المصيدة
د. فايز أبو شمالة
وقفت العربات العسكرية الإسرائيلية بعيداً عن مخيم خان يونس الغربي للاجئين، وأخذ الجنود الإسرائيليون بالقفز، والتحرك لمحاضرة المخيم من المنطقة الشرقية في البداية، وفي غضون دقائق كانوا قد انتشروا، وحاصروا المخيم من كل الجهات. كانت الساعة تقترب من الثانية عشرة ليلاً، وكنت بالصدفة في طريقي للبيت، عندما شاهدت منظر الجند وهم يتسللون خلسة بين البيوت لمحاصرة المنطقة.
جفلت من هذا الانتشار العسكري السريع، ولم أذهب إلى البيت، وإنما عدت أدراجي، وصعدت على سطح منزل أحد الأقارب في المخيم، ورحت أرقب تحرك الجند، فأدركت أنهم كمنوا في أماكنهم على أهبة الاستعداد. وأنهم جاءوا لاعتقال أحد ما، ولما كان بيتي هو مركز الحصار، دب في قلبي التوجس، ولاسيما أن الاعتقال قد طال بعض من أعرفهم، ويعرفونني.
في مثل هذا اليوم؛ قبل خمسة وعشرين عاماً، كنت مصراً ألا أستسلم لليهود، وأنني سأظل كامناً في مكاني على سطح المنزل حتى يملوا، وينصرفوا مع الفجر، وكنت قد رتبت لنفسي طريقاً للهروب إلى مصر عبر البحر إن لزم الأمر، فقد كنت أتقن فن السباحة، وكانت إرادتي من حديد، ولي من القوة الجسدية ما تؤهلني لقطع المسافة الفاصلة بين مصر وقطاع غزة سباحة ليلية بلا تهيب.
قبل الفجر بقليل دق قلبي فرحاً، فقد بدأت القوات الإسرائيلية المنتشرة بالانسحاب، لقد أحدثت العربات العسكرية ضجيجاً وهي تتحرك في اتجاه الغرب، على طريق المستوطنة.
أما أنا؛ فلم استعجل أمري، تريثت قليلاً قبل توجهي إلى البيت لآخر مرة، لأرتب أوضاعي، وأعد نفسي للهروب إلى مصر، تريثت قرابة ساعة إضافية قبل أن أتوجه إلى بيتي واثقاً أن لا يهود في المنطقة، لتكون المفاجأة عند مدخل البيت، عشرات الجنود الذين تسلقوا الأسوار، وكمنوا في الزوايا، تقافزوا بسلاحهم المشهر في رأسي، وصرخات: ارفع يديك!.
رفعت يدي، وأدركت أنهم خدعوني، وأوحوا لي بأنهم انسحبوا، ولاسيما أنني كنت قد أوصيت أهل البيت بإشعال الضوء إن جاء الجنود الإسرائيليون، ولكن الجنود كانوا قد سيطروا على أهل الدار، ولم يسمحوا بإضاءة الأنوار، وألزموا الجميع بالهدوء كي اطمئن، وأعود للبيت. لقد عدت، ووقعت في الفخ. لتبدأ حياتي رفرفة جديدة من تلك الليلة.