للأجيال القادمة كي لا تنسى للتعميم والنشر 1-2
بمناسبة مرور عشرين عاما على
مذبحة المسجد الإبراهيمي الوحشية
(25-شباط-1994)
د.غازي حسين
تمر في منتصف شهر رمضان المبارك الذكرى السنوية لمذبحة المسجد الإبراهيمي في الخليل، حيث تعاني مدينة الخليل من أبشع أنواع الإرهاب والوحشية والاستعمار الاستيطاني وتدنيس المقدسات الإسلامية في المدينة وتهويدها.
فالاحتلال الإسرائيلي هو مصدر المآسي والولايات للشعب الفلسطيني وشعوب المنطقة وأهالي الخليل. ففي منتصف شهر رمضان المبارك وخلال صلاة الفجر من يوم الجمعة الموافق في 25 شباط 1994 ارتكب الطبيب الإسرائيلي باروخ غولد شتاين المجزرة الجماعية بحق المصلين في أقدس مساجد فلسطين بعد المسجد الأقصى، حيث انهمر الرصاص على المصلين، الساجدين لله عز وجل في مذبحة لا مثيل لها على الإطلاق في التاريخ البشري وقتل الإرهابي اليهودي والجيش الإسرائيلي في ذلك اليوم الأسود (75) فلسطينياً وجرحوا أكثر من (500) خلال المذبحة والأيام الستة التي تلتها في المدينة.
قتل الإرهابي، الطبيب اليهودي وحده(54) وجرح 270 داخل المسجد، بينما قتل وجرح الجيش الإسرائيلي البقية خلال المواجهات التي تمت بينه وبين أهل الخليل لإنقاذ جرحى المجزرة وللتعبير عن الغضب والسخط على الاحتلال وجرائمه الهمجية. واعترف تلفزيون العدو في اليوم التالي للمذبحة أن الجنود الإسرائيليين شاركوا في "المذبحة".
طبيب يهودي من أصل أميركي هجرّته إسرائيل من بروكلين إلى مستعمرة كريات أربع على مشارفُ الخليل وحقنته فكرياً وسياسياً ودربته على السلاح وقتل العرب وكراهيتهم يفتح رشاشه وقنابله على المصلين المسلمين الساجدين لرب العالمين، وبجانبه جنود جيش الاحتلال الإسرائيلي يقدمون له مخازن الذخيرة الواحد تلو الآخر، ليقتل أكبر عدد ممكن من المصلين من أهالي الخليل خلال تأديتهم الصلاة داخل المسجد، مما يظهر بجلاء كراهيتهم للإسلام والمسلمين.
أعلن الجنرال إسحق رابين، رئيس الوزراء فور الإعلان عن المجزرة "أن المجرم مختل عقلياً"، وذلك للتخفيف من صداها في أوساط الرأي العام العالمي. ولكن سرعان ما قام أصدقاء الطبيب الإسرائيلي السفاح وأكدوا أن غولد شتاين من المؤمنين بالصهيونية قولاً وعملاً، ونفذها عن قناعة وإيمان باليهودية. ونظموا له جنازة ضخمة هتفوا فيها: "ظفر يهودي مقابل مئة رأس عربي".
وقالت السيدة غينسبرغ، المتحدثة باسم حزب كاخ عن الإرهابي
غولد شتاين "نعتقد أنه فعل ذلك لمقتل كاهانا ولحماية دولة "إسرائيل"، ووصفته بأنه شهيد.
تحركت إدارة الرئيس الأميركي كلنتون لتطويق مضاعفات المذبحة فلسطينياً وعربياً لإنقاذ عملية التسوية الأميركية من الانهيار. وطلبت من عرفات ورابين نقل المفاوضات إلى واشنطون.
وأعلنت أنهما قبلا الدعوة في نفس يوم المذبحة، وذلك في الوقت الذي أكدت فيه دمشق وعمان أن الوفود العربية في واشنطون قطعت المفاوضات مع "إسرائيل" بسبب المذبحة.
وعلّق وزير الخارجية الإسرائيلي، سفاح قانا، شمعون بيرس على الموقف العربي بوقف المفاوضات قائلاً: "إنه ليس أمام الفلسطينيين من خيار آخر غير العودة إلى طاولة المفاوضات".
وأكد الجنرال رابين بأن "التصرف الجنوني لن يمنع المصالحة بين الإسرائيليين والفلسطينيين ولن يوقف عملية السلام".
وصرح الرئيس كلنتون في مؤتمر صحفي قائلاً: "ليس صدفة أن القاتل يضرب خلال شهر رمضان المبارك واختار مكاناً مقدساً للمسلمين "واليهود"، وهدفه على الأرجح تخريب المصالحة التاريخية الجارية بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وأضاف أدين بشدة باسم الشعب الأميركي هذه الجريمة".
وشجب وزير الخارجية الأميركي وارن كرستوفر المجزرة، ووصفها بأنها حدث إرهابي، وقدم تعازيه إلى عائلات الضحايا، ودعا إلى التعقل وضبط النفس.
ومن المؤلم حقاً أن دول الاتحاد الأوروبي التي كانت ولا تزال تدين على الفور جرح إسرائيلي واحد، سكتت عن الجريمة البشعة التي سببها الاحتلال، باستثناء فرنسا التي أدانتها، كما اتسم رد فعل بعض الأطراف العربية بالخجل لأنهم لا يريدون إغضاب "إسرائيل" والولايات المتحدة الأميركية وعرقلة مساعي التسوية الأميركية.
ووافق رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات على الطلب الأميركي بنقل المفاوضات من مصر إلى أميركا تلبية لطلب الرئيس الأميركي، ولم يكن قد جف دم الضحايا بعد، وظهر بجلاء أن قلقه على مصير المفاوضات يفوق قلقه على توفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني.
***