د.فيصل القاسم: ”الإعلام الحكومي العربي فقد الاتصال مع مشاهديه”
المصدر نبيل محمد
16 / 02 / 2007
في محاضرةٍ كانت أشبه بجلسة حوار وتناغم بين الجمهور والمحاضر، ألقى الإعلامي الدكتور "فيصل القاسم" محاضرةً أولَ أمس الخميس على مدرج مكتبة الأسد الوطنية بدمشق بعنوان " هل يوجد إعلام حر في العالم؟". بدأ القاسم محاضرته على الرغم من انقضاء أمر الكثير من الخرافات الإعلامية فالكثير منها مازال يجثم تحت تأثير الخرافات الديمقراطية، وهذا ما جعل الكثير من الكتاب والمثقفين يفكرون دونما واقعية، فقط يردّدون بعض المصطلحات، فالكذبة الأكبر هي الإعلام الحر الذي أطلقه الغرب، هذا الإعلام الذي سخَّره "غوبلز" للكذب عندما قال "اكذبوا ثم اكذبوا حتى تصدقوا أنفسكم".....
وأشار المحاضر إلى أن الإعلام هو أداة تحكم وتعبئة سياسية وتوجيه وهو وسيلة خادمة لمالكيها ولا يوجد خادم حر.
لو أخذنا وسائل الإعلام الأمريكية مثلاً لوجدنا بضع عائلات تسيطر عليه وهذه العائلات لها مصالحها وأهدافها ومخططاتها، وبالتالي فإن الوسائل التي تمتلكها لا بدَّ بالضرورة أن تساير تلك التوجهات، وهذا ما ينفي الحرية الإعلامية، ومن المعلوم أن العديد من المحطات والتلفزيونات والصحف هي مملوكة من قبل شركات ضخمة تسخر هذه الوسائل لقضاياها.
وجاء في حديثه: "من اللافت للنظر أن هنالك قنوات عربية أكثر حرية من بعض القنوات الأجنبية التي ترفع شعارات الإعلام الحر ولكن هذا لا يعني أننا نفاضل بين الإعلام الغربي والإعلام الرسمي العربي فالأخير ليس إعلاماً أصلاً".
وتحدث القاسم عن الإعلام الغربي بأنه إعلام حزبي مسخر للحزب المالك للوسيلة ضارباً المثال بصحيفة التايمز البريطانية التي لا تستطيع أن تحيد عن خط حزب المحافظين فقد عرفت منذ نشأتها بأن من مهمتها معارضة توجهات حزب العمال وكذلك الديليتلغراف فهي معروفة بأنها صحيفة اليمين البريطاني وبالتالي محرَّم عليها إنصاف اليسار بل عليها دائماً مهاجمته، والأمر الأكثر أهمية أن محرّري وكتاب الديليتلغراف والتايمز هم من طينة معينة، لهم اتجاهاتهم المحدَّدة، فمن الصعب أن تجد كاتباً في الديليتلغراف يمكن أن ينتقل لصحيفة "الغارديان" اليسارية، فالصحفي الغربي حر فقط ضمن آراء حزبه وبالتالي تصبح التعددية السياسية آفة الإعلام الحر.
وتطرَّق القاسم إلى الإعلام الأمريكي قائلاً بأنك لو شاهدت نشرات الأخبار في المحطات الأمريكية لقلت إن رئيس تحريرها واحد.
ونوَّه القاسم إلى أن وسائل الإعلام الغربية تمارس حمائية كبيرة من الصعب اختراقها فلا يوجد في إنكلترا مثلاً أفلام تعبر عن الثقافات الأخرى وهذا يدل على أن الغرب يريدون العولمة باتجاه واحد أي أن يؤثروا على العالم دون أن يتأثروا بأحد.
وأشار القاسم إلى أننا الآن نواجه حرباً ذهنية تتضمَّن شنَّ حروبا ثقافية مفتوحة ضد الشعوب وقد بدأ الأمريكيون بصياغة هذه الحرب منذ عام 1980.
وقال المحاضر: "إذا ظنَّ البعض أن العالم أصبح مفتوحاً للجميع من خلال وسائل الاتصال الحديثة فهذه الأسطورة يجب دحضها، فأمريكا التي تصدر إعلامها إلى كل العالم لا تسمح بدخول قناة الجزيرة الإنكليزية إلى التراب الأمريكي.
وتحاول أمريكا إلغاء الآخر إعلامياً وهذا ما شاهدناه في حرب العراق حيث لم يسمح لأحد أن يغطي ما يحدث وما نسمعه وما نشاهده في العراق لا يساوي 10% مما يحصل.
وأشار الدكتور القاسم إلى ممارسات الغرب ضدَّ الإعلام العربي وإغلاق مواقع الإنترنت ومنع بث المنار في أوروبا، وأمريكا قادرة على إطفاء شبكة الإنترنت العالمية بكبسة زر، وكل ما يرسل على الإنترنت يخضع لفلترة الأجهزة الالكترونية الأمريكية، وقد غدت تهمة التحريض على الإرهاب سيفاً مسلطاً على الإعلام وما لم تكن تلك الوسائل سائرة في الفلك الأمريكي فهي معرَّضة للإغلاق أو التدمير أو قطع البث.
وأشار القاسم إلى التكاليف الضخمة التي تسخّرها الحكومات الغربية لإعلامها فمحطة أمريكية واحدة تبلغ ميزانيَّتها ما تسخّره دولة عربية لجميع وسائل إعلامها.
وإن وسائل الإعلام الغربية لا تقتصر في تأثيرها على مجتمعاتها إلا أنها تؤثر على المجتمعات الأخرى تأثيراً أكبر بحكم أن المجتمعات النامية فيها نسبة أمية كبيرة مما يسهل عملية التأثير.
كل هذا لا يعني الاستسلام للخلل، فالعولمة تعاني حالياً من مشاكل كبيرة بعد أن راحت بعض الثقافات تحاربها بأدواتها، حيث إن أمريكا بدأت تهتم بتحسين صورتها وإعادة هيبتها في الوطن العربي.
اللافت بالأمر أن الرئيس الأمريكي بدأ يشكو من الإعلام العربي مما يدل على فشل إعلامهم وقدرة الآخرين على استخدم أدوات العولمة.
وقال القاسم: "أرجو ألا يعتقد البعض أن الحديث في الإعلام الحر، يأتي تبرئةً للإعلام العربي، فنحن نعلم أن الإعلام الحكومي العربي قد أصبح في خبر كان وهو ميت منذ زمن بعيد، فالإعلام العربي الحكومي فقد الاتصال بشعوبه منذ زمن بعيد، لقد فقد الاتصال بين الحكومات والشعوب، فهل نترك الشعوب فريسة للإعلام القادم عبر الحدود، ولكن الإعلام الحكومي يمكن أن يتطوَّر وها هو الإعلام الحكومي الفرنسي يثبت ذلك.
وأضاف: "الشعوب تسمع خطابات زعمائها من محطات غير وطنية كما أن الدعايات الوطنية تبث في محطات أخرى".
وفي نهاية المحاضرة تناقش الدكتور القاسم مع الجمهور بجملة من القضايا السياسية والإعلامية مجيباً عن كثير من الأسئلة.
حيث تحدَّث القاسم عن الإعلام العربي بأنه مصطلح غير موجود فلا يوجد استراتيجيات عربية موحَّدة حتى يكون هنالك إعلام عربي موحّد، فلم يعد هنالك قضية متفق عليها ولم يعد هنالك مشاريع موحَّدة، هنالك إعلام محلي ملتزم بحكومته، وعملية الاختراق الغربية ليست سهلة ولا ننكر أن هنالك من الغرب من يريد أن يطلع على الكثير من القضايا، وأن يخرج عن أحادية إعلامه.
وعن قناة الجزيرة تحدَّث القاسم:" واجهت الجزيرة الكثير من الاتهامات، فأنا أعمل مع معظم وكالات الاستخبارات العالمية باستثناء "بوركينافاسو"، و"ساحل العاج" حسب الاتهامات التي وجّهت إلي، وبخصوص التمويل فالجزيرة قطرية عربية لحماً وتمويلاً ودماً والمضحك هل نعتقد أن قطر بحاجة إلى تمويل لقناة تثير هذا الصخب، وهل قطر بحاجة إلى من يموّل الجزيرة بدلاً عنها، ربما تسمع عنها الكثير ولكن لم يترك الناس شيئاً إلا ونسبوا الجزيرة إليه وهذا دليل على سلامتها من التبعية لجهات خارجية".
وعن تناول الجزيرة للكثير من الآراء قال القاسم: " كل الاتجاهات تأخذ حقها في الجزيرة فهنالك الاتجاه العروبي وهنالك الاتجاه الإسلامي، وهذا سر نجاحها إنها منبر مفتوح لكل من الاتجاهات، والكثير يشتكون من أن الجزيرة تفضح كل شيء وهذا أفضل لأننا بحاجة إلى الكشف، ونحن لدينا مشكلة في قراءة التاريخ فتاريخنا مليء بالدماء وهذه هي ثقافة الصراع ونحن بحاجة إلى الحوار، فالتاريخ لا يقوم إلا على الصراع، ونحن كأمة عربية أمة مقفوصة تعيش بالأقفاص منذ عشرات السنين، ومن البسيط أن نتصارخ ونتشاكل وهذا أفضل من أن نحمل الحديد والنار ضدَّ بعضنا، ثم إن أعضاء البرلمانات تتصارخ في أوروبا فلا ضير في قليل من الحوار والصراخ لحلّ الكثير من الأمور".
ـ كلمة: حضور عارم يعبّر عن شعبية المحاضر وشعبية قناته وحاجة الشارع إلى شخصيات تحاوره وتطلعه على دور الإعلام الحي وتبعده عن أجوائه الإعلامية المحلية المريضة، الحضور لا يعبّر فقط عن أهمية المحاضرة بل يتجاوز ذلك إلى حدّ التعبير عن أن هنالك من يتابع ومن يقصد السماع إذا كانت الموسيقا خارجة عن قيود النصوص الداخلية".
بروفايل:
د.فيصل القاسم دكتوراه في الأدب الإنكليزي قسم الدراما من جامعة هيل البريطانية 1990.
عمل محاضراً في قسم اللغة الإنكليزية في جامعة دمشق
نشر وينشر مقالات في مختلف الصحف العربية والعالمية
ألف مجموعة من الكتب منها "السياسة والأدب ـ احفظ واخرس ـ الحوار المفقود في الثقافة العربية".
أجرى لقاءات مع مجموعة من الشخصيات أهمهم: "محمد خاتمي ـ فيديل كاسترو ـ مهاتيرمحمد ـ معمر القذافي ـ هوغو تشافيز".
كان معداً ومقدماً لمجموعة من البرامج في القسم العربي لهيئة الإذاعة البريطانية.
معد ومقدم لعددٍ من البرامج في قناة الـ mbc 1991
عمل في تلفزيون الـ bbc العربي 1994 ـ 1996
مذيع أخبار في قناة الجزيرة 1996 حتى 2000
معد ومقدّم برنامج الاتجاه المعاكس في قناة الجزيرة منذ عام 2000 وحتى الآن.
في استفتاء أجرته مجلة "شالانج" الفرنسية كان من بين العشرين شخصية الأكثر تأثيراً في العالم.
آخر تحديث ( 16 / 02 / 2007 )
جريدة بلدنا