بنية المثلثة الشعرية (١) (طول القصيدة من قديم إلى حديث) – أ.د. محمد جمال صقر


ربما تساخر منا بعض المشغولين بالشعر عملا أو استعمالا أو علما إذا ما وجدونا مشغولين بتتبع طول القصيدة منه كيف كان وكيف صار، من حيث يرونه تساخفا منا أو استخفافا بهم! ولو علموا ما في ذلك من دلالة على خفايا نشأة الشعر وتطوره ما ظنوا بنا ولا تساخروا منا!
نعم؛ فإنهم إذا فتشوا خزائن التاريخ عن أقدم ما جرى من الشعر العربي مجرى شعر المعلقات عروضا ولغة، جذبتهم إلى خمسمئة عام قبل الإسلام، قطع ونُتف وأبيات يتامى، فلم يدروا فيمَ يحارون منها: أفي قصرها الشديد، أم في جريها مجرى شعر المعلقات؟
أما الحيرة الثانية فمن حيث يقدرون أن يحتاج الشعر العربي إلى زمان طويل حتى يستقيم له مثل نمط شعر المعلقات عروضا ولغة. وأما الحيرة الأولى فمن حيث تحتمل هذه النصوص الشديدة القصر أن تكون بقايا نصوص طويلة وأن تكون نصوصا مستقلة، ولا يستغني كلا الاحتمالين عن فضل تأملهم.