ندوة تفتح نافذة للحوار حول الشاعر سعيد عقل العبقري وسقطاته الفاشية


فطرت بعض النخب العربية على النفاق حتى صار نهجا يهدد ذاكرتنا ويخلط اوراق قيمنا واداة ديماغوجية للتبرير والانتقاء تحيل الحق باطلا والباطل حقا. في مصر دافع ويدافع مثقفون عن حملة بونابرت بتمييز “جانبها العسكري السيء عن جانبها العلمي الجيد”, وذلك رغم انكشاف “اسرار” الحملة واعلان قائدها انه لم يات الى بلاد النيل بحملتين علمية وعسكرية، وانما بحملة واحدة لتاسيس مستعمرة تكون قاعدة لقطع طريق الهند الشرقية على بريطانيا وان الوسائل العلمية في الحملة كانت مكرسة لاخضاع العرب علميا بعد اخضاعهم عسكريا. هذا النفاق الانتقائي ربما أ وحى ل لليمين الفرنسي عام 2005 قانونا لتمجيد الاستعمار وبالتالي الزعم انه حمل فوائد مدنية للمستعمرين “بفتح الميم”، ومن حسن الحظ ان انتفاضة جزائرية عارمة لوحت بمليون ونصف المليون شهيد قد حملت الفرنسيين على التراجع عن مشروع القانون.
اقول هذا الكلام على هامش تكريم الشاعر اللبناني سعيد عقل اثر وفاته الاسبوع الماضي والدعوة للفصل بين عنصريته الصريحة وشعره. بكلام اخر يجوز بحسب المكرمين ( بكسر الميم) ان تعذر جمالية الشعر عنصرية الشاعر وحقده وحثه على الابادة الجماعية. ولعل هذه الانتقائية اشبه بان يعفو قاض عن مجرم لانه عازف بيانو جيد او ناظم اشعار جميلة او يرتدي بدلة ارماني انيقة في حين تدان الجريمة نفسها باعدام مرتكبها ان تعذر منافقون يمدونه بالتلفيق المناسب. هذا في بلداننا اما في الغرب وبخاصة في المانيا فمن الصعب على شاعر يمجد النازية ان يبقى خارج السجن ولن يجرؤ احد على امتداح شعره ولن تنشر كبريات الصحف نصوصه ؟ ولن يحظى فاشي ايطالي بالتكريم لمجرد تمجيد ايطاليا وكتابة اشعار جميلة في لغتها وتراكيبها؟ الم يقتل الشاعر الشاب فيديركو غارسيا لوركا في اسبانيا لانه رفض فاشية فرانكو؟
في الغرب يصنفون العنصرية ك “افة” لا يجوز الاقتراب منها ولا يجوز جمعها مع اية قيمة جميلة وغير جديرة بالقياس بمعايير الابداع المختلفة . ذلك ان الشعر ليس كفارة للعنصرية ولا لاية جريمة اخرى وهذا يصح على سعيد عقل وعلى غيره بل يعني الشاعر اللبناني الراحل لتوه اكثر من غيره.
ان سيل افعال التفضيل والمبالغة الجمالية الذي انتشر حول عقل بعيد موته مثير للريبة. فقد قيل عنه في صحف تدعي الدفاع عن المقاومة اللبنانية انه ” كريستال الصالون… ايقظ اللغة كما يفعل الحبيب الساهر على حلوته النائمة… اناقته لا تضاهى… قطعة الزمرد… لم يلتو له غصن… الانيق المغناج… ترهبن للجمال… ” هذه الصور هي غيض من فيض ما قيل في الشاعر الراحل، وقد وصل القول الى حد اتهام العرب باهماله بحسب طلال حيدر “.. لو كان هناك عالم عربي حقيقي لاعلن الحداد عليه ” اي على سعيد عقل الذي قال عن شعره باللغة العربية الفصحى “”… شعري العربي الفصيح كرخانة اقفلتها نهائيا” ( جريدة السفير 3 9 1994 ) والمقصود بالكرخانة بيت الدعارة… وفي الصحيفة نفسها يضيف: “…اللغة العربية يجب ان تزول…كلمة ان اللبناني عربي يجب ان تزول… المتنبي شو هالبضاعة أي المتنبي تافه “…ويضيق المجال لشتائم سعيد عقل ضد العرب والثقافة والحضارة العربية .. ومع ذلك ثمة من يجرؤ على لوم العرب لانهم لم يعلنوا الحداد عليه اي على من لعنهم ودعا الى دفن لسانهم والذي اختار العداء للغتهم عندما حرر جريدته بالحرف اللاتيني وبالمحكية اللبنانية.
وان كان عداء الشاعر الراحل للغة والحضارة العربية موصوفاً فان عنصريته ضد الفلسطينيين يمكن تصنيفها في خانة الجرائم ضد الانسانية. فقد عبر حقد عرقي على الفلسطينيين في فترة مبكرة وقبل ان تنطلق مقاومتهم المسلحة ضد اسرائيل من جنوب لبنان في العام 1969 اذ أكد في محاضرة في دار “الندوة اللبنانية” في 1 اذار عام 1954 “… ان الفلسطينيين يشكلون خطرا صحيا على اللبنانيين … انهم مصدر للتلوث الصحي للبنانيين بسبب امراضهم “. وكان، بالتالي، من الطبيعي ان يمجد قتلهم فيما بعد “… لقد ابدع اولادنا في صبرا وشاتيلا وعليهم ان يكملوا ..” بحسب مانشيت جريدة “لبنان” 17 كانون الاول 1982 . وفي مكان اخر يقول ” .. لبنان يتسع ل 940 الف قبر فلسطيني ” بحسب جريدة “الاحرار” في 5 10 1981 ..ثم يتابع “.. انا مع الشاب الذي يريد ان يقتل فلسطيني… انا بدي اقتل الفلسطيني. بدي العن ابوه … اللي بده يلفظ قضية فلسطين بدي فك رقبته …”. وعن المقاومة اللبنانية ضد الاحتلال الاسرائيلي يفصح “”.. سعيد عقل يكون جبانا اذا انخرط مع الجبناء الذين يريدون مقاتلة اسرائيل” بحسب مجلة “الشراع″ في 28 1 1985 وذلك لان ” الجيش الاسرائيلي عم يخلصنا من هالوسخة الفلسطينية… “. يفيد ما سبق ان الرجل كان فخورا بعنصريته ورفض الاعتذار عنها طيلة حياته بل اعتذر عن شعره العربي الفصيح معتبرا ان ابداعه هو استمرار لمفاهيمه العنصرية بوسيلة ادبية .هذا هو الشاعر الذي كان ” على العالم العربي ان يعلن الحداد عليه “
هذا هو “كريستال الصالون… والانيق المغناج… وقطعة الزمرد… والغصن الذي ما التوى …والاناقة التي لا تضاهى… والذي ايقظ اللغة كحبيب يوقظ حلوته النائمة … والمترهبن للجمال “
في الحدائق العنصرية والفاشية والنازية تروى النباتات بدماء الضحايا والامهم وصراخهم. وفي “حديقة” سعيد عقل، نبتت شقائق النعمان على دم طفل فلسطيني قتله شعار ” ادفع دولارا تقتل فلسطينيا” وعلى دموع امراة لبنانية فقيرة ذبحت ميليشيا الشاعر عائلتها في صبرا وشاتيلا.
تلك هي حديقة سعيد عقل العنصرية المهولة كما ارادها وكان صادقا وفخورا بالدفاع عنها. اما جمل المؤلين والمداحين فهي تعيب اصحابها بل لعلها تضير الغائب في مرقده الاخير .
فيصل جلول / كاتب لبناني