عناصر الجمال الأدبي في الكلام :
يقول الميداني عن عناصر الجمال الأدبي في الكلام :
أولاً البيان الأدبي:
(أ) للهدف العام من الكلام
(ب) للمضمون الفكري في الموضوع العامّ الذي يجري فيه الكلام، وفي الفكرة الخاصّة التي يَتَحَدَّث عنها.
(ج) لوضع المخاطب وحالته الفكريّة والنّفسيّة والاجتماعية.
(د) لِلْمُنَاخ النفسيّ العام الذي يُلقى فيه، أو يوجَّه له، فالمناخات النفسيّة كثيرة، ولكلٍّ منها أسلوب بياني يلائمه.
وللتوصّل إلى الملاءمة المطلوبة التي هي عنصر مهمٌّ جداً من عناصر الجمال الأدبي لا بدّ من ملاحظة الأمور التالية بعناية ودقّة:
(1) ملاحظة حال المخاطبين أو الّذين يُوَجَّه لهم الكلام وذلك بصفة عامّة. ويدخل في هذا ملاحظة بيئتهم العامّة، ومفاهيمهم السائدة بينهم.
(2) ملاحظة الحالة النّفسية والفكريّة والاجتماعية التي يكون عليها المخاطبون بصفة عامّة.
ويدخل في هذا ملاحظة حالات السلم والحرب والأمن والخوف، وسعة الرزق والجوع، والنّصر والهزيمة، والإِيمان الكُفر والنِّفاق، و الطمع واليأس، والمسرّة والحُزْن، والصفاء والكَدَر، ونحو ذلك من الأحوال النفسيّة الخاصّة، التي يستدعي كلٌّ منها ما يلائمه من أساليب البيان.
ويدخل في هذا أيضاً ملاحظة حالات الذّكاء والغباء، وطمأنينة الفكر واضطرابه، والعلم والجهل، ونحو ذلك من الأحوال الفكريّة التي يستدعي كلٌّ منها ما يلائمه من أساليب البيان.
ويدخل في هذا أخيراً ملاحظة الحالات الاجتماعيّة، كالبداوة والتحضُّر، والرفعة والضِّعة، والقوَّة والضعف، والقيادة والانقياد، ونحو ذلك من الأحوال الاجتماعية التي يستدعي كلٌّ منها ما يلائمه من أساليب البيان.
(3) ملاحظةة الظرفين الزماني والمكاني اللَّذين يُقَالُ فيهما أو يُعدُّ لهما لكلام.
فمن الأساليب البيانيّة ما يلائم ظرفاً من الظروف الزمانيّة أو المكانيّة، في حين أنّه قد لا يلائم ظرفاً آخر.
إنّ ما يلائم في مواسم الأعياد، قد لا يلائم في أوقات التحريض على الجهاد، وما يلائم في مكان الفرح، لا يلائم في كان التَّرَح، وما يلائم في مواطن تأدية النُّسُك، قد لا يلائم في أسواق البيع والشراء، وكذلك العكس، وقس على هذه المتخالفات
{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9)}.
ولكنّ الإِسلام قد عزل السباب والشتائم عن أدبه، وأوصى المسلمين بذلك، فقال الله تعالى في سورة (الأنعام/6 مصحف/ 55 نزول):
{وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّواْ اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الآية 108].
كما عزل عن أدبه ما يسمّى بالأدب المكشوف أو أدب الفراش، وسَتَرَ القرآن عوراتِ هذا المجال بالكنايات والعمومات، مثل:
{أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَآءَ} {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ} {وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ} {مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ} {مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا} {مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ} {فَلَماَّ تَغَشَّاهَا} {هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ}.
* وحين يكون غرض الكلام تحقير من يوجّه الكلام ضدّه، أو السخرية منه، يكون الأُسلوب البيانيّ الأكثر تحقيقاً لهذه الغاية هو الأكثر أدباً، والأرفع منزلة في هذه الحالة، بشرط أن لا يعكس الأثر على موجِّه الكلام.
* وحين يكون غرض الكلام أنْ يستعطف من يُوَجَّهُ له، فيحرِّك لديه عاطفة الشفقة، أو الرحمة أو يحرِّك لديه خُلُق الجود، أو نحو ذلك، يكون الأسلوب البياني الأكثر تحقيقاً لهذه الغاية هو الأكثر أدباً، والأرفع منزلة في هذه الحالة.
* وحين يكون غرض الكلام التودّد والتحبّب لمن يوجّه له الكلام، يكون الأسلوب البياني الأكثر تحقيقاً لهذه الغاية هو الأكثر أدباً والأرفع منزلة في هذه الحالة.
وحين يكون غرض الكلام استرضاءَ مَنْ يُوَجَّهُ له الكلام صراحة أو ضمناً، في دافع من دوافع نفسه، كالكِبْر، أو العُجْبِ بالنفّس، في جمالِ، أو علمٍ أو حَسَبٍ، أو نَسبٍ، أو مكانةٍ اجتماعية، أو قُدْرَةٍ إداريّة، أو حِكْمَةِ أو حُنْكَةٍ، أوغيرِ ذلك، يكون الأسلوب البياني الأكثر تحقيقاً لهذه الغاية هو الأكثر أدباً والأرفع منزلة في هذه الحالة.
وهكذا في سائر أغراض الكلام.
ولكلّ غرض من أغراض الكلام أساليبُ تُنَاسبه، فما يصلح في مجال الحماسة لا يصلح في مجال الإقناع، وما يحلو في الخطابة لا يحسن في مقام التعزية، وما يحسن في الجدل لا يحسن في مقام الاعتذار، وما يلائم بثّ الوَجْد، قد لا يلائم اسْتِجْدَاءَ الرَّفْد، وما يُنَاسِبُ المدح قد لا يناسب الهجاء.
وذوق الأديب البليغ يُحِسُّ بوجوه الملاءمة أوعدمها بين أساليب الكلام وبين الأهداف منه، فيتحَرَّى أفضل الأساليب مُلاَءَمَةً للهدف الذي يقصده من كلامه.
ولا غَرْوَ أنَّ بعض الأساليب الملائمة للهدف أكثر ملاءمة وأعظم تأثيراً من بعض.
ثمّ لكل صنف من أصناف المخاطبين، ولكلّ حالٍ من أحوالهم الفكريّة و النفسيّة والاجتماعية أساليبُ ملائمة، وأساليبُ غير ملائمة، وعلى المتكلِّم البليغ أنْ ينظر في صنف من يريد توجيه كلامه له، وأنْ ينظر في حالته الفكرية والنّفسيّة والاجتماعية، ويُحسن اختيار الأسلوب الكلامي الذي يُلائمه ويؤثّر فيه فرداً كان أو جماعة.
فمن أصناف النّاس: عامّة وخاصّة، وجاهلون وعلماء، وأغبياء وأذكياء ودَهْمَاء وأمراء، وبُدَاة جفاةٌ ومتحضِّرون، وأهلُ حِلْم وعقل، وأهلُ خِفّة وطَيْش، ومنهم من يُمْلَكُ من طريق عاطفته، ومنهم من يُمْلك من طريق عقله.
وهكذا تختلف أصناف النّاس اختلافاً كثيراً، ولكل صنف منهم أساليب من القول تلائمه، وتكون أكثر تأثيراً في من أساليب أخرى.