اختفى المكان تماما و بقيت ذاكرتي عنه مدونة في قصاصة صغيرة :
حكايا زمان
--------------------------
تدهشني هذه الحالة التي تنتابني.. أوقن أنها المرة الأولى التي أمر بها في مكان ما لكن ثمة ذاكرة غريبة أتقاسمها معه.. الروائح و الطعوم و الأصوات و كل تفصيل في المكان ..احد الأصدقاء سماها يوما " ذاكرة المكان " أو " شذى المكان".. و أنا أردها إلى إيماني بعالم ما قبل الجسد!
بعد زيارة لقصر العظم المتحف الدمشقي المشهور بتماثيله الشمعية التي تجسد تقاليد سورية بالعموم و دمشق بالخصوص من حيث اللباس و العادات و الظروف البيئية المحيطة سألني يوسف الصغير : عندما تطفأ أنوار القصر و يذهب الزوار إلى بيوتهم هل تقوم هذه التماثيل و تمارس حياة أخرى في الليل ؟
هي فكرة مدهشة حقا عززتها لدي لعبة الكترونية اسمها" البحث عن المجوهرات " مادتها خرائط متحف ..بقدر ما هو المتحف جميل و قيم بقدر ما هو مخيف عندما تمارس مقتنياته حياة أخرى مستمدة من ذاكرة بعيدة أو حديثة .
و لكن لماذا أحكي عن هذا ؟
حكايا زمان مقهى في قلب دمشق في منطقة يعرفها الدمشقيون، حي "البرامكة "و و يقع هذا المقهى في الدور الأرضي من عمارة حديثة نسبيا بشكل لا يتناسب مع طراز المقهى و اسمه
ثمة غرابة في المكان أنني لدى مروري هناك للوهلة الأولى أحسست بدافع غريب لاستكشاف المكان لكنني لم أدخله .. أكاد اعرف أمكنة الطاولات و الكراسي، شكل الفنجانين و قطع الحلوى التي تقدم هناك و حتى الأشخاص الذين كانوا في المكان يوما عابري سبيل أو زبائن دائمين .
لا بد أن هذا المكان شهد الكثير من قصص الحب و الانفصال و الصداقة والخيانة و الشراكات و شتى المشاعر الإنسانية حتى المتضاربة منها .
أرجأت عودتي للمكان لأحظى برفقة من أحب أن أدعوه إلى فنجان القهوة و هكذا نحن عادة نظن أننا نخبئ اللحظة في جيب داخلي لنظهرها في اللحظة التي نراها مناسبة و نتناسى أننا بهذا نفوت على أنفسنا اللحظة الأجمل .. و لم يتسن لي العودة إلا بعد عام كامل ..وجدت المكان مقفلا و لا أحد فيه .. قيل لي إنه أقفل منذ شهور لخلوه من رواده تدريجيا و لأسباب مختلفة ..
يجب أن تنتهي القصة هنا أليس كذلك؟
عدت إلى بيتي و جلست إلى مكتبي أفكر في المكان عندما يجن عليه الليل مقفرا مغلقا .. سألت نفسي هل ما زالت تلك الطاولات في مكانها المعهود و فناجين الشاي البيضاء و كراسيه القديمة .. هل في هذه العتمة تتحادث الأشياء فيما بينها و تشي بهمسات تلقفتها من عشاق تحلقوا هنا يوما ؟ كيف لمكان لم ألجه و رامقته من وراء واجهة زجاجية أن يسكنني بهذا الشكل .. صار ديدني كلما مررت من المكان أن أحييه بعيني تحية صديق قديم و أعده أنه لو فتح أبوابه يوما سأتخذ لي مقعدا مع من أحب أن يشاركني قهوتي ..