"نساء"الثورات العربية ..المرأة العربية الجديدة (1)
بسم الله الرحمن الرحيم ..
لا أذكر أنني كتبت عن المرأة إلا وأنا أستحضر قول الحق سبحانه وتعالى : (كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون)!!
وذلك أن رؤية توجه عجلة التأريخ كان يضغط على النفس،ويجعل الإنسان يكتب وهو يشعر أنه (يؤذن في مالطة) كما يقولون .. أما هذه المرة .. فإنني أستحضر قول ابن الونان،مخاطبا أحد سلاطين المغرب :
لولاك كنت للمديح تاركا *** لِعَدَمِ الباعث والمشوق
أما وقد رأينا بوادر الثورات العربية ... فقد تجدد "الباعث"و"المشوق" .. وكما قال الأستاذ فهمي هويدي .. (قد لا نبالغ إذا قلنا إننا بصدد عالم عربي جديد ولد في العام 2011،على أيدي الشعوب التي سرت فيها روح أيقظت فيها تطلعات وأحلام ظلت مختزنة ومحبوسة،على الأقل منذ نالت تلك الشعوب استقلالها الوطني في منتصف القرن الماضي..){مقالة "عالم عربي جديد في سنة فارقة"}.
هذا العالم العربي الجديد .. يحرض صاحب القلم على السعي لزراعة "بذرة : كلمة"بغض النظر عن أي شيء آخر ... وكما قول الرئيس البوسني .. (- في البدء كانت الكلمة – دائما كانت الأمور هكذا : سبق الثورة الفرنسية "1789م" ما يسمى ثورة الفلسفة. "توفي ديفيد هيوم عام 1776م،وجان جاك روسو عام 1778م. طباعة الإنسكلوبيديا {ديدر و د. الإمبرت وآخرون} تمت عام 1780م. نقد كانت للعقل الخالص ظهر عام 1781م". الأحداث السياسية الكبرى التي غيرت العالم والتي بدأت بالثورة الفرنسية سبقتها الأفكار الإنسانية.){ص 161 رقم "1434" (هروبي إلى الحرية ) / علي عزت بيجوفيتش / ترجمة : إسماعيل أبو البندورة / دار الفكر : بيروت / دمشق/ الطبعة الثالثة / 1429هـ = 2008م}.
بما أن معظم كتاباتي كانت دعوة لعدم "استيراد"كل شيء من الغرب،فكان لابد لي أن أستحضر هنا،قول"فانون"كما نقله عنه "صايغ" .. (( إن تبنّي الغرب الكذوب والمنافق للثورات العربية الديموقراطية، يلزم أن يخيف الثوار العرب في العمق. هذا الغرب، الأوروبي والأميركي، اغتال حقوق الإنسان خارج بلاده، قتل الحرية خارج حدوده، أيد الاستبداد واصطنع الانقلابات العسكرية في أي بلد اختاره ليكون موطنا لنفوذه. هذا الغرب الجهنمي الذي ارتكب مجازر التقسيم ودفع إلى الحروب الأهلية وغزا العالم الآخر (عالمنا) بالسلاح والسلع والثقافة والإعلام، وعرّض شعوبا للنهب، نهب ما في أرضهم ونهب ما تنتجه سواعدهم وعقولهم، ليس نموذجاً حاسماً للاحتذاء، بل هو رجس سياسي واجب تجنبه والحذر منه، ما يعني الحرص على الذات خوفاً منه.){ عن :فرانز فانون .. العائد إلينا بعد خمسين عاما" بقلم : نصري صايغ : رسائل مجموعة الدكتور عبد العزيز قاسم البريدية}. تذكرت أيضا محمد أسد،وهو ينبهنا إلى (مأزق الغرب)،ويحذرنا من التركيز على الحصول على مزيد من (الرفاهية)،بصفتها غاية الغايات .. فإن ذلك لم يمنح الغربيين (السعادة) .. يقول"أسد" .. (في ذات يوم من أيام شهر أيلول من سنة 1926 كنت راكبا مع زوجتي في قطار برلين تحت الأرض،فوقعت عيني اتفاقا على رجل أنيق الملبس جالس قبالتي. كان،على ما بدا لي،تاجرا تبدو عليه آثار النعمة والثراء،على ركبتيه حقيبة صغيرة جميلة وفي أصبعه خاتم ماسي كبير.وأخذت أفكر بتكاسل كيف أن مظهر هذا الرجل الحسن كان يعكس الرخاء الذي كان المرء يقع عليه في كل مكان في أوربا الوسطى في تلك الأيام (..) إن معظم الناس كانوا يلبسون جيدا ويأكلون جيدا،ومن هنا لم يكن الرجل قبالتي خلاف غيره من الناس.إلا أنني عندما نظرت إلى وجهه خيل إلي أنني لم أكن انظر إلى وجه سعيد،فقد بدا لي قلقا : لا قلقا فحسب،بل شقي بصورة حادة،ترسل عيناه نظرات فارغة إلى الأمام،وزاويتا شفتيه ملتصقتان ألما – ألما غير جسماني.وإذ لم أرد أن أكون وقحا،فقد أشحت بوجهي فرأيت إلى جانبه سيدة على شيء من الظرف.لقد كان وجهها هي أيضا يعبر تعبيرا غريبا عن عدم سعادتها،كأنما كانت تعاني أو تفكر في شيء يسبب لها الألم.ومع ذلك فقد كان ثغرها يفتر عما يشبه ابتسامة جامدة لم اشك في أنها لا بد أن تكون عادية لديها.وعندئذ أخذت أجيل بصري في جميع الوجوه الأخرى – وجوه أناس كانوا جميعهم دون استثناء يرتدون الملابس الحسنة ويقتاتون بالغذاء الجيد – وفي كل وجه منها استطعت أن أميز تعبيرا عن الألم الخبيء،إلى درجة أن صاحبه بدا وكأنه لا يشعر به. (..) كانت الانطباعة قوية إلى درجة جعلتني اذكرها لزوجتي،فأخذت هي أيضا تنظر حولها بعيني رسام حريص اعتاد دراسة القسمات البشرية.ثم استدارت إليّ دهشة وقالت : أنت على حق .. إنهم جميعا يبدون وكأنهم يعانون آلام الجحيم .. وإنني لأتساءل هل يعرفون هم أنفسهم ماذا يعتمل في نفوسهم؟ "
لقد عرفت أنهم لم يكونوا يعلمون .. وإلا لما كان باستطاعتهم أن يستمروا في إضاعة حياتهم وتبديدها كما كانوا يفعلون،دون أيما إيمان بالحقائق الرابطة،دون أيما هدف ابعد من الرغبة في رفع "مستوى معيشتهم"،دون أيما أمل غير حيازة المزيد من الملذات المادية والمزيد من الممتلكات،ولربما المزيد من القوة ..
واتفق عندما عدنا إلى البيت،أن ألقيت نظرة على مكتبي،وكان عليه نسخة مفتوحة من القرآن كنت أقرا فيها من قبل. وبصورة آلية،رفعت الكتاب لأضعه جانبا. ولكن ما إن هممت بإغلاقه حتى وقعت عيني على الصفحة المفتوحة أمامي وقرأت : (( َلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ{1} حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ{2} كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ{3} ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ{4} كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ{5} لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ{6} ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ{7} ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ{8})) واعتراني الصمت لحظة،واني لاعتقد أن الكتاب كان يهتز في يدي. ثم قلت لزوجتي : "اصغي إلى هذا. أليس هو جوابا عما رأيناه في القطار؟" اجل لقد كان. كان جوابا قاطعا إلى درجة أن كل شك زال فجأة. لقد عرفت الآن،وبصورة لا تقبل الجدل،أن الكتاب الذي كنت ممسكا به في يدي كان كتابا موحى به من عند الله . فبالرغم من أنه وضع بين يدي الإنسان منذ أكثر من ثلاثة عشر قرنا فانه توقع{بما أن الحديث عن الخالق،سبحانه وتعالى،فالأصح أن يُقال "أخبر بوضوح"} بوضوح شيئا لم يكن بالمكان أن يصبح حقيقة إلا في عصرنا هذا المعقد الآلي.
لقد عرفت الناس التكاثر في جميع العصور والأزمنة : ولكن هذا التكاثر لم ينته قط من قبل إلى أن يكون مجرد اشتياق إلى امتلاك الأشياء،والى أن يصبح ملهاة حجبت رؤية أيما شيء آخر : حنين لا يقاوم إلى التملك،والعمل،والاستنباط أكثر فأكثر. اليوم أكثر من أمس،وغدا أكثر من اليوم : عفريت راكب على أعناق الناس يسوق قلوبهم بسوط إلى الأمام نحو أهداف تتلألأ عن بعد ولكنها تنحل إلى لاشيئية زرية خسيسة حالما تصبح في متناول اليد : وذلك الجوع،ذلك الجوع النهم إلى أهداف جديدة لا تنتهي ينمو في قلب الإنسان : "كلا، لو تعلمون علم اليقين لترون الجحيم .."
لقد عرفت أن هذا لم يكن مجرد حكمة إنسانية من إنسان عاش في الماضي البعيد في جزيرة العرب النائية،فمهما كان مثل هذا الإنسان على مثل هذا القدر من الحكمة فانه لم يكن يستطيع وحده أن يتنبأ بالعذاب الذي يتميز به هذا القرن العشرون : لقد كان ينطق لي،من القرآن،صوت أعظم من صوت محمد ..(..) سعيت إلى صديق مسلم لي،{ صديق لي مسلم هندي } هندي كان في ذلك الحين رئيسا للجالية الإسلامية الصغيرة في برلين،وأعلمته برغبتي في اعتناق الإسلام،مد يده اليمنى نحوي ووضع يدي اليمنى فيها. وبحضور شاهدين قلت : اشهد أن لا إله إلا الله،وان محمدا رسول الله.){ص 326 – 329 ( الطريق إلى الإسلام) - نقله إلى العربية : عفيف البعلبكي / بيروت / دار العلم للملايين / الطبعة الخامسة 1977م.}.
بعد كل هذه "المشوقات"و"الدوافع" للكتابة ... أقول أنني احترت من أين أبدأ !!! وكأنني "خراش"!!
تكاثرت الظباء على خراش **** فما يدري خراش ما يصيد
ثم رأيت أن أبدأ بالتنبيه إلى قضية أعتقد أنها في غاية الأهمية ... وذلك أن الإنصاف يقضي أن نعترف بأن المرأة – عبر التأريخ – عانت كثيرا من التحقير .. وهنا يحسن أن ننبه إلى أن (الاحترام) – ولا نشك لحظة في أنه أقوى دوافع المرأة نحو البحث عن "المساواة" – شعور أو قناعة داخلية،لا يغيرها الحصول المرأة على المناصب،والأموال- ولا تغيرها (القرارات الأممية) - فكم من"رجل"يصرف من مال المرأة،وهو لا يكن لها أي تقدير .. بل ربما تندر عليها في مزاحه .. إذا .. نبدأ بوضع النقاط على الحروف .. فنعطر هذه الأسطر بقول الحق سبحانه وتعالى : (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون){ 56 الذاريات} .. هنا نجد "المساواة"لا بين الرجل والمرأة فقط .. بل المساواة مع"الجن"أيضا .. بطبيعة الحال لمن يؤمن بوجود الجن أصلا!! .. ما يأتي بعد ذلك ليس أكثر من (توزيع للصلاحيات) .. وهو – في بعض جوانبه – مثل الإيمان بالجن .. يحتاج إلى إيمان بعدالة الخالق سبحانه وتعالى ...
نعطر هذه الأسطر – مرة أخرى – بقول الحبيب صلّ الله عليه وسلم .. (كمل من الرجال كثير .. ولم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون ومريم بنت عمران وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام){البخاري الحديث رقم 3159}.
وهذا يعني أن "الأنوثة"- من حيث هي أنوثة – ليست مانعا للكمال ..
نتذكر – كذلك ،ونعطر الأسطر بها أيضا – قول الحق سبحانه وتعالى : (أومن ينشؤا في الحلية وهو في الخصام غير مبين){18 الزخرف} وهذه الآية الكريمة تشير إلى الدور الذي تلعبه التنشئة ... يقول رئيس قبيلة ( تشبوا) – من الهنود الحمر - الذي يقول خلق النساء للعمل، فالواحدة منهن في وسعها أن تجر من الأثقال أو تحمل منها ما لا يستطيعه إلا رجلان، وهن كذلك يُقمن لنا الخيام، ويصنعن الملابس ويصلحنها، ويدفئننا في الليل ... إنه يستحيل علينا أن نرحل بغيرهن، فهن يعملن كل شيء ولا يكلفن إلا قليلا، لأنهن ما دمن يقمن بالطهي دائما فإنهن يقنعن في السنين العجاف بلعق أصابعهن){ ص 61( قصة الحضارة) ول ديورانت / ترجمة د. زكي نجيب محمود/ طبعة جامعة الدول العربية/ 1965م/ ط3/ جـ1/ مجلد 1}
من الهنود الحمر إلى قرية جنوبية سعودية ... ( لكل نسق اجتماعي جوهره وبناؤه،أما هن فقد كن جوهر القرية وروحها ودعائم بقائها رقيقات رغم قسوة الزمان والمكان... لطيفات رغم جفاء الأهل والأحباب .. رحيمات رغم جحود البعض وغدر الأصحاب .. الجميع كان يتفق على أن القرية تصبح مجرد أطلال صامتة حالة عدم وجودهن ولو لم يكن من مهامهن إلا إحضار المياه من البئر وحمله في القرب الكبيرة على ظهورهن إلى حيث هي منازل القرية في أعلى الجبل لكفاهن ذلك،ولكن الواحدة منهن كانت تقوم بأعمال لا يطيقها أعتى الرجال فما بالك بامرأة رقيقة الكيان مرهفة البنان.
لم تكن المرأة هي روح القرية وكفى،بل هي أنفاسها وزينتها وجوهرها وأساس تكوينها. يمتزج صوتها الجميل في هدأة السحر مع صوت الرحى عندما يهجع الجميع لتقوم هي لتطحن الحبوب في نكران عجيب للذات،وصبر قل أن يوجد له مثيل،لقد كانت تحرص أشد الحرص على ألا تشرق الشمس إلا وقد أعدت طعام الأسرة،وتحضره على عجل لتنطلق مشيا على الأقدام إلى الحقول المجاورة حاملة معها طعام زوجها والذي خرج منذ الصباح الباكر ليحرث مزرعته ويسقي حقولها الظامئة. ورغم كثرة أعمالها المنزلية التي لا تكاد تنتهي فإنها لا يمكن أن تغفل بأي حال من الأحوال عن أغنامها التي لا تزال بانتظار من يطعمها أو يخرجها من حضائرها {هكذا} (..) كفاح متواصل وأعمال شاقة مرهقة ولكن هذا لم يمنعها من حمل كومة الحطب على رأسها وحمل قربة الماء على ظهرها مع مغرب كل يوم في سباق حثيث مع الزمن لكي تتمكن من الوصول إلى بيتها قبل غروب الشمس لتسارع بإعداد طعام العشاء وذلك قبل أن ينام أطفالها أو يتضجر زوجها وإخوتها. ورغم كل هذه المشاق فإنها لا تزال مطالبة بأداء حقوقها {هكذا!! وإلا فإن الحقوق تُؤخذ .. والواجبات تؤدى} الزوجية كاملة غير منقوصة وإلا فإن الزج سيهدد بواحدة أخرى! لم يكن نساء القرية هن روحها وجوهرها فقط بل كن هن القرية بكامل زينتها وزخرفها.){ص 91 – 92 ( ومضات من القرية ) / حسن محمد الشمراني / الرياض / دار المفردات للنشر والتوزيع / الطبعة الأولى / 1431هـ = 2010م}.
إذا انتقلنا إلى منطقة وسطى .. أو إلى "مصر"فإننا نجد هذه (الصورة التي رسمها عصمت سيف الدولة للمرأة الصعيدية والتي قدمها بقوله : "تملك الزوجة،ربة البيت،وحدها كل الأجوبة الروحية والعاطفية والمادية على أسئلة الرجل،الزوج،وهي بعد التي قدمت حجر الأساس الاقتصادي لبيت الزوجية الذي تديره،ولها فيه فضلان،فضل الإدارة وفضل التمويل،ولزوجها فضل العمل،فلا ينكر عليها أحد بعد هذا أنها ملكة البيت وما فيه ... إنها لا تخدم أحدا،ولا زوجها،وإنما تدير مملكتها في بيتها وتعد فيه كل الأجوبة الروحية والعاطفية والمادية،على أسئلة الرجل الزوج،والأولاد من البنين والبنات.
الزوجة في القرية لا"تحب"ولا"تعشق"زوجها،تلك وأمثالها أوصاف أدنى بكثير من تلك العلاقة بين الزوجين،أدنى وصف إلى حقيقتها أنها وحدة مصير،لا بل وحدة وجود،فهما لا يلتقيان منفردين إلا نادرا،وإن تحادثا فلا يهزران،ولا يتلامسان غزلا،ولا يتغازلان حديثا،ولا يعرفان عادة القبل على الشفاه،ولا يتعانقان إذا تقابلا بعد غياب،ولا يفقدان في كل الظروف الوقار والتوقير والحياء،ولا تنادي المرأة زوجها باسمه ولا يناديها باسمها،إلا إذا كانا منفردين،وإن تجادلا فصيغة النداء تدل على مدى الاتفاق أو الاختلاف أو التودد. إن قالت له"يا خوي" فهي متفقة،وإن نادته"يا ولد عمي"فهي تتودد .. وإن قالت له"يا ولد الناس"فهي غاضبة. فالزوجة تعرف و زوجها يعرف أنها غضبت فسيشقى. ستظل أسئلة في بيته بدون أجوية .. يخسر كل شيء ولا تخسر هي شيئا.
ولا يعنى هذا أن المرأة في القرية لا تعرف الحب،بالعكس إنها تعرفه عاطفة متأججة منذ أن بلغت مبلغ النساء،كل ما في الأمر أنها أحبت حتى الوله وعشقت بكل كيانها الزوج بصفته وليس شخصا بعينه.){ عن مقلة "رحيل الدكتور عصمت سيف الدولة .. شيخ جبل البداري" / بقلم : مصطفى نبيل / مجلة الهلال / مايو 1996م}.
للأسف لم يبق من المساحة المخصصة لهذه الحلقة سوى ما يتسع لهذه القفزة إلى سنة 438 قبل الميلاد .. تقريبا ... وإلى مسرحية "ميديا" لــ يوربديز .. (.. وتفكر ميديا فيما ارتكبته من أخطاء، وتنطق بفقرة من أشهر فقرات يوربديز التي يدافع فيها عن النساء :
( لم أرى بين جميع الأشياء التي تنمو ويسيل منها الدم، شيئا تهشم كما تهشمت المرأة . إن علينا أن نقدم كل ما جمعناه من الذهب وادخرناه لهذا اليوم الوحيد، لنبتاع به حب رجل، ولكننا نبتاع به سيدا ليتصرف في أجسامنا! وهذا لعمري أشد ما يؤلمنا في هذا العمل المشين ولا نعرف بعد ذلك هل سيكون هذا السيد إنسانا خيرا أو شريرا، وذلك هو خطر يهددنا طول حيلتنا ... إن بيتها لم يعلمها أحسن وسيلة تهدي بها ذلك الشيء الذي ينام بجانبها سبل السلام . وإن التي تجد بعد جهودها المضنية الطويلة وسيلة تجعله يحسب لها حسابها فلا ينفض عن ظهره عبأها بعنف، تعد نفسها سعيدة . أما التي تعجز من النساء عن العثور على تلك الوسيلة فلتتمن الموت إن زوجها إذا مل رؤية وجهها في داخل المنزل غادره وذهب إلى مكان أروح من المنزل وأحب منه إلى قلبه أما هي فقد كتب عليها البقاء حيث هي، لا تقع عيناها إلا على نفس واحدة ثم يقولون بعدئذ إنهم هم الذين يلبون نداء الحرب، على حين أننا نجلس في عقر دورنا في حمايتها بعيدا عن الخطر ! إن هذا لسخرية وبهتان ! ولأن أنزل ثلاث مرات إلى ميدان القتال، أخوض المعارك وترسي في يدي إلى أحب إلي من أن أحمل طفلا واحدا)
{ول ديورانت / ( قصة الحضارة) / ص 268- 287 جـ 2 مجلد 2 / ترجمة : محمد بدران / طبعة جامعة الدول العربية}
إلى هنا توقف القلم عن الحديث عن هذا الكائن الطيف .. القوي .. الضعيف !!!! لنكمل الحديث في الحلقة القادمة .. إذا أذن الله.
أبو أشرف : محمود المختار الشنقيطي – المدينة المنورة في 22/2/1433هـ
Mahmood-1380@hotmail.com