كــتـاب
«عولمة التعذيب»
خفايا سجون الديمقراطية الأمريكية
عرض: مِِِلدة شويكاني
كثيرون من الكتّاب والمحللين السياسيين.. كتبوا عن زيف الديمقراطية، التي اتخذتها الولايات المتحدة الامريكية شعاراً لغزو بلدان العالم.. وغطاءً لمغامراتها العسكرية، وانكشاف حقيقة هذه الديمقراطية من خلال السجون، التي تُقيمها في الارض في كل انحاء العالم.. والسجون المعلّقة بين الارض والسماء، واستخدام الطائرات ومطارات الدول الاوروبية وسيلةً لاستجواب من تشتبه بهم، ونظام سجن «الاشباح العالمي» وانتهاكات (ابو غريب) وغوانتانامو وناغرام وغيرها من السجون، وممارساتها الوحشية واللانسانية التي يعجز الشيطان نفسه حتى عن التفكيربها.
في كتاب «عولمة التعذيب.. خفايا سجون الديمقراطية الامريكية» يعرض الكاتب محمد الحوراني، وبالدلائل والبراهين والشواهد من ذوي الاشخاص الذين قضوا دفاعاً عن كرامتهم ووطنهم، اساليب التعذيب الوحشية وخفايا السجون الامريكية.. وقد بذل الكاتب جهداً كبيراً في الوصول الى المعلومات الحيّة، ليقدم وعبر فصول الكتاب-الصادر في طبعته الاولى عن مركز الراية للتنمية الفكرية في هذا العام 2007- التي بلغت 21 فصلاً و187 صفحةً من القطع الكبير شهادة على ماتقوم به الولايات المتحدة من اعمال تعذيب وامتهان لكرامة الانسان.. والتعذيب عٌرّف في اتفاقية «مناهضة التعذيب» التي دخلت حيز التنفيذ في 26/6/1986 بأنه «اي عمل ينتج عنه الم او عذاب شديد جسدياً كان او عقلياً، يلحق عمداً بشخص ما بقصد الحصول من هذا الشخص، او من شخص ثالث على معلومات او على اعتراف او معاقبته على عمل ارتكبه او يشتبه بأنه ارتكبه هو او شخص ثالث او تخويفه او ارغامه هو او اي شخص ثالث او عندما يلحق مثل هذا الالم او العذاب، لأي سبب من الاسباب يقوم على التمييز أياً كان نوعه او يحرص او يوافق عليه او يسكت عنه موظف رسمي او شخص آخر يتصرف بصفته الرسمية ولايتضمن في ذلك الالم او العذاب الناشىء فقط عن عقوبات قانونية.
وقد تناولت فصول الكتاب الاولى عرضاً تاريخياً للتعذيب وصولاً الى عصر العولمة، إذ يعرض المؤلف في الفصول المتعلقة بالسجون الامريكية السجون السرية الامريكية في العالم- التعذيب بطائرات الـcia- مدارس وكتب امريكية لتعليم فن التعذيب..الخ الى ان تطرق الى فصول التعذيب في السجون الاكثر تعذيباً وشهرةً في العالم مثل: غوانتانامو لانعرفه في اسرائيل-جنود الاحتلال يعذبون العراقيات بانتهاك أعراضهن-تعذيب المعتقلين في غوانتانامو وتدنيس القرآن .
وما يلفت الانتباه ان اسلوب الكاتب الشائق في سرد المعلومات.. يترك القارىء في حالة ادهاش وتوتر وخوف، وكأنه يتابع فيلماً سينمائياً مرعباً.
وقد آثرتُ ان أُفرد ماجاء في فصلين من اكثر فصول الكتاب تأثيراً بالنفس، واشدها انتهاكاً للانسانية فصل (السجون السرية الامريكية في العالم) يشير الكاتب الى انتشار المعتقلات السرية بعد احداث الحادي عشر من ايلول خلال السنوات الخمس الاخيرة اذ قامت الولايات المتحدة الامريكية بعمليات اختطاف، واحتجزت وعذبت ضحايا في مراكز تعذيب سرية وانتشرت في جميع انحاء العالم، بعضها غير قانوني موجود في اوروبا الشرقية بما فيها دول تابعة للاتحاد الاوروبي وبولونيا، وتوجد طائرة مخصصة كسجن اعتقال تابعة لوكالة الاستخبارات المركزية في مطار(سريحغي) الروماني، واوردت صحيفة «واشنطن بوست» في عددها الصادر يوم 12 تشرين الثاني 2005 ان ادارة بوش اعطت الاوامر لاقامة شبكة من المعتقلات من اجل التحقيق مع اعضاء متهمين من تنظيم القاعدة، أُقيمت في ثماني دول، منها تايلاند وافغانستان، وتعد القاعدة الامريكية الموجودة في كوبا من السجون السرية المعروفة لعدد من المسؤولين فقط، وتؤكد المعلومات ان السجون في افغانستان اسوأ من معتقل غوانتانامو، ويتصف بشدة الاوضاع البدائية اذ يتم سجن المعتقلين في اقفاص حديدية كبيرة، كتلك المخصصة للحيوانات، وينامون على الارض الصحراوية منها سجن الظلام الذي انتقدته منظمة هيومن رايتس ووتش، ويقع بالقرب من كابل وإحدى الحالات التي ذكرها الكاتب أن ثمانية معتقلين رُبطوا بحلقات في الجوار وهم في أوضاع لا تمكّن بعضهم من التمدد أو النوم، وحُرموا من المأكل والمشرب طوال أيام، وتُركوا في ظلمة دامسة، ترافقهم موسيقا تصم الآذان، تلقّوا الضرب والصفعات والتهديد بالاغتصاب.
أما فصل / جنود الاحتلال... يعذبون العراقيات بانتهاك أعراضهن../ فكان أكثر سوءاً وأكثر شدّةً وعمقاً ودمويةً، في وصف المشاهد الواردة التي تفوق كل تصوّر إذ يورد فيه الكاتب شهادات كثيرة لنساء عديدات، تعرضن للموت والقتل والضرب والاغتصاب، وبيّن أن هناك كثيرين، يُعتقلون للضغط على ذويهم، يُعتقلون لأدنى شبه بينهم وبين المطلوبين، ونقل اتحاد الأسرى والسجناء العراقيين شهادة سيدة ساعدت أختها على الانتحار، بعد أن اغتصبها جنود الاحتلال أمام مرأى زوجها.
وفي حالة أخرى تقول طاهرة العراقية: كنت نائمةً عندما اقتحمت قوة أمريكية كبيرة منزلنا في عملية دهم وتفتيش في الساعة الواحدة من ليل الأربعاء 3/2/2005 بعد عراك طويل وقتل وكسر... تقول: أخذوني محمولة من ساقيّ ويديّ إلى عربة، ورفضوا كل توسلات أهلي، وأنا أنزف من كل جسدي، أخذوني إلى إحدى قواعدهم مع 30 شاباً معتقلاً، وفي صباح اليوم التالي نُقلنا إلى (أبو غريب) كانت الزنزانات ضيقةً جداً، هاجمني جندي أسود حاول تمزيق قميصي.. لكن صراخي مع المعتقلات جعل الضباط يطلبون منه أن يبتعد عني...
أما قصة ناديا.. فكانت أكثر مأساةً وأكثر حزناً... تقول: كنتُ أزور قريبةً لي عندما فوجئت بالقوات الأمريكية تداهم المنزل وتفتشه، وجدت فيه كميةً من الأسلحة الخفيفة، إثرها قاموا باعتقال كل من في المنزل، واقتادوني معهم دون ذنب، أجبروني على شرب قدح ما، عرفت أن فيه مخدراً، استيقظتُ لأجد نفسي مجردةً من ملابسي، فعرفت أنني اغتُصبت، أُصبت بهستيريا وضربتُ رأسي بالحائط، جاء خمسة جنود تتقدمهم مجندة أمريكية انهالوا عليّ ضرباً، ثم تعاقبوا على اغتصابي، بعد شهر اقتادوني إلى الاستحمام، وطلبت مني المجندة أن أتجاوب مع الضابط حتى يفرجوا عني وعندما رفضت أعطتني مستحضرات للتجميل، وحذرتني من البكاء...
أخذوني إلى غرفة صغيرة عادت ومعها أربعة جنود، معهم كاميرات وقامت باغتصابي، وهم يلتقطون لي صوراً. بعدها تعاقبوا على اغتصابي إلى أن فقدتُ الوعي، ووجدتُ نفسي في زنزانة وآثار أظافرهم وأسنانهم ولسعات السيجار في كل مكان من جسدي، بعد ذلك أفرجوا عني وتركوني على قارعة الطريق.... لجأتُ إلى منزل قريباتي، فعلمتُ أن أهلي أقاموا لي العزاء واعتبروني ميتةً، فاستقبلتني عائلة من بغداد، أعملُ عندها كخادمة ومربية أطفال...
والجدير بالذكر أن شبكة /سي إن إن/ الإخبارية الأمريكية.. أوردت عن مصادر مطّلعة بالإدارة الأمريكية القول: إن بوش اطّلع بنفسه على عشرات الصور الملوّنة، التي تصوّر تلك الممارسات الوحشية للجنود الأمريكيين.. لكنه لم يتخذ أية عقوبة بحق هؤلاء وأمثالهم...
ويظل الكتاب شهادةً على حقيقة الديمقراطية الأمريكية، التي لم تحمل لأرض العراق وأفغانستان إلا الفظائع والجريمة.
ملدا شويكاني