غزو جراد
------------

يبدو أنـّني نمتُ كثيراً أو صحوتُ متأخرة، دائما تنتابني مشاعر الالتفاف حول الذات حين أنهض من الفراش، ليس نكراناً للآخرين بل سعياً إلى جماليَّة التأمُّل من أجل الاستفادة من نفسي ومحاسبتها عن أخطائها قبل أن يحاسبها الآخرون .

بما أنني أنتسب إلى هذا العالم لا بد أن أدخل معه في زمانه ومكانه وشكله، فلو نظرتُ إليه من منظوري الخاص سأنعزل بوعي أو دون وعي منِّي وسأعثر له على ألف حجَّة وحجَّة لتبرير أخطائه.

بإصرار حاولت الخروج من الذات وتخطـِّي عزلتها... حبي للزهور التي شتلتها وعلاقتي الخاصة معها أتاحت لي فرصة مناسبة لأنخرط بتفاصيل يوم جديد.. ما إن فتحتُ باب الحديقة حتى هاجمني سرب جراد والتصق بشعري، دخل جيوبي وتكوَّم كثير منه على وجهي، حاولتُ إزاحته لأتأكد من عدم التهامه زهوري وأشجار التفاح وأخرى عزيزة على نفسي.. لم أجد غير هشيم رغم نظرتي الخاطفة .

أدركتُ شناعة ما أنا عليه من دخول ثلاث جرادات بعيني ، كل ما في الحديقة أخذ ينظر شزراً رغم هشيمه .. دخلتُ مسرعة وأغلقتُ الباب باندفاع وحمَق وتذمّر.. نكثتُ كل الجراد .. فرحتُ عندما رأيته يتجمع على بلاط المطبخ، رششته بمبيد الحشرات أتقافز من زحفه على قدميَّ ، سرني انتصاري عليه ، فركتُ عيني بحدة لما أصابها من حرقة قوية بسبب الثلاث جرادات اللواتي متن بتأثير رائحة المبيد ذلك لأني تركتُ عيني مبحلقة بقوة دفاعاً عن سلامتها متأكدة أنَّ التصاق الجرادة الأخيرة سيزول بموتها .

اغتسلت وعطـَّرت جسدي كله لتعقيم أي أثر يسبب حساسية ما لكني استعجلت الخروج للطبيب إزاء طفح أصاب جلد يدي وتورُّم في عيني اليمين .
سلوك غير عادي في الشارع كما أن شكل الشارع غريب، ليس على غرار الشوارع التي ألفتها، وليس التاريخ واحد أبريل ليفاجئني يومه بمزحة غريبة ويتفرَّج على غبائي . كل شيء لونه بلون الجراد، أبواب البيوت النوافذ ممرات الشارع المخصصة لسير الأفراد، كل شيء حتى أكياس النفايات قرب البيوت اكتست بالجراد .

خفت أن تفوتني فرصة تدوين ملاحظاتي الآنية عن أي حدث، مددت يدي لأستخرج القلم والدفتر الصغير لكني لم أستخرج غير الجراد، وفيما أنا باستغرابي مرّت جرادة كبيرة تدفع جرادة صغيرة في عربة متجهة صوب محل البقال، بملاحقتي لها ومراقبة دخولها وجدت البقال ذاته جرادة كبيرة ترتدي قبعة لونها جرادي .
عبَر الشارع جراد ذكَر يحمل بيده البريد، طرق أول باب في شارعنا، خرجت أربع جرادات بملابس مدرسية بينما الجرادة الأم استلمت الرسائل من يده .
ما الذي يحصل اليوم ومَن الفاعل والمسبب لوضع غير مألوف؟ حتى الحافلات كانت على شكل جراد كبير بداخله ركـّاب من جراد .

ثمة خوف يقودني إلى الركض واللجوء إلى عيادة الطبيب، العيادة قريبة مني في نهاية الشارع الذي أسكن قرب كراج لتصليح السيارات... لم أكن مـُعَدّة لطرح أسئلة على نفسي لهول ما ريت، فوجئت بأن كل ما فيه جراد من الميكانيكيين إلى السيارات إلى علب الزيوت .

حين دخلت العيادة مسرعة اكتشفت أنـِني جئت أعالج نفسي من الجراد وأتقبل لحظة "جَراديـَّة" ابتداءً من الممرضات وانتهاءً بالطبيب الذي سلـَّمني وصفة غريبة لم افهمها إلا وقت سلـَّمني الصيدلاني الجرادة دواءً كـُتب على غلافه ( مـِلـْتي جراد ) .. برمت شفتي وتوقعت أنَّ الطبيب الجرادة وجدني مصابة بفقر جرادي لذلك وصف لي مجموعة فيتامينات من عصير الجراد .

في طريق عودتي وعند رأس الشارع المؤدي إلى داري اشتريت من بائعة الصحف "جرادة " صحيفة اليوم ، قرأتُ عنوانا ً كبيراً تصدَّر الصفحة الأولى :
( بجهود وتجارب عالم الأحياء البروفسور "garad" وإصراره بالقضاء على حشرة مصابة بفقر الدم اكتشف مبيداً فعالاً للقضاء عليها )

أما بقية العناوين غير واضحة لمفهومي الإنساني .
تصفـَّحتُ الجريدة من الأسفل إلى الأعلى ومن الأعلى إلى ال

</B></I>