دعوا الأطفال يأتون إليَّ...بقلم آرا سوفاليان
قال يسوع الناصري ابن مريم "دعوا الأطفال يأتون إليّ ولا تمنعوهم لأن لمثل هؤلاء ملكوت السموات"
ـ لماذا أنت متشائم الى هذا الحدّ يا آرا, حتى في كتاباتك التي ليست لها أية علاقة بما يجري، هناك دوماً شيء حزين ولا يشبهني، أنا ابنة الشرق قبل ان اغادر الى الغرب, والشرق أجمل بكثير لدرجة أنني أمرّ بصباحات لا أستطيع التنفس فيها هنا في الغرب، الشرق أجمل مهما اشتدّت المعاناة، توصّلت الى هذه القناعة بعد أكثر من عشرون عاماً أمضيتها هنا في دول أوروبا التي لم أحب اجناسها اللابشرية واللا انسانية ولم أنجح في الاختلاط بهم، وفشلت وفشلوا في بادرة محبة متبادلة.
ـ سيدتي لم أكن متشائم ولكن الظروف التي نمر بها في سوريا لا علاقة لها بورود اللوتوس واللافاندر في اوروبا حيث تسكنين...التفجير الذي حدث على بعد 3 بنايات من بيتي كاد ان يكلفني كل نبضات قلبي وكان الله رحيماً بي وبعائلتي...وعدت الى بيتي وانا أدرك ان هناك آباء غيري عادوا الى بيوتهم لتبدأ صفحة سوداء في حياتهم الباقية...وبعضهم ممن خسروا كل شيء قد لا يجعلوا في حياتهم أي بقية باقية.
هناك طفلتان صغيرتان أعرف انهن من بنات الجيران والدهم مهندس دمث الأخلاق ومحترم ووالدتهم ابنة أصول تحترم الناس وتراعي حق الجيرة...مرة دخلت البيت وفوجئت بحشد من الأطفال يمسكون بعضهم من مريلة المدرسة يقلدون القطار وكانت القاطرة الأولى ابنتي الكبيرة وكانت في الصف الثاني أو الثالث وهي اليوم في العاشر، والبقية عربات متصلة والكل يقلد صافرة القطار يدورون في الصالون وغرفة الجلوس وغرف النوم وقد حولوا المنزل الى ما يشبه الخان...كانوا صغاراً يحتاجون لصداقات ولأولاد في عمرهم ولعب وركض وصياح وشغب، سألت ابنتي من هذه؟ قالت: هذه ميريام وهذه الصغيرة؟ قالت: هذه نانا... وكان هناك أطفال آخرون لا أعرفهم تركتهم في مجونهم البريء حتى جاءت الجارة أم الطفلتين ميريام ونانا لتأخذهم وجاء آخرون أخذوا أولادهم وجاءت أم بناتي لتؤدب الطفلتين الباقيتين اللتين فتحوا الباب واستقبلوا الآخرين.
بعد هذه الزيارة حفظت شكل الصغيرتين ميريام ونانا...لقد كنت اراهما كل يوم صباحاً على درج البناية او في الحارة...فآخذهم مع اولادي ونقطع الشارع معاً... ميريام الكبيرة وهي أكبر من الصغيرة نانا بعامين لا أكثر تذهبان سيراً الى مدرسة الآسية الحديثة وهي في حي النهضة في جرمانا، ويرافقونا في نزلة الدرج الصباحية وتقطيع الشارع في كل عام دراسي جديد ويتم في كل صباح تبادل عبارات المجاملة ونانا الصغيرة تقول لي Bon Jour وأحب ان اسمعها من فمها صباح كل يوم لتعطيني زوادة من الأمل تكفيني حتى صباح اليوم التالي.
كنت شديد القلق وأخاف على بناتي واعبر الشارع وهم يمسكون بيدي وأقف منتظراً باص المدرسة واراقبهم وهم يصعدون اليه...ومرة حاول راكب دراجة نارية صدم الأطفال عند صعودهم الى الباص عن طريق المرور بدراجته من يمين الباص يريد اختراق الأطفال وهم في مرحلة الصعود فقفزت اليه وامسكت دراجته النارية من المقود وقد أعطاني الله القوة في مواجهة ثور هائج يركبه حمار، واستطعت بعون من الله تثبيت الثور الهائج على الأرض في حين طار الحمار ليقع فوق سيارة متوقفة ولم يصب الأطفال بأي ضرر.
في كل مرة كانوا يصعدون الى الباص وأودعهم بنظري وأعود أدراجي...وكان هذا الحرص والتشدد يزعج اطفالي الذين كانوا يتعرضوا للفسفسة واللمذّ والتعريض من قبل اصدقائهم في الباص ليقولوا عنهم أن والدهم يبالغ في الحرص...وبالطبع لم يتغير هذا الحرص حتى اللحظة لأن جرمانا "أشكال ألوان يا ريّان" فيها من كل الأقطار والأمصار والبلدان...وإذا اردت افساد مكان او بنيان فعليك بحشوه بالسكان بشرط تحقق المعادلة الآتية (يجب ان تضيع الطاسة بحيث لا يعرف أحد أحد... النوري مع ابن الأكابر والشريف مع الحرامي مع قاطع الطريق مع الدنيء والقذر مع الجاهل مع المفسد مع العاطل) وخلطة عجيبة تحقق الغرض...وتجد في الليل أشباه عاريات بلهجات غريبة يصعدون الى سيارات ملونة ومزينة ومعطّرة ومطهرة تنفجر في الحال ان رميت فيها عود كبريت مشتعل بسبب حشوها بالكحول من كل الأصناف في ما يخالف كل الأعراف، وشباب بلا حواجب يضعون الأقراط في آذانهم) فيضيع الصالح بالطالح ويضيع حق الجيرة بسبب عدم وجود جيرة، وتضيع معه كل الحقوق وتغيب المؤاخذة والموانة فالكل أعراب وأغراب فلا تجد من يمون والكل لا يمون ويُظهر كل المحاسن والصفات ويحمل زوادته على عصاه ويقول "سيدي ما دخلني فخار يكسّر بعضه، فتضيع الأخلاق ويتعمد الجميع ضياع كل شيء.
البارحة جاءت عمة ميريام ونانا وأخذتهم الى بيتها وأمهم ذهبت مع شقيقها مسرعة وفي سيارته، وسيارة زوجها متوقفة قرب البناية ...واتصلت بموبايل زوجها فلم يرد واتصلت زوجتي ببيتهم فلم يردوا...وبعد مشقة علمت ان والد الطفتلين كان في باص الوظيفة عائداً الى بيته عندما خرج بعض المسلحين وأمطروا الباص بالرصاص وكانت رصاصتان من نصيب المهندس والد ميريام ونانا واحدة في يده اليسرى وواحدة دخلت من الخلف واستقرت في جمجمته ....وظل في العملية البارحة حتى ساعة متأخرة من الليل ولم يتمكن الأطباء من اخراج الرصاصة أو قرروا بقائها... ونقل بعد ذلك الى العناية المشددة.
والآن يا ملكة اللوتوس واللافاندر في اوروبا التي تعيش بين اللا بشريين واللا انسانيين، هل تتوقعين ما سيحدث لي ان حدث لوالد ميريام ونانا شيء...
كيف سأضع عيناي في عينا نانا الصغيرة إذا حدث لوالدها شيء...بأي أذن سأسمعها وهي تقول لي Bon Jour وبأي عين سأرى ابتسامتها، إن ابقت وحشيتنا في عيناها أي ابتسامة.
هؤلاء في الغرب والذين اطلقتي حضرتك عليهم الأجناس اللا بشرية واللا انسانية وخاصة جماعة السويد والنروج والدانمارك وهولاندا مملكة الأزهار يبادلونك المحبة وتحية الصباح ولا يقررون المدة التي يجب ان تكونين بعدها تحت الأرض بعد ان كنت فوق الأرض لأنهم لا يحبون التدخل بشؤون خالق السماوات والأرض مقسم الأرزاق وواهب الأعمار الذي سيرث الأرض وما عليها حين يشاء.
وهناك لاجئ في ديارهؤلاء الأجناس اللا بشرية احتاروا به واحتار بهم خصصوا له الاعانات من مال ومأكل وملبس ومأوى وسمحوا له بجلب عائلته وظهر على شاشاتهم بكلاباته الفولاذية التي يضعها في يديه مهدداً متوعداً بأنه سيرسل الى السماء مناطيد مفخخة لإصطياد الطائرات المدنية العائدة لهم ليحيلها الى ركام...وضحكوا على الدعابة خاصة وان الرجل يجلس في حضنهم ويبصق في ذقنهم...وكانت قوانينهم لا تسمح بإعادته الى بلاده لأن حياته مهددة هناك.
لم أكن متشائم ولكن الظروف التي نمر بها في سوريا لا علاقة لها بورود اللوتوس واللافاندر في اوروبا حيث تسكنين... وهناك مقالات قديمة لي تجعلك تضحكين بلا توقف ولكن هذا زمن وذاك زمن فهذا زمن اللا انسانية ...اسمحي لي من هنا ان ابعث بتحية محبة لأولئك اللا انسانيين حيث أزهار اللوتوس واللافاندر وليحفظ الله أهلك ومن تحبين ولتبقوا هناك بسلام.
آرا سوفاليان
الأحد 07 10 2012
كاتب انساني وباحث في الشأن الأرمني
arasouvalian@gmail.com