يبحثون عن قديمهم

من المفارقات التي تشهدها مدن وقرى العالم، تلك التي تتمثل بمحاولات طمس القديم وتحديث المكان ليكون ملائماً لطمس معالمه، وفي نفس الوقت وجود من هم متخصصون في توليف القديم وتقديمه بشكلٍ أرستقراطي يشد الكثير ممن ينشدون الفخامة.


(1)

تدخل زوجة جديدة الى البيت، ويكون لها الحظوة بين ساكني البيت، فتشرع في لملمة كل ما هو قديم يُذكرها في سيادة أذواق من سبقنها من سيدات بعضهن على قيد الحياة وبعضهن قد فارقنها. وترمي بقطع أثاث وأدوات عمل الى الشارع، وتأمر بطلاء البيت بألوان جديدة، هذا إذا لم تستطع أن تغير البيت كله، أو أنها تريد أن تحتفظ بالبيت نفسه لتعطي إشارة أنها قد احتلت ذلك المكان.

(2)

يغيب شابٌ من الريف بضع أسابيع في المدينة، ثم يعود الى قريته، وقد لاحظ الجميع أنه غير من لهجته ونطقه للحروف والكلمات الى غير رجعة.

(3)

يؤسس شابٌ أسرةً جديدة، ويبيع بعض ممتلكات والده المتوفى، فيصمم بيته ليشمل غرفة للجلوس وغرفة للسفرة وغرفة للنوم وشرفة مطلة على الشارع ينثر فيها بعض مقاعد الخيزران وقطع التحافيات.

(4)

تحشر فتاةٌ نفسها في ملابس ضيقة وتطلي نفسها بمساحيق تجميل تعتقد أنها ضرورية وتنتعل حذاءً بكعب عالٍ وتمشي مشية يظن من يراقبها أنها ستركل كرة في وضع (ضربات الجزاء).

(5)

يجلس أحدهم وراء مقود سيارته، ويفتح جهاز التبريد وجهاز التسجيل لينبعث صوت مغني غربي، لا يفهم صاحب السيارة ما يقول، قبل أن يدير محرك السيارة.

· * * *

(6)

تتجول الزوجة الجديدة في الأسواق، تبحث عن (مهباش قديم) لتضعه في صالة الضيوف ليكون قطعة تراثية جميلة! ولا تنسى وهي عائدة أن تمر على جارة عجوز لتعلمها كيفية صناعة الكُبة بعد أن شاهدت برنامجاً للطبخ في قناة متخصصة.

(7)

تمر الأيام، وينزوي الشاب العامل في المدينة ليستعرض بعض الألفاظ الآخذة بالانقراض، ويتبارى مع من يجلس معه في ذكر أكبر عددٍ منها.

(8)

يفترش مؤسس البيت الحديث فرشة صوف قديمة ويحشرها بين مقاعد صالونه الحديث ليتناول أو يفترس ربع بطيخة ويتفل بذرها على السجادة الفاخرة وهو يراقب مباراة لكرة القدم في مونديال جنوب إفريقيا، ويركل إبريق شاي لم ترفعه زوجته الحديثة، أثناء (تضييع) ضربة جزاء.

(9)

تصطحب الفتاة التي كانت قد حشرت نفسها في الملابس الضيقة، نسوة قديمات ليساعدنها في شراء جهاز العرس من ملابس وأدوات قبل زفافها.

(10)

يسحب صاحب السيارة الفاخرة (شريط الكاسيت) ويضع شريطاً للعتابة المصحوب بالربابة، ويشارك المطرب الغناء بطلاقة!

ـــــ

حتى السلوك البرجوازي يحتاج استعداد ثقافي وحضاري لينمو نمواً طبيعياً