فن المسرح عند الإخوان المسلمين (3 - 5) الغيرة على الدين


القاهرة: بدر محمد بدر
في مقدمة مسرحيته «جميل بثينة» تساءل عبدالرحمن البنا: «لماذا نستجدي من الغرب قصصه وحوادثه، فنذكر روميو وجولييت، ونحتفي بغادة الكاميليا، ولا نعود إلى شرقنا، فنقتبس النور من إشراق سمائه، ونعرف الحب من طهارة أبنائه؟!». ثم يقول: «هذا جميل، وهذه بثينة، بطلا قصة حب شغلا عصرهما والأجيال بعدهما.. إنه يستنطق الصخر ويستبكي الحمام، وإنها تستصرخ العدالة وتطوع قلبها على الآلام..»، ثم يعود إلى القيمة الخلقية التي تحملها هذه القصة، وتفرد المجتمع العربي بقيمة الحب العذري، الذي لا يتنافى مع القيم الإسلامية، فيقول: «الجو فاتن لا يفتتنان.. والشباب جارف لا ينزلقان.. لأن لهما قلبين ثمنهما العروبة ونشأهما الإسلام..». ومن الممثلين الذين شاركوا في أداء أول مسرحية يكتبها المؤلف الجديد عبدالرحمن البنا: جورج أبيض وأحمد علام وعباس فارس وحسن البارودي وفتوح نشاطي ومحمود المليجي، ومن العناصر النسائية: عزيزة أمير وفاطمة رشدي (مع الضوابط الشرعية)، وهي بالطبع أسماء لا تزال لامعة في تاريخ الفن المسرحي والسينمائي المصري.إذن كانت رؤية عبدالرحمن البنا واضحة منذ البداية في أن التعرض للأعمال الفنية العاطفية ليس حراماً أو مرفوضاًًًً لذاته، ولكن الأمر يتوقف على المدخل المناسب للموضوع، النقطة الثانية أنه دخل إلى ميدان الاحتراف مباشرة، وقدم أولى مسرحياته إلى المختصين، وليس الهواة في هذا المجال، النقطة الثالثة أن العنصر النسائي كان موجوداً في أعماله منذ البداية، باعتباره جزءاً طبيعياً من المجتمع البشري، وجزءاً أصيلاً من حركة الحياة لا يجوز تجاهله أو استبعاده، ولكن يعمل وفق ضوابط شرعية وأخلاقية، ومن الطرائف التي رواها عبدالرحمن البنا في إحدى مقالاته أنه وجد حرجاً من ثياب الفنانة عزيزة أمير، حيث كانت ترتدي فستاناً بكُمٍّ طويل، لكنه واسع بدرجة تجعل ذراعيها تظهران أثناء الحركة، وحين لفت انتباهها لم تجد حرجاً في أن تربط الكم بخيط لتضيقه نزولاً على رغبة المؤلف!الغيرة على الإسلام ومن بين الأسباب التي ألهبت حماس البنا للتأليف المسرحي غيرته على دينه، فقد ذكر في أحد مقالاته أنه: «غار جداً حين قرأ في مجلة «الصباح» الأسبوعية، أن فرقة أوروبية عرضت عملاً فنياً على مسرح دار الأوبرا المصرية، تناولت ذكر النبي محمد [ بما ينقص من قدره الشريف، فحاول كتابة مسرحية رداً على هذه الفرية، وإمعاناً في التحدي أراد لهذه المسرحية، أن تمثل على نفس خشبة هذا المسرح».تعامل عبدالرحمن البنا مع الفن المسرحي بوصفه وسيلة شديدة الأهمية من وسائل الدعوة إلى الله، والدفاع عن القيم الأساسية للمجتمع العربي والإسلامي، مثلها مثل المسجد والمدرسة والجامعة، فاستعد لإجادته وإتقانه، وسعى في تأسيس «فرقة الإخوان المسلمين المسرحية»، ونجح في ذلك بالفعل في الثلاثينيات، وقامت الفرقة بتمثيل ثماني مسرحيات ألفها عبدالرحمن البنا منها: مسرحية «أبطال المنصورية»، وهي نثرية ركز فيها على حال الفاطميين في المغرب، ومدى قوتهم وتطلعهم إلى دخول مصر، والمنصورية هي إحدى مدن تونس.ثم مسرحية «المعز لدين الله الفاطمي»، وهي تاريخية من فصل واحد، تتحدث عن دخول المعز لدين الله مصر، ثم مسرحية «بنت الإخشيد» التي انتهى من كتابتها في عام 1939م بمناسبة مرور ألف عام هجري على إنشاء القاهرة وبناء الجامع الأزهر، وهي مسرحية نثرية من ثلاثة فصول، وقد ملأها المؤلف بالحديث عن القيم الإسلامية، وحذر من استغلال الخلافات المذهبية في إضعاف شوكة الأمة وتفريق كلمتها.وكتب عبدالرحمن البنا مسرحية «غزوة بدر»، ثم مسرحية «الهجرة»، التي تم عرضها على مسرح الأزبكية في نوفمبر 1947م، ونقلتها الإذاعة المصرية على الهواء مباشرة لأول مرة، وهو ما أدى إلى توافد منتجي السينما على الفرقة للاتفاق على إخراجها سينمائياً، وفي مايو 1948م عرضت دار الأوبرا مسرحية «صلاح الدين الأيوبي»، وبثتها الإذاعة المصرية، ولأن ذلك كان في أثناء حرب فلسطين عام 1948م والإعلان عن قيام الكيان الصهيوني الغاصب، ضغطت بعض الدول الأجنبية على الحكومة المصرية لإيقاف بث المسرحية على الهواء، ونجحت بالفعل في ذلك.
المصدر:
http://magmj.com/index.jsp?inc=5&id=...69&version=188