تصنيع القداسة : سيد قطب نموذجا
بقلم / طارق القزيري
(1)
نعتقد أن السؤال اليوم وبلا رتوش: كيف يمكن استعادة أو تحرير أو إعادة الإعتبار لـ (المسلم) أما هيمنة (الإسلاموي)؟؟، كيف يمكن إعادة الأهلية، للإسلام الشعبي، البسيط والمتواضع، الذي عاشت به شعوب المسلمين، وجاهدوا به، وقاتلوا أعتى حقبة كولونيالية مرت بتاريخ الأرض؟؟.
كيف يمكن إعادة الإعتبار للإسلام الطبيعي وهو الدين الذي كانت تكفي كلمة (مخصصة) تقال لينسحب عليك وصفه ورسمه؟؟، في حين تحول على يد الإسلاموي السياسي إلى دين نخبوي تقود إليه الطليعة المؤمنة، ذات المنهج المحدد، والتنظيم المقولب بعناية تناسب مقاسات محددة بطريقة فيها كل الإتقان الممكن عدا مراعاة الإسلام نفسه، وطبيعته السمحة الشعبية والجماهيرية !!!.
لقد قامت حقبة الصحوة الإسلامية كمفهوم انقلابي، ضدا على مفاهيم الإسلامي الشعبي، ونمط حياة المسلمين، ومن أجل أهداف معينة (بوعي / أو بغير وعي)، صارت حياة المسلمين الماضية جاهلية، وصار الإسلام في غربة، وأمتشق الغرباء كل الأسلحة الممكنة، ليجلبوا مجتمعاتهم من نواصيها إلى الطريق المستقيم الذي لا يزيغ عنه إلا هالك.
( وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم، محمد38)، هذه الآية وربما غيرها استخدمت بكثافة لتبرير المد الصحوي، لا لوجوده فقط، بل كذلك لدعواه ومضامينه المتباينة في أحايين كثيرة، ودون حاجة لأي تأمل مانع، ظلت كلمة (تولوا) غير مفسرة بشكل منهجي، فلا شيء مثلا في التفاسير المعتمدة (لدى تيار الصحوة نفسها) يضمن التفسير الساري صحويا، إن في (تولوا)، أو في (يستبدل)، بل إن حتى المعنى اللغوي المجرد الذي يقتضي عدم تجاور المستبدل والمستبدل به معا، وإلا لم يكن هناك استبدال ففي تفسير الطبري: (يُهْلِككُمْ ثُمَّ يَجِيء بِقَوْمٍ آخَرِينَ غَيْركُمْ بَدَلًا مِنْكُمْ يُصَدِّقُونَ بِهِ) إنتهى !!!. مجرد التصديق إذا هو مبرر الاستبدال، الذي يكون بالإهلاك والمجيء بآخرين وفي تفسير الجلالين ((يَسْتَبْدِل قَوْمًا غَيْركُمْ" أَيْ يَجْعَلهُمْ بَدَلكُمْ)) (فتأمل!!!).
لسنا هنا بصدد حصر حجم التغيير الذي أحدثه تيار الإسلام السياسي (الصحوي) عند تناوله واستنطاقه للنصوص الدينية، وكذا فنحن في سياق التمثيل لا التدليل، ألقي نظرة مثلا على آية سورة الرعد(11): (( ... إن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم...)، فالمفهوم الصحوي لها هو معنى إيجابي بمعنى أن الأوضاع السيئة للأمة ستزول بتغيير الأمة لحالها التقوي: أي أن تتقي الله، لكن المفسرين القدامى وهم السلف الذي يقال بضرورة مواكبة فهمهم للدين، فسروا الآية بالمعنى السلبي بمعنى أن المعصية سبب إزالة النعمة وليست سببا لجلبها .. (بالتأكيد ثمة آيات تفيد بأن الطاعة مجلبة للنعمة، ولكن تغيير دلالة النصوص لصالح المشروع السياسي الإسلامي هو الأمر الجدير بالانتباه هنا(.
(2)
ثمة تغير كبير حدث في مفهوم الصحوة، عند أكبر منظريها، وإذا أخذنا سيد قطب كنموذج اليوم، فنجده يردف فعل الصحوة بالشعوب الإسلامية كاملة في كتابه: في التاريخ فكرة ومنهاج يقول : ظن الناس فترة أن الاستعمار قد أفلح، وأن هذه العقيدة قد نامت إلى غير يقظة، فإذا بها تنتفض في صحوة إلى غير سبات!، وإذا بالعالم الإسلامي من أقصاه إلى أقصاه يتجاوب بصيحة واحدة ضد الاستعمار، ويمد يده إلى كل قضايا التحرير ومعاركه في أطراف الأرض.(انتهى).
لكن هذا المفهوم الصحوي سيختلف بالكامل: فلم يسحب من الشعوب صحوتها بل إسلامها، ولو بصفة نظرية، عندما يقول سيد قطب في (المعالم): ((إنه لا إسلام في أرض لا يحكمها الإسلام ولا تقوم فيها شريعته ، ولا دار إسلام إلا التي يهيمن عليها الإسلام بمنهجه وقانونه ، وليس وراء الإيمان إلا الكفر ، وليس دون الإسلام إلا الجاهلية . . وليس بعد الحق إلا الضلال . . .)) انتهى.
الشعوب الصاحية لم تكن آنذاك محكومة بالإسلام، وكانت مسلمة تمارس صحوتها لدى سيد قطب، لكن الأمر تغيّر!! لماذا؟؟ لايمكن هنا أن ننفي المتغيرات التي حدثت مع الكاتب نفسه، وصدامه مع حكام بلده، الذين أيدهم قبلا، بل وطالبهم بتأجيل الانتقال الديمقراطي، فمن صبر سنينا، لن تطول عليه أشهر كما قال سيد نفسه رحمه الله للواء محمد نجيب (سيد قطب من القرية للمشنقة: عادل حمودة).
مرحلة الصدام الإسلاموي مع الناصرية، هي المرحلة التي حرفت وفصلت الإسلاموي عن المسلم، وهذا يعني أن الديكتاتورية هي المفصل الأساس المنتج للظاهرة الإسلاموية، ويعني كذلك ضرورة مدارسة تلك الفترة، لإنجاز هذه المهمة التاريخية، أي سلب أحقية التمثيل الإسلاموي للإسلام، واستعادة حق المسلم في تمثيل دينه، هي مهمة غاية في الوضوح، وبالغة في الأهمية كذلك.
إننا ضمنا نؤمن بأنه بقدر ما سيكون المستقبل للإسلام، فإننا نؤمن أن هذا الإسلام ليس هو إسلام الحركات الإسلاموية الراهنة، بل هو الإسلام السمح البسيط، الخالي من التركيبات السياسوية، والتوظيفات الإيديولوجية البتة، وبالتأكيد أن الإسلام الذي يسجل أكثر معدلات الانتشار بين الأديان والعقائد في العالم اليوم، ليس هو الإسلام الحركي السياسي، حتى وإن زايدت الإسلاموية بذلك، واعتبرته من جنيها ونتاجها.
(3)
عملية الفصل المشار إليها بين الإسلاموي والمسلم، ينبغي أن تعمد إلى نزع القداسة التي يحاول الأول أن يتصف بها، ويتدثر بجلبابها، ولأن نزع القداسة، يقتضي إدعاء أنها مصطنعة، فمعنى هذا أن نتابع ونستقصي، عملية صنعها، كيف تصنع القداسة عبر الخطاب؟؟، هذه هي المهمة الأساس في سبيل إرجاع الإسلاموي من السماء إلى الأرض، وطبع نشاطه بسمته الدنيوية الأصيلة، ولذلك يأتي اعتمادنا على (المرحوم :سيد قطب) كنموذج، صحيح أنه قيل في الرجل مدحا وذما، الكثير الكثير، ولاشك أن نقده، أمام عقلية الاستقطاب الحادة، التي لا تجد إلا التصنيف الحاسم، بين عدو وصديق، أمر غير مشجع، ولكننا نرى أن (سيد قطب) هو المؤثر الأساس في العقل الإسلاموي، ربما نابذ الكثير منهم اليوم سيد قطب في الخطاب، لكن أثره في العقلية الإسلاموية ظل الأكثر حضوراً، وظل نسيج خطابه وفكره، يكّون المادة الأساس في كل الخطابات اللاحقة له.
خطاب سيد قطب خطاب إيديولوجي، وعلى هذه القاعدة سنحاكمه، لنعيده إلى الأرض، وإلى فكره هو وعقله، بدلا من تشبته بالسماء، وإدعاء السير على المنهج المقدس قداسة العقيدة نفسها، طبقا لسيد قطب، إذ يقول في المعالم: ((فالتزام المنهج ضروري كالتزام العقيدة وكالتزام النظام في كل حركة إسلامية..))
(4)
عندما أنحسر التيار الصحوي، وخفتت أصوات أدبياته، لم يكن هذا يعني قط، نهاية فرص استثماره، ففي واقع الأمر ظل الرموز الذين أفرزتهم الصحوة، في نفس مكانتهم الأدبية والرمزية، ولكن مع تغيير خطابهم من الطليعة، والنخبة، والفئة المؤمنة، إلى الخطاب التحشيدي الذي يتناول مفهوم الأمة ككل.
ربما ساهم الانتشار الإعلامي الفضائي في تغيير وجهة الخطاب لرموز الصحوة، ولكن الإسلام الانتخابي ساهم كذلك في هذا التغيير، فعندما تحولت (الجموع الجاهلة) إلى فاعل حقيقي، بعد أن منحتها صناديق الانتخاب القدرة على منح السلطة وسحبها، أو حتى مجرد التشويش على السلطة، لم يعد ممكنا، أن يستمر خطاب الإدانة لقطعان أشباه المؤمنين، ولم يعد شرطا العلم بمفاهيم (المودودي) مثلا، قبل اعتبار الإسلام، وغاب أي حديث عن وجوب العلم بالمنهج أو النظام الإسلامي لصالح مجرد الإقرار أهلية الإسلام لقيادة الأمة والبشرية فقط.
صناعة القداسة: تعني أن نستعير ما يجب للعقيدة، ونسحبه على أفعالنا وإجتهادتنا الحركية، عبر المزاوجة بين الاثنين وإخفاء أحدهما في الآخر، دعنا نقرأ للمرحوم سيد قطب، عندما يقرر نسبية وظنية، المعالم نفسها إذا يقول في كتابه المعالم (وكلها يجمعها - على تفرقها - أنها معالم فى الطريق ، كما هو الشأن في معالم كل طريق ! وهي في مجموعها تمثل المجموعة الأولى من هذه المعالم والتي أرجو أن تتبعها مجموعة أخرى أو مجموعات، كلما هداني الله إلى معالم هذا الطريق !)أنتهي
واضح إذا أن لا يقين في معالم الطريق، ولا يقين في المنهج الذي سيسير عليه الإسلام، بل غاية الأمر اجتهادات وهدايات ربانية، يفتحها على من يشاء من عباده المؤمنين، لكن هذا الأمر النسبي المبيح للتعددية هو مجرد قول خطابي لا معنى حقيقي له، ولا أثر واقعي لدلالاته، فسيد قطب نفسه وقي غمرة حماسة يقول في نفس الكتاب: (إن (المنهج) في الإسلام يساوي (الحقيقة). ولا انفصام بينهما. وكل منهج غريب لا يمكن أن يحقق الإسلام في النهاية. والمناهج الغريبة يمكن أن تحقق أنظمتها البشرية. ولكنها لا يمكن أن تحقق منهجنا. فالتزام المنهج ضروري كالتزام العقيدة وكالتزام النظام في كل حركة إسلامية..)انتهى.
معالم المنهج الظنية الاجتهادية تحولت إلى ما يساوي الحقيقة، والتزام المنهج كألتزام الحقيقة، وسيصير بالضرورة أي رفض للمنهج (الذي وصف بالاجتهادي سابقا) أي رفض أو ممانعة أو معارضة ستصير معارضة للحقيقة، ونقض للالتزام بالعقيدة، هذه القطعية القطبية، تخفي صراعية حادة، فأي تشكيك في منهجنا(الذي لم يعد اجتهادا) هو تشكيك في الإسلام، ليصير اجتهادنا مقدسا. ولا أدل من عنوان لأحد فصول كتب (المرحوم سيد قطب) وهو : طريق وحيد، كتاب: }في التاريخ... فكرة ومنهاج{، ربما لايزال الطريق أمامنا لتبرير وصفنا للمرحوم سيد قطب (ومن سار سيره) بصنّاع القداسة، لذا دعنا نقتبس من المعالم فقرات بالغة الوضوح لندلل على زعمنا ذاك. في فصل ((طبيعة المنهج القرآني) كتاب معالم في الطريق نقرأ على تباعد ثلاث فقرات متحدثة عن النبي (صلعم) :
1- انه كان في استطاعته أن يثيرها قومية عربية تستهدف تجميع قبائل العرب التي أكلتها الثارات ومزقتها النزاعات، وتوجيهها وجهة قومية لاستخلاص أرضها المغتصبة من الإمبراطوريات المستعمرة.. الرومان في الشمال والفرس في الجنوب.. وإعلاء راية العربية والعروبة، وإنشاء وحدة قومية في كل أرجاء الجزيرة. 2- وربما قيل: أنه كان في استطاعة محمد-صلى الله عليه وسلم- أن يرفعها راية اجتماعية، وان يثيرها حرباً على طبقة الأشراف، وان يطلقها دعوة تستهدف تعديل الأوضاع، ورد أموال الأغنياء على الفقراء! 3 - وربما قيل: انه كان قي استطاعة محمد-صلى الله عليه وسلم- أن يعلنها دعوة إصلاحية، تتناول تقويم الأخلاق، وتطهير المجتمع، وتزكية النفوس. وربما قيل: انه-صلى الله عليه وسلم- كان واجداً وقتها- كما يجد كل مصلح أخلاقي في أية بيئة- نفوساً طيبة يؤذيها هذا الدنس.وتأخذها الأريحية والنخوة لتلبية دعوة الإصلاح والتطهير
.
إذا كان ثمة ثلاثة خيارات تاريخية تم تجاوزها نبويا (وبالتالي إلهيا): هي: 1 -الدعوة القومية.
2- الدعوة للعدالة الإجتماعية.
3- الدعوة الأخلاقية.
هذه المرفوضات التاريخية، تحتاج لنقاش، فالقول أنها رفضت يتضمن، التحقق من كونها وجدت دواعيها فعلا، وتم تجاوزها، أما إذا لم توجد دواعيها، ولم تكن واردة في الوعي، فلا يمكن القول بتجاوزها إطلاقا، إذ كيف يمكن تجاوز ما ليس مطروحا، وما ليس موجودا ؟؟؟ الدعوة القومية: إذا أعتمدنا الشعر (ديوان العرب) وكل ما وصل إلينا من الحقبة ماقبل الإسلام،من النصوص والحوادث وتاريخ الوقائع، فمن السهل جدا تقرير أن الوعي القومي لم يكن موجودا، آنذاك، لم يكن العرب يهيمن عليهم وعيهم بذاتهم القومية، لم يذكر أن حاول أحد قادتهم وزعمائهم إثارة الدعوة القومية أصلا، برغم وجود الخصم الممكن أن يشكل مثيرا جماعيا للإحساس القومي (الفرس والروم)، بل لم يذكر أن تبعية بعضهم للفرس والروم، كانت مثار سخط شعبي إطلاقا، وبالتالي فدعوى رفض النبي للمنهج القومي في الدعوة، دعوى غير سليمة، لأن القومية لم تكن في وعيهم أساسا، بل تشهد المأثورات بقوله (صلعم) لقريش حال إتباعهم دعوته: أن تدين لهم (قريش) العرب والعجم.
الدعوة العدالية: تفترض كذلك، تطور في الوعي لم تصل له البشرية بعد، ففي مجتمع رعوي، لم يصل حتى النمط الإقطاعي، كيف يمكن تصور وجود وعي اشتراكي، بل وعلى مستوى قاعدي معين، يصلح ليكون علامة تحريض و تحشيد جماهيري، لم يكن هناك أي وعي حتى في طبقة العبيد، بحقهم الأساس في الحرية، كحق إنساني، كان أقصى الطموح ربما ، المعاملة الأقل قسوة، والأجر الكافي للمعيشة، فهل يمكن أن يصلح وعي تلك الأيام، لتبنى عليه دعوة إصلاحية اجتماعية عدالية؟؟
وكذلك لا يختلف الأمر عن الدعوة الأخلاقية، فحتى(نكاح الشغار)، لم يكن يولّد الشعور بالمثلبة أو بالأهانة، ولم يذكر أي شعر، أو قول، يهجو أحدا، بسبب أخلاقي غير الجبن والفرار أو البخل وعدم قري الضيف الخ!!! أما ماعدا ذلك من البواعث الأخلاقية على الثورة، فلا دليل على وجوده في الوعي العربي، قبل الإسلام، وفي مفتتح الدعوة الإسلامية، يتجاهل المرحوم (سيد قطب): أنه في المجتمعات العبودية: لا يصل الفكر لعمق التناقض الاجتماعي، فيظل الإيديولوجي منفصلا عن الاجتماعي(راجع الجابري مقدمة: نقد العقل السياسي العربي).
لماذا إذا أعتمد سيد هذه العوامل، وأقر بتجاوزها رغم عدم وجود بواعثها؟؟ من الواضح أن سيد لم يقرأ التاريخ، أو لم يستثمره(على الأصح) بقراءة مزامنة، إنه يفسر الماضي بوعي الحاضر، وهذه الحركة الارتدادية، هي وسيلته، ليستعير قداسة الماضي ويسحبها على الحاضر، ليصير منهج اليوم ودعوته، وخطابه، نبويا إلهيا، ( راجع أقواله : عن المنهج، الحقيقة، العقيدة)، ولتكتمل الصورة دعنا نتذكر: ثلاث خصوم لسيد قطب وهم القومية (الناصرية)، الاشتراكية (الشيوعية)، والدعوات المجتمعية المختلفة كالنسوية والإنسانية وغيرها، التي كانت مصر تزخر بها منذ ثورة 1919 وأثارها على الوعي المصري بالذات.
معالم الطريق الإسلاموي إذا : كانت خطابا للنقض، وليس للتأسيس، خطابا للإدانة وليس للمشروعية فقط، هكذا ولد المشروع الإسلاموي ، وهكذا وقعت إدانة الحاضر، بتفسير الماضي وفقا لوعي لحظته هو، قراءة ليست انتقائية فقط، بل تعسفية، لكنها ضرورة في كل خطاب إيديولوجي، إننا هنا أمام عقل يرى الوقائع كما يقول، لا كما هي فعلا. الخطاب الإيديولوجي دائما، ولفقد أي رغبة أو قدرة نقد ذاتي، يزيد يقينياته، بزيادة محاولاته للإقناع، وهكذا يتضح دائما، بأن الأفكار لا تحمل سرها معها، بل تخفيها وتسترها بداخلها، ووحدها القراءة التأويلية تكشف عن أهابها الداخلي، وأوهامها المضمرة.
أعتمدنا كلمات المرحوم سيد قطب كنموذج، فقط لسهولة وصولنا لمصادره وكتبه الآن، وعندما نتتبع أي طرح إسلاموي، بهذه الطريقة، سنجد الكثير، من الدنيوية، خلف الديني، ومن التزامني، خلف المطلق والمتعالي. لهذا فقط، نعتقد بوجوب تحرير الإسلام من الإسلاموي، وإعادة الإعتبار للمسلم، ولهذا لم تقدم الصحوة، أي مفاهيم جديدة للإسلام، ولم تنجح في الاضطلاع بمهمة تجديده، لأنه لم تهتم بمقصود الكلام الإلهي والنص المقدس، بل أهتمت بأن تسحب مقاصد منتزعة ومتعسفة من هذا الخطاب، ليفسر ويشرعن وجودها هي، لا الإسلام ورؤاه الكونية.
البحث في كل الإختلالات التي أحدثها الخطاب (الإسلاموي- الصحوي) بحث يطول جدا .....
وعندما نصل إلى هنا، ثمة كلمة نخفي بها عجزنا وقصورنا، عن قراءة ما يجب قراءته، في اللحظة المناسبة إذ نقول تلك حكاية أخرى...
وها آنا أنهي حديثي بالقول ، تلك حكاية أخرى ....!!!
Abusleem@gmail.com