يبدو لنا من الوهلة الأولى، أننا نملك تواضعا مزعجا، أي يزعجنا من حيث نفهم خطأ، خاصة إن لم نعرف بأنفسنا بين جموع الناس، ليعرفوا من حضر ولبى دعوتهم، وهذا أمر منطقي تماما، لكنها تتحول إلى مرض، أو انزياح نفسي، عندما نبحث عن أنفسنا في كل عمل وكل نفس، بعد أن نتفهم كم ظلمنا أنفسنا طويلا، بحيث لا يطيب لنا مجلس دون أن يكون لنا قصب السبق في الظهور، ونبقى ندور حول ذواتنا، حتى ننكر كل من لا يجاملنا ويدللنا ويرخي علينا سدول المبالغة بالاحترام، ولكننا لانفكر بأبعد من ذلك، عندما تسبب لنا بعد وقت العزلة والانكماش، وتقلص الشريحة المجتمعية التي يتعامل معها، فتنكمش مجالات تواصله بالمجتمع، لأنه لن يجد بغيته كما يريد تماما، ويتحول بعد العزلة لشخص حساس جدا، غير متقبل للنقد.
إن التعامل مع الناس رغم المتاعب، شخذ للذاكرة، وتهذيب للعقل والطباع، ومرونة سلوكية مهمة.
وهنا يجب أن نفرق مابين البحث عن الذات والأنانية، فمن يبحث عن ذاته ليس بالضرورة أناني، بل هو من يستطيع دخول عالم العطاء، بكل نكران للذات، لكنه سيبحث عن ذاته يوماما، وحينها، يكون رصيده من العطاء يسمح للمجتمع أن يكتشفه تلقائيا، بحضوره المميز، وبصمته الفريدة، حتى لو لم يقل هائنذا...
موضوع دقيق جدا نراه ونسمع عنه، ولكن يصعب علينا تفسيره...لذا نجد هؤلاء أكثر من يطرب في التعبير عن نفسه ومنجزاته، ولكنه يتعب من معالجة الناس بعد وقت، ويجب، ليدرك أن نكرانها لوقت معين، تدعوه للعمل الجماعي وليس الفردي، الذي يكرس العزلة بعد وقت، والعمل الجماعي هذا هو من يجعله يكبر ويكبر، وقد لايحتاج ليقول أنا هنا، بل يشار إليه بالبنان فيقال: فعلا هو هنا نحن نراه جيدا.
قد نجد هذا الأمر في كبار السن، وذلك لأنهم يجدون أن العالم قد صار بعيدا عن متناول فهمهم، وينسون أنهم قد يكونون معلمين أو آباء علموا الجيل الجديد هذا العطاء في البداية، لذا فيجب علينا كجيل جديد، كما سقونا وأكرمونا أن نسقيهم بدورنا، خاصة عندما نسيوا سقيا أنفسهم فانعزلوا،و بعد أن جف الإناء، أو ربما قصرنا في دعمهم بالمقابل.هذا مايسمى ردم الفجوة، لكنه ليس بموضوعنا اليوم.
شكرا لكم.
ميسم الحكيم
31-12-2019