مع ام كلثوم
عاشت كوكب الشرق ام كلثوم سبعة وسبعون عاما , وغنت في سبعين عاما منها ان كانت طفلة في الخامسة من عمرها وحتى اصبحت في الخامسة والسبعين من عمرها حين توقفت عن الغناء بعد اخر حفلة غنائية قدمتها في ديسمبر 1972 .
وتعد ام كلثوم مدرسة قائمة بذاتها في الغناء العربي , وقد ضمنت اغانيها الكثير من المعاني الاصلية القوية التي تعاطف معها الانسان العربي في كل مكان , وتمكنت من التواصل المستمر باجادة متينة , لم يصل اليها احد ولم يقدر عليها احد مثلها , فكانت مدرسة مستقلة بذاتها , حاول السير على خطاها نجوم الغناء العربي من الاجيال اللاحقة .
فمن الخليج العربي , عوض الدوخي بصوته الاجش , عاش " الامل " لحنا ومعنى , فقدمه اغنية قوية وصادقة , مهدها ام كلثوم في القاهرة ..!! ومن سوريا " فاتن حناوي " بعذوبة , واشراقة الشباب قدمت " الاطل " لحنا ومعنى ولهجة , تجاوبت فيها مع المعنى المشترك على المستوى العربي لغة واحدة .. امل واحد .. والاطلال ذاتها واحدة ..
هكذا تجلت عظمة ام كلثوم في اغانيها الطويلة المميزة بعيشها مقطعا تلو المقطع , بلهفة وتشوق حتى اخر مقطع , فتنطلق الاهات مع الكلمات اعجابا بهذا الاداء.. الذي نعيشه وكاننا نطالع الرواية الطويلة في الادب..
هكذا عشنا الف ليلة وليلة بصوت ام كلثوم فاخذنا الزمان كله في اغنية واحدة , تمتد الى ساعة كاملة ,, واختصرت الزمان والمكان في ليلة واحدة وهي تغني " هذه ليلتي " ..!! بين ماض من الزمان واتى .. الماضي والمستقبل والحاضر في ليلة واحدة .. ولقد توافق ظهور ام كلثوم وانتشارها , عهد كان متميزا بعمالقة الادب والفن العربي , وهي التي بدات طريق الشهرة في القاهرة عام 1920 , وكانت في الثانية والعشرين من عمرها , عندما غنت في اول حفلة لها بالقاهرة .. اقامها الثري " عز ادين يكن " احتفالا بليلة الاسراء والمعراج في قصره بضاحية حلوان من مينة القاهرة .. خاصة وانها بدات مسيرتها الغنائية , بالتواشيح والقصائد وموالد اذكر النبوي الشريف منذ ان كانت طفلة صغيرة تحيي المناسبات الاجتماعية لاهل قريتها الصغيرة " طماي الزهايرة " واهل القرى المجاورة .. وانها ذاقت الفقر وهي طفلة صغيرة , وشعرت بمرارة ذلك في ليلة العيد , عندما م يستطع وادها شراء فستان العيد لها , فقد غنت للعيد , ولليلة العيد الاغنية الخالدة التي نسمعها في كل ليلة عيد جديد وتقول ام كلثوم في مذكرات خاصة بها :
لقد مسحت بقدمي الصغيرتين القطر المصري قرية قرية قبل ان اضع قدمي في القاهرة .
تلك هي الاصالة التي تميزت بها كوكب الشرق فعاشتها صوتا معبرا عن كل الناس , عى اختلاف طبقاتهم وفئاتهم ومستواهم التعليمي .
فكماغنت احب بكل مواقفه ومعانيه في سيرة الحب وانت الحب , وانت عمري , وامل حياتي , الى اخر تلك المجموعة من اغانيها العاطفية الخالدة , نراها تغني للروح وللنفس الامنة المطمئنة , كلمات هي قمة الشعر والنثر في ادابنا , حيث تسمو النفوس , وتصفو العقول وتهدا الخواطر في ملكوت سماوي جميل .. هكذا عشنا اغانيها , بمعانيها , في حديث الروح , ورباعيات الخيام , وسميرة رابعة العدوية التقية ..
وبقدر ما التف الشعب العربي في مصر حول صوت ام كلثوم , التفافه حول زعماء الخالدين , فان نبضات صوتها انتقلت الى سائر انحاء العالم العربي من المحيط الى الخليج , واستقبلت في بيروت عام 1955 من قبل الرئيس اللبناني وشعب لبنان وقدمت في دمشق في نفس السنة نفسها لشادية العرب وكوكب الشرق , ..
وسجلت ام كلثوم نفسها الغنائي الطويل المعنى الكبير , في وحده الوجدان العربي العاطفي والديني , وهي تطرب الانسان العربي في كل مكان بكلمات اغانيها , لتسجد معنى اللغة الواحدة , والوجدان المشترك , وعبرت عن ذلك فعلا وغناء وهي تحيى ليالي الثورة العربية في مصر العرب .. عاما بعد عام باغانى وطنية تبارك الثورة وقائدها بمجموعة من الاغاني الحماسية المعبرة ..
ثوار .. وانا الشعب ..