بسم الله الرحمن الرحيم
للزوج نصيب في مرتب زوجته
خالد عبد الرحمن الشا
الفئات الرئيسية للموضوع
القفص الذّهب
الحياة الزوجية
كثر الحديث في الآونة الأخيرة حول راتب الزوجة ونصيب الزوج منه بين مؤيد ومعارض، ومع تزايد أعداد النساء العاملات اللائي يتقاضين رواتب تزداد المشكلة. ويمكن تناول هذه القضية عبر عدد من الوقفات:
أولاً: الأصل في المرأة أن تكون مخدومة مكفولة:
الأصل في المرأة أن تكون مخدومة مكفولة في كل مراحل عمرها، بنتاً وزوجاً وأماً وأختاً، وإن انقطع عائلها وجب أن يجري لها من بيت المال مايكفيها.
روى الترمذي وابن ماجة أن رسول الله عليه الصلاة والسلام خطب في حجة الوداع، وجاء في خطبته أنه حمد الله وأثنى عليه وذكر ووعظ وقال: «ألا واستوصوا بالنساء خيراً فإنما هُنَّ عَوَان عندكم ليس تملكون منهن شيئاً غير ذلك، إلا أن يأتين بفاحشة مبينة...» الحديث، وفيه: «ألاحقُهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن» قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، ومعنى قوله: «عوان عندكم» يعني أسرى في أيديكم.
ومما يوضح الوظيفة الأساسية للمرأة ماجاء في الحديث الصحيح من قول المعصوم عليه الصلاة والسلام: «... والمرأة راعيةٌ على أهل بيت زوجها وولده، وهي مسؤولةٌ عنهم...» متفق عليه.
ولكي يوجد التوازن والتوزيع المحكم للحقوق والواجبات وليتم الإعداد والتهيؤ الوارف للأجيال الناشئة فقد أوجب الله على الرجل النفقة وجعلها فريضة لازمة عليه، قال الله تعالى: {لينفق ذو سعةٍ من سعته} «الطلاق: 6».
بل جاءت الإباحة بأن تأخذ المرأة من مال زوجها مايكفيها وولدها بالمعروف إن كان لاينفق عليها كما جاء ذلك في «الصحيحين» عن أم المؤمنين عائشة- رضي الله عنها- في الذي لايعطي زوجته من النفقة مايكفيها ويكفي بنيها، إلا ماأخذت من ماله بغير علمه وسألت النبي عليه الصلاة والسلام: هل عليَّ في ذلك من جُناح؟ فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام: «خُذي من ماله بالمعروف مايكفيك ويكفي بنيك».
وجاءت النصوص مؤثِّمة للرجل إذا لم يقم بما يجب عليه نحو من يعولهم، ففي المسند وسنن أبي داود عن وهب بن جابر قال: إنَّ مولى لعبدالله بن عمرو قال له: إني أريد أن أُقيم هذا الشهر ههنا ببيت المقدس، فقال له: تركت لأهلك مايقوتهم هذا الشهر؟ قال: لا. قال: فارجع إلى أهلك، فاترك لهم مايقوتهم، فإني سمعت رسول الله عليه الصلاة والسلام يقول: «كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت».
ثانياً: لايجب على المرأة شيء من النفقة على البيت ولا على الأولاد:
أجمع العلماء على تفرد الأب بنفقة أولاده، ولاتشاركه فيها الأُم، بل قد نَصَّ أهل العلم رحمهم الله على أن الزوج إذا أُعسر بنفقة زوجته فإنها تُمكِّن من فِرَاقِه. «زاد المعاد 5/490- 522».
والزوجة لايجب عليها شيء من النفقة على نفسها أوبيتها أو أولادها، فالزوج هو المكلف بذلك، قال الله جل وعلا: {الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم} «النساء: 34».
فسنة الله في خلقه أن القوامة للرجل، لفضله عليها كما دلت الآية الكريمة على ذلك، وبالنظر إلى ماكُلف به من النفقة. وهذه النفقة مقدرة بحسب حال كل من الزوجين بالمعروف، فيجب أن ينفق بقدر ماينفق مثلُه على مثلِها بالمعروف.
كل ذلك وغيره كي يتاح للأم من الجهد ومن الوقت ومن هدوء البال ماتشرف به على ذلك المحضن ومافيه من فراخ زغب، وبما يمكنها معه أن تهيئ نظام البيت وعطره وعبقه وبشاشته.
ثالثاً: أجرة العمل ومرتب الوظيفة حقٌ خالص لمن قام به:
لاريب أن الأجرة التي تأخذها المرأة عما تقوم به من عمل مشروع إنما هو حقها، وليس لأحدٍ أن ينال منه شيئاً بغير رضاها، لا زوجها ولا والديها، ولاغيرهم، فهو محض حقها، وأجرتها التي نالتها بتعبها وكدها، وضعف أنوثتها لايبرر التسلط عليها، بل هذا يدعو لمزيد الشفقة عليها.
وقد ثبت في المسند وسنن الدراقطني عن عمرو بن يثربي قال: خطبنا رسول الله عليه الصلاة والسلام فقال: «ألا ولا يحل لامرئ مسلم من مال أخيه شيء إلا بطيبة نفس منه» الحديث.
وثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: «اعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقُه».
رابعاً: ليس للأب ولا للزوج حقٌ في مال المرأة إلا بما رضيته:
وأما ماثبت في بعض السنن وغيرها أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: «أنت ومالك لأبيك»، فالمعنى فيه كما قال الإمام الحافظ ابن حبان رحمه الله: معناه أنه عليه الصلاة والسلام زجر عن معاملته أباه بما يعامل به الأجنبيين، وأمر ببره والرفق به في القول والفعل معاً، إلى أن يصل إليه ماله، فقال له: «أنت ومالك لأبيك»، لا أن مال الابن يملكه الأب في حياته عن غير طيب نفس من الابن به. وهكذا زوج المرأة من باب أولى، ليس له في أجرة زوجته أي نصيب.
ولايستثنى من ذلك إلا ما إذا كان الزوج قد شرط عليها عند العقد أن يكون له نصيبٌ محدد، كأن يكون له العشر أو الربع، ونحو ذلك، مقابل تكفله بإيصالها، أو مقابل ماقد يناله من القصور في بيته بسبب خروج المرأة، فالمسلمون على شروطهم.
وهكذا الأمر لو اشترطت الزوجة عند زواجها أنه لانصيب للزوج في أجرها على عملها، فكذلك المسلمون على شروطهم، ولايحل له أن يأخذ شيئاً عن غير طيب نفسٍ منها.
خامساً: ينبغي تغليب السماحة على المحاسبة:
المشروع أن يكون بين الزوجين من السماحة مايجعل المال غير مؤثر على علاقتهما، فإن مابينهما من رباط الزوجية لايقدر بمال.
وهكذا صلة المرأة لوالديها ولقرابتها، ينبغي أن تلاحظه شكراً لله على ماوهبها من مال، وقد حفظ عن أمهات المؤمنين أنهن كنَّ يصلن قراباتهن بالمال والأعطيات، وهن خير أسوة لكل النساء.
أما إذا تزوجت المرأة وهي غير موظفة، ثم توظفت فينبغي أن يكون بين الزوجين من التسامح والتعاون مالا يؤثر به المال على علاقتهما، فالزوج إن كان غنياً فإن المروءة أن يستعفف عن مال زوجته وألا يأخذ منه شيئاً، والزوجة الموظفة إن كان زوجها فقيراً فيشرع لها أن تساعده، وأن تقدم ماتستطيعه بنفس رضية، وما أجمل أن تصنع كما صنعت زينب زوجة ابن مسعود، وأن تعمل بما أرشدها إليه النبي عليه الصلاة والسلام.
ففي الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري قال: «خرج رسول الله عليه الصلاة والسلام في أضحى أو فطر إلى المصلى ثم انصرف فوعظ الناس وأمرهم بالصدقة فقال أيها الناس تصدقوا فمر على النساء فقال يامعشر النساء تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار». فقلن: وبم ذلك يارسول الله؟ قال: «تكثرن اللعن، وتكفرن العشير، مارأيت من ناقصات عقل ودين أذهب لِلُبِّ الرجل الحازم من إحداكن يامعشر النساء».
ثم انصرف فلما صار إلى منزله جاءت زينب امرأة ابن مسعود تستأذن عليه، فقيل: يارسول الله هذه زينب! فقال: «أي الزيانب؟» فقيل: امرأة ابن مسعود قال: «نعم ائذنوا لها» فأذن لها، قالت: يانبي الله إنك أمرت اليوم بالصدقة، وكان عندي حُلِيُّ لي، فأردت أن أتصدق به، فزعم ابن مسعود أنه وولدَه أحق من تصدقت به عليهم! فقال النبي عليه الصلاة والسلام: «صدق ابن مسعود زوجك وولدك أحق من تصدقت به عليهم» لفظ البخاري. وفي لفظ آخر عند البخاري وعند مسلم: قال: «نعم، لها أجران، أجر القرابة وأجر الصدقة».
سادساً: كيف تتصرف المرأة بمالها؟
للمرأة سلطانها الكامل على مالها، فهي تنفق منه كيف شاءت، لايمنعها من ذلك أحد، ولاتحتاج لإذن أحد، ولذا فيجدر بالمرأة التي هيأ الله لها وظيفة مباحة تنال من خلالها من مال الله، فتكفي نفسها وتستغني عن الآخرين، يجدر بها أن تلاحظ إنفاق المال في مراضي الله ومحابه، وأن يكون عوناً لها على أمر الدنيا والآخرة، وأن تسعى لاستثماره الاستثمار الأمثل.
ففي القرآن الحكيم: {وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولاتنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولاتبغ الفساد في الأرض إن الله لايحب المفسدين} «القصص: 77».
وثبت في جامع الترمذي عن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه قال: قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: «لاتزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه، وعن علمه فيما فعل به، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن جسمه فيما أبلاه».
ولها خير أسوة بالسابقات الصالحات من الصحابيات، ومن الأمثلة على ذلك:
ما ثبت عن السيدة الجليلة أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها أنها كانت تتجر بالمال، وكان من تجارتها ما أعطته للنبي عليه الصلاة والسلام ليتجر به، ولما تزوجها النبي عليه الصلاة والسلام كان لها من الأثر الحميد في ذلك ماهو معلوم.
وثبت في الصحيحين عن عائشة أُمِّ المؤمنين رضي الله عنها قالت: قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: «أسرعكن لحاقاً بي أطولكن يداً» قالت: فكُنَّ يتطاولن أيتهن أطول يداً. قالت: فكانت أطولنا يداً زينب، لأنها كانت تعمل بيدها وتصدق. لفظ مسلم.
وثبت في المسند وصحيح ابن حبان عن ريطة امرأة عبدالله بن مسعود، أم ولده، وكانت امرأة صناعاً وليس لعبد الله بن مسعود مال، وكانت تنفق عليه وعلى ولده من ثمرة صنعتها، وقالت: والله لقد شغلتني أنت وولدك عن الصدقة، فما أستطيع أن أتصدق معكم، فقال: ما أحب إن لم يكن لك في ذلك أجر أن تفعلي، فسأل رسول الله عليه الصلاة والسلام هو وهي، فقالت: يارسول الله، إني امرأة، ولي صنعةُ فأبيع منها، وليس لي ولا لزوجي ولا لولدي شيء، وشغلوني فلا أتصدق، فهل لي في النفقة عليهم من أجر؟ فقال: «لك في ذلك أجر ماأنفقت عليهم، فأنفقي عليهم».
فالموفقة من استعملت المال فيما ينفعها في الدنيا والآخرة، ولا تبذره فيما لايرجع عليها إلا بالخسار.
***************************
منقول