بدايات مشاهير الكتاب العالميين
نورمان ميلريبدأ نبوغ أغلب الكتّاب الموهوبين منذ الطفولة، فهم ينضجون بسرعة تفوق الآخرين، وتظهر علامات ذكائهم وقوة انتباههم بشكل ملفت، فيثيرون تذمر، أو اعتزاز آبائهم ومدرسيهم بهذا العقل الصغير الذي ينمو بشكل مدهش، ويبحث على الدوام عن أداة يعبّر بها عن ذاته الهائجة التي تغلي بالتخيّلات، إلى أن يعثر على الورقة والقلم، فيختلي بهما إلى آخر يوم من حياته.
وسنتناول في مقالنا هذا أحد أكثر الكتاب تأثيراً في الحركة الأدبية، بكتاباته وبالأصداء التي خلفتها مواقفه الخاصة في المجتمع، من خلال عرض لمحات سريعة عن طفولته، والتطرق إلى أول نصّ كتبه في تلك الفترة القلقة من حياته… والمهم في هذا النص أنه يكشف قوة أسلوبه السردي منذ طفولته.
ربما يكون الكاتب نورمان ميلر( الذي رحل عام 2007) قد نشأ وسط أكبر اهتمام أدبي في عصره، وفي طفولته حصل أيضاً على رعاية كبيرة من والديه، حيث كانت عائلته تعامله مثل "إله صغير"، إذ تميّز بالذكاء وأظهر طاقة لا يمكن السيطرة عليها، كانت تجعله في حركة وانشغال مستمرين. ويذكر أحد أبناء عمومته أن والدة ميلر اشترت له ذات عطلة صيف دفتراً وقلماً وقالت له: «خذْ واكتب شيئاً» ذلك لتمنعه من الحركة.
ولد ميلر عام 1923، وعومل حتى وهو صغير بمقياس الكبار. كان والده يتذمر من الفوضى التي تسود غرفة الصغير نورمان، بينما تطلب الوالدة أن يتركه وشأنه لأنه سيكون "رجلاً عظيماً". فقد بررت كل تصرفاته مهما كانت، مما أثر لاحقاً على اختيار مواضيعه ونفسيات شخوصه. يقول ميلر في مقالة نشرت له عام 1991 في إحدى المجلات: "لو أني ذهبت إلى قمة برج تكساس وأطلقت الرصاص على سبعة عشر شخصاً ستقول أمّي: ما الذي فعلوه حتى أنهم أزعجوا نورمان إلى هذا الحدّ؟"
قبل أن يبلغ السابعة عشرة تكونت لدى ميلر الرغبة في أن يصبح كاتباً كبيراً، وأثناء دراسته في جامعة هارفرد 1948 بدأ كتابة روايته الأولى (العري والموت) فحقق بها شهرة واسعة على الرغم من أنه قلد فيها أسلوب همنغواي، ومنذئذٍ لحقت به صفة "الولد الفظيع".
بعد روايته (جنود الليل ـ 1968) ثم (أغنية الجلاد ـ 1979) عن السجين الأسود كاري كيلمر، صاحب السوابق العديدة في الاعتداء والسرقة، تزايد سخط البنتاغون من أفكار وكتابات ميلر، لكن هذا السخط لم يردعه عن مواصلة فضح الجوانب السلبية في المؤسسات والمجتمع الأمريكيين، بل دفعه إلى انتقاد وكالة المخابرات المركزية الأميركية في عمل روائي ضخم عنون الجزء الأول منه بـ (شبح هارولد ـ 1991). غير أن عودة كاري كيلمر إلى السرقة، ثم ارتكابه جريمة قتل بعد خمس سنين من دفاع ميلر عنه وتبنيه، هزّت حجج الكاتب القائلة بأن المجتمع مسؤول عن جنوحه، كما هزّت قناعته الملازمة بأن كل ما يعتقده صحيح.
وفي لقاء أجراه التلفزيون البريطاني مع نورمان ميلر لدى بلوغه الثامنة والسبعين، بدا "الولد الفظيع" سميناً ببطن متهدلة ويتكئ على عصا أثناء سيره، لكن روحه الساخطة لم تفارقه. وفي ذلك اللقاء يقول: إن العديد من الناس أساؤوا فهم نقده لأمريكا، أو وضعوه في المكان الخطأ، لأن الكاتب مثل الطبيب، ليست مهمته البحث عن العضو السليم في الإنسان، بل العضو المريض لمعالجته، وإنه يحبّ أمريكا ولا يمكنه العيش خارجها.
أما نصه الأول "الغزو المريخي" الذي كتبه وهو في العاشرة من عمره ويتألف من 35.000 كلمة , فينبئ عن نضج مبكر في الكتابة الأدبية، وموضوعه يتناول الجانب المهمل في الذكورة . ويلاحظ فيه كما في جميع كتابات ميلر الأولى إعجابه الشديد بذكائه وحسد الآخرين وغيرتهم منه بسبب هذا. وفي أول قصة له ( أعظم شيء في العالم) التي فازت عام 1941 بالجائزة الأول في مجلة "قصة" الأمريكية يعتقد آل غروت المراهق، بطل ميلر، أنهم يضربونه لأنهم لم يكونوا أذكياء مثله، ولم يكن ذلك عدلاً برأيه.
إعداد وترجمة : سامر الخيّر
http://www.albaath.news.sy/user/?id=1085&a=96082