قصــة " شرف عتيق"

منذ أن وطئت قدماي عتبة هذه المدرسة،كنت ألتقي بها،كانت تصطحب معها طفلين يوميا إلى المؤسسة التي كنت أشتغل فيها.
كلما حاولت أن أسلم عليها بتحريك رأسي في أدب ووقار كانت تنفر كشاة شمت رائحة الذئب، وكلما التقيت بها وجها لوجه تجفل مني كما تجفل الثيران الوحشية من الأسد.
ما إن تبصرني من بعيد حتى تطأطئ رأسها خجلا وتتصبب عرقا وكأنها صبية لم تبلغ سن الرشد ولم تعرف بعد نواميس الهوى وضروب الحب ومقامات الجوى.
كاد الشك أن يتسرب الى قلبي،إن كان في سلوكي ما يشين أو صدر مني أمر معيب،كنت أعلم أن المعلم رأس ماله وتاج عزه هو أخلاقه العالية وسلوكه المستقيم،وكنت أعلم أيضا أن المعلم مراقب من الجميع فهو القدوة والنموذج الذي يحتذى به،والويل له ان أشارت اليه الأصابع ،فإن منصبه يصبح في مهب الريح ووظيفته في كف عفريت.
تساءلت في سري ما الذي يجعل امرأة في العقد الخامس من عمرها تتحول أمامي الى حصان حرون يجري في كل الإتجاهات ويركل في الخواء.
كانت ذميمة قبيحة الوجه بادية التجاعيد ولم تكن كل هذه الصفات دليلا كافيا لعدم احترام هذه المرأة كغيرها من النساء،فهي في سن أمي وأنا أحترمها فما الذي يدفعها الى تبني هذا السلوك.
كنت أعتقد أن الطفلان من صلبها وأنها أمهما لكن زميلتي نجوى في العمل كشفت لي النقاب عما كان غامضا بالنسبة الي،فالمرأة عانس لم تتزوج بعد،والطفلان ابني أخيها وهي عمتهما،عندئد أدركت لماذا كانت المرأة تتصنع هذا الغنج والدلال اللذان لم يطرحا على تفكيري أبدا.
ساعتها بدأت أعرف لماذا كانت هذه السيدة تحاكي تلميذات المدارس في مشيتها،وترتدي الجلا ليب على مقاسها وتبدي ما تبقى من أنوثتها ومفاتنها.
كانت ترافق زوجة أخيها التي لم تتجاوز العقد الثاني من عمرها،تتبعها كظلها وتلازمها في دخولها وخروجها،وفي الطريق ترمق الرجال والشباب بنظرات حادة مخافة أن يعمد أحدهم الى لمس زوجة أخيه أو يظفر منها بنظرة أو يغمزها بطرف عينيه أو يسرق منها مراهق ابتسامة او نظرة.
لا شيء يزعجها غير اهتمام الرجال بزوجة أخيها،في حين يهملونها هي مما يجعلها تزداد حنقا وتردد على مسامع الجارات:
ـ هؤلاء الرجال عميان ألم يبصروا العفة والشرف يقفان أمامهم، ألم ينظروا الى هذه الحيية المحتشمة التي لم يلمسها رجل بعد.
وتتغامز نساء الحي ويشرعن في الضحك من امرأة عجوز ما تزال تعتقد أنها في أوج الشباب وعز النضارة فهي ماتزال تؤكد على مسامعهن ان الحفاظ على البكارة هو الصبا والطفولة نفسها،وما دونها لا يساوي شيئا.
حين عرفت قصتها وتأكدت أنها مريضة نفسيا تذكرت ما قرأته في كتب علم النفس أن المرأة العانس التي لم يلمسها رجل لسنوات طويلة تتحول الى امرأة كيدية تتهم أول رجل تلقاه في طريقها بالإغتصاب ليزج به في السجن والى الأبد.
شرعت في الإبتعاد عنها كلما رأيتها متوجهة نحوي ولكنها أدركت نفوري بدأت تتقرب مني وتحييني وأنا لا أحييها ولما جن جنونها تبعتني حتى وجدت الفرصة سانحة وقالت لي إنني أحبك.
أصبت بالرعب وفي الحال أجبتها: انني متزوج ولي زوجة غادة حسناء وابن في سن الزهور وأحبهما معا.
حدقت في وجهي وبغضب ظاهرقطبت حاجبيها وبصقت على الأرض وقالت لي :
ـ تفو انني أكره الرجال.
تركتها تزمجر كالعاصفة وعدت الى بيتي.
وفي الغد لم ترافق ولدي أخيها الى المدرسة ومر أسبوع دون أن يظهر لها أثرولما سألت عنها قيل لي انها عادت الى منزل أهلها في القرية لتقضي ما تبقى من عمرها في انتظار الذي يأتي أو لا يأتي.


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوقيع
http://khalidabdellatif.jee ran.com/profile


khalid-abdellatif@hotmail.c om