العقل الغربي والعقل العربي
بقلم: عماد موسى
لن اذهب في البحث والتنقيب بعيدا، ولن الجأ الى الجابري وعبدالله العروي وجورج طرابيشي ومطاع صفدي، وكل المفكرين العرب بكافة مشاربهم الفكرية والفلسفية والدينيةن بل سأبدأ انطلاقا من قول لبورخيس"اتخيل ان الجنة مكتبة" فوجدت ان هذا القول لافت للانتباه، وتساءلت مرارا ومرارا لماذا بنيت الجنة على متصورات دنيوية، في شقها الفيزقي ،والمتمركزة حول اللذات المرأة –ومعادلها الحور العين والخمر، والخالي من الكحول والعسل"،هل هذا المتصور في القرآن عن شكل الجنة وعن نوع الحياة فيها ام انها استعمالات رمزية وتصويرية تناسب العقل العربي بحيث يتم تقريب المجردات بلغة يعرفها، ويفهم معانيها،وليس بغريب ان نجد ابن خلدون قد اكتشف ذلك مبكرا، فلخص لنا اهتمامات العربي في مركزية ثلاثية هي( المراة والخيمة والناقة) .وهذا يؤشر مبكرا الى اهتمام العقل العربي الذي ابدع ايضا في تأنيث اللغة،فالمرأة والناقة مؤنث طبيعي والخيمة مؤنث مجازي، فالخيمة تمثل الرحمية فهو يدخل في رحمها للاحتماء من الشرد والبرد والحر ورمال الصحراء، ايانه ياوي فيها،وأما المرأة فياوي اليها فيها،واما الناقة فهي عنوان الشبقية الجسدية والمتسمة بالعشق الى الذكر.
فالناقة تتسم بالشهوانية،لذا اطلقوا عليها صفة العشق ، و"يشير في جذره الحسي البدئي إلى الشهوة الجنسية الشبقية. شهوة الناقة وهياجها المرتبطة في ذهنية الرجل/ الذكر (الفحل) بالمرأة/ الانثى(الناقة"
وعلى المرأة اطلقوا (العاشقة) و وعلى المراة التي يرغب فيها الرجل بالعشيقة، في احالة دالة على البعد الجنسي،والمرتبط بحقل جنسي حيواني في وصف الناقة: أي إذا اشتدت شهوتها إلى الفحل, أي عشقت.
وهذا ما يدفعنا الى الاعتقاد بان اللغة القرآنية قد جاءت قريبة من لغة الاستعمال اليومي في الفضاء العمومي العربي، فلم يأت على ذكر متصورات للجنة بعيدة عن متصوراتهم في الحياة الدنيا من اجل ان تكون مفهومة وقريبة من الوعي العربي.
وبالتالي بقيت المرأة بؤرة مركزية في العقل العربي بكل متصوراتها الجسدية، ولكنها اخذت سمات قرآنية في تسمية مختلفة اكثر جمالية ،فاطلق القرآن على النساء اسما جديدا هو ( الحور العين). ولكن بورخيس يقدم متخيلا عقليا مختلف تماما،عندما قال:اتخيل ان الجنة على شكل مكتبة) . بورخيس قدم متخيلا معرفيا نظرا لعلاقته بالكتب والمكتبات، فالمكتبة فضاء كبير من عدة طبقات رصت فيه كتب المعرفة والعلوم والاداب. واللافت انه لم يتخيلها مسبحا يعج بالنساء العاريات او المرتديات لملابس تزيد من الاثارة الجنسية ، بل مكتبة بكل ما تحيل اليه هذه المفردة من حقول دلالية متعددة وشاملة.