على والمنطقة محاصرة بالجيش الاسرائيلى ، فنزلت من فوق السطح واقتادوني إلى منزل مهجور تم استجوابي من الساعة 3,30 إلى الساعة 8 صباحا ، ووجهوا إلى عدة تهم ملفقة اننى كنت انوي تفجير مطار ، حيازتي لسيارة مفخخة وحزام ناسف .
وظلت قوات الجيش تحاصر المنطقة التي اقتدوانى منها لمدة ثلاثة أيام ، وتفتيش للبيوت ، وتهديد وتفتيش لصاحب المنزل الذي كنت متواجد عنده ليقدم اعترافاته لهم .
وقد تعرضت للتحقيق في غرفة رمادية اللون في المسكوبية لمدة 55 يوم ، فهم يستشيرون علماء النفس في أفضل الطرق التي تؤثر على نفسية المعتقل ، فيختارون اللون الرمادي في طلاء غرف التحقيق والعزل الانفرادي ، بالإضافة إلى الضرب والشبح والتعذيب النفسي ، وخلال التحقيق يكون متواجد لدى ضابط الشاباك الملف كامل بالمعلومات عن الأسير .
وتأتى بعد ذلك مرحلة دخول السجن فأنت كمعتقل جديد تعرض عليك قوانين السجن ، ومن ثم قوانين الفصائل الفلسطينية ، فهناك قانون يحكم كل فصيل سياسي يجب الالتزام والتقيد به ، وبعدها يتم عرض قائمة الممنوعات من قبل إدارة التنظيم يمكن التعديل عليها أحيانا ، لكن قوانين السجن غير قابلة للتعديل بتاتا .
واذكر اننى حكمت بعد عام كامل من الاعتقال ، والسبب في ذلك عدم توجيه تهمة حقيقة لي .
أما مطالب الأسرى التي نقلها صالح على لسانهم فتكمن في المساعدة بتفعيل الزيارات لاهالى اسري غزة الممنوعون امنيا ، إنهاء ظاهرة التفتيش على الحواجز للاهالى في الضفة الغربية .
تحسين جودة الطعام والشراب ، والاهتمام أكثر بالجانب الطبي للأسرى من قبل مؤسسات طبية دولية ، الجرد للملابس كل ستة أشهر فاسري غزة لا يبدلون ماركات الملابس أو ألوانها " الكابوى " .
كما وجه صالح كلمة لجميع الفصائل بأنه يطالب بحرية الأسرى وان يأخذ هذا الملف حقه في المفاوضات الفلسطينية ولدى الفصائل الفلسطينية .
وعلى الجامعة العربية أن تضع لجنة لتثبيت إنجازات الأسرى وتثبت محكومياتهم ، كما وطالب بضرورة الوحدة الوطنية ، حيث أن الانقسام اثر على القضية الفلسطينية والمجتمع ، والدعم الكامل للأسرى ، ضرورة إعادة بناء وإصلاح صياغة برنامج سياسي لكافة الفصائل الفلسطينية .
مشوارنا طويل واهم مرحلة فيه هي المرحلة الحالية ، فلابد من توحيد الصف الفلسطيني لتخطى العقبات المتواجدة في طريق القضية الفلسطينية ، فالمفاوضات تعيسة وعنصر الوحدة في المفاوضات له تأثير ايجابي ، فتبنيه على أساس القضية وليس على أساس المصالح الشخصية ، فوطننا فلسطين اكبر من خلافاتنا البسيطة .