الطريق ُ إلى جهنم..../هدية لعباد شهر رمضان
وكل رمضان وانتم بالف خير
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

كان َ الليل ُ بهيما ً مخيفا ً,في تلك الليلة الموحشة ِ الغبراء,وفضوله ُ الكبير يأكلُ قلبه الغض ِّالرقيق,كان بحجم ِ القهر الذي يحمله يدفعه بقوة لدق كل الأبواب,كان يحث الخطى محموما ً متلهفا ً لمعرفة آخر الدرب , والذي وضعه القدر فيه ولا غير.. فالنهايات رؤية جديدة لمعنى المسير,كل ُّ الضفاف ِ كانت خضراء كلها, لكنها بعيدة المنال وبعيدة عنه كثيراً , وهوة ٌ سحيقة تفصله عنها...خياراته كانت تضيق كلما استمر في الدرب وكأن نبعا ً ما بدأ ينضب.. , وكأن ذخيرته من الصبر تنفد!كلما اقترب للنهاية,كانت قدماه قد تورمتا من هذا المسير الشاق المتعثر,كان شاقا جدا وأكثر, يأكل ُ من قلبه الحزين..إلى متى يبقى قلقا وهواجس النجاح تجتاح عقله وأفكاره...؟؟!!هل كل من رافقه الدرب مثله؟
كان قد ملأ جعبته ببعض إيمان,.. تلقفه من الأجداد والكتاب القرآن وبعض النصائح المتناثرة, لم يوفر جهدا ً في تخزينها وكسل عن مراجعتها! لكنها معه بكل الأحوال..هذا يكفيه تماما.
تراءت له صوراً جميلة وهو سائر تغشاه موجات الذكريات المرة ِ بكل تفاصيلها , يبتسم حزينا ً لفقدانها لكأنها غدت أرشيفا ً فقط و في تلك الجعبة المتهالكة.
كان حبا ً جارفا ً محموما ذاك الهاجع في العمق,ً والحفر ُ من حوله كثيرة, تكاد تدفعه للأعمق فأبى أن يكون من سكان الحفر ...
دوت ْ في أذنيه نصائح ُ والده فجأة:
-احذر الشوك يا بني: الشراكة والوكالة والكفالة..
-نعم أعرف ورغم هذا وقعت وقعت يا أبي...وقعت ..بكى بحرقة كالطفل الصغير ..
توقف صوت أبيه فجأة فعرف أنه صادر من جعبته الحزينة...أحكم قفلها بقوة وكأنه يسكت صوت الضمير..
مضى من جديد ٍ يبحث عن ذاته التائهة ...
لقد ضاع منه مفتاح ُ الوصول ِ ويجب أن يجده في ركن ما....يجب أن يفهم أولا ثم يمضي ثانيا, كي يفهم كل شيء ..
وتراءت ْ له تلك الحسناء التي تاه هياما ً بها حتى الإشباع! ولم تكن يوما ً ما له!
وغاصت إحدى قدميه ِ في وحل أسود ٍ مقرف حد الإقياء...وبات نزعها أصعب من دخولها..
فأن يمضي نظيفا طاهرا خير له من تلك المزبلة ِ النتنة ...حاول.. ثم حاول وهو ينادي:
-يا الله...يا الله..يا الله...أنقذني يا الله..
-يا رب لا تنس إخلاصي لعائلتي...محبتي لوالدي..صمتي وإحجامي عن رد الصاع صاعين..قد كنت ألجؤ إليك وأشكو إليك همي...
خرجت قدمه بعد ألم فظيع تأوه بحرقة من هذا فعادت بيضاء كأختها!!..
أمسك بمحفظته الثقيلة جداً , ومضى من جديد ٍ والدرب ُ مازال َ طويلا ً جدا ً ..
******


قد فاضت العين دمعا ً من ريح ٍ هبت من الشرق حارقة حارة تأتي على ما بقي من صبر في فؤاده , لكن أحدا ً ما لن يمسك بيده للوصول , ولم يسمعه ,هذا أمرٌ طبيعي ولو كان.. فسيكون لمصلحة ما حتما ًقرر من جديد أن يمضي وحده مهما كثر الرفاق في الدرب,يا للهول يا للويل والثبور عالم بشع جدا هذا الذي يتراءى له..


أمسكت سيدة جميلة و وقورة به مصرة على أن تجتاز به الشط البعيد...ودون استئذان!! فأفلت منها بدهشة ٍ عظيمة ٍ! وقد تذكر قول أمه:
-لا تقبل مساعدة أحد على أعمال يمكنك القيام بها وحدك...
تلك المحفظة خزينة الآلام والذكريات كيف تصدح ُ وتثرثر دون استئذان!
أمسكت بيده من جديد ودفعته للشط الآخر عنوة...وقالت :
لن تستطيع َ إكمال الطريق دون مفتاحي وضحكت ساخرة ً...
نظر إلى الوراء ثم نظر للأمام..أي مفتاح ؟!
-هل تقبل الثمن أم ستعارك الصخر؟إني أنصحك...
أشاح عن روحه ِ نداءها ومضى غير مكترث وصوتها يجلجل في الآفاق مخيفا مرعبا مثيرا للتوجس والريبة!مؤكد هو يحلم..نعم يحلم ..
وقع في حفرة عميقة فأوجعته قدمه من جديد..
فقرر و لو بقي دهرا أن يخرج وحده من مأزقه...
بكى كثيراً ...صمت أكثر.. وحاول َ أكثر..وصوت والدته يدوي في أذنه بعد أن خفت َ صوت ُ تلك الحسناء المخيفة...
لم يصدق فعلا ً أنه خرج!!
وكلمة يا الله لا تغب عن فيه أبدا...
نظرَ في ثيابه وفي نفسه فوجدها بأحسن حال!! عجبا ً لهذا الأمر!
مضى مصرا عنيدا بغية الوصول لشط الأمان..
لكن قلبه كان ينتفض بقوة خائفا ً من هذا الليل البهيم الحالك السواد...
هطلت في قلبه أمطارا بيضاء فجلس يصلي ملتجأ إلى رب العباد..
-يا رب أعني بما بقي لي من عمر ,على إتمام المشوار.
قد اخذ منه الخوف كل مأخذ..ولم يعد شيئا لديه مضمونا أبدا أمام تلك المفاجآت غير السارة.
باغته مخلوق ٌ غريب مخيف , يحاول انتزاع َ حقيبته المتهالكة وهو يلملمها بقوة...ففوجئ بقوة ٍ هائجة ٍ في جسده المتعب ,زرعت القوة في بدنه,ليدافع عن نفسه , بكل قوة وعنف! ..وأمه تصرخ:
-اعتمد على نفسك َ واجه متاعبك وحدك..حل مشاكلك إن أمكن بنفسك ..لن يشعر بك أحد بقوة غيرك...

صرخ َ بأعلى صوته ِ مناديا لها, .. متعبا لاهثا,مرغما باكيا ً خائفا ً, فجراحه تنزف حد الموت..والوحش ُ لا ينفك عنه يريد نزع روحه,..لتظهر الحسناء َ في الأفق تضحك ُ منه بسخرية...
زاده ُ الأمر إصرارا أمام تلك الجنية الحسناء التي حاول بمرارة الانفكاك عنها وعن جمالها الأخاذ...
خرج َ متهالكا ً أكثر,من عتمة الدرب الأسود, لتصمت َ وتخرس تلك الماكرة الخاسرة..
وهو يردد بأعلى صوته:
- يا لله يا الله يا الله...
انجلى الصبح ...وظهرَ الطريق ُ ودماؤه النازفة ملئت جميعه لكنه ُ أحس بمشاعر الشفاء!,
لم يكن قد بقي من مخزون ِ الماء الكثير...لكنه عرف درب المسير أخيرا...
وعرف أكثر..أنه قد ابتعد عن طريق جهنم بكثير من الخطوات...


أم فراس 1-8-2010