أهم نظريات الحجاج المعاصرة الأستاذة سليمة محفوظي
عرف الحجاج في العصر الحديث مفهوما أدق، وأوضح، وأعمق من المفاهيم السّابقة "ذلك أن الحجاج قد أخذ شيئا في الاستواء مبحثا فلسفيا، ولغويا قائم الذّات.. مستقلا عن صناعة الجدل من ناحية وعن صناعة الخطابة من ناحية ثانية " ( )فقد عرف عدّة توجهات، فهناك نظريات حجاجيّة عديدة بعضها ينتمي إلى البلاغة وبعضها ينتمي إلى المنطق وهناك أيضا من عالجه من منظور لساني، وقبل التّعرض للنظريات الثلاث نورد أقوالا( )لعلماء غربييّن آخرين حول مفهومهم للحجاج فمثلا ريك وسيلارزSillais وRick يقدّمانه على أنّه "عمليّة عرض دعاوى تتعارض فيها الآراء، مدعومة بالعلل، والدّعامات المناسبة، بغية الحصول على الموالاة لإحدى تلك الدعاوى" أما الحجاج عند شفرينSchiffrin فهو "جنس من الخطاب تبنى فيه جهود الأفراد عامة مواقفهم الخاصة، في الوقت نفسه الذي ينقضون فيه دعامة خصومهم" فالحجاج بهذا المعنى يساوي تماما الجدل عند أرسطو، كما أنّه جنس من الخطاب. وأما عند هانمان وفيفجرWolfgang-Heinemann –Veihwegrفالحجاج عملية اتصاليّة، وهي كلّ ضرب من ضروب عرض البرهان الذي يعلّل الفرضيات والدّوافع والاهتمامات" ( ) نفهم مما سبق أن الحجاج عملية بحث حضور طرفي الاتصال أساسي، كما أنّه نوع خاص من أنواع الخطاب
1- الحجاج() عند برلمان وتيتكاه
يعتبر كتاب Traité de l’argumentation: La nouvelle rhétorique من أهمّ الكتب المصنّفة في الحجاج حديثا، ظهر عام 1958 ، لاقى نجاحا كبيرا نظرا لمحاولات التّجديد الجادّة الموجودة بين ثنياه "لم ينطلق المؤلفان من العدم، بل اهتما كثيرا بمجهود أرسطو، وبالتّطورات التّاريخيّة لمفاهيم الخطابة والجدل والحجاج وكانت غايتهما في النّهاية إخراج حجاج قائم بذاته له مميّزاته وأهدافه. وقد "عملا من ناحية أولى على تخليص الحجاج من التّهمة اللائطة بأصل نسبه وهو الخطابة، وهذه التّهمة هي تهمة المغالطة والمناورة والتّلاعب بعواطف الجمهوروبعقله أيضا ودفعه دفعا إلى القبول باعتباطية الأحكام ولا معقوليتها.وعمل الباحثان من جهة ثانية على تخليص الحجاج من صرامة الاستدلال الذي يجعل المخاطب به في وضع ضرورة وخضوع واستلاب.فالحجاج عندهما معقوليّة وحريّة وهو حوار من أجل الوفاق بين الأطراف المتجاورة ومن أجل حصول التّسليم برأي آخر بعيدا عن الاعتباطية واللامعقوليّة اللذيّن يطبعان الخطابة عادة وبعيدا عن الإلزام والاضطرار اللذيّن يطبعان الجدل ... "( )
الحجاج المقصود عند ببرلمان وتيتكاه هو المسمى LA NOUVELLE RHETORIQUE والذي ترجمه عبد الله صولة مثلا بالخطابة الجديدة، وصلاح فضل بالبلاغة الجديدة يعرّف المؤلفان موضوع نظريّة الحجاج بقولهما: "موضوع الحجاج هو درس تقنيات الخطاب التّي من شأنها أن تؤدي بالأذهان إلى التّسليم بما يعرض عليها من أطروحات أو أن تزيد في درجة ذلك التّسليم" ( )والغاية التّي يسعى المؤلفان تحقيقها من خلال هده الدّراسة "أن يجعل العقول تذعن لما يطرح عليها أو تزيد في درجة ذلك الإذعان فأنجح الحجاج ما وفق في جعل حدّة الإذعان تقوى درجتها لدى السّامعين بشكل يبعثهم على العمل المطلوب أو هو ما وفّق على الأقل في جعل السّامعين مهيّئين لذلك العمل في اللّحظة المناسبة".( )
يبدو أن ببرلمان وتيتكاه قاما بعملية استقراء للوصول إلى أهمّ خصائص الحجاج الذي كان سائدا قبلهما فوجدا: "أن الحجاج عند بعض الفلاسفة ومنهم باسكال حجاجان، الحجاج الأول قوامه العقل، وهو حجاج فيلسوف يتوجّه به إلى جمهور ضيّق، يرمي من ورائه إلى إسكات صوت الهوى فيه وإلى جعل العقل قوام الاستدلال، فهو حجاج لا شخصي ولا زمني، والحجاج الثّاني يقصد دغدغة العواطف، وإثارة الأهواء، استنفارا لإرادة جمهور السّامعين ودفعها إلى العمل المرجو إنجازه مهما تكن الطّرق الموصلة للإقناع بذلك العمل غير معقولة وغير منطقية " (
يطابق هذا كما أرى تماما ما خلص إليه مصطفى ناصف بخصوص تاريخ البلاغة العربية القديمة، والهدف من ذلك الحجاج إمّا الإقناع la persuasionأو الاستدلالLa démonstration وأما الهدف الذّي يرومه برلمان وتيتكاه فهو الإقناع Coviction، والذّي يقع في منطقة وسطى بين السّابقين.
الاقتناع عند شانيه هو " أن الإنسان في حالة الاقتناع يكون قد أقنع نفسه بواسطة أفكاره الخاصّةأمّا في حالة الإقناع فإن الغير هم الذين يقنعونه دائما "( ) ولهذا الهدف يقول الباحثان: "إن الحجاج غير الملزم Non CONTRAIGNANT(إشارة إلى الاستدلال)، وغير اعتباطي (إشارة إلى الإقناع) هو وحده الكفيل بأن يحقّق الحرية الإنسانيّة من حيث هي ممارسة لاختيار عاقل، فأن تكون الحرية تسليما إلزاميّا بنظام طبيعي معطى سلفا معناه انعدام كل إمكان للاختيار، فإذا لم تكن ممارسة الحرية مبنيّة على العقل، فإن كلّ اختيار يكون ضربا من الخور، ويستحيل إلى حكم اعتباطي يسبح في فراغ فكري "( )فالحجاج عندهما يعني الرّغبة في عدم اللّجوء إلى القوة في تغييّر أو تبديل آراء الآخر. بل يقوم على الاعتراف به وبأفكاره، ومحاولة تعديلها عن طريق مخاطبة قدراته العقليّة، وحريّته في الحكملذلك أي قرارات أو نتائج تظهر على الآخر لم تأت بهده الطريقة يعتبرانها نوعا من العنف الفكريوهذا يرفضانه تماما.
من الأفكار الجادّة عند ببرلمان وتيتكاه علاقة الحجاج بالخطابة والجدل، وهما لا يخرجان عما أورده أرسطو بخصوص أن موضوع الحجاج "يدور حيث يكون خلاف، أو يشكّ في صحّة فكرة ما أو ... ولنا أن نشير بداية أن روبول يميز خطابة أرسطو وجدله "فالجدل لعبة نظريّة أما الخطابة فليست لعبة ، إنها وسيلة عمل اجتماعي " ( )
عندما قسّم أرسطو الخطابة إلى ثلاثة أنواع، المشاجريّة، المشاوريّة، والتّثبيتيّة حافظ من جاء بعده على هذا التّقسيم، ولكن برلمان وتيتكاه يعتقدان أن هذا التّقسيم شتّت شمل الخطابة ووزّعها على علوم تتجاذب كلّ واحدة منها طرفا

النّوع المشاوري اختصت به الفلسفة
النّوع المشاجري كان من نصيب الجدل
النّوع التّثبيتي خلص إلى الأدب ( )
وبالتّالي كان وكدهما جمع شتات الخطابة ، بالتّأكيد على أنّ النّوع التّثبيتي هو واسطة الرّبط بين النّوعيّن الآخريّن، لتحقيق الاقتناع، فهدا النّوع يزيد من درجة القبول لبعض القيّم الجميلة، وهو يستعين بكلّ المشاكل التي يوفرها الأدب لكن يضخّم من تلك القيّم ويعظّمها، فهو إذن المحطّة الأولى في إنشاء الاستعداد للعملLa creation d’unecertaine disposition à l’actionوبالمقابل يعمل النّوعان الآخران المشاوري والمشاجري على الانتهاء إلى العمل أو إنشائه، فالأول يمثل التّهيئة التّي لابدّ منها لكي يكون قادريّن على تحقيق هدفهما لنخلص إلى أن الحجاج عندها خلق للاقتناع، وعملا في ضوء ذلك الاقتناع جامعيّن بين الأجزاء الثّلاثة لتولد الخطابة الجديدة.
يركّز المؤلفان على أن نظريّة الحجاج عندهما أقرب للخطابة منها إلى الجدل "فالغاية من تقريبنا بين الحجاج والخطابة أن نلح على أنّه لا حجاج دون وجود جمهور يرمي الخطاب إلى جعله يقتنع ويصادق على ما يعرض عليه"( ) ولكن هذا لا يعني أنّه هوا لخطابة نفسها، بل بينهما فروق نجملها في الجدول التّالي
الخطابةla rhétorique الحجاجla nouvelle rhétorique
1- فنّ الكلام المقنع للجمهور،فهي إذن شفويّة

2- الجمهور واسع مباشر








3- الجمهور مضغوط عليه فكريّا، ليس لديه حريّة الاختيار(عنف فكري)
4- الشّكل هو الأساس( طريقة العرض)


1- تقنيات الخطاب التّي من التّأييّد سواء لمتلقين حقيقييّن (تعتمد المشافهة)أو مفترضين من (خلال الكتابة)
2- هناك الحجاج الاقناعي موجّه إلى الجمهور الخاصL’argumentation persuasive
والحجاج الاقتناعي
L’argumentation convaincante
موّجه إلى الجمهور الواسع أو إلى كلّ ذي عقل،لكن المؤلفيّن يردّان كافة أنواع الجمهور، الجمهور الواسع والمخاطب الواحد والمتحدث لنفسه إلى الجمهور العام الذّي هو أساس القبول أو الرّفض
3- الجمهور(قارئ ومستمع)لا يخضع للضغوط والأهواء والمصالح
4- يربط الشّكل بالمضمون لأنه يرفض الفصل بين الشّكل والمضمون، لذلك لا بدّ من دراسة الأساليب والأبنية الشّكلية في ضوء علاقتها بالهدف الذّي تؤديه في الحجاج ( )
ترتكز نظرية بيرلمان وتيتكاه في الحجاج على مبدأ الاحترام بين الخطيب وجمهوره (دون تحديد نوع الجمهور) وضرورة اعترافه بآراء ومنظومة أفكار هذا الجمهور، وإن كان لابد من تغييّرها فعن طريق مخاطبتها على درجة رفيعة من الرّقي الفكري والابتعاد تماما عن العنف الفكري والخداع والتّلاعب بالمشاعر، وعلى هذا فأنواع عدّة من الحجاج لا يمكن أن تدخل عند بيرلمانوتيتكاه على أنّها حجاج وبالتاّلي نلمح تقلص حدود الحجاج عندهما. ويمكن القول أن الحجاج عند بيرلمانوتيتكاه يتميز بخمسة ملامح رئيسة هي:
 أن يتوجّه إلى مستمع .
 أن يعبّر عنه بلغة طبيعيّة .
 مسلماته لا تعدو أن تكون احتماليّة.
 لا يفتقر تقدمه إلى ضرورة منطقيّة بمعنى الكلمة
 ليست نتائجه ملزمة . ( )
وبالتّالي فالحجاج عبارة عن "تصوّر معيّن لقراءة الواقع اعتمادا على بعض المعطيات الخاصّة بكلّ من المحاجج والمقام الذي ينجب هذا الخطاب "( ) وإذا كان الإقناع هو مجال المبحث الحجاجي فإن "الفعل هو أهمّ وظيفة حجاجيّة في هذا المجال حيث تتطلب وعيا بآليات من شأنها تحريك المعنييّن بالكلام صوب الفعل وتغييّره بما ينسجم مع المقام" ( ) قدّم الباحثان عملا ركّزا فيه على الإقناع النّاتج عن وعيّ ودراية بجميع معطيات الخطاب.
2- الحجاج عند ماييرM.meyer
يعتبر مايير "أحد منظري البلاغة المعاصرة الذّي أحدثت دراسته الأخيرة طفرة نوعيّة في تحليل الخطاب في مجال التّواصل والإقناع ، انطلاقا من وجهة نظر فلسفيّة تعتمد البعد الافتراضي وتستند إلى الاختلافات الإشكاليةّ في التّأويل والفهم( ) وقد استفاد مايير"من مختلف العلوم المعاصرة للتّواصل والنّظريات المعرفيّة والهرمونيتكاوالظّاهراتيّة في قراءة البلاغة الكلاسيكيّة والجديدة معا، فتمكّن من إبراز المكونات الجديدة للخطاب الحجاجي البلاغي من خلال تصّور جديد منفتح على العلوم الإنسانيّة والفلسفيّة بالخصوص" ( )
تعدّ نظرية المساءلة إحدى النّظرياّت المعاصرة التّي قامت بمعالجة الخطاب بصفة عامة والخطاب الذّي يتمّ داخل عمليّات التّخاطب خاصّة، سواء كان تواصلا عاديا، أم حجاجا يهدف إلى الإقناع وقد استطاع ماييراعتمادا على منطلقات معرفيّة ومرتكزات فلسفيّة أن يؤسّس منهجا تساؤليّا يقوم على مبدأيّن اثنيّن ( ):
أولا : المبدأ الافتراضي في تحليل الأقوال

ثّانيّا : مبدأ الاختلاف الإشكالي داخل الأقوال
1.2 مبدأ الافتراض في تحليل الأقوال:
تقوم كلّ الأقوال في العمليات التّخاطبيّة على" مبدأ الافتراض المؤسّس على الجواب والسّؤال المفترضيّن انطلاقا من مجموعة من المقوّمات التّي تحكم العمليّات التّواصليّة، كالسّياق والمعلومات الموسوعيّة والتّجربة الذّاتية والقدرات الفكريّة والتّأويليّة والتّخييليّة، إذ يصبح كلّ قول (خبر، إنشاء سؤال، تعجبا، أمرا، نهيّا) افتراضا لشيء ما داخل سياق تخاطبي معيّن أي جوابا عن سؤال سابق وسؤال لجواب لاحق بهذا يعبّر الافتراض عن انتظارات متعدّدة ومختلفة تقتضيها العلاقات الإنسانيّة لتحقيق أهدافها ومراميها( )
2.2 مبدأ الاختلاف الإشكالي:
يرتكز هذا المبدأ على "طرح الاختلافات القائمة بين الأقوال ويهدف إلى تحقيق وظيفة القول تواصلا أو إقناعا وهذه الاختلافات هي الميزة الحقيقيّة في العمليات التّخاطبيّة ليس باعتبارها تنوعات قوليّة في الشّكل والمضمون بل باعتبارها اختلافات تحكمها ضرورات ترتبط بالمعارف والخلفيّات السّياقيّة والثقافيّة التّي يتوفّر عليها الذّهن البشري" ( )
يمكن القول أن نظريّة المسألة بحثا في الإنتظارات المفترضة داخل الأقوال وبحثا في الاختلافات الإشكالية التّي تمثلها اللّغة .
3.2 الحجاج ونظرية المساءلة:
قام مايير من خلال نظريّة المسألة بوضع قواعد نظريّة ذات بعد فلسفي تكمّل مجهودات باحثين آخرين لأبعاد اللّغة ووظائف الكلام وهي "جهود تنظيّرية في مجال البلاغة، تبقى متينة الاتّصال بنظريّة المعنى المرتبطة بالسّؤال أشدّ الارتباط وبالسّؤال المنفتح على الأجوبة المتعدّدة التّي تتضافر المقاصد التّداولية (ظروف إنجاز الخطاب) والتأّويليّة (علاقة السّؤال بالجواب) والبلاغيّة الحجاجيّة أساسا في تحقيقه"( ) وهذا يبيّن أن المجال المفضل للحجاج هو البلاغة.
حددّ مايير البلاغة تحديدا وظيفيّا "باعتبارها مفاوضة بين الأشخاص حول مسألة أو مشكل"( )تلعب فيه المسألة المتّصلة ببنيّة الأقوال "دورا تحليليا داخل الحجاج، حيث تبرز أهدافه وغاياته الإقناعية"( ) ومن بين أهمّ العناصر التّي تحدث عنها:
1.3.2 العلاقات الحجاجية:
تقوم العلاقات الحجاجية على ثلاثة عناصر أساسية هي :
أ- الإيتوس (الصفات المتعلّقة بالمتكلّم )
ب- الباتوس (التأّثير في الآخر )
ج- اللّوغوس (الخطاب أو اللّغة أو العمليات الاستدلاليّة العقلانيّة داخل الخطاب) ( )
هذه العناصر لا تخرج عن الطرح الذي قدمه بيرلمان انطلاقا من التّصور الأرسطي لكن مايير يقدم تصورا وظيفيا لهذه العناصر ويختزلها في عنصرين أساسيين هما: "عنصر الإيتوس وعنصر العلاقة الثنائيّة التي تجمعبين المتكلّم والمستمع والتّي يحددها اللّوغوس في الخطاب إذ يعتبر هذا التّصور الجديد في الوظيفة الحجاجية تجاوزا للفهم التقليدي (أرسطو وبيرلمان) الذي ينحصر في الوظيفة التي تدور حول الاستمالة والإقناع تصوّر يرتكّز على العلاقة الثنائيّة (بين المتكلّم والمستمّع) باعتبارها مكونا أساسيا في العملية الحجاجية״( ) أعطى طرفي العمليّة الحجاجيّة الأهميّة التّي غابت عند أرسطو وبيرلمان
2.3.2 البعد الحجاجي للغة:
يعرّف ماييراللوغوس ( أي القول الحجاجي ) بأنه "كلام العقل الذي يدرك نفسه في كلّ أبعاده دون أن يحدّه اتجاه مخصوص "( ) وإذا كان الحجاج معقود بركنيّه الأساسييّن،ركن العلاقة الثنائيّة وركن اللّغة القائم على العلاقة الخطابيّة " فإن الحجاج ليس إلاّ استغلال لما في الكلام من قوة وثراء״( )يظهر أن الاهتمام منصب على ما في اللغة من قدرة على الإقناع لما تتوفر عليه من بنيات مختلفة.
3.3.2 الواضح والضمني في اللّغة الحجاجية:
تعبّر لغة التّخاطب داخل القول الحجاجي عن "أسئلة خفيّة، وتطرح قضايا مشتركة بين النّاس فالقول الذّي لا يثير أسئلة - أي القول الذي لا يتجاوز ظاهر لفظه -لا يقيم علاقة حجاجيّة بين المتخاطبيّن، سواء كان المعنى الذي يحمله خفيّا أو حرفيّا لذلك فالواضح والضّمني في الحجاج مرتبطان بما يتيحانه من إمكانات تساؤليّة لإبراز الاختلاف الإشكالي" ( )فالقول(اللغة) واستعمالاته هي مصدرا لاختلاف حول مضمون القضايا التّي يجادل النّاس حولها لتأكيدها
أو رفضها أو التّشكيك فيها... ولأنّ اللّغة تسعى إلى تكثيف القول بما تنتجه من آليّات وأدوات تجعل من الواضح والخفي أسئلة مختلفة ومتنوعة "( ) والقول التّالي يبيّن دور هذه الآلياّت التّكثيفيّة .
" كلّ شيّء قابل للتّغييّر لكن الوقت لم يحن بعد " المثال لعبد السلام عشير( )
فالجواب الأول " كلّ شيّء قابل للتّغيير" يسير في اتجاه القبول والاتفاق
الجواب الثّاني "لكن الوقت لم يحن بعد " يسير في اتجاه الرّفض والاختلاف
فالقول عن طريق توظيف "لكن" هو"عبارة عن سؤال خفي يحوّل المعنى الواضح والمعنى الخفي إلى سؤال إشكالي ويجعل المخاطب يقوم بتقدير الجواب الحقيقي أو المفترض في القول وهو على نقيض ما يطرحه المتكلّم إن استعمال الأداة "لكن" يدل على الشّك أي أن تحقيق التّغيير ليس إلاّ احتمالا دون أن يكون حقيقة. والجواب هو دليل ممكن لمعالجة قضيّة التّغيير عن طريق إثارة أسئلة أخرى وإجابات أخرى.
4.3.2 الحجاج والمجاز:
يولي مايير أهميّة قصوى للبلاغة وصورها المجازيّة في التّخاطب لأنّ هذه الصّور تعمل على تأسيس فعل الحجاج واغنائه "فيصبح الحجاج ما تتيحه البلاغة من صور بيانيّة"( ) لأنّ الإنسان يستخدم عبارات يريد من ورائها إبراز الفكرة أو تأكيدها أو إلغائها وهذا يبرز "أن ما يفهمه الإنسان أو يؤمن به أو يعتقده مقيد بأشكال متعدّدة من السلط، الماديّة والمعنويّة والقوليّة والمجازيّة "( )
يمكن القول أن نظريّته المجازيّة في الحجاج تأسست من خلال مفاهيم هي عبارة عن" ثنائيات متقابلة يتشكل بها القول الحجاجي منها : الحقيقة والمجاز، الافتراض واليقين، الاستعمال والابتكار السّلطة المجازيّة والسّلطة الماديّة ..."( )
3- الحجاج عند أوسكمبروديكروO. Ducrot /G .Aunscombre
تمثّل أعمال أزوالدديكرو وجون كلود أوسكومبرتّجاها جديدا ومتميّزا في اللّسانيّات التّداوليّة الحديثة ومن الأفكار الجادّة عندهما "رفض التّصور القائم على فصل الدّلالة التّي تبحث في المعنى (معنى الجملة، النص) والتّداوليّة التّي تعنى باستعمال ذلك في المقام.إنهما يعتقدان
أن الأمر كلّه منوط ببنيّة اللّغة، لأن ّالجزء التّداولي فيها يكون مدمجا في الدّلالة وبالتّالي يكون موضوع البحث هو الدّلالة التّداوليّة المسجّلة في أبنية اللّغة وتوضيح شروط استعمالها الممكن " ( )
الحجاج عندهما موجود في" بنية اللّغة ذاتها، وليس فيما يمكن أن ينطوي عليه الخطاب من بنيّات شبه منطقيّة فالخطاب وسيلة الحجاج وهو في آن واحد منتهاه، فيكون الحجاج عندهما بتقديم المتكلّم قولا (ق1) (أو مجموعة أقوال). تفضي إلى التّسليم بقول آخر (ق2) أو مجموعة أقوال أخرى( ) وسواء أكان (ق2) صريحا أو ضمنيّا فعمليّة قبول (ق2) على أنّه نتيجة للحجّة (ق1) تسمى عمل محاجّة"(2 ) فالحجاج إنجاز لعمليّن هما "عمل التّصريح بالحجّة من ناحية، وعمل الاستنتاج من ناحية أخرى" ( )
قد يبدو الأمر وكأنّه عمليّة استدلال، لكن الباحثين لا يغفلان التمييز بين "عمل المحاجة وبين الاستدلال حيث يقوم القائل (مـ) الذي يقول القول (ق) بعمل استدلال إذ أحال في الوقت نفسه الذي يقوم فيه (ق) على حدث معيّن (س) ويقدّمه على أنّه نقطة انطلاق لاستنتاج يؤدي إلى عملية قول (ق )( ) فالفرق بين الاستدلال وعمل المحاجة،أن الاستدلال أساسه ربط المتكّلم لآرائه واعتقاداته بحالة الأشياء في الكون أما الحجاج فعمليّة موجودة في الخطاب نفسه، أيّ لا يستند إلى أي حدث في الكون خارجي عن اللّغة ، فإذن " الحجاج خاصيّة لغويّة دلاليّة وليس ظاهرة مرتبطة بالاستعمال في المقام" ( )
ويتحقّق الحجاج حسبهما من خلال تتابع (ق1) و(ق2) تتابعا صريحّا أو ضمنيّا (أي الحجّة والنتيجة) لغويّا، أي من بنية هذه الأقوال وليس من مضمونها الإخباري "إنّه من أجل أن يكون (ق1) حجّة تفضي إلى(ق2). لا يكفي في (ق1) من الحجّج - في مستوى المضمون - ما يفضي إلى التسليم بـ (ق2). إذ ينبغي أن تشتمل البنية اللّغويّة على بعض الشّروط التّي من شأنها أن تؤهّل(ق1)هذا لكيّ يمثّل في خطاب م حجّة تفضي إلى (ق2)( )، فترابط الأقوال" لا يستند إلى قواعد الاستدلال المنطقي، وإنّما هو ترابط حجاجي لأنّه مسجّل في أبنية اللّغة بصفته علاقات توجّه القول وجهة دون أخرى، وتفرض ربطه بقول دون أخرى .فموضوع الحجاج في اللّغة هو بيان ما يتضمّنه القول من قوّة حجاجيّة تمثل مكونا أساسيّا لا ينفصل عن معناه و يجعل المتكلّم في اللّحظة التّي يتكلّم فيها يوجّه قوله وجهة حجاجيّة معيّنة( )الباحثان يركّزان على ما في اللّغة من أبنية تؤدي إلى حجاجيّة القول
ومن المفاهيم المهمّة في هذه النّظريّة الاقتضاء( ) أو عمل مقتضى Acte présupposé وهو ما "ينقله القول إلى المخاطب بصفة ضمنيّة، أي أنّه يعيد معلومات قديمة، مثلا " كدت تصل متأخرا" نجد الاقتضاء مفاده أن المخاطب "لم يصل متأخرا" وهذا يعرفه المخاطب ولا خلاف فيه ، ولكن للاقتضاء مظاهر أخرى ( ):
أ-إذا كان المقتضى يقدمه المتكلّم على أنّه يعبّر عن موقفه الشّخصي لغويّا فهذا يجعل الاقتضاء يقدّم على أنّه جانب مشترك بينه وبين المخاطب، وبما أنّه مشترك فإنّه لا يمكن إلاّ قبوله، وهنا يبرز الجانب الخطابي الأساسي للاقتضاء
ب-في الجدل ييّسر الاقتضاء إدخال المخاطب ضمن عالم اعتقادات المتكلم فهو يجعل المتكلم يأسّر المخاطب في عالمه يقبل مستلزماته على نحو يمنعه من رفضه، أو التساؤل عنه.
وأما هدف الحجاج عندهما فهو التّوجيه l’orientation وهو على مستويّين على مستوى السامع "بالتأثير فيه، أو مواساته أو إقناعه أو جعله يأتي عملا ما إزعاجه أو إحراجه وغير ذلك وعلى مستوى الخطاب حيث إن الحاجة من أجل الحصول على النّتيجة (ن) بواسطة( أ) إنمّا هي في نظرنا ضرب من تقديم (أ)على أنها ينبغي أن تؤدي بالمتلقي إلى استنتاج( ن) وجعل (أ) تعلّة لاعتقاد(ن)( )
عموما إنّ الحجاج عند ديكرووأوسكمبر
• قائم في جوهر اللّغة
• واسع جدّا، فكلّ قول حجاجي، وهذا فيه مبالغة كبيرة لأنّ للغة وظائف أخرى لا تقل أهميّة عن الحجاج.
يمكن القول إن أعمال هذيّن الباحثيّن أعمال بنيويّة تغلق النّص أو الخطاب ولا تتعامل مع خارجه، وضمن هذا الدّاخل اللّغوي تحيل اللّغة على ذاتها، لأنّها تعكس عمليّة قولها بحيث يكون معنى القول هو "ما ينقله من وصف وتمثيل لعمليّة قول ذلك القول.(
الخلاصـــــة:
اهتم الغربيّون المحدثون بالحجاج مع تطوّر الدّراسات اللّسانية والتّداولية، حيث ظهرت عدّة نظر
ياّت، وإن اختلفت مشاربها النّظريّة ومنطقاتها المنهجيّة أو الأصولية فإنّها تكشف لنا بوضوح قيمة الموقف من الحجاج باعتباره عنوان بلاغتنا الجديدة وتجسيدا صريحا لفلسفة الرّجة حسب بول ريكور التّي نبهتنا إلى أن كلّ خطاب آثم وأن لا وجود لخطاب بريء وهذا ما يجعل الحجاج نمطا للخطاب ونوعا يتعالى على مقولات الجنس لأنّه قادر على ابتلاع سائر الأجناس
الهوامش.
- عبد الله صوله : الحجاج في القرآن، ص2
- هذه الأقوال جمعناها من مقال محمد العبد، النّص الحجاجي العربي، دراسة في وسائل الإقناع،44-43
- ينظر النّص والخطاب والإجراء، ترجمة تمام حسان ، في فصل أنواع النّصوص
نعتمد المصطلحargumentation في المقابل العربي الحجاج لأن هناك من يترجم ذلك بالبرهان مثل صلاح فضل في كتابه (بلاغة الخطاب وعلم النّص)
- طه عبد الله السبعاوي : أساليب الإقناع في المنظور الإسلامي ، ص 15
- عبد الله صوله: الحجاج أطره ومنطلقاته ص 301، نقلا عن T∙de l’argumentation p 54
- نفس المرجع،ج1،ص35
- المرجع نفسه، ص62
- حبيب أعراب: الحجاج والاستدلال الحجاجي، ص12
- عبد السّلام عشير: عندما نتواصل، ص194
- محمد علي القارصي: أهم نظريات الحجاج في التّقاليد الغربيّة من أرسطو إلى اليوم، ص387
- عبد السلام عشير، عندما نتواصل نغير ص 196
- مليكة غبار، احمد أمزيل، محمد رويض، علي أعمور: الحجاج غي درس الفلسفة، ص101
- نفس المرجع،ص106
- محمد علي القاصي: ضمن أهم نظريات الحجاج في التقاليد الغربية من أرسطو إلى اليوم ص 401
- عبد السلام عشير:، عندما نتواصل نغيّر ص 203
- محمد علي القارصي: ضمن أهم نظريات الحجاج في التقاليد الغربيّة من أرسطو إلى اليوم، ص407
- عبد السلام عشير: عندما نتواصل نغيّر، ص204
- نفس المرجع، ص 205
- مليكة غبار، احمد امزيل، محمد رويض، علي اعمور، الحجاج في درس الفلسفة ص 118
-نفس المرجع,ص 118-119
- عبد السلام عشير: عندما نتواصل نغيّر، ص207
- محمد علي القارصي: ضمن أهم نظريات الحجاج في التقاليد الغربية من أرسطو الى اليوم،347
- عبد السلام عشير: عندما نتواصل نغيّر، ص208
- ibid,p143
- ibid,p152
- شكري المبخوت: أهم نظريات الحجاج في التّقاليد الغربيّة من أرسطو اليوم، ص351
- عبد الله صوله: الحجاج في القرآن من خلال أهم خصائصه الأسلوبيّة، ص36
- نفس المرجع، ص36، 37.
- شكري المبخوت: أهم نظريات الحجاج في التقاليد الغربية من أرسطو إلى اليوم، ص361
-مرجع سابق، ص362
- عبد الله صوله : الحجاج في القران ص 37
- شكري المبخوت :أهم نظريات الحجاج في التقاليد الغربية من أرسطو إلى اليوم ص 352
- عرف أبو حامد الغزالي (ت 505) الاقتضاء بقوله :״هو الذي لا يدل عليه اللفظ و لا يكون منطوقا به، و لكنه من ضرورة اللفظ ∙∙∙״ وحده الشريف الجرجاني :״المقتضى هو عبارة عن جعل غير المنطوق منطوقا لتصحيح المنطوق، مثاله فتحرير رقبة و هو مقت شرعا لكنه مملوكة إذ لا عتق فيها لا يملكه ابن ادم فيزداد عليه ليكون تقدير الكلام فحرير رقبه مملوكة ״ عبد الله صوله: الحجاج في القران من خلال أهم خصائصه الأسلوبية ص 91.
- شكري المبخوت: ضمن أهم نظريات الحجاج في التقاليد الغربية من أرسطو إلى اليوم ص372 -357
- عبد الله صوله: الحجاج في القران ص 39


أهم نظريات الحجاج المعاصرة الأستاذة سليمة محفوظي
عرف الحجاج في العصر الحديث مفهوما أدق، وأوضح، وأعمق من المفاهيم السّابقة "ذلك أن الحجاج قد أخذ شيئا في الاستواء مبحثا فلسفيا، ولغويا قائم الذّات.. مستقلا عن صناعة الجدل من ناحية وعن صناعة الخطابة من ناحية ثانية " ( )فقد عرف عدّة توجهات، فهناك نظريات حجاجيّة عديدة بعضها ينتمي إلى البلاغة وبعضها ينتمي إلى المنطق وهناك أيضا من عالجه من منظور لساني، وقبل التّعرض للنظريات الثلاث نورد أقوالا( )لعلماء غربييّن آخرين حول مفهومهم للحجاج فمثلا ريك وسيلارزSillais وRick يقدّمانه على أنّه "عمليّة عرض دعاوى تتعارض فيها الآراء، مدعومة بالعلل، والدّعامات المناسبة، بغية الحصول على الموالاة لإحدى تلك الدعاوى" أما الحجاج عند شفرينSchiffrin فهو "جنس من الخطاب تبنى فيه جهود الأفراد عامة مواقفهم الخاصة، في الوقت نفسه الذي ينقضون فيه دعامة خصومهم" فالحجاج بهذا المعنى يساوي تماما الجدل عند أرسطو، كما أنّه جنس من الخطاب. وأما عند هانمان وفيفجرWolfgang-Heinemann –Veihwegrفالحجاج عملية اتصاليّة، وهي كلّ ضرب من ضروب عرض البرهان الذي يعلّل الفرضيات والدّوافع والاهتمامات" ( ) نفهم مما سبق أن الحجاج عملية بحث حضور طرفي الاتصال أساسي، كما أنّه نوع خاص من أنواع الخطاب
1- الحجاج() عند برلمان وتيتكاه
يعتبر كتاب Traité de l’argumentation: La nouvelle rhétorique من أهمّ الكتب المصنّفة في الحجاج حديثا، ظهر عام 1958 ، لاقى نجاحا كبيرا نظرا لمحاولات التّجديد الجادّة الموجودة بين ثنياه "لم ينطلق المؤلفان من العدم، بل اهتما كثيرا بمجهود أرسطو، وبالتّطورات التّاريخيّة لمفاهيم الخطابة والجدل والحجاج وكانت غايتهما في النّهاية إخراج حجاج قائم بذاته له مميّزاته وأهدافه. وقد "عملا من ناحية أولى على تخليص الحجاج من التّهمة اللائطة بأصل نسبه وهو الخطابة، وهذه التّهمة هي تهمة المغالطة والمناورة والتّلاعب بعواطف الجمهوروبعقله أيضا ودفعه دفعا إلى القبول باعتباطية الأحكام ولا معقوليتها.وعمل الباحثان من جهة ثانية على تخليص الحجاج من صرامة الاستدلال الذي يجعل المخاطب به في وضع ضرورة وخضوع واستلاب.فالحجاج عندهما معقوليّة وحريّة وهو حوار من أجل الوفاق بين الأطراف المتجاورة ومن أجل حصول التّسليم برأي آخر بعيدا عن الاعتباطية واللامعقوليّة اللذيّن يطبعان الخطابة عادة وبعيدا عن الإلزام والاضطرار اللذيّن يطبعان الجدل ... "( )
الحجاج المقصود عند ببرلمان وتيتكاه هو المسمى LA NOUVELLE RHETORIQUE والذي ترجمه عبد الله صولة مثلا بالخطابة الجديدة، وصلاح فضل بالبلاغة الجديدة يعرّف المؤلفان موضوع نظريّة الحجاج بقولهما: "موضوع الحجاج هو درس تقنيات الخطاب التّي من شأنها أن تؤدي بالأذهان إلى التّسليم بما يعرض عليها من أطروحات أو أن تزيد في درجة ذلك التّسليم" ( )والغاية التّي يسعى المؤلفان تحقيقها من خلال هده الدّراسة "أن يجعل العقول تذعن لما يطرح عليها أو تزيد في درجة ذلك الإذعان فأنجح الحجاج ما وفق في جعل حدّة الإذعان تقوى درجتها لدى السّامعين بشكل يبعثهم على العمل المطلوب أو هو ما وفّق على الأقل في جعل السّامعين مهيّئين لذلك العمل في اللّحظة المناسبة".( )
يبدو أن ببرلمان وتيتكاه قاما بعملية استقراء للوصول إلى أهمّ خصائص الحجاج الذي كان سائدا قبلهما فوجدا: "أن الحجاج عند بعض الفلاسفة ومنهم باسكال حجاجان، الحجاج الأول قوامه العقل، وهو حجاج فيلسوف يتوجّه به إلى جمهور ضيّق، يرمي من ورائه إلى إسكات صوت الهوى فيه وإلى جعل العقل قوام الاستدلال، فهو حجاج لا شخصي ولا زمني، والحجاج الثّاني يقصد دغدغة العواطف، وإثارة الأهواء، استنفارا لإرادة جمهور السّامعين ودفعها إلى العمل المرجو إنجازه مهما تكن الطّرق الموصلة للإقناع بذلك العمل غير معقولة وغير منطقية " (
يطابق هذا كما أرى تماما ما خلص إليه مصطفى ناصف بخصوص تاريخ البلاغة العربية القديمة، والهدف من ذلك الحجاج إمّا الإقناع la persuasionأو الاستدلالLa démonstration وأما الهدف الذّي يرومه برلمان وتيتكاه فهو الإقناع Coviction، والذّي يقع في منطقة وسطى بين السّابقين.
الاقتناع عند شانيه هو " أن الإنسان في حالة الاقتناع يكون قد أقنع نفسه بواسطة أفكاره الخاصّةأمّا في حالة الإقناع فإن الغير هم الذين يقنعونه دائما "( ) ولهذا الهدف يقول الباحثان: "إن الحجاج غير الملزم Non CONTRAIGNANT(إشارة إلى الاستدلال)، وغير اعتباطي (إشارة إلى الإقناع) هو وحده الكفيل بأن يحقّق الحرية الإنسانيّة من حيث هي ممارسة لاختيار عاقل، فأن تكون الحرية تسليما إلزاميّا بنظام طبيعي معطى سلفا معناه انعدام كل إمكان للاختيار، فإذا لم تكن ممارسة الحرية مبنيّة على العقل، فإن كلّ اختيار يكون ضربا من الخور، ويستحيل إلى حكم اعتباطي يسبح في فراغ فكري "( )فالحجاج عندهما يعني الرّغبة في عدم اللّجوء إلى القوة في تغييّر أو تبديل آراء الآخر. بل يقوم على الاعتراف به وبأفكاره، ومحاولة تعديلها عن طريق مخاطبة قدراته العقليّة، وحريّته في الحكملذلك أي قرارات أو نتائج تظهر على الآخر لم تأت بهده الطريقة يعتبرانها نوعا من العنف الفكريوهذا يرفضانه تماما.
من الأفكار الجادّة عند ببرلمان وتيتكاه علاقة الحجاج بالخطابة والجدل، وهما لا يخرجان عما أورده أرسطو بخصوص أن موضوع الحجاج "يدور حيث يكون خلاف، أو يشكّ في صحّة فكرة ما أو ... ولنا أن نشير بداية أن روبول يميز خطابة أرسطو وجدله "فالجدل لعبة نظريّة أما الخطابة فليست لعبة ، إنها وسيلة عمل اجتماعي " ( )
عندما قسّم أرسطو الخطابة إلى ثلاثة أنواع، المشاجريّة، المشاوريّة، والتّثبيتيّة حافظ من جاء بعده على هذا التّقسيم، ولكن برلمان وتيتكاه يعتقدان أن هذا التّقسيم شتّت شمل الخطابة ووزّعها على علوم تتجاذب كلّ واحدة منها طرفا

النّوع المشاوري اختصت به الفلسفة
النّوع المشاجري كان من نصيب الجدل
النّوع التّثبيتي خلص إلى الأدب ( )
وبالتّالي كان وكدهما جمع شتات الخطابة ، بالتّأكيد على أنّ النّوع التّثبيتي هو واسطة الرّبط بين النّوعيّن الآخريّن، لتحقيق الاقتناع، فهدا النّوع يزيد من درجة القبول لبعض القيّم الجميلة، وهو يستعين بكلّ المشاكل التي يوفرها الأدب لكن يضخّم من تلك القيّم ويعظّمها، فهو إذن المحطّة الأولى في إنشاء الاستعداد للعملLa creation d’unecertaine disposition à l’actionوبالمقابل يعمل النّوعان الآخران المشاوري والمشاجري على الانتهاء إلى العمل أو إنشائه، فالأول يمثل التّهيئة التّي لابدّ منها لكي يكون قادريّن على تحقيق هدفهما لنخلص إلى أن الحجاج عندها خلق للاقتناع، وعملا في ضوء ذلك الاقتناع جامعيّن بين الأجزاء الثّلاثة لتولد الخطابة الجديدة.
يركّز المؤلفان على أن نظريّة الحجاج عندهما أقرب للخطابة منها إلى الجدل "فالغاية من تقريبنا بين الحجاج والخطابة أن نلح على أنّه لا حجاج دون وجود جمهور يرمي الخطاب إلى جعله يقتنع ويصادق على ما يعرض عليه"( ) ولكن هذا لا يعني أنّه هوا لخطابة نفسها، بل بينهما فروق نجملها في الجدول التّالي
الخطابةla rhétorique الحجاجla nouvelle rhétorique
1- فنّ الكلام المقنع للجمهور،فهي إذن شفويّة

2- الجمهور واسع مباشر








3- الجمهور مضغوط عليه فكريّا، ليس لديه حريّة الاختيار(عنف فكري)
4- الشّكل هو الأساس( طريقة العرض)


1- تقنيات الخطاب التّي من التّأييّد سواء لمتلقين حقيقييّن (تعتمد المشافهة)أو مفترضين من (خلال الكتابة)
2- هناك الحجاج الاقناعي موجّه إلى الجمهور الخاصL’argumentation persuasive
والحجاج الاقتناعي
L’argumentation convaincante
موّجه إلى الجمهور الواسع أو إلى كلّ ذي عقل،لكن المؤلفيّن يردّان كافة أنواع الجمهور، الجمهور الواسع والمخاطب الواحد والمتحدث لنفسه إلى الجمهور العام الذّي هو أساس القبول أو الرّفض
3- الجمهور(قارئ ومستمع)لا يخضع للضغوط والأهواء والمصالح
4- يربط الشّكل بالمضمون لأنه يرفض الفصل بين الشّكل والمضمون، لذلك لا بدّ من دراسة الأساليب والأبنية الشّكلية في ضوء علاقتها بالهدف الذّي تؤديه في الحجاج ( )
ترتكز نظرية بيرلمان وتيتكاه في الحجاج على مبدأ الاحترام بين الخطيب وجمهوره (دون تحديد نوع الجمهور) وضرورة اعترافه بآراء ومنظومة أفكار هذا الجمهور، وإن كان لابد من تغييّرها فعن طريق مخاطبتها على درجة رفيعة من الرّقي الفكري والابتعاد تماما عن العنف الفكري والخداع والتّلاعب بالمشاعر، وعلى هذا فأنواع عدّة من الحجاج لا يمكن أن تدخل عند بيرلمانوتيتكاه على أنّها حجاج وبالتاّلي نلمح تقلص حدود الحجاج عندهما. ويمكن القول أن الحجاج عند بيرلمانوتيتكاه يتميز بخمسة ملامح رئيسة هي:
 أن يتوجّه إلى مستمع .
 أن يعبّر عنه بلغة طبيعيّة .
 مسلماته لا تعدو أن تكون احتماليّة.
 لا يفتقر تقدمه إلى ضرورة منطقيّة بمعنى الكلمة
 ليست نتائجه ملزمة . ( )
وبالتّالي فالحجاج عبارة عن "تصوّر معيّن لقراءة الواقع اعتمادا على بعض المعطيات الخاصّة بكلّ من المحاجج والمقام الذي ينجب هذا الخطاب "( ) وإذا كان الإقناع هو مجال المبحث الحجاجي فإن "الفعل هو أهمّ وظيفة حجاجيّة في هذا المجال حيث تتطلب وعيا بآليات من شأنها تحريك المعنييّن بالكلام صوب الفعل وتغييّره بما ينسجم مع المقام" ( ) قدّم الباحثان عملا ركّزا فيه على الإقناع النّاتج عن وعيّ ودراية بجميع معطيات الخطاب.
2- الحجاج عند ماييرM.meyer
يعتبر مايير "أحد منظري البلاغة المعاصرة الذّي أحدثت دراسته الأخيرة طفرة نوعيّة في تحليل الخطاب في مجال التّواصل والإقناع ، انطلاقا من وجهة نظر فلسفيّة تعتمد البعد الافتراضي وتستند إلى الاختلافات الإشكاليةّ في التّأويل والفهم( ) وقد استفاد مايير"من مختلف العلوم المعاصرة للتّواصل والنّظريات المعرفيّة والهرمونيتكاوالظّاهراتيّة في قراءة البلاغة الكلاسيكيّة والجديدة معا، فتمكّن من إبراز المكونات الجديدة للخطاب الحجاجي البلاغي من خلال تصّور جديد منفتح على العلوم الإنسانيّة والفلسفيّة بالخصوص" ( )
تعدّ نظرية المساءلة إحدى النّظرياّت المعاصرة التّي قامت بمعالجة الخطاب بصفة عامة والخطاب الذّي يتمّ داخل عمليّات التّخاطب خاصّة، سواء كان تواصلا عاديا، أم حجاجا يهدف إلى الإقناع وقد استطاع ماييراعتمادا على منطلقات معرفيّة ومرتكزات فلسفيّة أن يؤسّس منهجا تساؤليّا يقوم على مبدأيّن اثنيّن ( ):
أولا : المبدأ الافتراضي في تحليل الأقوال

ثّانيّا : مبدأ الاختلاف الإشكالي داخل الأقوال
1.2 مبدأ الافتراض في تحليل الأقوال:
تقوم كلّ الأقوال في العمليات التّخاطبيّة على" مبدأ الافتراض المؤسّس على الجواب والسّؤال المفترضيّن انطلاقا من مجموعة من المقوّمات التّي تحكم العمليّات التّواصليّة، كالسّياق والمعلومات الموسوعيّة والتّجربة الذّاتية والقدرات الفكريّة والتّأويليّة والتّخييليّة، إذ يصبح كلّ قول (خبر، إنشاء سؤال، تعجبا، أمرا، نهيّا) افتراضا لشيء ما داخل سياق تخاطبي معيّن أي جوابا عن سؤال سابق وسؤال لجواب لاحق بهذا يعبّر الافتراض عن انتظارات متعدّدة ومختلفة تقتضيها العلاقات الإنسانيّة لتحقيق أهدافها ومراميها( )
2.2 مبدأ الاختلاف الإشكالي:
يرتكز هذا المبدأ على "طرح الاختلافات القائمة بين الأقوال ويهدف إلى تحقيق وظيفة القول تواصلا أو إقناعا وهذه الاختلافات هي الميزة الحقيقيّة في العمليات التّخاطبيّة ليس باعتبارها تنوعات قوليّة في الشّكل والمضمون بل باعتبارها اختلافات تحكمها ضرورات ترتبط بالمعارف والخلفيّات السّياقيّة والثقافيّة التّي يتوفّر عليها الذّهن البشري" ( )
يمكن القول أن نظريّة المسألة بحثا في الإنتظارات المفترضة داخل الأقوال وبحثا في الاختلافات الإشكالية التّي تمثلها اللّغة .
3.2 الحجاج ونظرية المساءلة:
قام مايير من خلال نظريّة المسألة بوضع قواعد نظريّة ذات بعد فلسفي تكمّل مجهودات باحثين آخرين لأبعاد اللّغة ووظائف الكلام وهي "جهود تنظيّرية في مجال البلاغة، تبقى متينة الاتّصال بنظريّة المعنى المرتبطة بالسّؤال أشدّ الارتباط وبالسّؤال المنفتح على الأجوبة المتعدّدة التّي تتضافر المقاصد التّداولية (ظروف إنجاز الخطاب) والتأّويليّة (علاقة السّؤال بالجواب) والبلاغيّة الحجاجيّة أساسا في تحقيقه"( ) وهذا يبيّن أن المجال المفضل للحجاج هو البلاغة.
حددّ مايير البلاغة تحديدا وظيفيّا "باعتبارها مفاوضة بين الأشخاص حول مسألة أو مشكل"( )تلعب فيه المسألة المتّصلة ببنيّة الأقوال "دورا تحليليا داخل الحجاج، حيث تبرز أهدافه وغاياته الإقناعية"( ) ومن بين أهمّ العناصر التّي تحدث عنها:
1.3.2 العلاقات الحجاجية:
تقوم العلاقات الحجاجية على ثلاثة عناصر أساسية هي :
أ- الإيتوس (الصفات المتعلّقة بالمتكلّم )
ب- الباتوس (التأّثير في الآخر )
ج- اللّوغوس (الخطاب أو اللّغة أو العمليات الاستدلاليّة العقلانيّة داخل الخطاب) ( )
هذه العناصر لا تخرج عن الطرح الذي قدمه بيرلمان انطلاقا من التّصور الأرسطي لكن مايير يقدم تصورا وظيفيا لهذه العناصر ويختزلها في عنصرين أساسيين هما: "عنصر الإيتوس وعنصر العلاقة الثنائيّة التي تجمعبين المتكلّم والمستمع والتّي يحددها اللّوغوس في الخطاب إذ يعتبر هذا التّصور الجديد في الوظيفة الحجاجية تجاوزا للفهم التقليدي (أرسطو وبيرلمان) الذي ينحصر في الوظيفة التي تدور حول الاستمالة والإقناع تصوّر يرتكّز على العلاقة الثنائيّة (بين المتكلّم والمستمّع) باعتبارها مكونا أساسيا في العملية الحجاجية״( ) أعطى طرفي العمليّة الحجاجيّة الأهميّة التّي غابت عند أرسطو وبيرلمان
2.3.2 البعد الحجاجي للغة:
يعرّف ماييراللوغوس ( أي القول الحجاجي ) بأنه "كلام العقل الذي يدرك نفسه في كلّ أبعاده دون أن يحدّه اتجاه مخصوص "( ) وإذا كان الحجاج معقود بركنيّه الأساسييّن،ركن العلاقة الثنائيّة وركن اللّغة القائم على العلاقة الخطابيّة " فإن الحجاج ليس إلاّ استغلال لما في الكلام من قوة وثراء״( )يظهر أن الاهتمام منصب على ما في اللغة من قدرة على الإقناع لما تتوفر عليه من بنيات مختلفة.
3.3.2 الواضح والضمني في اللّغة الحجاجية:
تعبّر لغة التّخاطب داخل القول الحجاجي عن "أسئلة خفيّة، وتطرح قضايا مشتركة بين النّاس فالقول الذّي لا يثير أسئلة - أي القول الذي لا يتجاوز ظاهر لفظه -لا يقيم علاقة حجاجيّة بين المتخاطبيّن، سواء كان المعنى الذي يحمله خفيّا أو حرفيّا لذلك فالواضح والضّمني في الحجاج مرتبطان بما يتيحانه من إمكانات تساؤليّة لإبراز الاختلاف الإشكالي" ( )فالقول(اللغة) واستعمالاته هي مصدرا لاختلاف حول مضمون القضايا التّي يجادل النّاس حولها لتأكيدها
أو رفضها أو التّشكيك فيها... ولأنّ اللّغة تسعى إلى تكثيف القول بما تنتجه من آليّات وأدوات تجعل من الواضح والخفي أسئلة مختلفة ومتنوعة "( ) والقول التّالي يبيّن دور هذه الآلياّت التّكثيفيّة .
" كلّ شيّء قابل للتّغييّر لكن الوقت لم يحن بعد " المثال لعبد السلام عشير( )
فالجواب الأول " كلّ شيّء قابل للتّغيير" يسير في اتجاه القبول والاتفاق
الجواب الثّاني "لكن الوقت لم يحن بعد " يسير في اتجاه الرّفض والاختلاف
فالقول عن طريق توظيف "لكن" هو"عبارة عن سؤال خفي يحوّل المعنى الواضح والمعنى الخفي إلى سؤال إشكالي ويجعل المخاطب يقوم بتقدير الجواب الحقيقي أو المفترض في القول وهو على نقيض ما يطرحه المتكلّم إن استعمال الأداة "لكن" يدل على الشّك أي أن تحقيق التّغيير ليس إلاّ احتمالا دون أن يكون حقيقة. والجواب هو دليل ممكن لمعالجة قضيّة التّغيير عن طريق إثارة أسئلة أخرى وإجابات أخرى.
4.3.2 الحجاج والمجاز:
يولي مايير أهميّة قصوى للبلاغة وصورها المجازيّة في التّخاطب لأنّ هذه الصّور تعمل على تأسيس فعل الحجاج واغنائه "فيصبح الحجاج ما تتيحه البلاغة من صور بيانيّة"( ) لأنّ الإنسان يستخدم عبارات يريد من ورائها إبراز الفكرة أو تأكيدها أو إلغائها وهذا يبرز "أن ما يفهمه الإنسان أو يؤمن به أو يعتقده مقيد بأشكال متعدّدة من السلط، الماديّة والمعنويّة والقوليّة والمجازيّة "( )
يمكن القول أن نظريّته المجازيّة في الحجاج تأسست من خلال مفاهيم هي عبارة عن" ثنائيات متقابلة يتشكل بها القول الحجاجي منها : الحقيقة والمجاز، الافتراض واليقين، الاستعمال والابتكار السّلطة المجازيّة والسّلطة الماديّة ..."( )
3- الحجاج عند أوسكمبروديكروO. Ducrot /G .Aunscombre
تمثّل أعمال أزوالدديكرو وجون كلود أوسكومبرتّجاها جديدا ومتميّزا في اللّسانيّات التّداوليّة الحديثة ومن الأفكار الجادّة عندهما "رفض التّصور القائم على فصل الدّلالة التّي تبحث في المعنى (معنى الجملة، النص) والتّداوليّة التّي تعنى باستعمال ذلك في المقام.إنهما يعتقدان
أن الأمر كلّه منوط ببنيّة اللّغة، لأن ّالجزء التّداولي فيها يكون مدمجا في الدّلالة وبالتّالي يكون موضوع البحث هو الدّلالة التّداوليّة المسجّلة في أبنية اللّغة وتوضيح شروط استعمالها الممكن " ( )
الحجاج عندهما موجود في" بنية اللّغة ذاتها، وليس فيما يمكن أن ينطوي عليه الخطاب من بنيّات شبه منطقيّة فالخطاب وسيلة الحجاج وهو في آن واحد منتهاه، فيكون الحجاج عندهما بتقديم المتكلّم قولا (ق1) (أو مجموعة أقوال). تفضي إلى التّسليم بقول آخر (ق2) أو مجموعة أقوال أخرى( ) وسواء أكان (ق2) صريحا أو ضمنيّا فعمليّة قبول (ق2) على أنّه نتيجة للحجّة (ق1) تسمى عمل محاجّة"(2 ) فالحجاج إنجاز لعمليّن هما "عمل التّصريح بالحجّة من ناحية، وعمل الاستنتاج من ناحية أخرى" ( )
قد يبدو الأمر وكأنّه عمليّة استدلال، لكن الباحثين لا يغفلان التمييز بين "عمل المحاجة وبين الاستدلال حيث يقوم القائل (مـ) الذي يقول القول (ق) بعمل استدلال إذ أحال في الوقت نفسه الذي يقوم فيه (ق) على حدث معيّن (س) ويقدّمه على أنّه نقطة انطلاق لاستنتاج يؤدي إلى عملية قول (ق )( ) فالفرق بين الاستدلال وعمل المحاجة،أن الاستدلال أساسه ربط المتكّلم لآرائه واعتقاداته بحالة الأشياء في الكون أما الحجاج فعمليّة موجودة في الخطاب نفسه، أيّ لا يستند إلى أي حدث في الكون خارجي عن اللّغة ، فإذن " الحجاج خاصيّة لغويّة دلاليّة وليس ظاهرة مرتبطة بالاستعمال في المقام" ( )
ويتحقّق الحجاج حسبهما من خلال تتابع (ق1) و(ق2) تتابعا صريحّا أو ضمنيّا (أي الحجّة والنتيجة) لغويّا، أي من بنية هذه الأقوال وليس من مضمونها الإخباري "إنّه من أجل أن يكون (ق1) حجّة تفضي إلى(ق2). لا يكفي في (ق1) من الحجّج - في مستوى المضمون - ما يفضي إلى التسليم بـ (ق2). إذ ينبغي أن تشتمل البنية اللّغويّة على بعض الشّروط التّي من شأنها أن تؤهّل(ق1)هذا لكيّ يمثّل في خطاب م حجّة تفضي إلى (ق2)( )، فترابط الأقوال" لا يستند إلى قواعد الاستدلال المنطقي، وإنّما هو ترابط حجاجي لأنّه مسجّل في أبنية اللّغة بصفته علاقات توجّه القول وجهة دون أخرى، وتفرض ربطه بقول دون أخرى .فموضوع الحجاج في اللّغة هو بيان ما يتضمّنه القول من قوّة حجاجيّة تمثل مكونا أساسيّا لا ينفصل عن معناه و يجعل المتكلّم في اللّحظة التّي يتكلّم فيها يوجّه قوله وجهة حجاجيّة معيّنة( )الباحثان يركّزان على ما في اللّغة من أبنية تؤدي إلى حجاجيّة القول
ومن المفاهيم المهمّة في هذه النّظريّة الاقتضاء( ) أو عمل مقتضى Acte présupposé وهو ما "ينقله القول إلى المخاطب بصفة ضمنيّة، أي أنّه يعيد معلومات قديمة، مثلا " كدت تصل متأخرا" نجد الاقتضاء مفاده أن المخاطب "لم يصل متأخرا" وهذا يعرفه المخاطب ولا خلاف فيه ، ولكن للاقتضاء مظاهر أخرى ( ):
أ-إذا كان المقتضى يقدمه المتكلّم على أنّه يعبّر عن موقفه الشّخصي لغويّا فهذا يجعل الاقتضاء يقدّم على أنّه جانب مشترك بينه وبين المخاطب، وبما أنّه مشترك فإنّه لا يمكن إلاّ قبوله، وهنا يبرز الجانب الخطابي الأساسي للاقتضاء
ب-في الجدل ييّسر الاقتضاء إدخال المخاطب ضمن عالم اعتقادات المتكلم فهو يجعل المتكلم يأسّر المخاطب في عالمه يقبل مستلزماته على نحو يمنعه من رفضه، أو التساؤل عنه.
وأما هدف الحجاج عندهما فهو التّوجيه l’orientation وهو على مستويّين على مستوى السامع "بالتأثير فيه، أو مواساته أو إقناعه أو جعله يأتي عملا ما إزعاجه أو إحراجه وغير ذلك وعلى مستوى الخطاب حيث إن الحاجة من أجل الحصول على النّتيجة (ن) بواسطة( أ) إنمّا هي في نظرنا ضرب من تقديم (أ)على أنها ينبغي أن تؤدي بالمتلقي إلى استنتاج( ن) وجعل (أ) تعلّة لاعتقاد(ن)( )
عموما إنّ الحجاج عند ديكرووأوسكمبر
• قائم في جوهر اللّغة
• واسع جدّا، فكلّ قول حجاجي، وهذا فيه مبالغة كبيرة لأنّ للغة وظائف أخرى لا تقل أهميّة عن الحجاج.
يمكن القول إن أعمال هذيّن الباحثيّن أعمال بنيويّة تغلق النّص أو الخطاب ولا تتعامل مع خارجه، وضمن هذا الدّاخل اللّغوي تحيل اللّغة على ذاتها، لأنّها تعكس عمليّة قولها بحيث يكون معنى القول هو "ما ينقله من وصف وتمثيل لعمليّة قول ذلك القول.(
الخلاصـــــة:
اهتم الغربيّون المحدثون بالحجاج مع تطوّر الدّراسات اللّسانية والتّداولية، حيث ظهرت عدّة نظر
ياّت، وإن اختلفت مشاربها النّظريّة ومنطقاتها المنهجيّة أو الأصولية فإنّها تكشف لنا بوضوح قيمة الموقف من الحجاج باعتباره عنوان بلاغتنا الجديدة وتجسيدا صريحا لفلسفة الرّجة حسب بول ريكور التّي نبهتنا إلى أن كلّ خطاب آثم وأن لا وجود لخطاب بريء وهذا ما يجعل الحجاج نمطا للخطاب ونوعا يتعالى على مقولات الجنس لأنّه قادر على ابتلاع سائر الأجناس
الهوامش.
- عبد الله صوله : الحجاج في القرآن، ص2
- هذه الأقوال جمعناها من مقال محمد العبد، النّص الحجاجي العربي، دراسة في وسائل الإقناع،44-43
- ينظر النّص والخطاب والإجراء، ترجمة تمام حسان ، في فصل أنواع النّصوص
نعتمد المصطلحargumentation في المقابل العربي الحجاج لأن هناك من يترجم ذلك بالبرهان مثل صلاح فضل في كتابه (بلاغة الخطاب وعلم النّص)
- طه عبد الله السبعاوي : أساليب الإقناع في المنظور الإسلامي ، ص 15
- عبد الله صوله: الحجاج أطره ومنطلقاته ص 301، نقلا عن T∙de l’argumentation p 54
- نفس المرجع،ج1،ص35
- المرجع نفسه، ص62
- حبيب أعراب: الحجاج والاستدلال الحجاجي، ص12
- عبد السّلام عشير: عندما نتواصل، ص194
- محمد علي القارصي: أهم نظريات الحجاج في التّقاليد الغربيّة من أرسطو إلى اليوم، ص387
- عبد السلام عشير، عندما نتواصل نغير ص 196
- مليكة غبار، احمد أمزيل، محمد رويض، علي أعمور: الحجاج غي درس الفلسفة، ص101
- نفس المرجع،ص106
- محمد علي القاصي: ضمن أهم نظريات الحجاج في التقاليد الغربية من أرسطو إلى اليوم ص 401
- عبد السلام عشير:، عندما نتواصل نغيّر ص 203
- محمد علي القارصي: ضمن أهم نظريات الحجاج في التقاليد الغربيّة من أرسطو إلى اليوم، ص407
- عبد السلام عشير: عندما نتواصل نغيّر، ص204
- نفس المرجع، ص 205
- مليكة غبار، احمد امزيل، محمد رويض، علي اعمور، الحجاج في درس الفلسفة ص 118
-نفس المرجع,ص 118-119
- عبد السلام عشير: عندما نتواصل نغيّر، ص207
- محمد علي القارصي: ضمن أهم نظريات الحجاج في التقاليد الغربية من أرسطو الى اليوم،347
- عبد السلام عشير: عندما نتواصل نغيّر، ص208
- ibid,p143
- ibid,p152
- شكري المبخوت: أهم نظريات الحجاج في التّقاليد الغربيّة من أرسطو اليوم، ص351
- عبد الله صوله: الحجاج في القرآن من خلال أهم خصائصه الأسلوبيّة، ص36
- نفس المرجع، ص36، 37.
- شكري المبخوت: أهم نظريات الحجاج في التقاليد الغربية من أرسطو إلى اليوم، ص361
-مرجع سابق، ص362
- عبد الله صوله : الحجاج في القران ص 37
- شكري المبخوت :أهم نظريات الحجاج في التقاليد الغربية من أرسطو إلى اليوم ص 352
- عرف أبو حامد الغزالي (ت 505) الاقتضاء بقوله :״هو الذي لا يدل عليه اللفظ و لا يكون منطوقا به، و لكنه من ضرورة اللفظ ∙∙∙״ وحده الشريف الجرجاني :״المقتضى هو عبارة عن جعل غير المنطوق منطوقا لتصحيح المنطوق، مثاله فتحرير رقبة و هو مقت شرعا لكنه مملوكة إذ لا عتق فيها لا يملكه ابن ادم فيزداد عليه ليكون تقدير الكلام فحرير رقبه مملوكة ״ عبد الله صوله: الحجاج في القران من خلال أهم خصائصه الأسلوبية ص 91.
- شكري المبخوت: ضمن أهم نظريات الحجاج في التقاليد الغربية من أرسطو إلى اليوم ص372 -357
- عبد الله صوله: الحجاج في القران ص 39


أهم نظريات الحجاج المعاصرة الأستاذة سليمة محفوظي
عرف الحجاج في العصر الحديث مفهوما أدق، وأوضح، وأعمق من المفاهيم السّابقة "ذلك أن الحجاج قد أخذ شيئا في الاستواء مبحثا فلسفيا، ولغويا قائم الذّات.. مستقلا عن صناعة الجدل من ناحية وعن صناعة الخطابة من ناحية ثانية " ( )فقد عرف عدّة توجهات، فهناك نظريات حجاجيّة عديدة بعضها ينتمي إلى البلاغة وبعضها ينتمي إلى المنطق وهناك أيضا من عالجه من منظور لساني، وقبل التّعرض للنظريات الثلاث نورد أقوالا( )لعلماء غربييّن آخرين حول مفهومهم للحجاج فمثلا ريك وسيلارزSillais وRick يقدّمانه على أنّه "عمليّة عرض دعاوى تتعارض فيها الآراء، مدعومة بالعلل، والدّعامات المناسبة، بغية الحصول على الموالاة لإحدى تلك الدعاوى" أما الحجاج عند شفرينSchiffrin فهو "جنس من الخطاب تبنى فيه جهود الأفراد عامة مواقفهم الخاصة، في الوقت نفسه الذي ينقضون فيه دعامة خصومهم" فالحجاج بهذا المعنى يساوي تماما الجدل عند أرسطو، كما أنّه جنس من الخطاب. وأما عند هانمان وفيفجرWolfgang-Heinemann –Veihwegrفالحجاج عملية اتصاليّة، وهي كلّ ضرب من ضروب عرض البرهان الذي يعلّل الفرضيات والدّوافع والاهتمامات" ( ) نفهم مما سبق أن الحجاج عملية بحث حضور طرفي الاتصال أساسي، كما أنّه نوع خاص من أنواع الخطاب
1- الحجاج() عند برلمان وتيتكاه
يعتبر كتاب Traité de l’argumentation: La nouvelle rhétorique من أهمّ الكتب المصنّفة في الحجاج حديثا، ظهر عام 1958 ، لاقى نجاحا كبيرا نظرا لمحاولات التّجديد الجادّة الموجودة بين ثنياه "لم ينطلق المؤلفان من العدم، بل اهتما كثيرا بمجهود أرسطو، وبالتّطورات التّاريخيّة لمفاهيم الخطابة والجدل والحجاج وكانت غايتهما في النّهاية إخراج حجاج قائم بذاته له مميّزاته وأهدافه. وقد "عملا من ناحية أولى على تخليص الحجاج من التّهمة اللائطة بأصل نسبه وهو الخطابة، وهذه التّهمة هي تهمة المغالطة والمناورة والتّلاعب بعواطف الجمهوروبعقله أيضا ودفعه دفعا إلى القبول باعتباطية الأحكام ولا معقوليتها.وعمل الباحثان من جهة ثانية على تخليص الحجاج من صرامة الاستدلال الذي يجعل المخاطب به في وضع ضرورة وخضوع واستلاب.فالحجاج عندهما معقوليّة وحريّة وهو حوار من أجل الوفاق بين الأطراف المتجاورة ومن أجل حصول التّسليم برأي آخر بعيدا عن الاعتباطية واللامعقوليّة اللذيّن يطبعان الخطابة عادة وبعيدا عن الإلزام والاضطرار اللذيّن يطبعان الجدل ... "( )
الحجاج المقصود عند ببرلمان وتيتكاه هو المسمى LA NOUVELLE RHETORIQUE والذي ترجمه عبد الله صولة مثلا بالخطابة الجديدة، وصلاح فضل بالبلاغة الجديدة يعرّف المؤلفان موضوع نظريّة الحجاج بقولهما: "موضوع الحجاج هو درس تقنيات الخطاب التّي من شأنها أن تؤدي بالأذهان إلى التّسليم بما يعرض عليها من أطروحات أو أن تزيد في درجة ذلك التّسليم" ( )والغاية التّي يسعى المؤلفان تحقيقها من خلال هده الدّراسة "أن يجعل العقول تذعن لما يطرح عليها أو تزيد في درجة ذلك الإذعان فأنجح الحجاج ما وفق في جعل حدّة الإذعان تقوى درجتها لدى السّامعين بشكل يبعثهم على العمل المطلوب أو هو ما وفّق على الأقل في جعل السّامعين مهيّئين لذلك العمل في اللّحظة المناسبة".( )
يبدو أن ببرلمان وتيتكاه قاما بعملية استقراء للوصول إلى أهمّ خصائص الحجاج الذي كان سائدا قبلهما فوجدا: "أن الحجاج عند بعض الفلاسفة ومنهم باسكال حجاجان، الحجاج الأول قوامه العقل، وهو حجاج فيلسوف يتوجّه به إلى جمهور ضيّق، يرمي من ورائه إلى إسكات صوت الهوى فيه وإلى جعل العقل قوام الاستدلال، فهو حجاج لا شخصي ولا زمني، والحجاج الثّاني يقصد دغدغة العواطف، وإثارة الأهواء، استنفارا لإرادة جمهور السّامعين ودفعها إلى العمل المرجو إنجازه مهما تكن الطّرق الموصلة للإقناع بذلك العمل غير معقولة وغير منطقية " (
يطابق هذا كما أرى تماما ما خلص إليه مصطفى ناصف بخصوص تاريخ البلاغة العربية القديمة، والهدف من ذلك الحجاج إمّا الإقناع la persuasionأو الاستدلالLa démonstration وأما الهدف الذّي يرومه برلمان وتيتكاه فهو الإقناع Coviction، والذّي يقع في منطقة وسطى بين السّابقين.
الاقتناع عند شانيه هو " أن الإنسان في حالة الاقتناع يكون قد أقنع نفسه بواسطة أفكاره الخاصّةأمّا في حالة الإقناع فإن الغير هم الذين يقنعونه دائما "( ) ولهذا الهدف يقول الباحثان: "إن الحجاج غير الملزم Non CONTRAIGNANT(إشارة إلى الاستدلال)، وغير اعتباطي (إشارة إلى الإقناع) هو وحده الكفيل بأن يحقّق الحرية الإنسانيّة من حيث هي ممارسة لاختيار عاقل، فأن تكون الحرية تسليما إلزاميّا بنظام طبيعي معطى سلفا معناه انعدام كل إمكان للاختيار، فإذا لم تكن ممارسة الحرية مبنيّة على العقل، فإن كلّ اختيار يكون ضربا من الخور، ويستحيل إلى حكم اعتباطي يسبح في فراغ فكري "( )فالحجاج عندهما يعني الرّغبة في عدم اللّجوء إلى القوة في تغييّر أو تبديل آراء الآخر. بل يقوم على الاعتراف به وبأفكاره، ومحاولة تعديلها عن طريق مخاطبة قدراته العقليّة، وحريّته في الحكملذلك أي قرارات أو نتائج تظهر على الآخر لم تأت بهده الطريقة يعتبرانها نوعا من العنف الفكريوهذا يرفضانه تماما.
من الأفكار الجادّة عند ببرلمان وتيتكاه علاقة الحجاج بالخطابة والجدل، وهما لا يخرجان عما أورده أرسطو بخصوص أن موضوع الحجاج "يدور حيث يكون خلاف، أو يشكّ في صحّة فكرة ما أو ... ولنا أن نشير بداية أن روبول يميز خطابة أرسطو وجدله "فالجدل لعبة نظريّة أما الخطابة فليست لعبة ، إنها وسيلة عمل اجتماعي " ( )
عندما قسّم أرسطو الخطابة إلى ثلاثة أنواع، المشاجريّة، المشاوريّة، والتّثبيتيّة حافظ من جاء بعده على هذا التّقسيم، ولكن برلمان وتيتكاه يعتقدان أن هذا التّقسيم شتّت شمل الخطابة ووزّعها على علوم تتجاذب كلّ واحدة منها طرفا

النّوع المشاوري اختصت به الفلسفة
النّوع المشاجري كان من نصيب الجدل
النّوع التّثبيتي خلص إلى الأدب ( )
وبالتّالي كان وكدهما جمع شتات الخطابة ، بالتّأكيد على أنّ النّوع التّثبيتي هو واسطة الرّبط بين النّوعيّن الآخريّن، لتحقيق الاقتناع، فهدا النّوع يزيد من درجة القبول لبعض القيّم الجميلة، وهو يستعين بكلّ المشاكل التي يوفرها الأدب لكن يضخّم من تلك القيّم ويعظّمها، فهو إذن المحطّة الأولى في إنشاء الاستعداد للعملLa creation d’unecertaine disposition à l’actionوبالمقابل يعمل النّوعان الآخران المشاوري والمشاجري على الانتهاء إلى العمل أو إنشائه، فالأول يمثل التّهيئة التّي لابدّ منها لكي يكون قادريّن على تحقيق هدفهما لنخلص إلى أن الحجاج عندها خلق للاقتناع، وعملا في ضوء ذلك الاقتناع جامعيّن بين الأجزاء الثّلاثة لتولد الخطابة الجديدة.
يركّز المؤلفان على أن نظريّة الحجاج عندهما أقرب للخطابة منها إلى الجدل "فالغاية من تقريبنا بين الحجاج والخطابة أن نلح على أنّه لا حجاج دون وجود جمهور يرمي الخطاب إلى جعله يقتنع ويصادق على ما يعرض عليه"( ) ولكن هذا لا يعني أنّه هوا لخطابة نفسها، بل بينهما فروق نجملها في الجدول التّالي
الخطابةla rhétorique الحجاجla nouvelle rhétorique
1- فنّ الكلام المقنع للجمهور،فهي إذن شفويّة

2- الجمهور واسع مباشر








3- الجمهور مضغوط عليه فكريّا، ليس لديه حريّة الاختيار(عنف فكري)
4- الشّكل هو الأساس( طريقة العرض)


1- تقنيات الخطاب التّي من التّأييّد سواء لمتلقين حقيقييّن (تعتمد المشافهة)أو مفترضين من (خلال الكتابة)
2- هناك الحجاج الاقناعي موجّه إلى الجمهور الخاصL’argumentation persuasive
والحجاج الاقتناعي
L’argumentation convaincante
موّجه إلى الجمهور الواسع أو إلى كلّ ذي عقل،لكن المؤلفيّن يردّان كافة أنواع الجمهور، الجمهور الواسع والمخاطب الواحد والمتحدث لنفسه إلى الجمهور العام الذّي هو أساس القبول أو الرّفض
3- الجمهور(قارئ ومستمع)لا يخضع للضغوط والأهواء والمصالح
4- يربط الشّكل بالمضمون لأنه يرفض الفصل بين الشّكل والمضمون، لذلك لا بدّ من دراسة الأساليب والأبنية الشّكلية في ضوء علاقتها بالهدف الذّي تؤديه في الحجاج ( )
ترتكز نظرية بيرلمان وتيتكاه في الحجاج على مبدأ الاحترام بين الخطيب وجمهوره (دون تحديد نوع الجمهور) وضرورة اعترافه بآراء ومنظومة أفكار هذا الجمهور، وإن كان لابد من تغييّرها فعن طريق مخاطبتها على درجة رفيعة من الرّقي الفكري والابتعاد تماما عن العنف الفكري والخداع والتّلاعب بالمشاعر، وعلى هذا فأنواع عدّة من الحجاج لا يمكن أن تدخل عند بيرلمانوتيتكاه على أنّها حجاج وبالتاّلي نلمح تقلص حدود الحجاج عندهما. ويمكن القول أن الحجاج عند بيرلمانوتيتكاه يتميز بخمسة ملامح رئيسة هي:
 أن يتوجّه إلى مستمع .
 أن يعبّر عنه بلغة طبيعيّة .
 مسلماته لا تعدو أن تكون احتماليّة.
 لا يفتقر تقدمه إلى ضرورة منطقيّة بمعنى الكلمة
 ليست نتائجه ملزمة . ( )
وبالتّالي فالحجاج عبارة عن "تصوّر معيّن لقراءة الواقع اعتمادا على بعض المعطيات الخاصّة بكلّ من المحاجج والمقام الذي ينجب هذا الخطاب "( ) وإذا كان الإقناع هو مجال المبحث الحجاجي فإن "الفعل هو أهمّ وظيفة حجاجيّة في هذا المجال حيث تتطلب وعيا بآليات من شأنها تحريك المعنييّن بالكلام صوب الفعل وتغييّره بما ينسجم مع المقام" ( ) قدّم الباحثان عملا ركّزا فيه على الإقناع النّاتج عن وعيّ ودراية بجميع معطيات الخطاب.
2- الحجاج عند ماييرM.meyer
يعتبر مايير "أحد منظري البلاغة المعاصرة الذّي أحدثت دراسته الأخيرة طفرة نوعيّة في تحليل الخطاب في مجال التّواصل والإقناع ، انطلاقا من وجهة نظر فلسفيّة تعتمد البعد الافتراضي وتستند إلى الاختلافات الإشكاليةّ في التّأويل والفهم( ) وقد استفاد مايير"من مختلف العلوم المعاصرة للتّواصل والنّظريات المعرفيّة والهرمونيتكاوالظّاهراتيّة في قراءة البلاغة الكلاسيكيّة والجديدة معا، فتمكّن من إبراز المكونات الجديدة للخطاب الحجاجي البلاغي من خلال تصّور جديد منفتح على العلوم الإنسانيّة والفلسفيّة بالخصوص" ( )
تعدّ نظرية المساءلة إحدى النّظرياّت المعاصرة التّي قامت بمعالجة الخطاب بصفة عامة والخطاب الذّي يتمّ داخل عمليّات التّخاطب خاصّة، سواء كان تواصلا عاديا، أم حجاجا يهدف إلى الإقناع وقد استطاع ماييراعتمادا على منطلقات معرفيّة ومرتكزات فلسفيّة أن يؤسّس منهجا تساؤليّا يقوم على مبدأيّن اثنيّن ( ):
أولا : المبدأ الافتراضي في تحليل الأقوال

ثّانيّا : مبدأ الاختلاف الإشكالي داخل الأقوال
1.2 مبدأ الافتراض في تحليل الأقوال:
تقوم كلّ الأقوال في العمليات التّخاطبيّة على" مبدأ الافتراض المؤسّس على الجواب والسّؤال المفترضيّن انطلاقا من مجموعة من المقوّمات التّي تحكم العمليّات التّواصليّة، كالسّياق والمعلومات الموسوعيّة والتّجربة الذّاتية والقدرات الفكريّة والتّأويليّة والتّخييليّة، إذ يصبح كلّ قول (خبر، إنشاء سؤال، تعجبا، أمرا، نهيّا) افتراضا لشيء ما داخل سياق تخاطبي معيّن أي جوابا عن سؤال سابق وسؤال لجواب لاحق بهذا يعبّر الافتراض عن انتظارات متعدّدة ومختلفة تقتضيها العلاقات الإنسانيّة لتحقيق أهدافها ومراميها( )
2.2 مبدأ الاختلاف الإشكالي:
يرتكز هذا المبدأ على "طرح الاختلافات القائمة بين الأقوال ويهدف إلى تحقيق وظيفة القول تواصلا أو إقناعا وهذه الاختلافات هي الميزة الحقيقيّة في العمليات التّخاطبيّة ليس باعتبارها تنوعات قوليّة في الشّكل والمضمون بل باعتبارها اختلافات تحكمها ضرورات ترتبط بالمعارف والخلفيّات السّياقيّة والثقافيّة التّي يتوفّر عليها الذّهن البشري" ( )
يمكن القول أن نظريّة المسألة بحثا في الإنتظارات المفترضة داخل الأقوال وبحثا في الاختلافات الإشكالية التّي تمثلها اللّغة .
3.2 الحجاج ونظرية المساءلة:
قام مايير من خلال نظريّة المسألة بوضع قواعد نظريّة ذات بعد فلسفي تكمّل مجهودات باحثين آخرين لأبعاد اللّغة ووظائف الكلام وهي "جهود تنظيّرية في مجال البلاغة، تبقى متينة الاتّصال بنظريّة المعنى المرتبطة بالسّؤال أشدّ الارتباط وبالسّؤال المنفتح على الأجوبة المتعدّدة التّي تتضافر المقاصد التّداولية (ظروف إنجاز الخطاب) والتأّويليّة (علاقة السّؤال بالجواب) والبلاغيّة الحجاجيّة أساسا في تحقيقه"( ) وهذا يبيّن أن المجال المفضل للحجاج هو البلاغة.
حددّ مايير البلاغة تحديدا وظيفيّا "باعتبارها مفاوضة بين الأشخاص حول مسألة أو مشكل"( )تلعب فيه المسألة المتّصلة ببنيّة الأقوال "دورا تحليليا داخل الحجاج، حيث تبرز أهدافه وغاياته الإقناعية"( ) ومن بين أهمّ العناصر التّي تحدث عنها:
1.3.2 العلاقات الحجاجية:
تقوم العلاقات الحجاجية على ثلاثة عناصر أساسية هي :
أ- الإيتوس (الصفات المتعلّقة بالمتكلّم )
ب- الباتوس (التأّثير في الآخر )
ج- اللّوغوس (الخطاب أو اللّغة أو العمليات الاستدلاليّة العقلانيّة داخل الخطاب) ( )
هذه العناصر لا تخرج عن الطرح الذي قدمه بيرلمان انطلاقا من التّصور الأرسطي لكن مايير يقدم تصورا وظيفيا لهذه العناصر ويختزلها في عنصرين أساسيين هما: "عنصر الإيتوس وعنصر العلاقة الثنائيّة التي تجمعبين المتكلّم والمستمع والتّي يحددها اللّوغوس في الخطاب إذ يعتبر هذا التّصور الجديد في الوظيفة الحجاجية تجاوزا للفهم التقليدي (أرسطو وبيرلمان) الذي ينحصر في الوظيفة التي تدور حول الاستمالة والإقناع تصوّر يرتكّز على العلاقة الثنائيّة (بين المتكلّم والمستمّع) باعتبارها مكونا أساسيا في العملية الحجاجية״( ) أعطى طرفي العمليّة الحجاجيّة الأهميّة التّي غابت عند أرسطو وبيرلمان
2.3.2 البعد الحجاجي للغة:
يعرّف ماييراللوغوس ( أي القول الحجاجي ) بأنه "كلام العقل الذي يدرك نفسه في كلّ أبعاده دون أن يحدّه اتجاه مخصوص "( ) وإذا كان الحجاج معقود بركنيّه الأساسييّن،ركن العلاقة الثنائيّة وركن اللّغة القائم على العلاقة الخطابيّة " فإن الحجاج ليس إلاّ استغلال لما في الكلام من قوة وثراء״( )يظهر أن الاهتمام منصب على ما في اللغة من قدرة على الإقناع لما تتوفر عليه من بنيات مختلفة.
3.3.2 الواضح والضمني في اللّغة الحجاجية:
تعبّر لغة التّخاطب داخل القول الحجاجي عن "أسئلة خفيّة، وتطرح قضايا مشتركة بين النّاس فالقول الذّي لا يثير أسئلة - أي القول الذي لا يتجاوز ظاهر لفظه -لا يقيم علاقة حجاجيّة بين المتخاطبيّن، سواء كان المعنى الذي يحمله خفيّا أو حرفيّا لذلك فالواضح والضّمني في الحجاج مرتبطان بما يتيحانه من إمكانات تساؤليّة لإبراز الاختلاف الإشكالي" ( )فالقول(اللغة) واستعمالاته هي مصدرا لاختلاف حول مضمون القضايا التّي يجادل النّاس حولها لتأكيدها
أو رفضها أو التّشكيك فيها... ولأنّ اللّغة تسعى إلى تكثيف القول بما تنتجه من آليّات وأدوات تجعل من الواضح والخفي أسئلة مختلفة ومتنوعة "( ) والقول التّالي يبيّن دور هذه الآلياّت التّكثيفيّة .
" كلّ شيّء قابل للتّغييّر لكن الوقت لم يحن بعد " المثال لعبد السلام عشير( )
فالجواب الأول " كلّ شيّء قابل للتّغيير" يسير في اتجاه القبول والاتفاق
الجواب الثّاني "لكن الوقت لم يحن بعد " يسير في اتجاه الرّفض والاختلاف
فالقول عن طريق توظيف "لكن" هو"عبارة عن سؤال خفي يحوّل المعنى الواضح والمعنى الخفي إلى سؤال إشكالي ويجعل المخاطب يقوم بتقدير الجواب الحقيقي أو المفترض في القول وهو على نقيض ما يطرحه المتكلّم إن استعمال الأداة "لكن" يدل على الشّك أي أن تحقيق التّغيير ليس إلاّ احتمالا دون أن يكون حقيقة. والجواب هو دليل ممكن لمعالجة قضيّة التّغيير عن طريق إثارة أسئلة أخرى وإجابات أخرى.
4.3.2 الحجاج والمجاز:
يولي مايير أهميّة قصوى للبلاغة وصورها المجازيّة في التّخاطب لأنّ هذه الصّور تعمل على تأسيس فعل الحجاج واغنائه "فيصبح الحجاج ما تتيحه البلاغة من صور بيانيّة"( ) لأنّ الإنسان يستخدم عبارات يريد من ورائها إبراز الفكرة أو تأكيدها أو إلغائها وهذا يبرز "أن ما يفهمه الإنسان أو يؤمن به أو يعتقده مقيد بأشكال متعدّدة من السلط، الماديّة والمعنويّة والقوليّة والمجازيّة "( )
يمكن القول أن نظريّته المجازيّة في الحجاج تأسست من خلال مفاهيم هي عبارة عن" ثنائيات متقابلة يتشكل بها القول الحجاجي منها : الحقيقة والمجاز، الافتراض واليقين، الاستعمال والابتكار السّلطة المجازيّة والسّلطة الماديّة ..."( )
3- الحجاج عند أوسكمبروديكروO. Ducrot /G .Aunscombre
تمثّل أعمال أزوالدديكرو وجون كلود أوسكومبرتّجاها جديدا ومتميّزا في اللّسانيّات التّداوليّة الحديثة ومن الأفكار الجادّة عندهما "رفض التّصور القائم على فصل الدّلالة التّي تبحث في المعنى (معنى الجملة، النص) والتّداوليّة التّي تعنى باستعمال ذلك في المقام.إنهما يعتقدان
أن الأمر كلّه منوط ببنيّة اللّغة، لأن ّالجزء التّداولي فيها يكون مدمجا في الدّلالة وبالتّالي يكون موضوع البحث هو الدّلالة التّداوليّة المسجّلة في أبنية اللّغة وتوضيح شروط استعمالها الممكن " ( )
الحجاج عندهما موجود في" بنية اللّغة ذاتها، وليس فيما يمكن أن ينطوي عليه الخطاب من بنيّات شبه منطقيّة فالخطاب وسيلة الحجاج وهو في آن واحد منتهاه، فيكون الحجاج عندهما بتقديم المتكلّم قولا (ق1) (أو مجموعة أقوال). تفضي إلى التّسليم بقول آخر (ق2) أو مجموعة أقوال أخرى( ) وسواء أكان (ق2) صريحا أو ضمنيّا فعمليّة قبول (ق2) على أنّه نتيجة للحجّة (ق1) تسمى عمل محاجّة"(2 ) فالحجاج إنجاز لعمليّن هما "عمل التّصريح بالحجّة من ناحية، وعمل الاستنتاج من ناحية أخرى" ( )
قد يبدو الأمر وكأنّه عمليّة استدلال، لكن الباحثين لا يغفلان التمييز بين "عمل المحاجة وبين الاستدلال حيث يقوم القائل (مـ) الذي يقول القول (ق) بعمل استدلال إذ أحال في الوقت نفسه الذي يقوم فيه (ق) على حدث معيّن (س) ويقدّمه على أنّه نقطة انطلاق لاستنتاج يؤدي إلى عملية قول (ق )( ) فالفرق بين الاستدلال وعمل المحاجة،أن الاستدلال أساسه ربط المتكّلم لآرائه واعتقاداته بحالة الأشياء في الكون أما الحجاج فعمليّة موجودة في الخطاب نفسه، أيّ لا يستند إلى أي حدث في الكون خارجي عن اللّغة ، فإذن " الحجاج خاصيّة لغويّة دلاليّة وليس ظاهرة مرتبطة بالاستعمال في المقام" ( )
ويتحقّق الحجاج حسبهما من خلال تتابع (ق1) و(ق2) تتابعا صريحّا أو ضمنيّا (أي الحجّة والنتيجة) لغويّا، أي من بنية هذه الأقوال وليس من مضمونها الإخباري "إنّه من أجل أن يكون (ق1) حجّة تفضي إلى(ق2). لا يكفي في (ق1) من الحجّج - في مستوى المضمون - ما يفضي إلى التسليم بـ (ق2). إذ ينبغي أن تشتمل البنية اللّغويّة على بعض الشّروط التّي من شأنها أن تؤهّل(ق1)هذا لكيّ يمثّل في خطاب م حجّة تفضي إلى (ق2)( )، فترابط الأقوال" لا يستند إلى قواعد الاستدلال المنطقي، وإنّما هو ترابط حجاجي لأنّه مسجّل في أبنية اللّغة بصفته علاقات توجّه القول وجهة دون أخرى، وتفرض ربطه بقول دون أخرى .فموضوع الحجاج في اللّغة هو بيان ما يتضمّنه القول من قوّة حجاجيّة تمثل مكونا أساسيّا لا ينفصل عن معناه و يجعل المتكلّم في اللّحظة التّي يتكلّم فيها يوجّه قوله وجهة حجاجيّة معيّنة( )الباحثان يركّزان على ما في اللّغة من أبنية تؤدي إلى حجاجيّة القول
ومن المفاهيم المهمّة في هذه النّظريّة الاقتضاء( ) أو عمل مقتضى Acte présupposé وهو ما "ينقله القول إلى المخاطب بصفة ضمنيّة، أي أنّه يعيد معلومات قديمة، مثلا " كدت تصل متأخرا" نجد الاقتضاء مفاده أن المخاطب "لم يصل متأخرا" وهذا يعرفه المخاطب ولا خلاف فيه ، ولكن للاقتضاء مظاهر أخرى ( ):
أ-إذا كان المقتضى يقدمه المتكلّم على أنّه يعبّر عن موقفه الشّخصي لغويّا فهذا يجعل الاقتضاء يقدّم على أنّه جانب مشترك بينه وبين المخاطب، وبما أنّه مشترك فإنّه لا يمكن إلاّ قبوله، وهنا يبرز الجانب الخطابي الأساسي للاقتضاء
ب-في الجدل ييّسر الاقتضاء إدخال المخاطب ضمن عالم اعتقادات المتكلم فهو يجعل المتكلم يأسّر المخاطب في عالمه يقبل مستلزماته على نحو يمنعه من رفضه، أو التساؤل عنه.
وأما هدف الحجاج عندهما فهو التّوجيه l’orientation وهو على مستويّين على مستوى السامع "بالتأثير فيه، أو مواساته أو إقناعه أو جعله يأتي عملا ما إزعاجه أو إحراجه وغير ذلك وعلى مستوى الخطاب حيث إن الحاجة من أجل الحصول على النّتيجة (ن) بواسطة( أ) إنمّا هي في نظرنا ضرب من تقديم (أ)على أنها ينبغي أن تؤدي بالمتلقي إلى استنتاج( ن) وجعل (أ) تعلّة لاعتقاد(ن)( )
عموما إنّ الحجاج عند ديكرووأوسكمبر
• قائم في جوهر اللّغة
• واسع جدّا، فكلّ قول حجاجي، وهذا فيه مبالغة كبيرة لأنّ للغة وظائف أخرى لا تقل أهميّة عن الحجاج.
يمكن القول إن أعمال هذيّن الباحثيّن أعمال بنيويّة تغلق النّص أو الخطاب ولا تتعامل مع خارجه، وضمن هذا الدّاخل اللّغوي تحيل اللّغة على ذاتها، لأنّها تعكس عمليّة قولها بحيث يكون معنى القول هو "ما ينقله من وصف وتمثيل لعمليّة قول ذلك القول.(
الخلاصـــــة:
اهتم الغربيّون المحدثون بالحجاج مع تطوّر الدّراسات اللّسانية والتّداولية، حيث ظهرت عدّة نظر
ياّت، وإن اختلفت مشاربها النّظريّة ومنطقاتها المنهجيّة أو الأصولية فإنّها تكشف لنا بوضوح قيمة الموقف من الحجاج باعتباره عنوان بلاغتنا الجديدة وتجسيدا صريحا لفلسفة الرّجة حسب بول ريكور التّي نبهتنا إلى أن كلّ خطاب آثم وأن لا وجود لخطاب بريء وهذا ما يجعل الحجاج نمطا للخطاب ونوعا يتعالى على مقولات الجنس لأنّه قادر على ابتلاع سائر الأجناس
الهوامش.
- عبد الله صوله : الحجاج في القرآن، ص2
- هذه الأقوال جمعناها من مقال محمد العبد، النّص الحجاجي العربي، دراسة في وسائل الإقناع،44-43
- ينظر النّص والخطاب والإجراء، ترجمة تمام حسان ، في فصل أنواع النّصوص
نعتمد المصطلحargumentation في المقابل العربي الحجاج لأن هناك من يترجم ذلك بالبرهان مثل صلاح فضل في كتابه (بلاغة الخطاب وعلم النّص)
- طه عبد الله السبعاوي : أساليب الإقناع في المنظور الإسلامي ، ص 15
- عبد الله صوله: الحجاج أطره ومنطلقاته ص 301، نقلا عن T∙de l’argumentation p 54
- نفس المرجع،ج1،ص35
- المرجع نفسه، ص62
- حبيب أعراب: الحجاج والاستدلال الحجاجي، ص12
- عبد السّلام عشير: عندما نتواصل، ص194
- محمد علي القارصي: أهم نظريات الحجاج في التّقاليد الغربيّة من أرسطو إلى اليوم، ص387
- عبد السلام عشير، عندما نتواصل نغير ص 196
- مليكة غبار، احمد أمزيل، محمد رويض، علي أعمور: الحجاج غي درس الفلسفة، ص101
- نفس المرجع،ص106
- محمد علي القاصي: ضمن أهم نظريات الحجاج في التقاليد الغربية من أرسطو إلى اليوم ص 401
- عبد السلام عشير:، عندما نتواصل نغيّر ص 203
- محمد علي القارصي: ضمن أهم نظريات الحجاج في التقاليد الغربيّة من أرسطو إلى اليوم، ص407
- عبد السلام عشير: عندما نتواصل نغيّر، ص204
- نفس المرجع، ص 205
- مليكة غبار، احمد امزيل، محمد رويض، علي اعمور، الحجاج في درس الفلسفة ص 118
-نفس المرجع,ص 118-119
- عبد السلام عشير: عندما نتواصل نغيّر، ص207
- محمد علي القارصي: ضمن أهم نظريات الحجاج في التقاليد الغربية من أرسطو الى اليوم،347
- عبد السلام عشير: عندما نتواصل نغيّر، ص208
- ibid,p143
- ibid,p152
- شكري المبخوت: أهم نظريات الحجاج في التّقاليد الغربيّة من أرسطو اليوم، ص351
- عبد الله صوله: الحجاج في القرآن من خلال أهم خصائصه الأسلوبيّة، ص36
- نفس المرجع، ص36، 37.
- شكري المبخوت: أهم نظريات الحجاج في التقاليد الغربية من أرسطو إلى اليوم، ص361
-مرجع سابق، ص362
- عبد الله صوله : الحجاج في القران ص 37
- شكري المبخوت :أهم نظريات الحجاج في التقاليد الغربية من أرسطو إلى اليوم ص 352
- عرف أبو حامد الغزالي (ت 505) الاقتضاء بقوله :״هو الذي لا يدل عليه اللفظ و لا يكون منطوقا به، و لكنه من ضرورة اللفظ ∙∙∙״ وحده الشريف الجرجاني :״المقتضى هو عبارة عن جعل غير المنطوق منطوقا لتصحيح المنطوق، مثاله فتحرير رقبة و هو مقت شرعا لكنه مملوكة إذ لا عتق فيها لا يملكه ابن ادم فيزداد عليه ليكون تقدير الكلام فحرير رقبه مملوكة ״ عبد الله صوله: الحجاج في القران من خلال أهم خصائصه الأسلوبية ص 91.
- شكري المبخوت: ضمن أهم نظريات الحجاج في التقاليد الغربية من أرسطو إلى اليوم ص372 -357
- عبد الله صوله: الحجاج في القران ص 39


أهم نظريات الحجاج المعاصرة الأستاذة سليمة محفوظي
عرف الحجاج في العصر الحديث مفهوما أدق، وأوضح، وأعمق من المفاهيم السّابقة "ذلك أن الحجاج قد أخذ شيئا في الاستواء مبحثا فلسفيا، ولغويا قائم الذّات.. مستقلا عن صناعة الجدل من ناحية وعن صناعة الخطابة من ناحية ثانية " ( )فقد عرف عدّة توجهات، فهناك نظريات حجاجيّة عديدة بعضها ينتمي إلى البلاغة وبعضها ينتمي إلى المنطق وهناك أيضا من عالجه من منظور لساني، وقبل التّعرض للنظريات الثلاث نورد أقوالا( )لعلماء غربييّن آخرين حول مفهومهم للحجاج فمثلا ريك وسيلارزSillais وRick يقدّمانه على أنّه "عمليّة عرض دعاوى تتعارض فيها الآراء، مدعومة بالعلل، والدّعامات المناسبة، بغية الحصول على الموالاة لإحدى تلك الدعاوى" أما الحجاج عند شفرينSchiffrin فهو "جنس من الخطاب تبنى فيه جهود الأفراد عامة مواقفهم الخاصة، في الوقت نفسه الذي ينقضون فيه دعامة خصومهم" فالحجاج بهذا المعنى يساوي تماما الجدل عند أرسطو، كما أنّه جنس من الخطاب. وأما عند هانمان وفيفجرWolfgang-Heinemann –Veihwegrفالحجاج عملية اتصاليّة، وهي كلّ ضرب من ضروب عرض البرهان الذي يعلّل الفرضيات والدّوافع والاهتمامات" ( ) نفهم مما سبق أن الحجاج عملية بحث حضور طرفي الاتصال أساسي، كما أنّه نوع خاص من أنواع الخطاب
1- الحجاج() عند برلمان وتيتكاه
يعتبر كتاب Traité de l’argumentation: La nouvelle rhétorique من أهمّ الكتب المصنّفة في الحجاج حديثا، ظهر عام 1958 ، لاقى نجاحا كبيرا نظرا لمحاولات التّجديد الجادّة الموجودة بين ثنياه "لم ينطلق المؤلفان من العدم، بل اهتما كثيرا بمجهود أرسطو، وبالتّطورات التّاريخيّة لمفاهيم الخطابة والجدل والحجاج وكانت غايتهما في النّهاية إخراج حجاج قائم بذاته له مميّزاته وأهدافه. وقد "عملا من ناحية أولى على تخليص الحجاج من التّهمة اللائطة بأصل نسبه وهو الخطابة، وهذه التّهمة هي تهمة المغالطة والمناورة والتّلاعب بعواطف الجمهوروبعقله أيضا ودفعه دفعا إلى القبول باعتباطية الأحكام ولا معقوليتها.وعمل الباحثان من جهة ثانية على تخليص الحجاج من صرامة الاستدلال الذي يجعل المخاطب به في وضع ضرورة وخضوع واستلاب.فالحجاج عندهما معقوليّة وحريّة وهو حوار من أجل الوفاق بين الأطراف المتجاورة ومن أجل حصول التّسليم برأي آخر بعيدا عن الاعتباطية واللامعقوليّة اللذيّن يطبعان الخطابة عادة وبعيدا عن الإلزام والاضطرار اللذيّن يطبعان الجدل ... "( )
الحجاج المقصود عند ببرلمان وتيتكاه هو المسمى LA NOUVELLE RHETORIQUE والذي ترجمه عبد الله صولة مثلا بالخطابة الجديدة، وصلاح فضل بالبلاغة الجديدة يعرّف المؤلفان موضوع نظريّة الحجاج بقولهما: "موضوع الحجاج هو درس تقنيات الخطاب التّي من شأنها أن تؤدي بالأذهان إلى التّسليم بما يعرض عليها من أطروحات أو أن تزيد في درجة ذلك التّسليم" ( )والغاية التّي يسعى المؤلفان تحقيقها من خلال هده الدّراسة "أن يجعل العقول تذعن لما يطرح عليها أو تزيد في درجة ذلك الإذعان فأنجح الحجاج ما وفق في جعل حدّة الإذعان تقوى درجتها لدى السّامعين بشكل يبعثهم على العمل المطلوب أو هو ما وفّق على الأقل في جعل السّامعين مهيّئين لذلك العمل في اللّحظة المناسبة".( )
يبدو أن ببرلمان وتيتكاه قاما بعملية استقراء للوصول إلى أهمّ خصائص الحجاج الذي كان سائدا قبلهما فوجدا: "أن الحجاج عند بعض الفلاسفة ومنهم باسكال حجاجان، الحجاج الأول قوامه العقل، وهو حجاج فيلسوف يتوجّه به إلى جمهور ضيّق، يرمي من ورائه إلى إسكات صوت الهوى فيه وإلى جعل العقل قوام الاستدلال، فهو حجاج لا شخصي ولا زمني، والحجاج الثّاني يقصد دغدغة العواطف، وإثارة الأهواء، استنفارا لإرادة جمهور السّامعين ودفعها إلى العمل المرجو إنجازه مهما تكن الطّرق الموصلة للإقناع بذلك العمل غير معقولة وغير منطقية " (
يطابق هذا كما أرى تماما ما خلص إليه مصطفى ناصف بخصوص تاريخ البلاغة العربية القديمة، والهدف من ذلك الحجاج إمّا الإقناع la persuasionأو الاستدلالLa démonstration وأما الهدف الذّي يرومه برلمان وتيتكاه فهو الإقناع Coviction، والذّي يقع في منطقة وسطى بين السّابقين.
الاقتناع عند شانيه هو " أن الإنسان في حالة الاقتناع يكون قد أقنع نفسه بواسطة أفكاره الخاصّةأمّا في حالة الإقناع فإن الغير هم الذين يقنعونه دائما "( ) ولهذا الهدف يقول الباحثان: "إن الحجاج غير الملزم Non CONTRAIGNANT(إشارة إلى الاستدلال)، وغير اعتباطي (إشارة إلى الإقناع) هو وحده الكفيل بأن يحقّق الحرية الإنسانيّة من حيث هي ممارسة لاختيار عاقل، فأن تكون الحرية تسليما إلزاميّا بنظام طبيعي معطى سلفا معناه انعدام كل إمكان للاختيار، فإذا لم تكن ممارسة الحرية مبنيّة على العقل، فإن كلّ اختيار يكون ضربا من الخور، ويستحيل إلى حكم اعتباطي يسبح في فراغ فكري "( )فالحجاج عندهما يعني الرّغبة في عدم اللّجوء إلى القوة في تغييّر أو تبديل آراء الآخر. بل يقوم على الاعتراف به وبأفكاره، ومحاولة تعديلها عن طريق مخاطبة قدراته العقليّة، وحريّته في الحكملذلك أي قرارات أو نتائج تظهر على الآخر لم تأت بهده الطريقة يعتبرانها نوعا من العنف الفكريوهذا يرفضانه تماما.
من الأفكار الجادّة عند ببرلمان وتيتكاه علاقة الحجاج بالخطابة والجدل، وهما لا يخرجان عما أورده أرسطو بخصوص أن موضوع الحجاج "يدور حيث يكون خلاف، أو يشكّ في صحّة فكرة ما أو ... ولنا أن نشير بداية أن روبول يميز خطابة أرسطو وجدله "فالجدل لعبة نظريّة أما الخطابة فليست لعبة ، إنها وسيلة عمل اجتماعي " ( )
عندما قسّم أرسطو الخطابة إلى ثلاثة أنواع، المشاجريّة، المشاوريّة، والتّثبيتيّة حافظ من جاء بعده على هذا التّقسيم، ولكن برلمان وتيتكاه يعتقدان أن هذا التّقسيم شتّت شمل الخطابة ووزّعها على علوم تتجاذب كلّ واحدة منها طرفا

النّوع المشاوري اختصت به الفلسفة
النّوع المشاجري كان من نصيب الجدل
النّوع التّثبيتي خلص إلى الأدب ( )
وبالتّالي كان وكدهما جمع شتات الخطابة ، بالتّأكيد على أنّ النّوع التّثبيتي هو واسطة الرّبط بين النّوعيّن الآخريّن، لتحقيق الاقتناع، فهدا النّوع يزيد من درجة القبول لبعض القيّم الجميلة، وهو يستعين بكلّ المشاكل التي يوفرها الأدب لكن يضخّم من تلك القيّم ويعظّمها، فهو إذن المحطّة الأولى في إنشاء الاستعداد للعملLa creation d’unecertaine disposition à l’actionوبالمقابل يعمل النّوعان الآخران المشاوري والمشاجري على الانتهاء إلى العمل أو إنشائه، فالأول يمثل التّهيئة التّي لابدّ منها لكي يكون قادريّن على تحقيق هدفهما لنخلص إلى أن الحجاج عندها خلق للاقتناع، وعملا في ضوء ذلك الاقتناع جامعيّن بين الأجزاء الثّلاثة لتولد الخطابة الجديدة.
يركّز المؤلفان على أن نظريّة الحجاج عندهما أقرب للخطابة منها إلى الجدل "فالغاية من تقريبنا بين الحجاج والخطابة أن نلح على أنّه لا حجاج دون وجود جمهور يرمي الخطاب إلى جعله يقتنع ويصادق على ما يعرض عليه"( ) ولكن هذا لا يعني أنّه هوا لخطابة نفسها، بل بينهما فروق نجملها في الجدول التّالي
الخطابةla rhétorique الحجاجla nouvelle rhétorique
1- فنّ الكلام المقنع للجمهور،فهي إذن شفويّة

2- الجمهور واسع مباشر








3- الجمهور مضغوط عليه فكريّا، ليس لديه حريّة الاختيار(عنف فكري)
4- الشّكل هو الأساس( طريقة العرض)


1- تقنيات الخطاب التّي من التّأييّد سواء لمتلقين حقيقييّن (تعتمد المشافهة)أو مفترضين من (خلال الكتابة)
2- هناك الحجاج الاقناعي موجّه إلى الجمهور الخاصL’argumentation persuasive
والحجاج الاقتناعي
L’argumentation convaincante
موّجه إلى الجمهور الواسع أو إلى كلّ ذي عقل،لكن المؤلفيّن يردّان كافة أنواع الجمهور، الجمهور الواسع والمخاطب الواحد والمتحدث لنفسه إلى الجمهور العام الذّي هو أساس القبول أو الرّفض
3- الجمهور(قارئ ومستمع)لا يخضع للضغوط والأهواء والمصالح
4- يربط الشّكل بالمضمون لأنه يرفض الفصل بين الشّكل والمضمون، لذلك لا بدّ من دراسة الأساليب والأبنية الشّكلية في ضوء علاقتها بالهدف الذّي تؤديه في الحجاج ( )
ترتكز نظرية بيرلمان وتيتكاه في الحجاج على مبدأ الاحترام بين الخطيب وجمهوره (دون تحديد نوع الجمهور) وضرورة اعترافه بآراء ومنظومة أفكار هذا الجمهور، وإن كان لابد من تغييّرها فعن طريق مخاطبتها على درجة رفيعة من الرّقي الفكري والابتعاد تماما عن العنف الفكري والخداع والتّلاعب بالمشاعر، وعلى هذا فأنواع عدّة من الحجاج لا يمكن أن تدخل عند بيرلمانوتيتكاه على أنّها حجاج وبالتاّلي نلمح تقلص حدود الحجاج عندهما. ويمكن القول أن الحجاج عند بيرلمانوتيتكاه يتميز بخمسة ملامح رئيسة هي:
 أن يتوجّه إلى مستمع .
 أن يعبّر عنه بلغة طبيعيّة .
 مسلماته لا تعدو أن تكون احتماليّة.
 لا يفتقر تقدمه إلى ضرورة منطقيّة بمعنى الكلمة
 ليست نتائجه ملزمة . ( )
وبالتّالي فالحجاج عبارة عن "تصوّر معيّن لقراءة الواقع اعتمادا على بعض المعطيات الخاصّة بكلّ من المحاجج والمقام الذي ينجب هذا الخطاب "( ) وإذا كان الإقناع هو مجال المبحث الحجاجي فإن "الفعل هو أهمّ وظيفة حجاجيّة في هذا المجال حيث تتطلب وعيا بآليات من شأنها تحريك المعنييّن بالكلام صوب الفعل وتغييّره بما ينسجم مع المقام" ( ) قدّم الباحثان عملا ركّزا فيه على الإقناع النّاتج عن وعيّ ودراية بجميع معطيات الخطاب.
2- الحجاج عند ماييرM.meyer
يعتبر مايير "أحد منظري البلاغة المعاصرة الذّي أحدثت دراسته الأخيرة طفرة نوعيّة في تحليل الخطاب في مجال التّواصل والإقناع ، انطلاقا من وجهة نظر فلسفيّة تعتمد البعد الافتراضي وتستند إلى الاختلافات الإشكاليةّ في التّأويل والفهم( ) وقد استفاد مايير"من مختلف العلوم المعاصرة للتّواصل والنّظريات المعرفيّة والهرمونيتكاوالظّاهراتيّة في قراءة البلاغة الكلاسيكيّة والجديدة معا، فتمكّن من إبراز المكونات الجديدة للخطاب الحجاجي البلاغي من خلال تصّور جديد منفتح على العلوم الإنسانيّة والفلسفيّة بالخصوص" ( )
تعدّ نظرية المساءلة إحدى النّظرياّت المعاصرة التّي قامت بمعالجة الخطاب بصفة عامة والخطاب الذّي يتمّ داخل عمليّات التّخاطب خاصّة، سواء كان تواصلا عاديا، أم حجاجا يهدف إلى الإقناع وقد استطاع ماييراعتمادا على منطلقات معرفيّة ومرتكزات فلسفيّة أن يؤسّس منهجا تساؤليّا يقوم على مبدأيّن اثنيّن ( ):
أولا : المبدأ الافتراضي في تحليل الأقوال

ثّانيّا : مبدأ الاختلاف الإشكالي داخل الأقوال
1.2 مبدأ الافتراض في تحليل الأقوال:
تقوم كلّ الأقوال في العمليات التّخاطبيّة على" مبدأ الافتراض المؤسّس على الجواب والسّؤال المفترضيّن انطلاقا من مجموعة من المقوّمات التّي تحكم العمليّات التّواصليّة، كالسّياق والمعلومات الموسوعيّة والتّجربة الذّاتية والقدرات الفكريّة والتّأويليّة والتّخييليّة، إذ يصبح كلّ قول (خبر، إنشاء سؤال، تعجبا، أمرا، نهيّا) افتراضا لشيء ما داخل سياق تخاطبي معيّن أي جوابا عن سؤال سابق وسؤال لجواب لاحق بهذا يعبّر الافتراض عن انتظارات متعدّدة ومختلفة تقتضيها العلاقات الإنسانيّة لتحقيق أهدافها ومراميها( )
2.2 مبدأ الاختلاف الإشكالي:
يرتكز هذا المبدأ على "طرح الاختلافات القائمة بين الأقوال ويهدف إلى تحقيق وظيفة القول تواصلا أو إقناعا وهذه الاختلافات هي الميزة الحقيقيّة في العمليات التّخاطبيّة ليس باعتبارها تنوعات قوليّة في الشّكل والمضمون بل باعتبارها اختلافات تحكمها ضرورات ترتبط بالمعارف والخلفيّات السّياقيّة والثقافيّة التّي يتوفّر عليها الذّهن البشري" ( )
يمكن القول أن نظريّة المسألة بحثا في الإنتظارات المفترضة داخل الأقوال وبحثا في الاختلافات الإشكالية التّي تمثلها اللّغة .
3.2 الحجاج ونظرية المساءلة:
قام مايير من خلال نظريّة المسألة بوضع قواعد نظريّة ذات بعد فلسفي تكمّل مجهودات باحثين آخرين لأبعاد اللّغة ووظائف الكلام وهي "جهود تنظيّرية في مجال البلاغة، تبقى متينة الاتّصال بنظريّة المعنى المرتبطة بالسّؤال أشدّ الارتباط وبالسّؤال المنفتح على الأجوبة المتعدّدة التّي تتضافر المقاصد التّداولية (ظروف إنجاز الخطاب) والتأّويليّة (علاقة السّؤال بالجواب) والبلاغيّة الحجاجيّة أساسا في تحقيقه"( ) وهذا يبيّن أن المجال المفضل للحجاج هو البلاغة.
حددّ مايير البلاغة تحديدا وظيفيّا "باعتبارها مفاوضة بين الأشخاص حول مسألة أو مشكل"( )تلعب فيه المسألة المتّصلة ببنيّة الأقوال "دورا تحليليا داخل الحجاج، حيث تبرز أهدافه وغاياته الإقناعية"( ) ومن بين أهمّ العناصر التّي تحدث عنها:
1.3.2 العلاقات الحجاجية:
تقوم العلاقات الحجاجية على ثلاثة عناصر أساسية هي :
أ- الإيتوس (الصفات المتعلّقة بالمتكلّم )
ب- الباتوس (التأّثير في الآخر )
ج- اللّوغوس (الخطاب أو اللّغة أو العمليات الاستدلاليّة العقلانيّة داخل الخطاب) ( )
هذه العناصر لا تخرج عن الطرح الذي قدمه بيرلمان انطلاقا من التّصور الأرسطي لكن مايير يقدم تصورا وظيفيا لهذه العناصر ويختزلها في عنصرين أساسيين هما: "عنصر الإيتوس وعنصر العلاقة الثنائيّة التي تجمعبين المتكلّم والمستمع والتّي يحددها اللّوغوس في الخطاب إذ يعتبر هذا التّصور الجديد في الوظيفة الحجاجية تجاوزا للفهم التقليدي (أرسطو وبيرلمان) الذي ينحصر في الوظيفة التي تدور حول الاستمالة والإقناع تصوّر يرتكّز على العلاقة الثنائيّة (بين المتكلّم والمستمّع) باعتبارها مكونا أساسيا في العملية الحجاجية״( ) أعطى طرفي العمليّة الحجاجيّة الأهميّة التّي غابت عند أرسطو وبيرلمان
2.3.2 البعد الحجاجي للغة:
يعرّف ماييراللوغوس ( أي القول الحجاجي ) بأنه "كلام العقل الذي يدرك نفسه في كلّ أبعاده دون أن يحدّه اتجاه مخصوص "( ) وإذا كان الحجاج معقود بركنيّه الأساسييّن،ركن العلاقة الثنائيّة وركن اللّغة القائم على العلاقة الخطابيّة " فإن الحجاج ليس إلاّ استغلال لما في الكلام من قوة وثراء״( )يظهر أن الاهتمام منصب على ما في اللغة من قدرة على الإقناع لما تتوفر عليه من بنيات مختلفة.
3.3.2 الواضح والضمني في اللّغة الحجاجية:
تعبّر لغة التّخاطب داخل القول الحجاجي عن "أسئلة خفيّة، وتطرح قضايا مشتركة بين النّاس فالقول الذّي لا يثير أسئلة - أي القول الذي لا يتجاوز ظاهر لفظه -لا يقيم علاقة حجاجيّة بين المتخاطبيّن، سواء كان المعنى الذي يحمله خفيّا أو حرفيّا لذلك فالواضح والضّمني في الحجاج مرتبطان بما يتيحانه من إمكانات تساؤليّة لإبراز الاختلاف الإشكالي" ( )فالقول(اللغة) واستعمالاته هي مصدرا لاختلاف حول مضمون القضايا التّي يجادل النّاس حولها لتأكيدها
أو رفضها أو التّشكيك فيها... ولأنّ اللّغة تسعى إلى تكثيف القول بما تنتجه من آليّات وأدوات تجعل من الواضح والخفي أسئلة مختلفة ومتنوعة "( ) والقول التّالي يبيّن دور هذه الآلياّت التّكثيفيّة .
" كلّ شيّء قابل للتّغييّر لكن الوقت لم يحن بعد " المثال لعبد السلام عشير( )
فالجواب الأول " كلّ شيّء قابل للتّغيير" يسير في اتجاه القبول والاتفاق
الجواب الثّاني "لكن الوقت لم يحن بعد " يسير في اتجاه الرّفض والاختلاف
فالقول عن طريق توظيف "لكن" هو"عبارة عن سؤال خفي يحوّل المعنى الواضح والمعنى الخفي إلى سؤال إشكالي ويجعل المخاطب يقوم بتقدير الجواب الحقيقي أو المفترض في القول وهو على نقيض ما يطرحه المتكلّم إن استعمال الأداة "لكن" يدل على الشّك أي أن تحقيق التّغيير ليس إلاّ احتمالا دون أن يكون حقيقة. والجواب هو دليل ممكن لمعالجة قضيّة التّغيير عن طريق إثارة أسئلة أخرى وإجابات أخرى.
4.3.2 الحجاج والمجاز:
يولي مايير أهميّة قصوى للبلاغة وصورها المجازيّة في التّخاطب لأنّ هذه الصّور تعمل على تأسيس فعل الحجاج واغنائه "فيصبح الحجاج ما تتيحه البلاغة من صور بيانيّة"( ) لأنّ الإنسان يستخدم عبارات يريد من ورائها إبراز الفكرة أو تأكيدها أو إلغائها وهذا يبرز "أن ما يفهمه الإنسان أو يؤمن به أو يعتقده مقيد بأشكال متعدّدة من السلط، الماديّة والمعنويّة والقوليّة والمجازيّة "( )
يمكن القول أن نظريّته المجازيّة في الحجاج تأسست من خلال مفاهيم هي عبارة عن" ثنائيات متقابلة يتشكل بها القول الحجاجي منها : الحقيقة والمجاز، الافتراض واليقين، الاستعمال والابتكار السّلطة المجازيّة والسّلطة الماديّة ..."( )
3- الحجاج عند أوسكمبروديكروO. Ducrot /G .Aunscombre
تمثّل أعمال أزوالدديكرو وجون كلود أوسكومبرتّجاها جديدا ومتميّزا في اللّسانيّات التّداوليّة الحديثة ومن الأفكار الجادّة عندهما "رفض التّصور القائم على فصل الدّلالة التّي تبحث في المعنى (معنى الجملة، النص) والتّداوليّة التّي تعنى باستعمال ذلك في المقام.إنهما يعتقدان
أن الأمر كلّه منوط ببنيّة اللّغة، لأن ّالجزء التّداولي فيها يكون مدمجا في الدّلالة وبالتّالي يكون موضوع البحث هو الدّلالة التّداوليّة المسجّلة في أبنية اللّغة وتوضيح شروط استعمالها الممكن " ( )
الحجاج عندهما موجود في" بنية اللّغة ذاتها، وليس فيما يمكن أن ينطوي عليه الخطاب من بنيّات شبه منطقيّة فالخطاب وسيلة الحجاج وهو في آن واحد منتهاه، فيكون الحجاج عندهما بتقديم المتكلّم قولا (ق1) (أو مجموعة أقوال). تفضي إلى التّسليم بقول آخر (ق2) أو مجموعة أقوال أخرى( ) وسواء أكان (ق2) صريحا أو ضمنيّا فعمليّة قبول (ق2) على أنّه نتيجة للحجّة (ق1) تسمى عمل محاجّة"(2 ) فالحجاج إنجاز لعمليّن هما "عمل التّصريح بالحجّة من ناحية، وعمل الاستنتاج من ناحية أخرى" ( )
قد يبدو الأمر وكأنّه عمليّة استدلال، لكن الباحثين لا يغفلان التمييز بين "عمل المحاجة وبين الاستدلال حيث يقوم القائل (مـ) الذي يقول القول (ق) بعمل استدلال إذ أحال في الوقت نفسه الذي يقوم فيه (ق) على حدث معيّن (س) ويقدّمه على أنّه نقطة انطلاق لاستنتاج يؤدي إلى عملية قول (ق )( ) فالفرق بين الاستدلال وعمل المحاجة،أن الاستدلال أساسه ربط المتكّلم لآرائه واعتقاداته بحالة الأشياء في الكون أما الحجاج فعمليّة موجودة في الخطاب نفسه، أيّ لا يستند إلى أي حدث في الكون خارجي عن اللّغة ، فإذن " الحجاج خاصيّة لغويّة دلاليّة وليس ظاهرة مرتبطة بالاستعمال في المقام" ( )
ويتحقّق الحجاج حسبهما من خلال تتابع (ق1) و(ق2) تتابعا صريحّا أو ضمنيّا (أي الحجّة والنتيجة) لغويّا، أي من بنية هذه الأقوال وليس من مضمونها الإخباري "إنّه من أجل أن يكون (ق1) حجّة تفضي إلى(ق2). لا يكفي في (ق1) من الحجّج - في مستوى المضمون - ما يفضي إلى التسليم بـ (ق2). إذ ينبغي أن تشتمل البنية اللّغويّة على بعض الشّروط التّي من شأنها أن تؤهّل(ق1)هذا لكيّ يمثّل في خطاب م حجّة تفضي إلى (ق2)( )، فترابط الأقوال" لا يستند إلى قواعد الاستدلال المنطقي، وإنّما هو ترابط حجاجي لأنّه مسجّل في أبنية اللّغة بصفته علاقات توجّه القول وجهة دون أخرى، وتفرض ربطه بقول دون أخرى .فموضوع الحجاج في اللّغة هو بيان ما يتضمّنه القول من قوّة حجاجيّة تمثل مكونا أساسيّا لا ينفصل عن معناه و يجعل المتكلّم في اللّحظة التّي يتكلّم فيها يوجّه قوله وجهة حجاجيّة معيّنة( )الباحثان يركّزان على ما في اللّغة من أبنية تؤدي إلى حجاجيّة القول
ومن المفاهيم المهمّة في هذه النّظريّة الاقتضاء( ) أو عمل مقتضى Acte présupposé وهو ما "ينقله القول إلى المخاطب بصفة ضمنيّة، أي أنّه يعيد معلومات قديمة، مثلا " كدت تصل متأخرا" نجد الاقتضاء مفاده أن المخاطب "لم يصل متأخرا" وهذا يعرفه المخاطب ولا خلاف فيه ، ولكن للاقتضاء مظاهر أخرى ( ):
أ-إذا كان المقتضى يقدمه المتكلّم على أنّه يعبّر عن موقفه الشّخصي لغويّا فهذا يجعل الاقتضاء يقدّم على أنّه جانب مشترك بينه وبين المخاطب، وبما أنّه مشترك فإنّه لا يمكن إلاّ قبوله، وهنا يبرز الجانب الخطابي الأساسي للاقتضاء
ب-في الجدل ييّسر الاقتضاء إدخال المخاطب ضمن عالم اعتقادات المتكلم فهو يجعل المتكلم يأسّر المخاطب في عالمه يقبل مستلزماته على نحو يمنعه من رفضه، أو التساؤل عنه.
وأما هدف الحجاج عندهما فهو التّوجيه l’orientation وهو على مستويّين على مستوى السامع "بالتأثير فيه، أو مواساته أو إقناعه أو جعله يأتي عملا ما إزعاجه أو إحراجه وغير ذلك وعلى مستوى الخطاب حيث إن الحاجة من أجل الحصول على النّتيجة (ن) بواسطة( أ) إنمّا هي في نظرنا ضرب من تقديم (أ)على أنها ينبغي أن تؤدي بالمتلقي إلى استنتاج( ن) وجعل (أ) تعلّة لاعتقاد(ن)( )
عموما إنّ الحجاج عند ديكرووأوسكمبر
• قائم في جوهر اللّغة
• واسع جدّا، فكلّ قول حجاجي، وهذا فيه مبالغة كبيرة لأنّ للغة وظائف أخرى لا تقل أهميّة عن الحجاج.
يمكن القول إن أعمال هذيّن الباحثيّن أعمال بنيويّة تغلق النّص أو الخطاب ولا تتعامل مع خارجه، وضمن هذا الدّاخل اللّغوي تحيل اللّغة على ذاتها، لأنّها تعكس عمليّة قولها بحيث يكون معنى القول هو "ما ينقله من وصف وتمثيل لعمليّة قول ذلك القول.(
الخلاصـــــة:
اهتم الغربيّون المحدثون بالحجاج مع تطوّر الدّراسات اللّسانية والتّداولية، حيث ظهرت عدّة نظر
ياّت، وإن اختلفت مشاربها النّظريّة ومنطقاتها المنهجيّة أو الأصولية فإنّها تكشف لنا بوضوح قيمة الموقف من الحجاج باعتباره عنوان بلاغتنا الجديدة وتجسيدا صريحا لفلسفة الرّجة حسب بول ريكور التّي نبهتنا إلى أن كلّ خطاب آثم وأن لا وجود لخطاب بريء وهذا ما يجعل الحجاج نمطا للخطاب ونوعا يتعالى على مقولات الجنس لأنّه قادر على ابتلاع سائر الأجناس
الهوامش.
- عبد الله صوله : الحجاج في القرآن، ص2
- هذه الأقوال جمعناها من مقال محمد العبد، النّص الحجاجي العربي، دراسة في وسائل الإقناع،44-43
- ينظر النّص والخطاب والإجراء، ترجمة تمام حسان ، في فصل أنواع النّصوص
نعتمد المصطلحargumentation في المقابل العربي الحجاج لأن هناك من يترجم ذلك بالبرهان مثل صلاح فضل في كتابه (بلاغة الخطاب وعلم النّص)
- طه عبد الله السبعاوي : أساليب الإقناع في المنظور الإسلامي ، ص 15
- عبد الله صوله: الحجاج أطره ومنطلقاته ص 301، نقلا عن T∙de l’argumentation p 54
- نفس المرجع،ج1،ص35
- المرجع نفسه، ص62
- حبيب أعراب: الحجاج والاستدلال الحجاجي، ص12
- عبد السّلام عشير: عندما نتواصل، ص194
- محمد علي القارصي: أهم نظريات الحجاج في التّقاليد الغربيّة من أرسطو إلى اليوم، ص387
- عبد السلام عشير، عندما نتواصل نغير ص 196
- مليكة غبار، احمد أمزيل، محمد رويض، علي أعمور: الحجاج غي درس الفلسفة، ص101
- نفس المرجع،ص106
- محمد علي القاصي: ضمن أهم نظريات الحجاج في التقاليد الغربية من أرسطو إلى اليوم ص 401
- عبد السلام عشير:، عندما نتواصل نغيّر ص 203
- محمد علي القارصي: ضمن أهم نظريات الحجاج في التقاليد الغربيّة من أرسطو إلى اليوم، ص407
- عبد السلام عشير: عندما نتواصل نغيّر، ص204
- نفس المرجع، ص 205
- مليكة غبار، احمد امزيل، محمد رويض، علي اعمور، الحجاج في درس الفلسفة ص 118
-نفس المرجع,ص 118-119
- عبد السلام عشير: عندما نتواصل نغيّر، ص207
- محمد علي القارصي: ضمن أهم نظريات الحجاج في التقاليد الغربية من أرسطو الى اليوم،347
- عبد السلام عشير: عندما نتواصل نغيّر، ص208
- ibid,p143
- ibid,p152
- شكري المبخوت: أهم نظريات الحجاج في التّقاليد الغربيّة من أرسطو اليوم، ص351
- عبد الله صوله: الحجاج في القرآن من خلال أهم خصائصه الأسلوبيّة، ص36
- نفس المرجع، ص36، 37.
- شكري المبخوت: أهم نظريات الحجاج في التقاليد الغربية من أرسطو إلى اليوم، ص361
-مرجع سابق، ص362
- عبد الله صوله : الحجاج في القران ص 37
- شكري المبخوت :أهم نظريات الحجاج في التقاليد الغربية من أرسطو إلى اليوم ص 352
- عرف أبو حامد الغزالي (ت 505) الاقتضاء بقوله :״هو الذي لا يدل عليه اللفظ و لا يكون منطوقا به، و لكنه من ضرورة اللفظ ∙∙∙״ وحده الشريف الجرجاني :״المقتضى هو عبارة عن جعل غير المنطوق منطوقا لتصحيح المنطوق، مثاله فتحرير رقبة و هو مقت شرعا لكنه مملوكة إذ لا عتق فيها لا يملكه ابن ادم فيزداد عليه ليكون تقدير الكلام فحرير رقبه مملوكة ״ عبد الله صوله: الحجاج في القران من خلال أهم خصائصه الأسلوبية ص 91.
- شكري المبخوت: ضمن أهم نظريات الحجاج في التقاليد الغربية من أرسطو إلى اليوم ص372 -357
- عبد الله صوله: الحجاج في القران ص 39