كلمة في القراءة والكتابة
إنّ القراءة والكتابة هما أساس الحياة الإنسانية في رقيّها الفكري والثقافي وجانب الإبداع الحضاري والتغيير التاريخي والسمو الروحي والأخلاقي، وهما شرط بلوغ الإنسانية في أوجها والتكريم الإلهي في قمّته، وطريق أداء الرسالة وحفظ الأمانة وضمان الخلافة على الأرض والعلا الأعلى في الوجود، كل هذا لا يتحقق في غياب القراءة ويحصل بالقراءة، وأول مابدأ به نزول القرآن الكريم الأمر الإلهي بالقراءة، فنتائجها غزيرة وفوائدها جمّة لا نهاية لها، أما أيهما أولى وأهمّ وأيهما أسبق في الوجود القراءة أم الكتابة ؟ هو سؤال عبثي وترفي، لأن القراءة والكتابة متلازمتان لا يمكن الفصل بينهما، فمن يقرأ كثيرا يكتب كثيرا ومن يقرأ قليلا يكتب قليلا، أما بالنسبة للتأليف فالامر يتعلق بامتلاك الشخص لمؤهلات الكتابة، اللغوية والمعرفية والمنهجية والفكرية والتنظيمية وغيرها، وتختلف مستويات الكتابة والتأليف تبعا لهذه المؤهلات والقدرات ومدى قوتها على إنتاج المتين والقوي في الفكر والثقافة والأدب والعلم والفلسفة وغيرها، كل في مجال تخصصه، أو مدى نقص وضعف المؤهلات ويكون الناتج ساعتها متواضعا أو متواضعا جدا.

التطور الذي حققه الإنسان بفعل القراءة والكتابة زاد في درجة ارتباط فعل القراءة مع فعل الكتابة، وزاد في درجة حاجة الإنسان إليهما معا، وفي أهميتهما معا، بل صارا هما معا كالماء والهواء والغذاء والكساء والإيواء بالنسبة للإنسان، فبقدر ما يعجز الإنسان على العيش بغير ماء وهواء بقدر ما يحتاج هذا الإنسان - خاصة بعد التطور الذي حققه بفعل القراة والكتابة - إلى القراءة والكتابة في بناء حياته فكرا وعلما وثقافة وتقنية وفنا وأدبا ودينا وغيره وفي بناء جميع مناحي الحياة من دون استثناء، ومثلما تتفجر الحياة بيولوجيا وماديا من الضروريات تتفجر الحياة فكريا وثقافيا وحضاريا وتاريخيا وإبداعيا واجتماعيا من القراءة والكتابة، وتتفجر الكتابة من القراءة كما تتفجر القراءة من الكتابة في التجربة القرائية وفي التجربة الكتابية على السواء، ولما كان حال القراءة والكتابة بهذا المقام، فلا سبيل لنا نحن أمة إقرأ - ولا نقرأ - إلى تحقيق فعلي القراءة والكتابة وتحقيق التفوق والتألق فيي مصاف الأمم المحترمة في التاريخ إلاّ بوعي حقيقة فعل القراءة وحقيقة فعل الكتابة من حيث هو فعل له أصوله وشروطه وعوامله ولوازمه ومناهجه وأنواعه وأهدافه، وممارسة فعلي القراءة والكتابة حسب هذا الوعي وبإخلاص وتفان ومن غير تردد أو خلل أو خيانة للقراة والكتابة، وخارج هذا السياق وهذه الاستراتيجية التي تقوم على الوعي الدقيق والصحيح للعمليتين القراءة والكتابة وعلى بذل الوسع باستمرار وعلى الوفاء والإخلاص للمبادئ والقيّم والأهداف، فكل ما يقوم به الإنسان في مجتمعه هو نقش على الماء.