الدكتور جيلالي بوبكر
هل هو الدين الجديد؟
* إلى جانب ما تقوم به العولمة انطلاقا من أصولها الدينية الخفية والعلنية ذات المنبع النصراني أو المصدر اليهودي الصهيوني، فهي جاءت تحمل الدين الجديد للنخبة وعبدة المال وتمثل هذا الدين أحسن تمثيل، لقد غدت "بطوفانها الجارف دين النخبة، ومن اتبع تلك النخبة، حتى ليطلق عليها أحد الباحثين الوصف التالي:"دين الأغلبية الداخل إلى العبيد بقوة، وسلطان المال والتجارة" ونحن نجد أحد الباحثين يصف العولمة فيقول: لقد وحدت العولمة مفهوم الأديان التي لكل منها في حد ذاته خصوصيته وتميزه، وجعلت الناس تعتنق دينا واحدا، هو دين المال، فنسي الناس يسوع المسيح، ونسوا الله تعالى وتذكروا أوجه الدولار"، والعولمة بهذه الصفة، جعلت من العقيدة الدينية التي هي في حد ذاتها حافظة لمنظومة الأخلاقية والخلقية والاعتقادية، عقيدة أرضية مادية، فأفقدتها الجانب الروحي من دعوتها الأخروية، ومسخت جوهر الإيمان التي تدعو إلى التآخي والتآلف بين الناس".[1] اجتهدت العولمة أيّما اجتهاد في العمل على الاختراق الفكري والثقافي للشعوب بهدف تفريغ العقول والنفوس والحفائظ من محتوياتها التراثية الثقافية والدينية والأخلاقية والاجتماعية الخاصة، والاقتصار على ما هو إنساني مشترك عام وعالمي، فتحقق انتشار فكر وفلسفة وثقافة العولمة والأمركة، وهي ثقافة لها خصوصيتها وهويتها، وحصل انشطار وانصهار ثقافات الأطراف في الخصوصية الثقافية للعولمة، وفي عملية الانتشار تبشر العولمة بدين جديد هو دين المال والأعمال والتجارة والاقتصاد والإنترنيت، وهو دين يختلف تماما عن الدين بمعناه التقليدي، ذلك ما عبر"عنه أحد الباحثين بقوله: إن العولمة قبل أن تكون نظاما اقتصاديا ، كانت نظاما قيميا جديدا ساهم كل المساهمة في تغيير عقيدة الناس، مما صيّرهم آلات منتجة ومستهلكة، وأعني بالمنتجة أنهم يعملون طوال اليوم ليحصلوا على أجر يرضيهم في قرارة أنفسهم، ثم يتحولون من بعد ذلك إلى الاستهلاك على إفرازات الاقتصاد الغربي، فما يأخذونه باليمين يعطونه بالشمال، وهذه العملية الروتينية أنست الناس الدين، فدانوا بدين العولمة وحده لا غير".[2]
* إنّ الدين الجديد الذي تدعو إليه العولمة والأمركة في ظاهره دين المال والاقتصاد وكل مظاهر وآليات وأهداف العولمة والمركز، طابعه علماني، العلمانية كعقيدة ومذهب، -اليهودية تستعمل العلمانية التي لا تلتقي مع الدين وسيلة لتحقيق غايات دينية محضة- لكنه في باطنه له أصول عقائدية يهودية وأفكار ماسونية خطيرة، أهم هذه تحقيق وحدة الأديان في دين واحد، "إن أساس الدعوة التي تنادي بها الصهيونية العالمية، وصنوها الماسونية، هي دعوة وحدة الأديان في دين واحد يمحو النصرانية والإسلام وكل الديانات التي وجدت على الأرض، وهو دين العامة، تفريقا له عن دين النخبة، (الدين اليهودي حسب زعمهم)، وذلك ما نجده في ظهر ورقة لدولار بالعبارة الشهيرة (بالله نحن نثق)، من غير تحديد لأي إله يتجه القصد، إله الدم اليهودي، أم إله (الوهيم) إله الدمار اليهودي،أم إله القتل الذي خوّل يوشع (حسب زعمهم) أن يقتل أهل أريحا، ويتعرّضهم بحدّ السيف لفرض دينه واقتصاده المحرر وقتها. وهذا الأمر لا يختلف عن ذلك الأمر قيد أنملة كما تقول العرب".[3]وتنبّه كثير من المفكرين والباحثين في العالم العربي والإسلامي المعاصر إلى خطورة العولمة كدين جديد يستهدف ضرب الأديان الأخرى وفي مقدمتها الإسلام باسم وحدة الأديان، وهي دعوة لم يأت من وراءها سوى انهيار القيّم والانحلال الخُلقي والخلقي -بفتح الخاء- والربح الفاحش والظلم والاستبداد بكافة أشكاله والاستغلال بجميع أنواعه، وجاءت إستراتيجية العولمة الداعية إلى عقيدة المال والاقتصاد ووحدة الدين المعتقد ووحدة الثقافة ووحدة الحاضر والمستقبل، والانصهار في الأمركة، عقيدة قواعدها لا تنسجم البتة مع كل الأديان السماوية والوضعية، لأنها لا تزرع في العالم إلاّ التفرقة والعنصرية، ولا تنمي سوى مشاعر الكراهية والحقد والضغينة والبغضاء، وحصادها لا يقتصر إلاّ على قتل وتشريد الأطفال والشيوخ وتدمير البيوت على رؤوس ساكنيها، ولا تنتج غير العنف والعنف المضاد، وشعاراتها برّاقة كاذبة ومخادعة، هي عبارات حق وصدق أُريد بها باطل ونفاق، والتاريخ يشهد على انهيار المنظومات الإيديولوجية المعادية لمكارم الأخلاق والمجانبة للحقائق الدينية، وسقوط الإمبراطوريات التي تشيّدت على الظلم والطغيان والتعسف، وأفول مراحل الظلام لتفسح المجال لنور العلم والحق والعدل، "عندما اجتاحت جيوش هولاكو بغداد عاصمة الخلافة العباسية واحتل المغول بعض البلاد الإسلامية، واحتكوا بالشعوب الإسلامية والثقافة والدين الإسلامي، وبعد فترة آمن المغول بالدين الإسلامي بعد أن آمن أحد حكامهم به، حيث عمل على نشره في ربوع الإمبراطورية المغولية، وحلّت الثقافة الإسلامية محل الثقافة المغولية في بلاد كثيرة من آسيا نتيجة لإيمان شعوبها بالدين الإسلامي".[4]
* تدعو العولمة إلى التدين بالمال والاقتصاد والمروق عن العقائد المألوفة في الديانات السماوية والأرضية، "إنّ العولمة في دعوتها اللاظاهرية إلى الاقتصاد دينا، جعل المال ربا، وترك النظم الأخلاقية لأنها لم تعد محررة، إنما تنبع من منابع موغلة في ضلالتها، ومن عجيب أن بعض الباحثين لا يرون في العولمة إلا مذهبا اقتصاديا تطور فيه الرأسمالية إلى العولمة، وينسون أن العولمة هي دعوة يصدق عليها الباحث الذي قال: "إنّ العولمة في هذه الدراسة، حولت قيم عالمنا إلى قيم معولمة فقدت صلتها بماضيها الذي كان يحض على التسامح والإيثار، ولقد سيرت العولمة الناس في طريق لا رجوع عنه إلا بالموت، فصار الناس إذ يمشون في هذا الطريق يكتبون كل يوم قيما جديدة تختلف عن قيمهم الدينية والخلقية فنسو الدين والخلق، لقد صارت العولمة كما قدمناه دين الاقتصاد المحرر في العصر الحديث، وما أراها إلا عقيدة الشيطان في حد ذاته، لما احتوته من فسق اقتصادي، وتخريب قيم ، وإلحاد ديني، سواء أشعر الناس بها أم لم يشعروا...إن غاية الأفكار الاقتصادية المدنية التي تشيع في المجتمع كل يوم، أن تدعوا إلى إصلاح قيم المال بدل قيم الإيمان وفضائل الأخلاق، هو ما نراه في منظومة العولمة التي صبغت الحضارة الغربية بصبغة إلحادية أبعدت الناس عن الكنيسة إلى بيت عبادة جديد، هو المعمل، أو المكتب، أو مكان العمل الذي غدا بديل الكنيسة والمسجد".[5]
* إنّ كل الدلائل تؤكد بجلاء أن العولمة في عصرنا دين جديد وعقيدة التوجه الحضاري للقطبية الأحادية متمثلة في الغرب الأوربي والولايات المتحدة الأمريكية، فالعولمة دين النخبة الاقتصادية وعبدة المال لا الفضائل والقيم الإنسانية العليا والضمير الخلقي والوازع الديني، دين المادة لا الروح والعقل والوجدان، دين الغريزة والشهوة و"البورنوغرافيا" لا التربية الروحية والأخلاقية والدينية وتهذيب اللّذات والسلوك وترشيد الرغبات والميول والأهواء والعواطف، دين الانتماء إلى العالم الذي هو بدون انتماء يعيش في غموض وإبهام وشمول وضبابية لا ولاء فيه لوطن أو لأرض أو لقومية أو لدين ما أو لأمة أو لغيرها، دين كل شيء فيه مفتوح وبحرية لا يعترف بالحدود الجغرافية والسياسية والثقافية وغيرها، دين يحرص على الانتشار والانصهار، انتشار العولمة والنظام العالمي وعقيدتهما في كل مكان، وانصهار كل الشعوب وكل الثقافات وكل الديانات في بوتقة واحدة هي وحدة الجنس البشري، ليعيش تحت مظلة العولمة وبقيادة سلطة المركز، هذا هو مطمح الحركة الصهيونية العالمية وصنوها الماسونية منذ ظهرتا.
[1]- حيدر حميد الدهوي: العولمة والقيم، ص 53-54.
[2]- نقلا عن حيدر حميد الدهوي: العولمة والقيم، ص 54.
[3]- راجع العولمة والقيم: حيدر حميد الدهوي، ص 54.
[4]- محمد الجوهرى حمد الجوهرى:العولمة والثقافة الإسلامية، ص124.
[5] - حيدر حميد الدهوي: العولمة والقيم، ص 56-57.