نجية وحكيم - أدب ونقد
في هذا الرابط موضوع أدبي للأستاذة نجية وتعليق أساتذة كبار عليه.
في الموضوع من سامق أدب الأستاذة كما في نقده من المقياس الرفيع للدكتور حكيم عباس ما يرتقي باللغة إذ يجعل كلا منا يتحسس لغته .
http://www.almolltaqa.com/vb/showthr...d=1#post609208
_____
الأستاذة الفاضلة نجيّة يوسف
تحيّة طيّبة
أعرف أنّك وجميع الأخوات و الأخوة المتابعين انتظرتم طويلا كي أعود لهذا المتصفح أشرح معالجتي لبعض النّصوص التي شاركت في مسابقة الخاطرة الأدبية ، لكنّني تأخرت كثيرا ، ربّما اضطررت تحت قهر الوقت أن أكفّ عن الاستمرار في ذلك ، اليوم أجد متسعا من الوقت لأتقدّم بأسفي الشديد و اعتذاري عن كلّ هذا التأخير .
بقيتُ طيلة الوقت متوجسا من قناعتك أو اعتقادك بأنّني ظلمت نصّك ، لذلك كان هذا هو الدّافع الأقوى الذي ردّني هنا لأبرئ ذمتي من تهمة الظلم !.
كان النّص الذي تقدمت به حضرتك بعنوان "قلب طير" ، يحمل الرقم "12" عند لجنة التّحكيم ، تمّ تقيمه من قِبَلي كأحد أعضاء اللجنة ، تماما كما وضّحت بالأنموذج السابق الذي تناولت به نصّ الأستاذة أنوار عطاء الله ، و هو على النّحوالتالي:-
المعيار الأول : "اللغة السليمة من حيثنواحي الإعراب .. مع الإملاء والضبط بالشكل" ، لهذا المعيار 20 علامة ، المسموح 10 أخطاء لكل خطأ علامتين .
أرجو متابعة اللون الأحمر في النّص المدرج أدناه و الذي يشير للأخطاء التالية:
1. "اعتدتُ على الجلوسِ" : نقول اعتدت الجلوسَ و لا نحتاج لحرف الجر ، فكأنه مستعار من اللهجة العامية .
2. "سَمْلَ البصيرةَ و كتمِ الأنفاسِ" : كتم معطوفة على سملَ ، فهي كتمَ و ليس كتمِ
3. "معلّقٌ هنااااك" : تكرار لحرف الألف هجين على العربية (لكن و لأن البعض يستخدمه لنقل انفعال أو نغمة معيّنة ، لم أحتسبه خطأ للآخرين ، فلن يحسب هنا خطأ أيضا)
4. "يصفُرُ مع الرّيح" : المعتاد أن نقول تصفر فيه الريح ، إلا أنّ الكلام عن ثوب يتحرّك مع الريح ، بسبب حركته يخرج الصفير ، لم أحتسب هذا خطأ ، بل نوهت له فقط لأسجّل غرابة الكلمة هنا و ثقلها.
5. "يا اااااااا أنا" : تكرار للألف هجين على العربية ، و لكن و للأسباب المذكورة أعلاه لم أحسبه خطأ.
كما نرى استطعت أن أكتشف خمسة أخطاء ، ثلاثة لم أحسبها ،
2 خطأ كل خطأ علامتين : 2×2 = 4 ، أي خسر النّص في هذا المعيار 4 علامات بقي له 16 علامة.
المعيار الثاني : " رصانة اللفظ والمعنى والمفردةوجمالية التصاوير والتشابيه ..وكل ما يمت للبليغ والبديع بصلة (30 علامة)"
لترجمة هذا المعيار أرقاما أي علامات ، أعتبرت الخاطرة نصّا قصيرا سهلا كما ذكرت في الأنموذج السابق ، لا يحتمل أكثر من خمسة عشر خطأ ، كل خطأ بعلامتين 15×2=30 ، أكثر من ذلك ستكون علامة النّص صفرا.
أرجو متابعة اللّون الأزرق في النّص الذي يشير لهذا النوع من الأخطاء:-
1. " زهرةَ ياسمينٍ ببياضِ قلبِك الجميلِ تتوسَّطها صُفْرةٌ صغيرة ٌ أَرهقَها هَمُّ الذبول" : ما أجمل هذه العبارة لو لم تخدشها كلمة "تتوسطها" و كلمة "صغيرة" ! فأتت على النّحو التالي : " زهرةَ ياسمينٍ ببياضِ قلبِك الجميلِ يرهقَها هَمُّ الذبول" . كلمة "تتوسّطها" أداة وصف تفصيلي لوضع محدّد بالضّبط في المكان ، بينما الجملة قائمة على تشبيه أدبيّ رائع سمته عدم التّفصيل و التحديد العلمي بالضّبط للمكان .
جاءت كلمة أخرى من نفس جنس الكلمة الأولى وهي "صغيرة" لتزيد من الشرح و التفصيل و تحديد المكان و الحجم و كلّها تميل للأسلوب العلمي في وسط جملة شاعرية مدهشة ، فخدشتها و أسقطت جمالها.
2. "أرقبُ الغيابَ كيف يَرحلُ بين أقدام ِالغائبين" : كيف نرقب الغياب؟؟ ربما نتجاوز هذا كوننا أحيانا نحلّق بخيالنا في عالم الغياب ، فكأننّا نتأمله في داخلنا ، نراه ، فنقول تجاوزا نرقبه ، لا بأس رغم النفور من مدلول كلمة "نرقب" التي تفترض وجود شيء مرئي أمامنا ، إلاّ أن التعبير يتعثّرُ تماما عندما تظهر كلمة أخري في الجملة ، اقحمت غصبا و هي "يرحل" ، فلو تجاوزنا ثقل كلمة "نرقب" منتظرين ما يعدّل التعبير ، سنصطدم بمفردة أخرى أشد نفورا (يرحل)، كيف يرحل الغياب ؟ و هو أصلا راحل عنّا ، بعيد ...
لا يتوقّف تعثّر الجملة هنا بل تتابع المفردات على غير هدى ، فنصطدم بأن الرحيل يحصل بين أقدام الغائبين!!
نرقب الغياب ، نراه يرحل (الغياب الرّاحل أصل يرحل) ، أين ؟ بين أقدام الغائبين .. لا تعطي هذه الجملة أي مدلول أو معنى مطلقا ، بل هي منفرة متعثرة ، تتضارب و تتصادم المفردات فيها على غير هدى.
3. " يجرُّون خَلفَهُمأكياسَ هُمومٍ ، وأيديَهم أتعبَها ثِقلُ المحمولِ" : إضافة لشدّة ركاكة التشبيه و ميوله بمفرداته نحو العامية "أكياس هموم" (!) و "محمول" ، الجملة أيضا تتعثر في نفس ما تعثرت به الجملة السابقة . كيف؟ لنرى : الغائبون الذين نفترض أننا نراهم من خلال مراقبتنا للغياب ، و نرى كيف يرحل الغياب بين أقدامهم (!!) نراهم أيضا "يجرون" شيئا ، فعل "جرَّ" هو غير فعل "حَمَلَ" ، بالتلي ليس من المعقول أن نكمل الجملة فنقول "تعبت أيديهم من ثقل المحمول" ، فهم لا يحملون بل يجرون !!
4. " وعُيونُهم حائرةٌ ما بين غدٍمأمولٍ وماضٍ أرهَقهُم منه ما يجُرُّون": كان بامكان هذه الجملة أن تكون شافية وافية جميلة لو أتت هكذا : "وعُيونُهم حائرةٌ ما بين غدٍمأمولٍ وماضٍ أرهَقهُم" ، فقط ، إلاّ أن إضافة "منه ما يجرّون" أدخل الجملة في مأزقين ، الأول التّكرار ، و الثاني الشرح و التّفصيل و هو قاتل التلمح الذي يكمن فيه سحر الأسلوب الأدبي.
5 + 6." أمُدُّ يدِي إلى ساعِدك(5) الذي يقبضُبكفِّهِعلى أصابِع شوقيويتسلَّق شُباكي ، لنفترشَ(6)معاًبساط حِكاياتِنا الصغيرة َ، ونكهةُ قهوةِ شوقِنا تجمعنا لنَتَذَوَّقَ معارشْفةَ اللقاء"
هذه الجملة فيها تكرار (معا ، معا) ، فيها تفصيل كثير ، إلحاح على رسم الصورة بالضّبط دون ترك القارئ إكمال الصورة ، أو التّدخّل في تركيب جانب يسير منها ، إضافة إلى تفكّكها و فشلها في تقديم حبكة أدبية معقولة ، إضافة لأسلوب صياغتها الضعيف الذي لم يتمكّن من صياغة الفكرة .
فكرة لم تتجلى و أسلوب ضعيف الصياغة دون حبكة أدبية ، مفكّكة ثقيلة المفردات. سأشرح:-
أولا عليّ أن أوضّح أن للإنسان ذراع و بعد الذراع الساعد و بعده الزند ثم الكف فالأصابع، ليس مقبولا و لا مهضوما أن نقول "كفّ الساعد" (ساعدك الذي يقبض بكفه) ، ثم حتى لو أن المقصود وصل القارئ و فُهِم ، فما الذي يجبرنا على هذا اللّف و الدّوران و تعقيد الجملة ؟
كي أوضّح ما قلت ، سأصيغ الجملة بطريقة أخرى لكشف مواطن الخلل فيها ، أي سأحاول أن أردّ الجملة لساحة التّعبير الأدبي ، كي نرى كم هي بعيدة عنه ، ماذا لو قلت هكذا:
"أمدّ يدي لساعدك ، يقبض كفّك أصابع شوقي ، نفترش بساط حكاياتنا الصغيرة ، تجمعنا نكهة قهوة شوقنا في رشفة اللّقاء" ... لم أدخل أي كلمة من عندي ، نفس كلماتك و نفس الصورة لكنّني حذفت التّكرار والتفصيل ، و ربط المفردات من خلال لعبة السبب و المسبب مثل : ساعدك الذي ، يتسلّق لنفترش ، تجمعنا لنتذوّق ...الخ
لاحظي لسنا بحاجة لقول "تتسلّق شباكي" ، دعي القارئ يرسم الصورة التي يريد من تلميحاتنا الأدبية ، هذا هو سحر الأدب ، إن كان لا بدّ من استخدام "يتسلّق شباكي" لا بأس في ذلك ، بل قد يكون جميلا أيضا ، عليك فقط تغيّر موقعها في الجملة و تعيدي صياغتها ، هكذا مثلا:
".... تتسلّق شباكي أمدّ يدي لساعدك ، يقبض كفّك أصابع شوقي ، نفترش بساط حكاياتنا الصغيرة ، تجمعنا نكهة قهوة شوقنا في رشفة اللّقاء "
لاحظي فقط نقلت "تتسلق شباكي" لبداية الجملة لتأخذ دورها في رسم الصورة ، أمّا إذا بقيت في وسط الكلام ، تعرقل الصورة ، بل تضعفها فتختلط عناصرها.
7. " وتجيءُ إليّ َتحمِلُ صُرتَّك" : من المفترض أنّه تسلّق الشباك و جاء ، فكيف يجيء هنا مرّة أخرى ، شيء من ضبابية الأفكار وعدم ترابطها و صعوبة في تسلسلها و انسيابها.
8. " َتحمِلُ صُرتَّك علىظَهرك والتي مَلأْتَ مِنْ قِصصِ الغيابِ والضَّنى" : "على ظهرك" كان تفصيلا و شرحا إضافيّا ، "صرّتك " تخدش الأذن ، "و التي" مُنفرّة في وسط الجملة ، الواو تزيد من ثقلها ، ماذا لو كانت على النحو التالي : "تجيء إليّ مثقلا بالضنى و قصص الغياب"
سهلة سلسة وافية . لكن ربّما تريدين "الصرّة " بالذات لاستخدامها في فكرة و صورة لاحقة ، لا بأس لتكن هكذا إذن: " تجيء إليّ حاملا صرة ملأى بالضنى و قصص الغياب" ،أوصرّتك المملوءة بـ....
9. " تَنثرُها على استحياءٍ فألتقطُما فيها على شَوقٍ" : لماذا على استحياء؟؟ أعتقد أن الخجل هنا ليس في محلّه ، فهو ينثر قصص الغياب و الضنى و لا خجل في هذا ، ضبابيّة الفكرة التي يُراد التعبير عنها، ثمّ ما لزوم "ما فيها" أليست تفصيلا و شرحا إضافيا؟ فهي أقوم لو كانت: "ألتقطها بشوق..الخ" بدلا من ألتقط ما فيها
10. " أسترِقُ السمعَ لماامْتَلأَتْ به جيوبُها من خَشْخَشاتِ الوجعِ": لمن تعود "جيوبها" ؟ من سياق الجملة تعود لقصص الغياب و الضنى الذي نثرها فالتقطها المتكلم "على شوق" ، فكيف يكون لهذه القصص و للضنى جيوبا ؟ حتى مجازا لا تتقبلها النفس لغرابتها و شذوذها.
خشخش : الصوت الصادر عن السلاح أو احتكاك الحديد و المعدن . الخشخشة أيضا هي الصوت الصادر عن الثوب الجديد ، و عن ما يبس من نبات كخشخشة الحصاد ...الخ فهل يستصاغ استخدام الخشخشة للوجع هنا ؟ لم أسمع من قبل بمثل هذا الاستخدام و لا أعتقد أنّه يستوي ، فالوجع نابض ينكّل بنا و ليس كعشبة يابسة ، و لا كمعدن بارد يخشخش.
11. " وعينايمعلقتان بصُرَّتك المملوءةِ بحباتِ زيتونٍ" ، الصرّة ملأى بالضنى و قصص الغياب ، و نفس الصرّة هنا ملأى بحبات الزيتون ، فكيف يستوي هذا ؟ أفكار متضاربة و مفكّكة ومتناقضة. صرّة المسافر و زوادته غير صرّة الضنى و قصص الغياب ، استخدمت الصرّة مجازا ناجحا ثم أعيدت الصرة هنا لتحمل الزاد ؟؟؟!!!
12. " الأرض الثكلى التي تُقبِّل أقدامَ العابرين قبلَ النزوحِ وترثيأجسادَهم قبل أن تُزْرَعَ في القبور" : أي معنى تحمل هذه الجملة ؟ أي مدلول لها ، سوى أنّها كلمات تتزاحم فيما بينها على غير هدى ، تتناقض وتتنافر ... لماذا؟؟ لأنّه لا فكرة واضحة يراد التّعبير عنها ، فجاءت خلطا عجيبا ، سأشرح:-
الأرض ثكلى : يعني أنّها فقدت بعض أو كل أهلها و أحبتها ...جميل
الأرض تقبل أقدام العابرين : رائع ، فلا يُنتظر من الثكلى إلاّ أن تفرح و تقبل أقدام العائدين إليها و العابرين نحوها .
لكن ، يتحطّم كلّ شيء عندما تأتي : "قبل النّزوح" !! كيف تُقبل أقدام العابرين قبل النّزوح ، فهم أصلا عائدون أو عابرون بعد غيابٍ أثكل الأرض ، أي بعد النّزوح و ليس قبل.
و الأسوأ ما أتى بعدذلك بعد "واو" العطف : "ترثي أجسادهم" !! الجزء الأول من الجملة يصور الأرض الثكلى التي نتخيّلها تفرح أو تسعد بعبور النازحين لها وعودتهم فتُقبل أقدامهم ، هذه صورة كاملة تتجلّى فيها حرارة اللقاء بعد النزوح و الغياب .
أمّا النّصف الثاني من الجملة ، فالأرض ترثي أجساد نفس الأشخاص ، هؤلاء العائدون قبل أن يزرعوا في القبور ، هذه صورة مختلفة تماما عن ما جاء في النصف الأول ، كيف نعطف الصورة في الجزء الثاني على الصورة في الجزء الأول وهما متناقضتان ، ضدّ بعضهما ؟؟ ثمّ ، ما العلاقة بين هذا و ذاك ؟ كيف ننتقل بالتعبير من هذه الصورة إلى تلك لتصبح بهذا التشويش و هذا التّخبط؟؟!!
13. " في جوفِ الليلِ زادا للمَعَاد" : "زادا للمعاد"، زائدة ، حشو لا علاقة له بما قبله و دون معنى متّصل ، كان يجب التوقف عند جوف الليل.
14. " وضحكةٌجذْلى تُسابِق ضوءَ القمر تَرتَسِم على شَفتيك المكتنزتين بالحكاياتِ المرَّة" :الضحكة لا ترتسم على الشفاه ، الابتسامة التي تفعل ، أما الضحكة تغمر الفم و الشفاه و الوجه غمرا ، تغمر و لا ترتسم .
ثمّ كيف تضحك الشفة فرحة و تسابق ضوء القمر و هي مكتنزة بالمرارة؟!! مرّة أخرى حبكة أدبية غير موفقة ، و أفكار ضبابية مشوشة تجعل من اللغة أكثر تشويشا.
15. " ويقصِدون عن عمد سَمْلَ البصيرةِ " : هنا خطأ لغوي لم أشأ احتسابه على المعيار الأول كل لا تتآكل العلامة هناك كثيرا ، فحملته هنا على هذا المعيار ، لأن النّص فقد فيه كلّ ما يستحق من علامات ، بالتالي تحميله هنا لن يستنزف مزيدا من العلامات ، هذا التعاون مع النّص ليس مقصورا عليه ، بل فعلتها مع كلّ النّصوص أيضا ، بالتالي تساوت النّصوص بالمعاملة و لم يُميّز هذا النّص بالتّسامح .
أمّا الخطأ اللغوي فهو أن نقول سَمْلُ البصر أو البصيرة كما ورد في النّص و هذا أسوأ : السمل هو للعين و ليس للبصر ناهيك عن البصيرة ، سملُ العين يعني فقؤها ، سَمَلَ عينه أي فقأها ، بحديدة محماة أو غير ذلك من أدوات ، و لا تُقال للبصر فكيف للبصيرة التي هي ليست شيئا ماديا محسوسا يمكن فقؤه!!!!.
هذه الجملة تحتوي أيضا على ضعف ناجم عن التفصيل و الشرح ، إذ لا ضرورة لـ "عن عمد" فقد أتى معناها وافيا في المفردة الأولى "يقصدون" و هذه تكفي تماما.
16. "خُذْني وعَبِّئني في صُرَّتك حكايةَ أنثى" : ماذا أضافت كلمة "عبئني" هنا ؟ لا شيء سوى النشازو النفور و خدش الأذن ، كان يكفي الجملة أن نقول : "خذني في صرّتك حكاية أنثى " ، أنظري ما أروعها هكذا بسيطة مكثّفة سلسة ومحبّبة.
17. "علقَّوها ثوْباً على وتَدِ خِرْبةٍ قديمةٍ تَلُوح ُمع الريحِ" : المقصود أن الأنثى هي من علّقوها كالثوب.
مرّة أخرى ، الجملة تزدحم فيها المفردات التي لا مدلول لها يخدم الصورة أو الفكرة ، بل حشو على غير هدى ، متضارب و متناقض و مفكّك بل مقطّع الأوصال لا علاقة تربطه .
الوتد: ما يُغرس في الأرض أو الحائط من خشب أو حديد و خلافه بقصد التثبيت ، فالوتد يوحي بالتثبيت ، وهو غالبا ما يكون قصيراً ، الوتد تثبت به حبال الخيمة ، و توثق له الدّابة ...الخو ربّما يكون في الجدار لتثبيت شيء .
في هذه الجملة استخدم الـ "وتد" لتعليق الثوب عليه و هذا استخدام غريب (لا أقول خطأ) ، لأنه قد يكون في الحائط كما المشجب ، لكن الجملة فيما بعد بيّنت أن الأمر ليس كذلك ، بل "وتد خِرْبة" ، بكسر الخاء و تسكين الرّاء ، و هذه كلمة من العامية تعنى المكان الخَرِب ، ليست من الفصحى ، هي خطأ لغوي لم أشأ احتسابه في المعيار الأول كي لا تتآكل العلامات هناك كثيرا ، و رأيت إضافته هنا ، إذ لا تأثير له على العلامات في هذا المعيار بعد أن فقد النّص جميع علاماته هنا.
نقول في العربية : خَراب أي ضدّ العمران ، الفعل خَرِبَ (بكسر الرّاء لا تسكينها) ونقول للشيء خَرِب و منها الخَرِبَة (فتح الخاء و كسر الرّاء) موضع أو مكان الخراب و جمعها خَرِبات ، نقول دارٌ خَرِبَةٌ و قرية خَرِبَة
حتى لو صحّ استخدامها كما جاءت في الجملة ، فكيف يكون "وتد خربة" ؟؟؟!! هذه صورة مشوشّة ، تعبير لا مدلول له ، و هو مجرّد حشو عاميّ في رطن.
ثم تابعت الجملة لتقول "قديمة" ، أي خربة قديمة ، هذه أيضا إمعان بالحشو ، فالخراب خراب لا جديد فيه و لا قديم.
إذن الجملة مفكّكة لا معنى لها و هي جملة خَرِبَة.
18. " سَرقوها من سَريرِالطفولة وجَرُّوها بعودِ مِحراثٍ قديم" : هنا في هذه الجملة استعارة من اللهجة العامية دون إدراك للمعنى.
المحراث مكوّن من الشفرة المعدنية التي تنغرس في الأرض فتفتحها و تفكّكها ، و من هيكل خشبي تركّب عليه الشفرة ، و يوصلها لجسم الدّابة أو الآلة التي تجرّ المحراث.
أي أن المحراث يعني الشفرة و الهيكل الخشبي معا.
في العامية يطلقون على المحراث "العود" أو "عود الحراث" ، هنا الجملة في النّّص تاثرت بهذه التسمية العامية باستخدام كلمة "العود" ، و كان يكفي أن نقول محراث ، ليعني (العود) أي الهيكل الخشبي و الشفرة الحديدية.
19. " ثَوبي المرقَّعُ ببقاياهم" : بقايا من؟ الجملة لا توضح بقايامن و لا ما قبلها و لا ما بعدها ، فظلت بقاياهم لغزا في السياق غير مفهوم !
20. "شَعري المنفوشُ علىرأسِ طفلةٍ قديمةٍ يعلُو جسدَ امرأةٍ لفظتها عُيونُهم" : الحقيقة أنّني توقفت كثيرا عند هذه الجملة الغريبة ، سألت نفسي مرارا ماذا تحمل هذه الجملة من مدلولات ؟ ما هي الفكرة ؟ ماذا تريد إخبارنا؟ من الصعب التّكهن ، هل يا ترى كانت الفكرة هي أن المتكلّمة في النّص ، لها جسد إمرأة لكنّها مازلت ببراءة الأطفال ؟ أو صحيح أنّها كبرت و أصبحت إمرأة إلاّ أنها ما زالت تحمل الطفلة بكل ما تعني من براءة وطيبة ؟
و لمّا لم أجد أي عون في الجملة يقطع لي الشكّ باليقين ، بقيت عند ظنّي.
و لو كان ظنّي صحيحا ، فهل مثل هذه الفكرة يتمّ التّعبير عنها بهذه الطريقة ؟ هل طيبة الأطفال و براءتهم في (رؤوسهم ) ؟!! يظل الرأس صغيرا كرأس طفل و شعره منفوش؟؟!!
غريب جدا هذا الرطن ...
ثمّ لو كان كلّ ما افترضته خاطئا ، لماذا نستخدم كلمة "قديمة" ؟.. ليصبح التعبير "طفلة قديمة" (!!) ما معنى طفلة قديمة ؟ أيعقل هذا ؟؟ ، الطفلة طفلة فليس هناك طفلة قديمة و طفلة جديدة و أخرى متوسطة بين هذا و ذاك.
21. "امرأةٍ لفظتها عُيونُهم وبصَقتْها بين يديكَ مزاريبُالألم" : بصقتها دالالة لفظية لا تستوي مع المعنى ، بل لا تستوي حتى مع باقي مفردات الجملة ، مثل "المزاريب" ، فالمزاريب لا تبصق .. لو فقط نذكر هنا قول الشاعر السيّاب في قصيدة أنشودة المطر : " أتعلمينَ أيَّ حُزْنٍ يبعثُ المَطَر ؟ وَكَيْفَ تَنْشجُ المزاريبُ إذا انْهَمَر ؟"
المزاريب تنتحب ، تنشج ، تدمع ، تعزف ، تُزغرد إن شئت ، تصيح تستحثّ السحاب المزيد ، او تنادي الأرض تشرب الغمام ...الخ كيف تبصق؟ كيف تبصق المرأة أصلا ؟ أي رابط بين مضغ الآخرين سيرة امرأة و بين المزاريب؟؟
22. " دَعْني أمُدُّ الصوتَ أناجي أنا" : رطن آخر ، نقول أناجي النّفس ، و لا نقول أناجي أنا.. ربّما يجوز في موضوع آخر مختلف ومحدّد فنقول و لا نشعر بالنّفور : "أناجي الأنا"
23. " فقد حان المغيبُ ودنا لمحراثيالسكون" : نفهم أن المغيب حان موعده ، في مثل هذا الموعد يعود الجميع لبيوتهم ، و الفلاّح الذي يشقّ الأرض بمحراثه يكفّ في مثل هذه الساعة ، يوقف دابته و يفكّ محراثه و يعود آفلا لبيته. لكن هنا كيف يتم إسقاط هذا المشهد في الجملة إسقاطا فجائيّا غريبا ، فصلها عن لبّ ما يُنسج من أفكار و مشاعر ، لو ظلّ المحراث دون أن ينسب للمتكلّم ، لربّما كان أقل خشونة و غرابة ، الحديث فيما مضى كان عن "محراث" ، غير معرّف و لا منسوب و فجأة هنا أصبح محراث المتكلّم ..!!
في ساعة الغروب ترجع الطيور أيضا لأعشاشها ، أليس من الأجمل استغلال هذه الظاهرة؟
24. "عندما يأتي الصَّباحُوتُلملِم صُرَّتَك وقد آذنك عني الرَّحيل ، فقالوا عني ما قالوا" : من هم هؤلاء الذين قالوا؟
هذا إقحام لأشياء ربّما تكون ذاتية في نصّ لم يُنسج أبدا حول فكرة أقاويل النّاس و مضغهم لسيرة المرأة ، فظهر هنا فاقعا ، غامضا مبهما مدسوسا في النّص ، حتى و لو تمّ التلميح في جملة سابقة عن شيء يشابه هذه الأقاويل ، لكنّها ليست في صلب الموضوع ، و لا صلب الفكرة و لا صلب المشاعر التي تفيض هنا.
25. "فبِحقِّ ما جمعتْنا من ليالي السَّمر" : عبارة مغلوطة غير موفقة بتاتا ، حتى لا نقول أنّها رطن آخر ، نحن نقول في العربية : بحق الله ، بحق الحيّ القيوم ، بحق رب العباد ، بحق مالك الأرواح ، بحق من خَلقنا ، بحق من يُحيي و يميت ، بحق من يُسيّر الشمس في السماء ، بحق من خلق النعمة ....الخ ، أي أننا نقصد الله سبحانه مباشرة ، أو استخدام ما يدلّل على الذّات الإلهية و ليس على أحد سواه ، في هذه الحالة نستخدم "مّن" و ليس ما ، فما معنى استخدام : " ما جمعتنا" ؟؟
ثم تتابع الجملة في خطأ آخر إذ أتت "من" ليالي السّمر ، بدلا من "في" ليالي السّمر.
كان من المفروض أن تكون الجملة هكذا : فبحق مِن جمّعنا في ليالي السمر، ، حتى هكذا فهي اشتقاق عن العامية لا ضير فيه بل يحتاج لصياغة جيّدة.
خطأ لغوي لم أشأ أيضا احتسابه على أخطاء المعيار الأول ، حفاظا على العلامات.
26. "يَسْمُلَ الغيابُ من عيْنيهِ خُضرته" : خطأ لغوي آخر ، احتسبته في هذا المعيار و ليس في معيار الأخطاء اللغوية كما أسلفت .الخطأ مكرّر كما جاء في شرح الخطأ رقم (15).
هذا ما يتعلّق بالمعيار الثاني إضافة لبعض الكلمات أو الجمل التي وضعت تحتها خط و لم ألوّنها ، إذ بدى لي أنّها ضعيفة ، و لأنّها تحتمل وجهات نظر لم أدرجها كأخطاء و لم أحاسب عليها بل اكتفيت بالتنبيه لها.
لا بد من التذكير أنّني هنا أدرجت أربعة أخطاء لغوية كان من المفروض أن تدرج في المعيار الأول ، و لو أزحناها و رددناها للمعيار الأول ، لظلت الأخطاء هنا عشرون خطأ ، بينما المسموح به خمسة عشر فقط كما أشرت في المقدمة ، إذن علامة النّص على هذا المعيار صفر.
المعيار الثالث : "الحبكة الأدبية و ترابط الأفكار و انسيابها ، لهذا المعيار ثلاثون علامة ، قسمتها بينهما ، للحبكة الأدبية 15 علامة و لترابط الأفكار 15 علامة".
بعد تمعّن الشرح التّفصيلي في المعيار الثاني أعلاه ، تجدون ما يبرّر اعتباري أن الحبكة الأدبية في النّص كانت متعثرة ، و الأفكار كانت مشوّشة و متناقضة ، تترابط أحيانا و أحيانا أخرى يضيع ترابطها ، فكان تقديري منح ترابط الأفكار 7 علامات من 15 و الحبكة الأدبية فقط 6 علامات من 15 ، يكون المجموع 12 علامة من 30 علامة.
المعيار الرّابع : "يتعلّق بالعنوان و توافقه مع النّص و مدخل النّص و قفلته و طوله. لهذا المعيار 20 علامة قسمتها على النّحو التالي:
5 علامات لتوافق العنوان ، 5 علامات لطول النّص ، 5 علامات للمدخل و 5 أخرى للقفلة.
هنا في هذا النّص كان تقديري كالآتي:
العنوان: 3 من خمسة ( نسيج النّص لا يوحي للعنوان ، فالذي يرحل و يغيب و يعود هو الطرف الآخر الحبيب و ليس المتكلم في النّص ، هذا إذا اعتبرنا أن الرّحيل و الغياب و العودة يوحي و يبرّر استخدام "الطير" ، ومع ذلك فالعنوان منسجم مع القفلة ، رغم أن القفلة دخيلة ، و نظرا لهذا التوافق وضعت علامة ثلاث من خمسة.).
طول النّص : 2 من خمسة ( النّص فيه تكرار و مراوحة أطالته ، علما أنّه نسبيا مناسب لطول الخاطرة الأدبية .
بقليل من التكثيف في التعبير و الصياغة ، لكان النّص أقصر و أمتع و أصوب ، لذلك ترك انطباع ما بتمديد النص و تطويله دون فائدة بل اعتبرت إحدى نقاط الضعف فيه)
المدخل : 3 علامات من خمسة
القفلة : 3 علامات من خمسة .
إذن حصل النّص في المعيار الرّابع على 11 علامة من 20.
و هكذا لو جمعنا العلامات في كلّ المعايير لكانت على النحو التالي:
16(المعيار الأول )+ صفر(المعيار الثاني)+13 (المعيار الثالث)+11(المعيار الرابع) = 40
شكرا لحسن متابعتكم و صبركم على طول المداخلة ، متمنّيا أن تكون ذات فائدة للجميع
كلّ الاحترام و التّقدير للأستاذة الفاضلة نجيّة يوسف على إتاحة هذه الفرصة لي
كما أطلب من حضرتها المعذرة الشديدة و سعة الصدر على كلّ هذه التفاصيل
حكيم