ما مفهوم السلام الذي تريده «إسرائيل» وتتشدق أمام العالم بسعيها الحثيث إليه.؟
وهذا السلام بالمفهوم الصهيوني، جاء شرحه في وقت سابق جداً، وعلى لسان مؤسس الكيان حين قال: (إن إسرائيل لا تستطيع البقاء في حالة حرب دائمة).

وهذا يعني، أن «إسرائيل» تجعل من مقولة السلام استراحة المحارب لجولات يجب ألا تتوقف حتى تحقيق الحلم الكبير، ويعني أن السلام الذي تطرحه «إسرائيل» هو جزء من استراتيجية الحرب نفسها، وهو بشكل أوضح وسيلة ليس أكثر.!
بعيداً عن الانفعالية نطرح سؤالاً قد يبدو سخيفاً، ولكنه يحمل شرعيته، ولا بد لنا أن نطرحه:
ترى عن أيّ سلام يتحدثون.؟
لا شك أن قضية الصراع العربي - الصهيوني، «ولا أقول الفلسطيني - الصهيوني فقط»، من أعقد قضايا العصر، فهو يشمل أولاً مسألة مكانة العرب في عالم اليوم بعد عودتهم بصحوة جديدة غير مسبوقة يشهدها الشارع العربي والإسلامي في كل مكان.
ويشمل مصير الشعب الفلسطيني المشرد والمحتل داخل وخارج فلسطين، ويشمل مسألة المصادر من بترول ومياه وغيرهما التي تشكّل المخزونات الاستراتيجية للدول دائماً، وأكثر أهمية في الوقت الحالي، ويشمل أيضاً مستقبل «إسرائيل» صنيعة الصهيونية العالمية، ويشمل ميادين صراع حاسمة ومهمّة بين الغرب والشرق، وبين أوروبا والولايات المتحدّة الأمريكية.
بات من المعروف أن الصراع العربي - الصهيوني بدأ، تحديداً مع إقامة أولى المستعمرات اليهودية، حيث تكوّنت جمعيات طلاّبية في روسيا عرفت باسم «البيلو» أوصلت أول مجموعة من اليهود عام 1882 وأسسّت «ريشون ليزبون» الأول في صهيون، ثم تبعتها تسع مستوطنات أخرى قامت بدعم من المليونير اليهودي «البارون روتشيلد» ثم تولّت منظمة «إيكا» إدارة مشاريع الاستيطان الزراعي.
وهذا أدى إلى تضاعف عدد اليهود القادمين إلى فلسطين من 35 ألفاً في عام 1895 إلى 85 ألفاً في عام 1914 أي بنسبة ثلاثة أضعاف تقريباً، وما لحق من أحداث إبان الاحتلال البريطاني، ودعمه غير المحدود للمشروع الصهيوني، وضعف الحكومات العربية وتخاذلها وتصديقها للوعود الواهمة، هذا كله أغرق «القضية» الفلسطينية كما اصطلح على تسميتها، وأغرق مسألة الصراع العربي - الصهيوني برمته بعدد ضخم من الأحداث انتهت إلى شكل الصراع الحالي بعمقه وحدّته.
هو صراع مصيري إذاً.!
إن المشروع الصهيوني الاستيطاني، وجد في اليهودية «كدين»، وفي نصوص التوراة الموضوعة، وتعاليم التلمود، خير حصان يمتطيه لينفّذ بالنتيجة حلمه بشكل دولة كبرى، تمتدّ من الفرات إلى النيل وما بينهما من بشر ومصادر كمرحلة أوليّة تفتح شهيّته لتوسّعات أخرى تسير بالتوازي مع طموحات القوّة العالمية الأعظم في عصرنا الحالي، لتحقيق السيطرة المطلقة، وخنق العالم من أطرافه، وتسخيره بالمجموع لخدمة مقولة شعب الله المختار، والله نفسه «سبحانه» المتقمّص في كل فرد يهودي.
ونحن، عندما نتناول الموضوع من جوانبه الأساسية، نستطيع أن ندرك ببساطة، أن ما يجري في عالمنا العربي، وفي سورية بشكل خاص هو امتداد طبيعي لما تطمح إليه الصهيونية لتحقيق مشروعها الإحلالي التوسعي، وتثبيت وجودها كقوّة مهيمنة على المنطقة برمّتها، وطمس الهوية القومية العربية.