غاليلو برتولد بريخت
محمد زعل السلوم
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
تكمن مساهمة بريخت العظيمة في حدسه الدائم لتنافرات وتناقضات الدافع البشري كانت مسرحية "غاليلو " أكثر مسرحيات بريخت التي أعيدت كتابتها ، والتعديلات ذاتها تروي قصةهذه المسرحية باتجاه الدراما الجدلية. فقد كتبت النسخة الأولى ، في الدنمرك عام1938-1939 ، وقدمت في عرض ناجح من قبل ممثلين ألمان لاجئين وإخراج ليونارد شتيكلفي مسرح زيورخ شاوشبيلهاوس عام 1943 عندما كان المؤلف في أمريكا كان الهدف من المسرحية هو إظهار شخصية غاليلو أنها شخصية قامت بالخيانة الاجتماعية فهدف بريختمن الكتابة المسرحية في هذا العمل ومصدر ارتباك المشاهد هو ازدواجية الشخصية المركزية فقد كتبت هذه المسرحية وسط الخوف من الحرب الذرية وكان بريخت حريصا ألايكون غاليلو العالم المثالي وعالم التاريخ "الفلكي" البعيد عن الواقعوإنما الرجل العادي بمسؤوليات مرتبطة بالحياة الواقعية. والواقع أن بريخت اختارهذا الموضوع لأنه ، على الرغم من مكتشفات غاليلو العلمية ، كان من الصعب تجاهل حقيقة تراجعه المعيب ظاهريا بأنه أخطأ حين هُدد بالتعذيب والموت من قبل محاكم التفتيش.
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
وفي حين يظل مثل هذا الارتداد غير واضح فيما إذا كان نتيجة الجبن أم أنهمكر ، ما دامت نجاة غاليلو مكنته من مواصلة عمله وتهريب نسخة من كتاب " "Discorsi خارج البلد، فقد جهد بريخت للتأكيد على أنالارتداد يعني تجريد العلم من أهميته الاجتماعية ، وترك الكنيسة تعيد تأكيد سلطتهاالبدائية على شعب ذلك العصر. هذا ما ألح عليه في تعديله للمسرحية : ففي النسخةالأولى ، ظهر غاليلو وهو ينفذ عمله سرا ، ولكن في التعديلين التاليين ، صور علىأنه بلا مبدأ بشكل متزايد أكثر فأكثر ، ومضاد للمجتمع بل وحتى مجرم. وتبعا لذلك خططتالمشاهد في " غاليلو " لتضمن استجابات جدلية تجمع النقيضين من قبلالمشاهد. غاليلو هو العالم الكبير من جهة ، واللص الذي يسرق فكرة التلسكوب منهولندا من جهة أخرى. إنه يذهب إلى فلورنسا للحصول على بعض المال " ليملأبطنه" ، ومع ذلك يتحدى الطاعون ليتابع دراسته أثناء وجوده هناك. وأكثر من ذلك، إن كل جزء من تفاصيل التشخيص يطرح لإكمال شخصية غاليلو ككائن بشري كامل. فهوالشهواني الذي نراه أو مرة عاريا حتى الخصر وهو يستمتع بالاغتسال بالماء البارد ،إنه يشعر بالسرور حين يفرك ظهره . يتمتع بشرب الحليب مثلما يتمتع بشرب الخمر.وكرجل عجوز ، ما يزال الأكول الذي يلتهم إوزة بشراهة علما بأنها أكثر الطيور شحما.وكمعلم يظهر أنه رديء ، فحين يقاطعه طالب أثناء عمله يبدي انزعاجه. وكأب يتصرفبقلب جامد تجاه ابنته فيرجينيا ويمنعها من الزواج ، ولذلك نشاهدها فيما بعد عانساعجوزا يسعدها أن تتجسس ضده لصالح محكمة التفتيش. حين يعلن ارتداده في المشهد 13 ،يظهر غاليلو ، كما مثله ليوتون ، سقوطه من خلال ارتسام ابتسامة طفولية عريضة علىوجهه تشير ، كما في وصف بريخت للعرض ، إلى " ارتياح ذاتي من أدنى المستويات" وتماما مثلما لم يترك لمسألة الارتداد أن تكون مجرد مسألة امتداح أو لوم ، فعلى المنوال ذاته وضعت شخصيةغاليلو المتناقضة بكل تفاصيلها لمنع أية استجابة سهلة من المشاهد تجاهه. ومع ذلك ،وعلى الرغم من الواقعية الحية للحدث ، طالب بريخت أن تظهر المشاهد كرسوم تاريخية ،وهذا مؤثر تعزز من خلال العناوين المعلقة خلف الخشبة لتعطي المسرحية شكل درس في التاريخ.
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي