الدنيا بخير
تحت سياط كلمات زوجته التي تطالبه بإحضار طعام لأولادها الجياع منذ الصباح ، خرج من بيته ضجرا يلفه حزن العاجز .. يستذكر تسوله لفرصة عمل و لكن دون جدوى ..
أصوات قرقعة الجوع التي صدرت من بطنه قطعت شريط الذكريات ذاك ، ليجد نفسه أمام محل لبيع " الفروج المشوي" فوقف متأملا سارحا ، حيث طلب من البائع واحدة مع مقبلاتها فأعطاه إياها كاملة تفوح منها رائحة أخذت لبه ، فتراءت له صورة أبناءه و زوجته و فرحتهم بها ، فولَّى هاربا لا يلوي على شيئ متجها نحو بيته ، إلا أن البائع و بعض عماله لحقوا به فأمسكوه و أشبعوه ضربا ،و أبى صاحب المحل إلا أن يسلمه للشرطة ، فسيق الفقير إلى العدالة ذليلا و آلام الجوع و الهوان أكبر من مخاوفه مما سيحل به ..و لما فُتح محضر للتحقيق معه أومأ لرئيس المخفر بأنه لا يقوى على الكلام من شدة الجوع الذي ألم به حيث تعاطف معه المحقق و أمر بإحضار طعام له ، ثم أجلسه و راح يكلمه باحترام ، و لما سمع حال المسكين و حال عائلته بكى حتى ابتلت سترته ، فغضب على البائع و استهجن قسوته و وحشيته و هدده بأنه سيحاسبه لأنه ضربه ، ثم جمع له بعض المال و اشترى له ما تخيله واعدا إياه بأن يدبر له عملا يحفظ له ماء وجهه ...
وقف هنيهة و ضحك ضحكة أثارت انتباه البائع فبادره البائع سائلا : منذ نصف ساعة و أنت واقف تتأمل ،و الآن تضحك بهذا الشكل فما وراءك ؟
و لما قص عليه ما دار في خياله من الجوع ضحك هو الآخر حتى بانت نواجذه ، فقال له : سأعطيك ما تخيلت و دون أن أطلب منك قرشا و لكن بشرط أن توقف خيالك عند باب المخفر ..قالها و يهو يغمزه ،
فناوله ما تمنى و أخبره بأنه يستطيع أن يأتي للعمل غدا عند جاره الذي يبحث عن عامل ..
سُرَّ الفقير كثيرا و كأن الدنيا كلها قد حيزت له و قال شاكرا :
- اطمئن الدنيا بخير .
14-10-2015