وداعا أبو علي...
على جدار ذكرى الدكتور احمد علي المخالي الخوالدة..
بقلم :عاقل محمد الخوالدة
وهكذا ينقطع خيط الحرير الأبيض من العمر...
ويغيب وجه العصامية كلها من بلدتي...
وترتد أصداء الصوت الغائب عنا في غابة من الأرجوان ..يرتجع بالتسبيح والتهليل وذكر الله نور السماوات والأرض..
وترتحل القصائد الجميلة كلها التي كنت اقرأها لك ،وتستفيق في أوراق دفاتري تحدياتك للمرض الذي صارعته بكل شراسة وعنفوان،ولم ترضخ ،،ولم تبالي بما قلنا وقالوا ،وغلبت المرض إذ صبرت عليه صبر البيداء على المطر ،وجاء أمر الله فوق كل الأوامر وانتثر القانون الدولي الذي كنا نتبادل أطراف الحديث عنه بينما يستغرب الجالسون إلينا ما نتحدث فيه أمام قانون السماء.
أبا علي..
تغيب عنا ولا تغيب الذكريات ،والأمنيات ،ولكن تنجرح السعادة كلما نتذكرك ولا يمكن أن نراها لولا أنها تعود بابتسامة البراءة التي ترتسم على وجه (نجم ولوتس) ويعرف معناها ليل مقمر على (برندة) أهلي في الجبل الأخضر،تغيب اليد ولا يغيب الملمس ولا تكف أجراس فناجين القهوة التي كنتَ تحبها من يدي عندما اجعلها تختبط بالدلة لتحدث الصوت الذي تحبه أنت ،تغيب الوجوه ولا تغيب الذكريات ،لأبنائك (علي وعبود،،،وفادي) القابضين على جمر التواضع والمحبة والكفاح لأجل العلم من وراء البحار..
تغفو وترتاح ويبقى صخب الكتابة والقراءة في خاطري يجول بلا انتهاء،ومجلدات المجموعة العربية والمعربة من كتابات جبران خليل جبران التي أهديتها لك وقد أحضرتها من دمشق ،تراوح على الرفّ تمسحها مناديل الرقي والذوق الرفيع..
سيدي
أتيتُ مشيّعا متراخي الجسد كأنني أسير إلى الجنازة بلا روح ،أطالع الوجوه بحثا عن حاسدٍ ماقتٍ أو عدوّ شامتٍ فلم أجدْ ، ابحث عمن لك عليه حق لأطلبه أن يسامحك فلم أجد ، ابحث عن رجل من أبناء بلدتك لا يظهر الحزن والوجد عليه لفراقك فلا أجد ،أقف وانظر إلى الليل الذي تحبه وقد دفنت فيه ..لعل الليل اقرب من النهار إلى السماء،لعل الليل اقرب من النهار إلى الروح والسكينة ،أتينا نشيعك في جوف ليلة صاخبة بالغبار سرعان ما تحول صخبها إلى هدوء تحف فيه آلاف الأقدام فبور آبائنا وأجدادنا الساجدين في جوف هذا الليل ،الشاهدين أن لا بقاء إلا لله..
سيدي،،
طال انتظاري بعيدا عن قبرك وقد راح الناس يبعدون ،بقيت انتظر فرصة أن أقف عند رأسك وأقول ،،ما اشاء أن أقول ،،إني مصرّ على البقاء وأن أكون آخر من يكون ..
وجدت مثلي مئات ومئات ينتظرون كما انتظر ،بدأوا بالذهاب ،بقي منهم اثنان ،،عدت إليهم ..ها قد وقفوا يقرأون الفاتحة ،اقتربت من القبر وقرأت الفاتحة ودعوت ،،كنت أصارع هذا الماء المحترق في عيوني فانا أمتلك على ما أظن قلبا كالبحر في سعته وكالصخر في تماسكه،عاد الرجلان إلى القبر ومددت يدي إلى التراب الرطب ومسحت يدي به ثم قمت واستدرت وذهبت نحو الجنوب،، نحو مخرج المقبرة ،،،،مشيت عشرا من الخطوات،،، لكنني استدرت إليك ثانية وقد تفجرت عيني بالدموع وصار القلب الصخري رمادا ذرته ريح الشمال ..وقفت وقد رفعت يدي باستحياء وقلت (أودعتك الله يابو علي)..
ثم مضيت إلى الباب الجنوبي....