الإنحدار إلى أعلى
______________________________________
حسن غريب
__________________________________

ما كل هذا يا اخى الذى ألم بك من الجنون و الجوع و البكاء ؟ حتى الصرخة العمياء فى كفن الصمت تتوغل فى النسيان و ترسم للمستقبل زمنه الأسود ، حتى البلابل و سفر الأحزان تنام بين جفنيك 0

لم تكن ميتة سعدية ميتة طبيعية هذا ما شاع فى الحى و هذا ما أثبتته تصرفاتك 0

و لكن الطبيب أثبت إنها ماتت نتيجة لارتفاع فى ضغط الدم ، لقد أصبحت وحيداً يا حمدان بكل ما تملى إليه الوحدة من ملامح القلق و الضجر و الإنفراد 0 كنت عندما اقترب منك تهرب منى و تذهب لتجلس تحت شجرة النخيل الهرمة مقابل بيتنا القديم بالقرب من البحر ، و كنت أرى بعينيك أكثر من دمعة حزينة تنهمر و تنزلق على خديك أكثر باتجاه مستقبل غامض فتنزلق بحزن عميق ، و ماذا بعد ذلك 00 لقد تركت المدرسة بعدما ضربك المعلم و هربت و لماذا ضربك ؟ لماذا هربت ؟ لقد غبت أسبوعاً عن المنزل و أمك خرجت إلى الشارع حافية القدمين عارية الرأس تهيم على وجهها تبحث عنك و كأنك طفل صغير 0 أراك تغفو على قبر سعدية و يأخذك الصباح على حين غِرةّ 0

حمدان – فى كل زمان و فى كل مكان أنت كالبحر فى غموضه و كالريح فى اغفاتها الطويلة على وسادة سوداء تصنعها هموم الزمن ، كيف ماتت سعدية يا اخى ؟ قل لى أيها الباقى الحزين الصمت الذى فى عينيك يتحول إلى كتلة من الحاسيس و المشاعر ، و تغزو أحلامى و تعود بى إلى ماض أسود يفتش بين خفايا الأيام و قصائد النسيان 0

حمدان : - ما الذى دهاك ؟ أى طريق اتبعت حتى وصلت إلى هذا الوضع البائس أخى ما الخبر يا حبيبي ؟ أجب 0 يجب أن تتكلم الزمن فى عينيك سؤال يجف أشواك النهار و الليل أمامك و لا أرى خلفك غير صحراء واسعة مليئة بالعواصف و الضباب هذا رأسى بين أغمرنى بأوجاعك و أحرفنى بأنفاسك اقتلنى و لكن لا تنقسم بك 00 لا ترحمنى بعينيك و لا تهجرنى بسمات شفتيك و لكن لا تسقط لا يمكن أن تكون مجرد رجل لك عينان حزينتان تجمعان أحزان الليل بنظرة واحدة 0 لا يمكن أن تكون قطعة من جليد تحارب خيوط الشمس الحارقه 0 إنك أكثر من أخى يا حمدان إنك صديقى لذا يجب أن تكلمنى 0

أتذكر عندما رجعت إلى البيت فى منتصف الليل ؟ كنت لا أدرى مستيقظا أتذكر ما جرى ؟ أخذت تحدثنى كالسكران لقد كنت مجنونا 00 اخذت تقول كلاماً لم أستطع فهمه و كانك أخرس جاءته نعمة النطق من جديد فلم يعرف ماذا يقول 0

لقد قلت لى إن فى الحياة مذابل كثيرة و متعددة و لكن أى مذبلة تناسبنى أو تناسب حزنى ذلك الذى يزاوج حياتى 0 و قلت لى إن الخطيئة ليست من صنع الإنسان و ليس من هو يبتكرها و لكنها لعبة حمقاء تولد فى الأحشاء و لا يستطيع أن يلعب بها أى حورية أو دونها 0 أخذت يا حمدان تكلمنى عن الحورية أية حورية ؟ أهى تلك الشقراء أم حورية حسناء ؟ تجلس فى أفاق المستحيل ينتظرها ألف عاشق بلهفة مجنونة أم تلك الشاردة كغزال بعيد يفتش فى هذا الزمن الغارب عن ملجأ بارد يقيه من حرارة الأسباب المتراقبة 0 و عيناك مطويتان استمرتا بموجتين و اغتسلتا بالأسى و لكنهما تبحثان عن أمير مجنون 0 لماذا قتلت سعدية يا حمدان ؟ و لماذا أخفيت السر إنى أرى كل شئ فى عينيك لقد جعلت من أهدابك مذبلة للتدخين و اسقطت عن جسدك رداء الحقيقة و أطلقت إلى شفتيك أوساخ الأرض وما يعكر صفو الليل 0 لماذا سرقت خزينة الشيخ التى يمتلكها شيخ القبيلة ؟ و أين ذهبت بهذه الموال ؟ هل أنفقتها على المحرمات و الست لواحظ ؟ و إنك تعيش فى الخطيئة بل إنك الخطيئة و زمنها 0 و إنك شبح الموت الذى يحوم حول الروح البشرية النقية 0

اتذكر يا حمدان عندما سألتك ما هو الموت ؟ و لماذا يموت الإنسان ؟

أخذت تحدثنى بلهجة العارف المتمرد 0

هل لى تسألنى عن الموت لقد سمعت أمى تتحدث أكثر من مرة 0

إنه مارد يا أخى 00 مارد أحمق يأخذ منا أجمل الأشياء و أرقها 0 0 إنه حاجز صمت كبير يفصل أرواحنا عن الحب 0

الموت أن تموت و أنت مازلت حياً 0 إنه إمراة تجلس فى مقهى بعيداً بعيداً جداً يحتضنه شارع البكاء ذلك الشارع الطويل 0 شارع الحزن الأسود 0