غاز للموت.. وآخر للحياة
سوسن البرغوتي

تواطأ النظام المصري، وارتمى في أحضان المشروع الإحلالي الاستعماري المتمثّل في المرحلة الحالية بحصار الشعب الفلسطيني في القطاع، كل ذنب هذا الشعب الصامد أنه يرفض الاستسلام..
قامت حكومة مصر ببناء جدار فولاذي بادّعاء أن الغاية من إقامته حماية أمن مصر، فهل يمكن أن يهدد شعب ما زال يتصدّى للعصابات الصهيونية بإمكانياته المتواضعة أمن مصر؟.
ولم يقف الأمر عند ذلك الحد، بل عملوا على غسل أدمغة الكثيرين، بأن "إسرائيل" تنوي استقطاع جزء من أرض سيناء لتوطين الفلسطينيين، فإن خطط له العدو، لا أحد منا يقبل بوطن بديل عن فلسطين.
قامت حكومة مصر باعتقال وتعذيب وقتل المقاومين الفلسطينيين، وشكلوا محاكم استثنائية، أحكامها غير قابلة للنقض أو للاستئناف، مهيأة لحمل أحكام سياسية مسبقة الصنع، ويعلنون في كل وقت أنهم نصراء لفلسطين، وأنهم واقعيون ومعتدلون، فماذا عن دعم المقاومة، الطريق الوحيد لمواجهة أشرس القتلة والمجرمين؟. اعتقلوا وعذبوا وحاكموا ثلة من المقاوميين الأبطال، لأنهم انتخوا لدعم المقاومة الفلسطينية.
هدد أبو الغيط وزير خارجية نظام مصر علناً بكسر أقدام الفلسطينيين، إذا ما عبروا الحدود إلى مصر لشراء احتياجاتهم، وفي خبر أخير وليس آخراً، تقوم السلطات العسكرية برش الغاز القاتل، وهدم الأنفاق على رؤوس الأحياء.
لماذا يتعامل النظام المصري مع الفلسطينيين على أنهم الأعداء، بينما عدو مصر الحقيقي يهددها ويطوّقها من الجنوب، ويهدد بتعطيش الشعب المصري، ويتآمر على حق مصر بمياه نهر النيل، أو كما هدد وتوعد ليبرمان في وقت سابق بهدم السد العالي، ومع ذلك يُستقبل قادة العدو بحفاوة؟.


لقد دخلت المقاومة الفلسطينية معركة الانتخابات الداخلية في مصر، والمرشحون الأقوى والأوفر حظاً بالفوز، كل يوظف جرائم الدم والقمع لصالحه، كي يثبت لأمريكا و"إسرائيل" أنه الأقرب إليهم، وأنه الجدير بثقتهم، وأنه يدهم الضاربة في إفناء الشعب الفلسطيني بالقطاع، وكأن تلك المهمة، باتت تحتل مركز أولويات الفائز القادم للعرش.
يبدو أن قمة سرت هي الأخرى، تغاضت عن قصد، ممارسات النظام المصري، واعتبروها شأناً داخلياً، ولم يتبنَ المشاركون جملة اعتراضية واحدة ولو على استحياء، توقف وكر التطبيع عن الضغط المستمر على الجار العربي، واعتداله الخانع ( للجار) الذي يسعى بكل ما أوتي من قوة لتدمير مصر، تلبية لمتطلبات السلام المستحيل.
إن الأمر الذي ينبغي على العرب استذكاره، هو أن غزة كانت عهدة تابعة لمصر، حتى أعادت "إسرائيل" احتلالها عام 1967، ومن المفترض أن تحرير غزة، يبدأ من مصر، أما أن يساهم النظام المصري في القضاء على خط الدفاع الأول عن مصر، فهذه جريمة مركبة.
شهداء يسقطون بسبب رش الغاز السام، ومصر تصدر غاز الحياة لـ"إسرائيل".. مفارقة فظيعة ومؤلمة، ليست لشهود الزور العرب، حكومات وشعب، على جريمة النازية الجديدة برداء عربي، إنما للأجيال القادمة، التي ستشعر بالخزي والإهانة لمجرد تصدير الموت للقطاع والحياة للعدو. كيف سيحترم العالم، من يقتل عن سبق الإصرار والترصد مليون ونصف من البشر، ويمنع عنهم سبل الحصول على الغذاء والدواء؟؟.
إذا هان عليهم تدنيس حلفاؤهم لمقدساتنا، وإذا غضوا الطرف عن تقويض أساسات المسجد الأقصى المبارك، وإذا كانوا يقايضون السلطة بدماء شعب عادوه، لأنه اختار الصمود، فهل تهون عليهم أرض مصر المستباحة من الموساد والقوات المشتركة، وكرامة شعب مصر؟.
لقد آن أوان استفاقة الشعب المصري، لينفض العار، وينزع هذا الوهم الذي يُسمى الأمن القومي، فلم يعد لمصر لا أمن ولا آمان، ولا سيادة ولا ازدهار في زمن سلبه النظام، حتى لقمة عيشه ومياه النيل، وكأنه احتلال داخلي أقسى وأشد علينا وعلى أهلنا في أرض الكنانة. نرجو حكام مصر أن ينسوا فلسطين وشعب فلسطين، ويرفعوا أياديهم السوداء عنه، لكننا في الوقت نفسه نناشد شعب مصر العظيم أن لا ينسى مصر الغالية علينا جميعاً، وأن يعملوا على تحريرها من قيود تدمي كرامة مصر، وقلوبنا..