الخلل في الثلاثية الإنسانية العربية

الإنسان في كل العالم له ثلاثة مواقع بالنسبة لما يضبط سلوكه كونه: الشخص وكونه الفرد وكونه المواطن، وبالقدر الذي يتناغم فيها الأداء الإنساني لتلك المواقع الثلاثة بالقدر الذي ترتقي في دولته معالم التحضر.


أن يحب فلانٌ النوم مبكراً، أو يحب السهر، فتلك مسألة شخصية تتعلق بخصوصيته، ليس لأحد دورٌ أو علاقة بها، وأن يختار فلانٌ نمطاً لنوعية مأكولاته نباتية كانت أم حيوانية، قليلة الشحوم أو كثيرتها فتلك أيضا مسألة شخصية.

أن يمتنع (فردٌ) في فريق كرة القدم عن التدريب، أو موظفٌ عن حضور دوامه في الوقت المحدد، فهذا لا يخضع لمحاكمة الخصوصيات الشخصية، بل يندرج تحت مسألة الفردية التي تستوجب التزام الأفراد وانضباطهم حسب اللوائح الداخلية لمجموعتهم التي ينتمون بها كأفراد، فلاعب كرة القدم هي فردية اختارها الشخص المنتمي لذلك الفريق طوعاً، مقابل أن يؤدي دوره في ذلك الفريق بشكل جيد، وهو كالموظف الذي يختار العمل في مؤسسة مدنية أو حكومية، تأخره في النوم، وإن كان مسألةً شخصية في حالة عدم معاملته كفرد، فإن تلك الحرية ستكون تحت ضوابط الحضور والجاهزية في الوظيفة أو في كونه فرداً في فريق كرة القدم، كذلك فإن تناوله للشحوم الزائدة لن يكون مسألة شخصية إذا كان دوره كفرد يتطلب منه رشاقةً والتزاما بوزنٍ محدد.

حرية اختيار المأكل والملبس وتصميم البيت والالتزام بنوع من الشعائر الدينية تندرج تحت باب الحريات الخاصة، لكن التجرد من الملابس وعبور الشارع والإشارة (حمراء) يصطدم بضوابط لا تندرج تحت باب الفردية بل تندرج تحت باب المواطنة، كذلك هي مسألة الخضوع والالتزام للقوانين وما يفرضه الدستور الذي تستند عليه القوانين.

عندما يكون تشريع القوانين وتطبيقها يتم بشكل انتقائي ودون استشارة المواطن، وعندما يكون الدستور قد شرعته جماعة افترضت أنها هي مخولة بذلك دون تخويل صريح، فإن مسألة المواطنة تكون موضع شك بالنسبة للأشخاص وهذا سيؤثر على أدوارهم الفردية ضمن جماعات.

هذه الإشكالية تكاد تكون عامة في معظم البلدان العربية، فالاستثناءات بقبول الطلبة والاستثناءات بالحوافز والاستثناءات في استلام المهام والوظائف الإدارية الحكومية تجعل المواطن في حالة من الشعور بأن عدالة كونه مواطن يتساوى مع المواطنين في حقوقهم وواجباتهم أصبحت موضع شك.

عندما تصبح المواطنة موضع شك، فإن النفاق ومحاباة من في الحكم ستظهر، وأن الفساد والرشاوى ستظهر، وإن الإبداع والإنتاج سينخفضان وبالتالي ستظهر الدولة وكأنها دولة متخلفة.