ثالثا : ترجمات إســلامـيــة:
لقد ولج المسلمون باب ترجمة معاني القرآن الكريم بعد أن احتلت الترجمات الاستشراقية والقاديانية المكتبة العالمية الإنجليزية وغزت الأسواق العالمية، بل أصبح يتتلمذ عليها باحثون مسلمون ولا سيما أولئك الذين تعوزهم معرفة العربية. ثم إن تلك الترجمات بتعليقاتها السقيمة قد أصبحت مرجعا للفتوى في بعض المحاكم في العالم. وأول ترجمة إسلامية كانت للدكتور عبد الحكيم خان طبعت في مدينة بتيالا بالهند عام 1905م - 1323هـ. وكان المترجم - كما يقول الدكتور الندوي - من أنصار القاديانية وأتباعها ثم عاد إلى الإسلام من جديد.
ومن الترجمات الشهيرة ترجمة محمد أسد المسلم النمساوي المعروف بمؤلفاته القيمة، وحيث إنه أوروبي الأصل والثقافة وعاش مع الإنجليز لفترة طويلة فقد صارت مقدرته في اللغة الإنجليزية كبيرة، وكذلك معرفته باللغة العربية لأنه تلقاها من الأساتذة العرب، وعاش معهم طويلا وبخاصة مع عرب الجزيرة وتشبع بروح الأدب العربي.
وبالرغم من أسلوب الترجمة الرفيع وضلوع المترجم في اللغتين إلا أنه قد تأثر بمنهج التأويل في تعليقاته وترجمته لبعض الآيات التي تنطوي على معجزات . ويتماشى ذلك مع بعض العقائد الباطنية في التأويل التي عرفها الشهرستاني قائلا: ".... وإنما لزمهم هذا اللّقب لحكمهم بأن لكل ظاهرٍ باطنا، ولكل تنـزيل تأويلا ". ومن تلك الأخطاء العقدية الجسيمة: ميله إلى إنكار المعجزات جملة وتفصيلا، فيرى أن نزول الملائكة لنصرة المسلمين في بدر تعبير مجازي يراد منه تقوية المسلمين وتشجيعهم ورفع معنوياتهم ( ص 115، الحاشية ذات الرقم / 92 ) ، كما يفسر التابوت بالقلب الذي فيه سكينة. ولننظر فيما يقوله محمد أسد في ترجمته لإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى في الآية الكريمة: "وَرَسُولا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ" ( آل عمران:49 ) .
And ( will make him ) an apostle unto the children of Israel : I shall fashion out of clay as it were, the shape of your destiny, and then breathe into it so that it might become ( your ) destiny by God`s leave, and I shall heal the blind and the leper, and bring the dead back to life by God`s leave and I shall let you know what you may eat and what you should store up in your houses. Behold, in all this there is indeed a message for you, if you are ( truly ) believers.
يقول المترجم: إنه من الجائز أن يكون إحياء الموتى بواسطة السيد المسيح تمثيلا مجازيا بمعنى إعطائه إياهم حياة جديدة فإنهم كانوا ميتين روحيا، ويضيف أنه إذا صح هذا التأويل - وإني لواثق من صحته - فإبراء الأعمى والأبرص يحمل معنى مماثلا وهو إبراء المرضى من الأمراض الباطنية لأنهم كانوا مرضى روحيا وعميا لا يرون ما هو الصدق.
يضاف إلى ذلك أن المترجم ترجم كلمة رسول بـapostle وهو ما يفتقر إلى الدقة في دلالة اللفظ كما أسلفنا. وكلمة "آية" "برسالة" a message كما فاته أنه شتان ما بين الأكمه والأعمى دلاليا، إذ ترجم الأكمه بـ blind ومعلوم أن الأكمه هو من يولد أعمى. وعليه فيجب أن تترجم blind by birth. اضغط هنا
وأول ترجمـة قـام بها مسلـم إنجليـزي الأصـل هي ترجمة محمد مارماديوك بيكثال M. Marmaduke Pickthall الذي اعتنق الإسلام في القدس وعاش بين المسلمين في كل من فلسطين ومصر وحيدر آباد بالهند. وقد تعلم العربية والقرآن في مدينة القدس. وطبعت هذه الترجمة لأول مرة في لندن عام1930م-1349هـ وأعيد طبعها عام 1948م - 1368هـ وفي نيويورك عام 1931م - 1350هـ وتولت مطبعة في حيدر آباد طبع هذه الترجمة مع النص العربي في مجلدين عام 1938م - 1357هـ ولا يزال يُعاد طبعها في مختلف العواصم الغربية والمدن الهندية والباكستانية إضافة إلى رابطة العالم الإسلامي التي طبعتها في مكة المكرمة.
ويلاحـظ أن المترجـم لم ينزلـق إلى التأويـل في ترجمتـه إلا أنه سـوّى في المعنـى بين "الكرسـي" و "الـعـرش" إذ تـرجمهمـا علـى النحـو التالـي: "وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ" ( البقرة: 255 ) His throne includeth the heavens and the earth "الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى" ( طه:5 ) The beneficent One,Who is estabished on the Throne ومعلوم أن كلمة "كرسي" جـاءت في القرآن الكريـم في موضعين : الأول في الآية السابقة ( البقرة: 255 ) ، والثاني: "وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ" ( ص:34 ) .
ولا شك أن معناه في الموضع الثاني: مكان جلوس الملك ( النبي سليمان عليه السلام ) أما في الموضع الأول فيقول شيخ الإسلام ابن تيمية: إن للعلماء فيه أقوالا: فقد قيل: هو العرش، والصحيح أنه غيره، نقل ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما وغيره. وقيل: الكرسي موضع القدمين، والعرش لا يقدر قدْره إلا الله تعالى.
روى ذلك ابن أبي شيبة في كتاب "صفة العرش" والحاكم في "المستدرك" وقال: إنه على شرط الشيخين ولم يخرجاه، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس.
وقال السُّدِّي : السموات والأرض في جوف الكرسي، والكرسي بين يدي العرش. وقـال الطبري في تفسيره أيضـا: قال أبو ذر رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما الكرسـيُّ في العرشِ إلا كحلقة من حديدٍ ألقيت بين ظهري فلاةٍ من الأرض".
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : هل العرش والكرسي موجودان أو هما مجاز ؟ فأجاب رضي الله عنه: الحمد لله. بل "العرش" موجود بالكتاب والسنة، وإجماع سلف الأمة وأئمتها، وكذلك "الكرسي" ثابت بالكتاب والسُّنةَ، وإجماع جمهور السلف.
والعرش في اللغة عبارة عن السرير الذي للملك، كما قال تعالى عن بلقيس "وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ" ( النمل :23 ) ، وليس هو فلكا، ولا تفهم منه العرب ذلك، والقرآن الكريم إنما نزل بلغة العرب، فهو سرير ذو قوائم تحمله الملائكة، وهو كالقبة على العالم، وهو سقف المخلوقات.
فمن شعر عبد الله بن رواحة :
شهدت بأن وعد الله حــقٌ وأن النار مثـوى الكافرينا
وأن العرش فوق الماء طافٍ وفوق العرش ربُّ العالمينا
وتحمله ملائكـة شـــدادٌ ملائكة الإلــه مسوِّمينـا رابعا : تـرجمـة إسـلاميـة مـزعـومـة:
من الترجمات التي أطراها الكثير من العلماء والباحثين والتي تلقى رواجا في الأوساط الإسلامية الدولية ترجمة عبد الله يوسف علي. وفيما يلي نورد بعض ما قيل في هذه الترجمة:
يقول الدكتور حسن المعايرجي - صاحب كتاب "الهيئة العالمية للقرآن الكريم ضرورة للدعوة والتبليغ": "والترجمة الإسلامية المصدر والأوسع انتشارا هي ترجمة عبد الله يوسف علي ومحمد مرمدوك بكثال وترجمة أبي الأعلى المودودي وآخرين من علماء الهند. وقد أصبحت ترجمة عبد الله يوسف علي، هي التي يعتمد عليها في الدعوة والنشر حتى الآن لحين ظهور تفسير أو ترجمة للمعاني أوفى وأشمل".
أما الدكتور عبد الله عباس الندوي فيقول في معرض تناوله لتاريخ الترجمات الاستشراقية وغيرها: "إنه لما نشطت الحركات التحررية في الهند واختلفت الأوضاع وبلغ المستوى التعليمي والثقافي درجة أعلى من السابق "قيض" الله لهذه المهمة أمثال عبد الله يوسف علي وبكثال والدريابادي للقيام بهذا الواجب الديني".
وفي موضع آخر يقول الدكتور الندوي الذي -كُلِّف من قبل رابطة العالم الإسلامي بالإشراف على الترجمة اليابانية لمعاني القرآن الكريم التي أعدها الحاج عمر ميتا - رحمه الله -: "وكانت ترجمة معاني القرآن للشيخ عبد الله يوسف علي رائدة لي في هذا العمل، فكنت أقرأ هذه الترجمة آية آية، ثم أستمع إلى شرح الحاج عمر ميتا، ولكن سرعان ما اكتشفت أن ترجمة عبد الله يوسف علي لا تخلو من أخطاء وأنها ترجمة بيانية منظومة نظما حرا. وقد أباح المترجم الفاضل لنفسه في ترجمة معاني بعض الآيات تقديم بعض الكلمات وتأخيرها عن محلها في القرآن الكريم وذلك رعاية للنغم الموسيقي".
ويلاحظ أن الدكتور عبد الله الندوي يشيد بالترجمة وريادتها باستثناء بعض الأخطاء الثانوية في الأسلوب من تقديم وتأخير، أما من الناحية العلمية والعقدية فإنه يدافع عن الترجمة موردا ما يلي:
( 1 ) أنه لا يفسر آية إلا وله سند ومرجع من أقوال المفسرين المعترف بهم عند جمهور المسلمين.
( 2 ) أنه قد جعل لكل سورة مقدمة ذكر فيها تاريخ وسبب نزولها نقلا عن التفاسير المعتمدة، وتحرَّى في نقل القصص القرآنية وجمع الأقوال الناقصة الرجوع للمفسرين، وذكر ما يرجحه منها بالتفصيل وأسباب هذا الترجيح.
( 3 ) صدّر كل سورة بتلخيص معانيها وبيان النقاط الهامة التي تساعد القارئ على فهم السورة ومحتوياتها.
وبدراسة مستفيضة لهذه الترجمة تبين للباحث عكس ما ذهب إليه العديد من الكتاب المرموقين في هذا المجال. وقد اتضح لنا أن عبد الله يوسف علي يقوّض بمنهجه أسس العقيدة الإسلامية، وفيما يلي نورد بعضا من الأخطاء العقدية الجسيمة التي وقع فيها المترجم إذ إن حصر تلك الأخطاء يتطلب دراسة مستقلة:
( 1 ) وصف القرآن الكريم بأنه شعر. ويظهر هذا في سورة "الملك" ص 178، حيث يصف المترجم السور القرآنية التي تبدأ من سورة "الملك" إلى نهاية القرآن الكريم بأنها تتكون من قصائد شعرية غنائية قصيرة في معظمها من الفترة المكية، يمكن مقارنتها بالترانيم أو المزامير في الكتب الدينية الأخرى. ويعد المترجم هذه الصفة الشعرية بمنزلة تحول منطقي في مسيرة القرآن الكريم من بدايته:
There is a logical break here. The remaining fifteenth consists of short lyrics, mostly of the Makkan period, dealing mainly with the inner life of man, and in its individual aspects. They may be compared to Hymns or Psalms in other religious literature.
( ينظر أيضا في هذا السياق الصفحات 1686، 1807، 1659، 1647،و1651 ) .
( 2 ) اتباع المترجم المنهج الرمزي التأويلي. وقد اعتمد المترجم على المنهج الرمزي التأويلي اعتمادا كليا لأنه يخدم عنده عدة اتجاهات تفسيرية في التعليقات، فهو يخدم عنده الاتجاه المعتمد على وجود معنيين في القرآن الكريم، المعنى الحرفي الظاهر، والمعنى الباطن. وقد كان الرمز والتأويل ضروريين لإعطاء المعنى الباطن للنصوص وفق فهم المترجم. كما أن هذا المنهج يخدم الاتجاه العقلي الفلسفي عند المترجم حيث إنه كثيرا ما يشرح الآيات القرآنية شرحا عقليا فلسفيا.
ولمعظم الآيات تفسيران عند المترجم: التفسير الحرفي والتفسير المجازي، ولذا تتكرر في ثنايا الترجمة كثيرا عبارات "حرفيا" و"مجازيا" و"الاستعارات" و"الكنايات" و"الرموز" و"الحسي" و"الروحي" و"التأويل المجازي" و"المفهوم الروحاني" و"المعنى السري" و"الرموز الباطنية الروحانية" وغيرها من العبارات المشيرة إلى المنهج التأويلي.
( 3 ) عدُّ الحشر للأرواح دون الأجساد . يقول المترجم في التعليق 5969 ص 1904 :"إن الأزمة الكبرى لكل روح هو البعث حيث يذوب العالم الحسيِّ وينشر أمام الروح سجّلها الروحيّ.
To an individual soul, its resurrection is its supreme crisis : The whole world of sense melts away, and its whole spiritual scroll is laid before it.
وفي التعليق 916 ص 367 - 368، يقول: إن كل روح مفردة تأتي - بعد التحرر من الجسد - كما خلقت بلا شيء سوى سجلها ( تاريخها ) أي الأفعال التي اكتسبتها، والتي هي جزء منها، أما الأشياء الخارجية التي منحت لها لمساعدتها في تطورها فإنها تتركها بالضرورة خلفها.
But each individual soul, after release from the body, comes back as it was created, with nothing more than its history, "the deeds which it has earned". Any exterior things given to help in its development .. it must necessarily leave behind.
وفي التعليق ذاته يقول: يترك الجسد هنا وتخاطب الروح.
Here the body is left behind, and the soul is being addressed.
( 4 ) ينفي المترجم الحقائق الحسية الواردة عن الجنة والنار.
ففـي التعليقات 5051 ص 1626 و1004 ص 401 و4672 ص 514، وغيرها ينفي الطعام والشراب الماديين في الجنة ويتحدث عن الطعام والشراب الروحي، ففي التعليق 5051 يقول: إن الرضا الشخصي في الجنة يُعَبرَّ عنه بثلاثة مجازات منها الطعام والشراب، وفي التعليق 5056 ص 1627 يقول إن النعيم الشخصي معبرّ عنه مجازيا بالطعام والشراب:
Individual satisfaction is expressed in three types or figures of speech : eating and drinking. The individual bliss is figured by meat and drink.
أما الحقائق الحسية الواردة عن النّار فقد تم تأويلها أيضا. فقد فسّر الحشر على الوجوه في التعليق 2303 ص 808 بأنه التعرّض للخزي والعار.
You will come to shame and ignominy, like men thrown down, prone on their faces.
وفي التعليـق 2756 ص 943 يفسّـر المترجـم حسـيـس النـار بأنـه أنيـن الشر "the groans of evil" .
( 5 ) تتضمن الترجمة تأويلا للجن والشياطين. ففي التعليق 2252 ص 796 يفسر الشيطان بأنه اسم لقوة الشر ( Satan ) power of evil. وفي التعليق 3877 ص 1298 يتحدث عن خداع الشر لا خداع الشيطان The deception of Evil. وفي التعليق ذاته يقول إن الشر هو عدونا بينما الآية القرآنية التي يفسرها تقول: "إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا" ( فاطر: 6 ) .
الـخـلاصـة:
لم يألُ أعداء الإسلام جهدا في محاربته بالسيف وبالقلم في محاولة يائسة بائسة للقضاء عليه قضاء مبرما. ولم يتركوا مسلكا إلا سلكوه في معركتهم الخاسرة مع كلمة الله العليا الموجهة للعالمين. ومن الأسلحة النافذة التي استعملت في حجب الوحي الرباني عن بني الإنسان في كثير من البقاع التي لم تنعم بالاستظلال بتعاليم الإسلام سلاح ما يسمى - زورا وبهتانا - بالترجمة القرآنية، وما هي بترجمة لمعاني القرآن الكريم وفقا لمصادر أهل السنة والجماعة وفهمهم لمعانيه. وباستعراض أشهر تلك الترجمات تبيّن أنهّا تقدم صورة للإسلام مغايرة لتلك التي يفهمها المسلمون. فالإسلام قد سُمّي في بعض الترجمات "بالمحمدية" "والمسلمون" "بالمحمديين" والقرآن الكريم "بقرآن محمد" "والوحي" "بالإلهام" و"النبيّ" "بأحد حواريي عيسى عليه السلام"، كما فسرت رسالة الإسلام العالمية الخالدة بأنها رسالة محلية موجهة للعرب دون سواهم وأنها دعوة إصلاحية إقليمية وأن مصدر القرآن الكريم هو محمد صلى الله عليه وسلم. هذا ما زعمته الترجمات الاستشراقية البعيدة كل البعد عن الموضوعية والمنهج العلمي في هذا المجال.
أما الترجمات القاديانية فذهبت إلى أن باب النبوة لم يقفل، وأنكرت عالم الملائكة والجن والمعجزات وأوّلت نعيم الجنة وعذاب النار بأنها من قبيل المجاز لا أكثر. وكذلك الحال بالنسبة للترجمة الذائعة الصيت حتى في الأوساط الإسلامية ألا وهي ترجمة عبد الله يوسف علي، التي تطرى من قبل كبار الكتاب والباحثين وتطبع ملايين النسخ منها بتمويل من بعض الجهات والمراكز الإسلامية التي لم تتنبه إلى مدى خطورتها من الناحية العقدية؛ فمترجمها ينفي بعث الأجساد والنعيم الحسي والعذاب الحسي وعالم الملائكة والجن والشياطين، ونرى الكثير ممن يطرونها يركزون على جمال أسلوبها اللغوي وكثرة التعليقات وكأن الشكل والكم يعول عليهما أكثر من التعويل على المضمون والكيف.
ولولا أن قيّض الله سبحانه وتعالى القائمين على مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة النبوية لتنقيح ما يطبع من ترجمات لمعاني القرآن الكريم والتأكد من سلامته العقدية لظلت الترجمات التي تحاول تقويض أسس العقيدة الإسلامية تكتسح المكتبة العالمية وتغزونا في عقر دارنا. ولا يخفي أن أجيالا من المثقفين المسلمين وغيرهم قد استقت عقيدتها من هذه الترجمات المنحرفة الغاصّة بالخرافات والهلوسات.
إلا أنه مع كل ما تقدم من حرب ضروس على الإسلام فإن الملايين من البشر في مشارق الأرض ومغاربها يقبلون على اعتناق الإسلام الذي يعترف أعداؤه بأنه أسرع الديانات انتشارا في العالم. فلماذا ينتشر الإسلام هذا الانتشار إذا كان حاله ما زعمت ترجمات إستشراقية حاقدة ؟ أم يريدون الزعم بأنه ينتشر بحد السيف وسيف المسلمين قد أُغمد.
إننا نرى أن الترجمات السليمة من الناحية العقدية هي التي تتولى المملكة العربية السعودية نشرها، والمؤتمرات والندوات التي تنظمها أدت دورا مهما في تقديم الصورة الناصعة للإسلام في أنحاء الأرض، وإن استغلال وسائل الإعلام المختلفة لخدمة كتاب الله العزيز وتكثيف المؤتمرات والندوات الدعوية لكفيل - بإذن الله - في جعل نور الله يسطع على ما يلفّه الظلام المنبعث من الشرك، في أرجاء المعمورة. "يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ" ( الصف : 8 ) .
التوصيات:
كي تؤدي أمتنا الإسلامية رسالتها الخالدة نحو البشرية جمعاء بغض النظر عن اللون واللسان، ومع تقلص المسافات نظرا لما منّ الله سبحانه على الإنسان من وسائل اتصال كانت تعتبر ضربا من الخيال ، وازدياد التبادل بين الشعوب، ولملء الفراغ في المكتبة الإسلامية العالمية، وللسهر على توضيح عقيدتنا التي دعت إليها الكتب السماوية كافة كما نزلت على الرسل فإننا نوصي بما يلي:
( 1 ) تأسيس رابطة للترجمة الإسلامية نرى أن يطلق عليها "الرابطة الإسلامية العالمية للترجمة" يكـون من مهامها السهر على ترجمة معاني كتاب الله العزيز وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وكل ما يصدر من مؤلفات إسلامية بحيث لا تنشر إلا بعد إجازتها.
( 2 ) أن تُولي الجامعات العربية والإسلامية هذا الأمر عناية قصوى وذلك على النحو التالي:
( أ ) افتتاح قسم خاص بالترجمة والتأليف في مجال الدعوة الإسلامية بحيث يتم إعداد الدارسين فيه من النواحي الشرعية واللغوية العربية واللغات الأجنبية يمنح فيه الدارس درجة الماجستير أو الدبلوم. وحيث إن للملكة العربية السعودية دورا رائدا في مجال الدعوة فنرى أن يفتتح القسم في إحدى جامعات المملكة.
( ب ) توجيه طلبة الدراسات العليا للبحث في مسائل الترجمة من الناحيتين الشرعية واللغوية.
( ج ) إصدار مجلة دورية محكمة تعنى بقضايا الترجمة الإسلامية.
( د ) تفريغ بعض أعضاء هيئة التدريس ممن لهم الاهتمام والخبرة في هذا المجال لخدمة كتاب الله .
( 3 ) تخصيص منح دراسية للباحثين في هذا المجال سواء أكان ذلك للمبتعثين من الجامعات أم من غيرهم.
( 4 ) عقد دورات تأهيلية للمترجمين والمؤلفين في هذا المجال.
( 5 ) وضع خطة لإنجاز أكبر عدد من الترجمات باللغات المختلفة بدعم حكومي وأهلي ( علما أنه احتفل بترجمة الإنجيل إلى 2000 لغة إلى الآن ! ) .
( 6 ) عقد مؤتمرات تؤكـد عالمية الإسـلام مع التركيـز على أن الإيمان بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم نبيا وبالإسلام دينا جزء لا يتجزأ مما يدعو إليه التوراة والإنجيل وهذا ما حدا ببعض القساوسة لإشهار إسلامهم، وهو ما حدا سابقا بعبد الله بن سلام والنجاشي لاعتناق الإسلام، حيث البشارات تحدد اسم الرسول صلى الله عليه وسلم والجهة التي بعث منها ( مكة المكرمة ) وعدد الصحابة الذين فتحوا مكة المكرمة وغيرها كثير كما أوردنا في البحث.
( 7 ) إنشاء مركز إسلامي دولي يتولى مراسلة الشخصيات العالمية في المجالات كافة للتحاور معها ويزود بأحدث الوسائل الدعوية.
( 8 ) التوسع في افتتاح المعاهد والمدارس الإسلامية والعربية في الخارج لرفد مشروع الترجمة.
( 9 ) توجيه الدعوة للراغبين من الكُتّاب والمفكرين غير المسلمين لحضور دورات مكثفة في الدراسات الإسلامية واللغة العربية بهدف تجلية صورة الإسلام في أذهانهم ودعوتهم إلى دين الله .
(10 ) عقد مؤتمرات دولية باللغة الإنجليزية وغيرها من اللغات الرئيسة حول الإعجاز العلمي في القرآن الكريم مما يسهم في دحض الافتراءات بكون القرآن الكريم من وضع البشر.
(11 ) حيث إن المكتبات العالمية ترحب بالإهداءات من الكتب والمجلات وغيرها فإننا نرى تزويد المكتبات الجامعية والمركزية في البلدان كافة بنسخ من الترجمات المعتمدة من مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة النبوية لتكون عونا في تصحيح المفاهيم لدى القراء هناك.
(12 ) العمل على اعتماد ترجمة موحدة لمعاني القرآن الكريم على مستوى إسلامي عالمي.
(13 ) إعداد قائمة بالترجمات الهدّامة وحظر دخولها إلى بلدان العالم الإسلامي، والتحذير منها وبيان خطرها على المستوى العالمي.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
المراجع
أولا : المراجع العربية:
1- القرآن الكريم .
2- تفسير القرآن الكريم لابن كثير.
3- جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري.
4- الندوة العالمية حول ترجمات معاني القرآن الكريم، طرابلس / ليبيا 1382هـ.
5- الهيئة العالمية للقرآن الكريم ضرورة للدعوة والتبليغ للدكتور حسن المعايرجي، مطابع الدوحة قطر، 1991م .
6- ترجمات معاني القرآن الكريم وتطور فهمه عند الغرب للدكتور عبد الله عباس الندوي، سلسلة دعوة الحق، العدد ( 174 ) مكة المكرمة، 1417هـ.
7- العقائد الباطنية وحكم الإسلام فيها للدكتور صابر طعيمة، المكتبة الثقافية، بيروت لبنان، الطبعة الثانية 1411هـ - 1991م.
8- دراسات في اللغة والأدب والحضارة للدكتور محمد الربداوي، مؤسسة الرسالة بيروت لبنان ، 1400 هـ - 1980م.
9- دور الترجمة الدينية في الدعوة إلى الله تعالى لأبي عبد السلام عبده بوريما النيجري، دار البخاري، المدينة المنورة، 1416هـ / 1996م.
10- محمد في الكتاب المقدس للبروفسور عبد الأحد داود، ترجمة فهمي شما، دار الضياء، عمان، الأردن 1405هـ - 1985م.
11- لا سكوت بعد اليوم، لبول فندلي - شـركة المطبوعات للنشر والتوزيع/ بيروت ، 2001م.
12- عرش الرحمن، لشيخ الإسلام بن تيمية ( تحقيق الشيخ عبد العزيز السيروان، دار العلوم العربية، بيروت، لبنان 1415هـ 1995م.
13- وقفة مع بعض الترجمات الإنجليزية لمعاني القرآن الكريم للدكتور وجيه حمد عبد الرحمن، ندوة عناية المملكة العربية السعودية بالقرآن الكريم وعلومه، في الفترة من 3-6رحب 1421هـ الموافق30 سبتمبر - 3 اكتوبر 2000م.
ثانيا : المراجع الأجنبية:
(1 ) Abderrahman. W. H. ( 1995 ) "Reflection on the Translation of Quranic Idioms" Linguistic Communication Vol. VII, pp. 3 - 11 .
(2 ) Abdu al-Sayyida, A. "Elements for An Arabic - English Dictionary of Arabic Idioms" Journal of Arabic Linguistics ALESCO, Rabat Vol. 36, 1992, pp. 208 - 261.
(3 ) Al-Hilali et al ( 1996 ) The Noble Qur`an King Fahd Complex for the printing of the Holy Qur`an Madinah, KSA .
(4 ) Ali, A.Y.(1946 ) The Holy Qur'an: Translation and Commentary, IPCI SA.
(5 ) Arberry, A.J. ( 1955 ) The Koran Interpreted, 2 vols., Allen & Unwin London .
(6 ) Bucaille, M. ( 1978 ) La Bible, le Coran et la Science l.l.F.S.O, Kuwait.
(7 ) Bell, R. ( 1937 ) The Qur'an, 2 vols, T&T. Clark, Edinburgh.
(8 ) Bolinger, D. ( 1975 ) Aspects of Language, Harcourt Brace Jovanovich, Inc. New York .
(9 ) Ilyas,A. I. ( 1981 ) Linguistic and Extra-Linguistic problems in the Translation of the Holy Qur'an Unpublished PhD. dissertation. University of Saint Andrews.
(10 ) Irving, T. B.(1985 ) The Noble Qur'an Dar Majdalawi, Amman, Jordan.
(11 ) Kidawi,, A.R "English Translation of the Holy Qur`an: An Annotated Bibliography The Message International England, March 1992, pp 17-20.
(12 ) Muhammad Ali, ( 1928 ) Translation of the Holy Quran, Lahore.
(13 ) Newmark, P. ( 1988 ) ATextbook of Translation, Prentice Hall. New York.
(14 ) Palmer, E.H ( 1980 ) The Koran ( The Sacred Books of the East, Vol. Vi), Oxford.
(15 ) Pickthall, M. ( 1930), The Meanings of the Glorious Qur'an, London .
(16 ) Rodwell, J.M ( 1961 ) The Koran, Williams & Norgate, London.
(17 ) Sale, G. ( 1975 ) The Koran , London .
(18 ) Sapir, E. ( 1970 ) Language, Harcourt, Brace & World. Inc.
(19 ) Seidl, J. et al ( 1988 ) English Idioms, OUP, England .
(20 ) Zidan, A. et al ( 1991 ) Translation of the Glorious Qur'an, Biddles., Ltd., Guilford and king`s Lynn, G.B.