أساطير الغرب عن الشرق " لفق تسد" : رنا قباني
وعدت في ختام سياحتنا في كتاب (من كوبنهاجن إلى صنعاء)،أن تكون سياحتنا القادمة في هذا الكتاب الذي وضعت عنوانه على رأسهذه السياحة.
سبق لي أن نقلت في كُليمة (المرأة غربا وشرقا بين التحرش والاغتصاب)،جزء من تجربة الدكتورة رنا قباني - مؤلفة الكتاب الذي بين أيدينا- في الغرب :
(الدكتورة رنا قباني : (في مؤلفاتها تنتقد (..) النفاق الغربي في موضوع المرأة العربية والمسلمة. وكشفت رنا قباني في مقدمة كتابها الصادر بالإنكليزية (الروايات الإمبريالية) اعتداءات وقعت عليها عند التحاقها بأول دفعة فتيات في جامعة كامبردج{ حتى أنت يا كامبردج؟!!} التي كانت مغلقة أمام النساء حتى عام 1980.{الآن عرفنا لماذا تم فتحها،أمام الفتيات!!} وذكرت أنها تعرضت إلى موقف في هذه الجامعة التي تعتبر أرقى مؤسسة أكاديمية غربية، تبين حجم النفاق في الغرب في اتهام العرب بعدم احترام المرأة، وذكرت كيف عرض عليها المشرف على أطروحتها للدكتوراه أن تكون عشيقته وأوصى بطردها من الجامعة عندما رفضت ذلك){ جريدة الحياة العدد 12079 في 2 / 11 / 1416هـ.}.).
هذا الكتاب الذي سنقرؤه معا،نُشر أصلا باللغة الإنجليزية،وترجمته إلى اللغة العربية الدكتور صباح قباني،ونشرته دار طلاسبدمشق،والطبعة التي بحوزتي هي الطبعة الثالثة، سنة 1993م. وقد صدر الكتاب في طبعته الأصلية سنة 1986 عن دار (ماكميلان) البريطانية ودار (انديانا يونفرسيتي برس) الأمريكية.
من المقدمة التي كتبها المؤلفة للطبعة العربية :
(هذه الدراسة كتبت في الأصل للقارئ الغربي لتكون إسهاما في تقويض الصورة التي أرسختها في أعماقه منذ القرون الوسطى كتابات الرحّالة والمغامرين الأوربيين عن الشرق والعرب والإسلام. فهؤلاء الرحّالة،وبخاصة من دعموا رؤى عصر الإمبريالية،اكتسبوا في بلادهم أبعادا أسطورية جعلت أي محاولة في الغرب لتكذيب رواياتهم عن الشرق وأهل الشرق إثما كبيرا وخيانة وطنية.)
وقد حصرت في هذه الدراسة على أن أكشف للقارئ الغربي كيف يزدري هؤلاء الكتاب رجال الشرق ونساءه وحقروهم مثلما ازدروا المستضعفين في المجتمع الفيكتوري وحقروهم. (..) وفي محاولتي لنزع هالة القداسة التي أحاطت بهؤلاء الكتاب،ولا سيما (بورتون) و (لورنس)،كان لابد أن أسرد للقارئ الغربي البذاءات التي انطوت عليها كتاباتهم ورسائلهم التي لم تكن تشف عن عقول ثقات من الباحثين والدارسين،حسبما صوروا أنفسهم،بل كانت تنم عن عقد نفسانية،وجنسية،ودينية اعتلجت في سرائرهم ووجدوا متنفسا لها في "شرقهم"الذي اخترعوه. وقد رأيت أن تتجاوز الترجمة العربية عن تلك المقاطع الشائنة ..){ص 11 - 12}.
ونقتطف جزء من المقدمة التي كتبها المؤلفة للكتاب في نسخته الأصلية :
(إن مفهوم الرحلة،باعتبارها وسيلة لجمع المعلومات وتسجيلها،أمر شائع في المجتمعات التي تمارس درجة عالية من القوة السياسية. فالرحّالة يبدأ رحلته وتكون وراءه أمة ذات سلطان تدعمه بنفوذها العسكري والاقتصادي والفكري والروحي،لذا نجده عندما يكتب يضع في حسابه جمهورا خاصا من القراء – ألا وهم أبناء وطنه،وأقران مهنته،وملكه أو راعي رحلته. ولا شك أن وجود هؤلاء نصب عينيه يؤثر على رؤيته ويجعله انتقائيا فيختار من المعلومات أنواعا معينة أو يركز على سمات دون غيرها لمجرد أن لها رنينها في ثقافة أمته. (..) وحين وصف (بيكافيتا) رحلة (ماجلان) التي قام بها في أوائل القرن السادس عشر كتب يقول بنبرة ما لبثت أن تكررت فيما بعد خلال عهد الاستعمار في القرن التاسع عشر :
".. في ذلك اليوم قمنا بتعميد 800 شخص من الرجال والنساء والأطفال. كانت الملكة شابة جميلة تغطيها الملابس البيضاء والسوداء،وكانت شفتاها وأظافرها قانية الحمرة وكان على رأسها قبعة كبيرة من سعف النخيل".
هكذا ينبغي أن يُجعل أهل البلاد المفتوحة يعتنقون دينا جديدا وأن تُحكم السيطرة عليهم.(..) ومن أجل تبرير هذه العبودية المفروضة على شعب ما ركزت الروايات الأوربية على "وحشية وفساد السكان الأصليين"،فاستعمل (كولومبوس Colombus) مثلا حكاية "أكلة لحوم البشر"في القارة التي فتحها من أجل أن يحث اسبانيا على ممارسة تجارة الرقيق. وكذلك كان أمر (كورتس Cortes) حين صور بدقة الطقوس القربانية التي كان يزاولها أهل المكسيك كي يُغفر له ما ارتكبه من عنف ضدهم. لهذا يتحتم أن تقرأ تلك القصص بمنظور آخر وفي ضوء أنه بين عامي 1494 و 1504 مات ثلاثة ملايين أمريكي جنوبي نتيجة أعمال "التهدئة"التي مارسها الاسبان"
إن اختلاق النماذج العرقية والتأكيد على حكاية الهمجية كان شيئا حيويا بالنسبة لمفهوم العالم الاستعماري. ففي أمريكا مثلا كانت ثمة خطة منهجية لتصوير الهندي خاطفا للنساء،وقاتلا للأطفال،وجامعا للرؤوس البشرية،وذلك من أجل تغطية وحشية الرجل الأبيض ضد الهندي. ومن هنا كتب (تيودور روزفلت) في عام 1896 :
"كان المستعمرون الرواد الأوائل يشعرون في أعماقهم أن الحق هو إلى جانبهم،وأن هذه القارة العظيمة لا يمكن أن تترك لعبث الهنود المتوحشين". (..) وتتضمن الروايات الأوربية عن الشرق تركيزا متعمدا على تلك السمات التي تجعل هذا الشرق مختلفا عن الغرب وتنفيه إلى عالم (آخر) وتخفضه إلى مرتبة (الغير) الذي "لا صلاح له". وكان في هذه الروايات الأوربية التي تصف ذلك (الآخر) مقولتان ملفتتان للنظر :
الأولى هي الإلحاح على الإدعاء بأن الشرق هو ( مكان الفسق والملذات)،والثانية هي أن هذا الشرق هو (عالم العنف المتأصل). (..) كان (ريتشارد بورتون Ricgard Burton) واحدا من هؤلاء وأغزرهم إنتاجا. كان رجل الإمبراطورية حيثما ذهب،وكتاباته هي التي عملت ما بوسعها على تأكيد أسطورة "الشرق الجنسي". فهذا الشرق كان بنظر (بورتون) "مجالا محرما"حيث النساء "جوار يمنحن ملذات جنسية"محظورة في وطنه الفيكتوري. وقد ترافق حديث الجنس هذا مع حديث العنصرية،فالنساء في نطاق مؤسسة المجتمع الفيكتوري كن مجموعة هامشية تماما مثلما كانت الأجناس الأخرى مجموعة هامشية في نطاق المؤسسة الاستعمارية. وهكذا كانت النساء الشرقيات محل ازدراء مرتين : مرة لأنهن نساء ومرة لأنهن شرقيات،كما كن نموذجا للجنس في عصر قمعي،فصار تصويرهن واشتهاؤهن تعبيرا مباحا لموضوع محرم.(..) وكان ثمة تداخل بين علم الانتروبولوجيا والرواية وقصص الرحلات. فمن الملفت للنظر أن الرؤية العنصرية للأجناس الأخرى كانت واحدة في تلك الأنواع الثلاثة والمختلفة من الكتابة. إن رواية (كنوز الملك سليمان) مثلا التي كتبها (رايدر هاغارد Rider Haggard) عام 1885 وبيع منها (30) ألف نسخة في السنة الأولى من نشرها والتي كان يقرؤها طلاب المدارس الخاصة (الذين أصبحوا فيما بعد مدراء الإمبراطورية) إن هذه الروايات خلدت كل الأفكار العرقية عن الإنسان البدائي وأبرزت تفوق (العنصر الآنكلو – سكسوني). كما أن رؤية ( بادن – باولBaden – Powel) للحركة الكشفية التي أسسها استعارت الكثير من الوصف الانتروبولوجي لطقوس الشعوب البدائية وذلك من أجل ابتكار تجارب مشابهة للشباب الأوربي الذي كان من المفترض أن يتقنها نظرا "لتفوقه الفطري". أما طرزان،ملك الغابة،الذي ابتكره (ادغار رايسرورو Edgar Rice Burrough) فهو قبل كل شيء إنسان آنكلو – سكسوني أرستقراطي،باعتبار أن الفيكتوريين ما كانوا ليغرموا ببطل من غير طبقتهم أو عرقهم.(..) وقد أصبح هؤلاء الرحالة في أغلب الأحيان خالقي صور أنفسهم كأبطال في العالم الاستعماري و ينادون بانتهاج الصرامة في الحكم من أجل أن يتخلصوا من عقدة تفاهتهم الشخصية.فإذا ما حقروا أهل المستعمرات فإن منزلتهم سوف تبدو كبيرة بالتباين. وإن وصف (بورتون) لأحد أبناء السند يلخص هذه النظرة :
".. إنه كسول ولا مبالي،وقذر،ومدمن،ومعروف بجبنه في أوقات الخطر،في حين أنه يصبح وقحا عندما لا يكون ثمة ما يخشاه،وليسلديه أية فكرة عن الصدق والأمانة" (..) وبعد قراءة ما كُتب في هذا الموضوع وما حوله تشكل عندي يقين قوي بأنه إذا ما أريد التوصل إلى حوار بين الشرق والغرب متحرر من رواسب التراث الاستعماري فإنه لا مفر من بذل جهد حقيقي لإعادة النظر في التصورات الموروثة ونبذ الكثير منها باعتبار أن هذه التصورات لا تزال ممعنة في البقاء وفي خلق الأذى،ولا سيما أن حقنها بالحياة لا ينفكُ يتجدد باستمرار (كما حاولت أن أدلل على ذلك في الفصل الأخير المتعلق بأدب الرحلات المعاصر) فهذه التصورات القديمة والمتجددة إما تحول دون أن نتطلع إلى ما وراءها فنرى ما يجمعنا من روابط إنسانية مشتركة.){ص 13 - 31}.
وهذه إطلالة على فهرسة الكتاب :
الفصل الأول :
الداعرون :
صياغة العداوة
ألف ليلة وليلة
الفصل الثاني :
النص هو الذريعة :
بورتون : الجندي والكاتب
بورتون ونساء ألف ليلة وليلة
دائرة (بورتون) المغلقة
جسد "المتوحش"
الفصل الثالث :
حريم الصالونات.
الفصل الرابع :
رحّالون "شجعان "
(بلانت) يثأر للشرق
رحلات الحجاج
الفصل الخامس
عند المؤمنين
ملاحظات ختامية :
هل من أبرياء في الخارج؟
..
هنا توقفت سياحتنا.
س/ محمود المختار الشنقيطي – المدينة المنورة
س : سفير في بلاط إمبراطورية سيدي الكتاب