في ذكرى استشهاد رمز الإيمان والوعي والثورة
منذأسبوعين مشغول ولا أتابع أي شيء حتى مقالتي لم أكتبها يوم الجمعة، ولكن في ذكرى استشهاد الشيخ عز الدين القسام رمز الإيمان والوعي والثورة يجب كتابة شيء، خاصة واني كدت أحزم شنطي قبل أيام وأتدبر ثمن تذاكر سفر لي ولأسرتي لأعود أخيراً إلى الوطن بعد قراءتي منشورات لبعض الأصدقاء يتحدثون فيها عن انتصارات حققتها المقاومة وهزيمة ساحقة حلت بالعدو الصهيوني شعرت منها كأن فلسطين تحررت، ولا علم ماذا حدث لكتابة كل ذلك – بحثت وعرفت بعدها -! كلامي لا يعني التقليل من قيمة ابداعات وابتكارات المقاومة التي تثخن في العدو بإمكانياتها البسيطة، فهكذا هي الثورات وإلا كيف تضطر العدو للرحيل؟! ولكني أعني المبالغة وتجاوز مفهوم الانتصار والهزيمة اللغوي والعسكري، والتضخيم بهذا الشكل خطأ في خطابنا الإعلامي والسياسي المقاوم، خاصة والجميع يعلم أن مقاومتنا لم تعد مقاومة لأجل التحرير ولكن لتثبيت التهدئة! العدو يستغل التهدئة لتمرير التسوية
يجب أن نعي جيداً أن العدو الصهيوني لا يفكر نهائياً في احتلال قطاع غزة، ولا القضاء على المقاومة فيه، ولا إعادته للسلطة الفلسطينية، لأنه لو أراد ذلك ما كان خرج منه، وهو من السبعينيات يحاول التخلص منه ولم يقبله أحد لا مصر ولا الأردن ولا الأمم المتحدة، وأخيراً قبله الراحل ياسر عرفات. والعدو من خلال تجارب حروبه عامي 1956 و 1967 لم يحتل غزة بحرب مباشرة ولكنه كان يلتف عنها إلى سيناء وبعد احتلال سيناء تكون غزة احتلت تلقائياً، لأن غزة طبوغرافيا ساقطة عسكرياً ولا تصلح للحروب التقليدية بدون حماية جوية وبحرية وبرية، وفي الوقت نفسه لا يصلح في غزة إﻻ أسلوب واحد من أساليب حرب العصابات، وهو الضربات الخاطفة والسريعة والإختفاء وسط الكثافة الجماهيريه وشرطه وجود الاحتلال على أرضها! لذلك عندما اضطرته انتفاضة الأقصى إلى الخروج من غزة ووضع خطة فك الارتباط مع غزة من طرف واحد وهي خطة أمنية عسكرية وليست سياسية، كان بهدف التخلص من عبئ جغرافية غزة وسقوطها عسكرياً، أي الخروج من وسط المدن والتمركز حولها وحصارها من الخارج وخنقها والتحكم في مصيرها كله، دون أن يحتك مباشرة مع السكان ليحرم الثوار من الاستفادة من وجوده ومن الكثافة السكانية. ومحاولة الضغط على السكان والمقاومة بشتى الوسائل سواء الحصار وما ينتج عنه من مشاكل وازمات وأمراض اجتماعية و... أو الحروب وما ينتج عنها من دمار وقتل وإصابات وعاهات وفقدان المأوى أو مصدر الرزق و... ليوصل أكبر عدد من سكان غزة وخاصة الشباب للتفكير في الهجرة والتخلي عن الوطن والمقاومة.وتعميق حالة الانقسام وتكرسه واقعاً مؤسسي، وتجذر حالة العداء بين الأشقاء والفرقاء و...، حنى يستحيل معها التوصل إلى مصالحة ترضي الطرفان، والعدو هو المستفيد الأكبر من إطالة أمد الانقسام والخلاف! وقد كان خطأ المقاومة في غزة أنها لم تدرك ما أدركه العدو وكان سبباً في تخليه عنه قطاع غزة، ومارست حرب جيوش تقليدية ضد العدو من غزة الساقطة عسكرياً، معتمدة على إطلاق الصواريخ فقط دون حماية جوية أو برية أو بحرية، وذلك انتحار بالمفهوم العسكري، ودعونا من أكاذيب المحللين السياسيين والعسكرين المأجورين الذين تستجلبهم بعض الفضائيات ليضخموا قوة المقاومة ويبرروا للعالم وحشية وهمجية العدو وتدميره للحجر والشجر والبشر! لقد غرر أولئك المحللون بالمقاومة في غزة وصوروها لها أنه تحررت فعلاً من الاحتلال، وأن المقاومة قادرة على مواجهة العدو الصهيوني كند، وزيفوا لها ما يقوله منظرو الثورات وحروب العصابات عن المراحل التي تمر بها الثورة من بداية انطلاقتها إلى التحرير: 1- حرب العصابات "الكر والفر". 2- حرب العصابات انطلاقاً من قواعد ثابتة على الحدود في دول الجوار. 3- حرب العصابات انطلاقاً من قواعد ثابتة من أراضي محررة من الوطن، وتتطور العمليات العسكرية للثورة في هذه المرحلة لتأخذ نوعاً من أشكال الحرب التقليدية، وتكون تلك القوات هي نواة الجيش الوطني الذي سيكتمل بنائه بعد التحرير، وتبدأ في هذه المرحلة عملية التجييش وإعداد جيش على أساس كلاسيكي إلى أن يكتمل في المرحلة الرابعة. 4- الجيش الكلاسيكي بعد اكتمال التحرير والحصول على الاستقلال. وسبق أن وجهنا النقد نفسه للثورة، بأن قيادة منظمة التحرير غرتها قوتها ومظاهر تواجدها العسكري في الأردن في ذلك الوقت وبالغت في تقدير قوتها، ونسيت دورها كطليعة، ونسيت حجمها، والأمر نفسه في لبنان. وحركة حماس وقعت في الخطأ نفسه وتعاملت مع التغيرات التي أحدثها العدو الصهيوني بفك ارتباطه مع غزة على أنه تحرير، وتعاملت معه على خلفية ذلك وتخلت عن حرب العصابات وبدأت تواجهه بالصواريخ قصيرة ومتوسطة وبعيدة المدى نسبياً، غافلة أن ذلك يحدث مع الثورات التي يكون محيطها الجغرافي يشكل لها عمقاً وحماية ودعماً وناصراً وليس معادياً كما هو الحال في غزة! وحركتي حماس والجهاد تحديداً لم يتعلما الدرس ولم تدركا مساوئ الهدنة والتهدئة، سواء سابقاً مع العصابات الصهيونية عام 1948، أو التي وقعتها السلطة وواصلتا هما توقيعها بعد الانقسام! لو استوعبتا تجربة وخبرة الشيخ عز الدين القسام وأتباعه وعمر المختار وغيرهما من العلماء الذين قادوا ثورات ضد الاحتلالات الغربية ورفضوا التفاوض على هدنة أو عرض قضيتهم على عصبة الأمم أو الأمم المتحدة، لَما فكروا في توقيع تهدئة، ولرفضوا الموافقة أو المشاركة أو الالتزام بأي هدنة يتم توقيعها مع العدو الصهيونية، ولكنهما أصبحتا تسعيان خلف تهدئة هي في الأصل قائمة وليست بحاجة إلى تجديدها! والعدو الصهيوني لا يشن حروبه على قطاع غزة ليقضي على حماس أو المقاومة ولكن ليحقق أهداف تكتيكية: على الصعيد المدني مضاعفة معاناة المواطنين ودفعهم للتفكير في الهجرة أو القبول بأي تسوية. وعلى صعيد المقاومة تدجينها وتغلغل الأنظمة فيها والتأثير على قرارها والتحكم في توجيهه من خلال دور الأنظمة في الوساطة لتوقيع وقف إطلاق نار والتفاوض على تهدئة بشروط العدو - لأن المقاومة لا تملك قوة تلزم العدو بالوفاء بعهوده ووعوده -، ومرة على مرة يصبح قرار السلم والحرب في العواصم العربية وتمريره يتم بالمال العربي الذي تحتاجه حماس، وشيئاً فشيئايتم تطويعالمقاومة، ويظنوا أنهم قادرون على تمرير مشروع تسويتهم مقابل المال وخلاص المواطن الفلسطيني في غزة من الجحيم الذي يعيشه! ضاعت فلسطين باستشهاد القسام
لذلك كان نهج القسام وأخوانه من بعده صواباً، وكان من شيوخه صواباً، علماء الأزهر الذين تتلمذ على أيديهم، ولمحوا فيه إمارات الوعي والنباغة، عندما بلغ خبر استشهاده شيخ اﻷزهر ومن معه من العلماء بكى وبكوا بكاء مرا، وعندما سُئل عن ذلك قال: لا أبكي على القسام وأخوته الذين ارتقوا لربهم شهداء، ولكن الآن حقق اليهود والإنجليز هدف الغرب الثاني ضد الإسلام، فالأول كان إسقاط الخلافة والثاني هو إقامة دولة لليهود في فلسطين! كأنه يقول باستشهاد القسام أقيمت دولتهم لأنه لم يعد يوجد عالم مجاهد واعي بأبعاد الهجمة وحقيقة المخطط الغربي وذلك ما حدث وما آل إليه حالنا مع من رفعوا شعاره ولم يمتلكون إيمانه ووعيه وثورته وورعه وزهده وجهاد: لا للتعامل مع اﻹنجليز والغرب فهم أس البلاء في ذلك الوقت بحكم احتلالهم فلسطين وسعيهم لتهيأتها لإقامة دولة لليهود فيها، عافاك الله من رؤية مراسلات كبار المجاهدين للصديق أمريكا! لا للتعامل مع الأنظمة لأنها صناعة بريطانية ومن لا يشارك منها في دعم إقامة دولة لليهود في فلسطين فإنه يثق بالصديقة بريطانيا .. والآن بالصديقة أمريكا! لا للتفاوض أو الالتزام بهدنة أو تهدئة مع العدو لأنها تقيد حرية وحق وحركة المجاهدين وتلزمهم بعهد مع عدو غادر لا يحترم مواثيق، والأهم أنه ينزع عن الثوار حقهم في الثورة ويحول مقاومتهم من مقاومة لتحرير الأرض من المحتل لمقاومة لتجديد التزام العدو بالهدنة وذلك بفضل الأنظمة العربية! لا لقبول الأموال العربية القادمة من الأنظمة لأن لكل قرش فيها ثمن سياسي تدفعه المقاومة من حقوق الأمة الوطنية، وذلك ما يحدث الآن! وأختم مقالتي بموقف حدث معي يؤكد على شرف الانتساب للقسام من أي تجاه سبق أن ذكرته: في عام 1981 بعد إعلان الأمير (الملك) فهد بن عبد العزيز في القمة العربية الجهاد لتحرير بيت المقدس كان أول الملبين لتلك الدعوة أشقائنا في اليمن، وبدأت تتوافد كتائب المجاهدين اليمنيين إلى الثورة في لبنان، وقد أوكل الراحل أبو عمار مهمة استقبال وتدريب أولئك المجاهدين للكفاح المسلح، وقد كنت أيامها أعمل في بيروت، وقد وصلت الكتيبة الأولى والثانية وتم تسميتها، وقبل وصول الكتيبة الثالثة كان مسئول الإدارة يتناول طعام الغداء وأنا جالس وسأل: ماذا نسمي الكتيبة التي ستصل قريباً؟ قلت بحسن نية: القسام. وإذا به يقول بلهجة لم تعجبني: إيش يا خوي عيد اللي قلته! فقلت هذه المرة بحزم: سموها كتيبة عز الدين القسام. فعلق مستخفاً ومستنكراً: مين يا خوي؟! مين عز الدين القسام هذا؟! عز الدين القسام بتاعك لا يساوي (... في ...)! والله لا يحط واحد ساعتها مكانه، ولم أدعه يكمل كلامه وقاطعته قائلاً: أنت وطابور من أمثالك وكل ثورتك هذه اللي أنت شايفها لا تساوي (... في ... أقل واحد من أتباع عز الدين القسام وليس في ... عز الدين القسام). وقد ثار وهاج وضرب الطاولة التي كان يتناول عليها الطعام بقدمه وصاح: أنا لي ربع قرن (25 سنة) في العسكرية لم يتجرأ أحد ويغلط فيَّ مش يقول لي اللي قلته ... وكلام كثير من هذا النوع. قلت له: أقول لك ولمن هو أتخن منك ما هو أشد من ذلك عندما تتطاول على أسيادك وأشرف ما في تاريخك. وتدخل أحد الإخوة كان برتبة مساعد كان يعمل معنا في الإدارة وأدخلني إلى غرفتي وحاول هو وأخت كانت تعمل معنا في الإدارة أيضاً تهدئة الموقف. وفي غرفتي تناولت ورقة وقلم وكتبت استقالتي وخرجت والأجواء مازالت ملتهبة وألقيتها أمامه على المكتب وغادرت. وبعد أن عُدت كان قد كتب عليها رأيه السلبي جداً المخالف للحقيقة، ورفعها إلى قائد الكفاح المسلح الأخ أبو حميد (أحمد مفرج) رحمه الله، الذي كان مرسل في غيبتي يستدعيني. ذهبت إليه ودار الحديث التالي بيننا بهدوء ودون انفعال: سألني رحمه الله: لماذا تدافع عن القسام لأنه شيخ؟ وواصل كلامه .. أنت تعلم أن الجبهة الديمقراطية مطلقة اسمه على كتيبة ونادي وبتقول أنه كان ماركسي شيوعي؟! أجبت: نعم أعلم؛ وذلك لأنكم أنتم لم تعرفوا قيمته وتخليتم عنه وعن نهجه ولم تسموا أي شيء باسمه، ولأنه شرف لأي تجاه أن يدعي أنه ينتمي للقسام ويتبناه، لذلك تجد القومي والماركسي وغيرهم كلٌ يحاول أن ينسب القسام إليه أو ينتسب للقسام! أما عن سؤالك إن كنت أدافع عنه لأنه شيخ؟ ليس لهذا السبب فقط ولكن لأنه أنصع وأشرف صفحة في تاريخ فلسطين الحديث، لأنه مدرسة في المقاومة وفهم أبعاد القضية ضد الأمة والوطن ... واختصرت وقلت: خلينا الآن في الاستقالة؟ فكان رده رفضها ... التاريخ: 19/11/2018