في ذكرى نكبة الأمة الكبرى
مصطفى أنشاصي
على الرغم من مرور ست وستون عاماً على ذكرى النكبة الكبرى إلا أن النكبة لا زالت قائمة وتزداد يوماً بعد يوم، وإن كانت ذكرى النكبة في 15 أيار/مايو 1948 من كل عام تذكرنا بالنكبة الكبرى وضياع الجزء الأكبر من فلسطين وقيام كيان العدو الصهيوني الغاصب على ذلك الجزء، إلا أن مواصلة كيان العدو الصهيوني اليومية لاغتصاب الأراضي المحتلة عام 1967 لا يجدد الشعور اليومي بالنكبة فقط ولكنه يجعل النكبة مستمرة ومتواصلة ولم تنتهي، فكل يوم أرض تغتصب، وسكان يطردون وعائلات تُقطع أوصالها ويشتت شملها، جزء منها داخل الجدار وجزء خارجه، وعائلات تحرم من مصدر رزقها وأقواتها.
أرض بلا شعب لشعب بلا أرض
وفي ظل سياسة اغتصاب ومصادرة الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967 التي يقوم بها العدو الصهيوني يومياً، والتي تخالف أبسط قواعد القانون الدولي وقرارات ما يسمى بـ(الشرعية الدولية)، وفي ظل هذا الدعم الأمريكي المطلق لتلك السياسة وصمت العالم أجمع، ذلك لا يذكرنا فقط بالموقف الدولي الذي منح العصابات الصهيونية عام 1947 (قرار التقسيم 181 بتاريخ 29/11) الحق في إقامة كيانها الغاصب على 56% من فلسطيننا وتسبب في حدوث نكبتنا وتهجير أهلنا قسراً وبالإرهاب عام 1948؛ ولكنه يؤكد أنه مازال ثابتاً ومؤيداً وداعماً وممولاً للمشروع اليهودي في فلسطيننا، بالرغم من الرفض الظاهر والمعارضة النظرية لسياسة العدو الصهيوني لاغتصاب الأراضي المحتلة عام 1967، ذلك لأن دعمه قام على أساس الشعار الغربي الكاذب:
(أرض بلا شعب لشعب بلا أرض) الذي أطلقه البريطاني النصراني الصهيوني شافتسبري، الذي كان مهووساً بخرافات التوراة ونبوءات العودة والسيادة العالمية اليهودية، هذا الشعار الذي يظن البعض أنه شعاراً غربياً (استعمارياً) استعاره اليهود من الغرب، ولكنه في الأصل هو شعار يهودي توراتي أساسه إلغاء الآخر وعدم الاعتراف بوجوده والحكم عليه مسبقا بالموت، وفيه إشارة إلى موافقة الغرب على إبادة اليهود للسكان الأصليين في فلسطين توطئة لتحقيق وعد الرب باغتصاب الأرض.
ذلك ما يفسر لنا كيف تحول الشعب الفلسطيني الضحية إلى جلاد وتحول الجلاد ـ كيان العدو الصهيوني ـ إلى الضحية؟! كيف تحول الشعب المُحتل الذي يقاتل من أجل استرداد حقه وتحرير وطنه المغتصب إلى (إرهابي)، وتحول المغتصب والمُحتل والقاتل إلى صاحب حق ومدافع عن نفسه؟! ويفسر لنا لماذا التهديد الغربي المتواصل بوقف الدعم المالي للسلطة الفلسطينية! كل ذلك يأتِ في وقت صعد فيه كيان العدو الصهيوني سياسة اغتصاب الأرض الفلسطينية وارتكاب المجازر اليومية ضد القدس والمسجد الأقصى والمقدسات الإسلامية والمواقع الدينية النصرانية، وآخرها محاولات قطعان المغتصبين الصهاينة من وضع يدهم على موقع ديني نصراني يعتبره أشقائنا النصارى في فلسطين وكل نصارى العالم أنه المكان الذي تناول فيه السيح عليه السلام عشائه الأخير مع حوارييه، ويأتِ هذا السلوك الوقح من العدو الصهيوني متزامناً مع زيارة البابا لقلسطين، ذلك البابا الذي يناصب المسلمين العداء مثله مثل كل الباباوات السابقين، ويمجد كاذباً التاريخ المشترك بين النصارى واليهود، ولا أعلم لهما تاريخ مشترك سوى قتل اليهود المسيح -بحسب عقيدتهم لأنه في عقيدتنا ما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم- واضطهاد الغرب النصراني عبر قرون لليهود وارتكاب المذابح والمجازر ضدهم عقاباً لهم على جريمة قتلهم إلههم، ولم يتغير ذلك إلا بعد أن حقق اليهود اختراقهم الكبير للكنيسة الغربية وشقها وتشكيل المذهب اليهودي باسم النصرانية (البروتستانتية)، الذي ساعد في نشأة الدول القومية العلمانية في أوروبا التي تقوم على المساواة بين كل مواطنيها، وبعد ما حققه اليهود من اختراق للفاتيكان وانتزاع قرار كنسي يبرئ اليهود من دم المسيح، أو بمعنى أصح يبرئ اليهود من ذنب آبائهم، علماً أن العقيدة اليهودية تنص على تحمل الأبناء والأحفاد لذنب الآباء والأجداد لأن اليهود ردوا على القائد الرماني طيطس الذي تردد في الاستجابة لطلبهم بقتل المسيح لأنه كان يرى أنه رجل صالح بقولهم: دمه علينا وعلى أبنائنا!
نظرة الغرب للعربي والفلسطيني
ذلك الموقف الغربي من فلسطين هو جزء لا يتجزأ من الموروث الثقافي والديني والتاريخي الغربي نحو الإسلام والمسلمين الذي لعب الفكر والأدب الغربيين على مر القرون ومازال دوراً في تشكيله وتشويه صورة المسلم في نظره، فغالباً ما يصور الفكر والأدب الغربي المسلم بأنه (إرهابي) ويؤجج مشاعر العداء له وفي المقابل يتعاطف ويدعم كيان العدو الصهيوني على الرغم من التناقض العقائدي والتاريخ الأسود بينهما، ويمكن إرجاع ذلك إلى عاملين:
* الأول: ديني، يتمثل في معتقدات النصارى الصهاينة – البروتستنت – الذين يؤمنون بحرفية خرافات التوراة عن اليهود، بدءً من نسبهم الذي يرتفع إلى (سام بن نوح) بحسب خرافة التوراة، انتهاءً (بعودتهم إلى فلسطين) و(عودة المسيح) وبناء الهيكل المزعوم على أنقاض المسجد الأقصى، توطئة لعودة المسيح. وهذا الاعتقاد في الدول الغربية البروتستنتية يتساوى فيه السياسي مع المواطن العامي. أما في الدول الغربية ذات المذهب الكاثوليكي والأرثوذكسي فهو موجوداً ولكن غير ظاهر لأنه قائم في اللاشعور، فهم أيضاً يؤمنون بالتوراة وخرافاتها ولكنهم لا يؤمنون بحرفيتها عن اليهود. ولكنهم في الوقت نفسه ينظرون إلى أنه هناك تاريخ مشترك يجمع بينهم وبين اليهود، لذلك يجدوا أن اليهود أقرب إليهم من المسلمين ولا مانع من التحالف معهم وخدمة مشروعهم ما دام يحقق لهم هدفاً مشتركاً ضد الأمة العدو.
* الثاني: تاريخي سياسي، تمتاز المواقف الغربية التقليدية من العربي بالتعصب والجهل أو كلاهما، وقد تشكل بعضها بدون وعي وبتأثير روايات التوراة وخرافات ضد القبائل الفلسطينية القديمة، أو من خلال أدب الحروب الصليبية والصراع الغربي ضد الإسلام، وما عكسه ذلك الصراع والعداء من روح الكراهية والحقد الغربيين للعرب والمسلمين، ظهر في كتابات الغرب الأدبية من شعر وقصة وغيرها، ولا زال مستمراً إلى اليوم من بعض الجهلاء المتعصبين من الغربيين، أو بفعل الدعاية وحملات التشويه وإثارة روح العداء الغربي ضد الإسلام التي تقوم بها وسائل الإعلام الغربية المتعاونة مع اليهود.
هذان العاملان غالباً هما اللذان شكلا نظرة الغربي للمسلم والعربي خاصة، التي يغلب عليها طابع الازدراء وعدم الاحترام، وقد لعبت المواقف السياسية الغربية دوراً لا بأس به في تثبيت تلك النظرة في العصر الحاضر وخاصة ضد الفلسطيني! ولأن تلك الصورة للفلسطيني بدأت الشعوب الغربية تغييرها تدريجياً والتعاطف مع الشعب الفلسطيني في مطالبته بحقوقه الوطنية العادلة؛ فإننا نجد اليهود وأنصارهم الغربيين وعلى رأسهم الولايات المتحدة التوراتية يبذلون جهوداً كبيرة في تثبيتها وذلك من خلال التشدد في مواقفهم السياسية من حق الفلسطينيين في المقاومة والدفاع عن أنفسهم ضد الجرائم والمجازر الصهيونية واتهام المقاومة بـ(الإرهاب).
النظرة الغربية للعربي والفلسطيني بالتحديد، والموقف السياسي الغربي والدولي لن يتغير من قضية الأمة المركزية دام الموقف العربي الرسمي لم يتغير اتجاهها ويصبح أكثر إيجابية في دعمه لها، والتشدد في مواقفه ضد المواقف الغربي الداعمة لكيان العدو الصهيوني وجرائمه ضد أهلنا في فلسطين، وإلى أن يتحقق ذلك على الجانب الرسمي العربي جميعنا مطالب أن نستثمر كل ما يمكن استثماره كجماهير عربية وشعب عربي واحد في دعم أهلنا في فلسطين وتصحيح النظرة الغربية نحوهم واعتبار ذلك واجب شرعي لا منّة.