انتصارا آخر كهذا وتكون الكارثة!
قرّبتُ عينيّ من منظار أهداه لي قاصّ الأثر، الأندلسي مانويل رودريغيث راميريث، وكانت حكمته المعلّقة أنّك إذا نظرت منه فإنك ترى وتسمع... رأيتُ مدينة لا حول لها تختنق بدخان المتفجرات وروائح لشوى البشر وغبار المباني المتهدمة. مدارس مدمّرة تحوّلت إلى ركام وخراب، النيران مشتعلة... وسُحب الدّخان الأسود تتعالى من كل جهة، بيوت وعمائر تحترق، لعثمة رأس مقطوعة هنا، مدنيّ ممزّق الأطراف هناك،جثث جنودتفحّمت، صِغار ونساء تبخرت أو شوهت أجسامهم، جرحى بإصابات الفسفور الأبيض الخطيرة، قنابل النووي المنضب (20 % من اليورانيوم أو البلوتونيوم، والنسبة الباقية حرارة وضغط) أحدثت فجوات واسعة في الأرض، حطمت الهياكل الخراسانية برمتها واخترقت كلّ أساسات المباني، وزاد من بشاعة القتل أنها تصهر الإنسان وتبخره في الهواء إذا كان في مجال الانفجار، أو تصيبه بأمراض إشعاعية وحروق عالية إذا كان بعيدا، وهذه القنابل بعد انفجارها تحولت إلى غبار إذا استنشقه الفرد يترسّب بداخله، فتنهشه الأمراض السرطانية والأورام ثمّ تبقى في خلاياه يرثها مَن بعده...،رجال تحولوا إلى كومة من الرماد، أشلاء عمّال يدويّين مقطعة مرميّة على الأرض وحرفيّين وفلاّحين وموظّفين ومدرّسين وأصحاب جاه ونفوذ ومثقّفين وفنّانين وعاطلين عن العمل وهامشيّين، بِرك دماء وذباب،بقايا أطفال بين الركام ووسط الدخان، سيارات إسعاف مفحّمة،قطط وكلاب مبقورة البطون في كل مكان... وسط هذا الدمار والأنقاض، هناك شيء يتحرّك. إنّه الشابّ مارورا، مصاب بجرح بالغ، يزحف باحثا عن شيء. تصطدم رأسه بساق مبتورة، ثم تعترضه جثة غريبة المنظر، وأخرى متعفّنة، وفجأة يسمع أنينا. يعضّ على فمه ويدفع جسمه بكلّ ما بقي من قوّة. يجد ضابطا فلسطينيا يحتضر، ما زالت رموز رتبته ظاهرة على زيّه العسكريّ المغطى بالحجارة والتراب. ينحني الشاب فوقه، يؤدّي التحية العسكرية ويقول: " سيدي، لقد انتصرنا ".
تنفّس الضابط: " انتصارا آخر كهذا وتكون الكارثة! " ثم أشار إلى موضع القلب أو جيب سترته وسكت.
نفض الشاب بعض الحجارة عن الصدر وأخرج ورقة ملفوفة.
أسرعتُ في طلب صاحب الخطوة وكان مسكونا بالمشي على الماء وبالشطرنج، وطلبت منه أن يمشي الألف خطوة في خطوة فوقالـمدينة والرّيف والإدارة والحانة والجبل والبحر والغابة والصّحراء والـمنجم والشّارع... وكذلك بلاد مصر البعيدة... ويأتيني بنسخة من الورقة الملفوفة... أو يموت دونها عطشا.
وفي انتظار عودته أبعدتُ منظارَ الأندلسي عن قناة الجزيرة، وأخرجتُ لسان ابن منظور لتعريب الحرب النفسية والطائرة بلا طيّار وعلوم الإنسان والكيمياء، ولأجدّد سور القيروان. موضع من الأرض يحيا فيه الحُبّ وتقام الصلاة. مدينة يحرسها السلاح واجتماع الناس في الحرب.. ويتوزع فيها نساء ورجال وأطفال وشيوخ، باحثين عن العلم والاستراحة والسكينة. يأتيها البشر من الشمال والجنوب، كثير منهم يبحث عن العمل والمتعة، أو ليلة للفرح وللتوبة والهدوء.
ثمّ جاء صاحب الخطوة وليس على وجهه أثر سفر أو تعب، وإنّما بوادر نور. صاح أيّ داهية هذا الضابط! نطق بالقوّة والجديد من الفكر قبل أن ينتشر الدخان. يحدّثنا عن الانتصار في 11.
قلتُ أفصِح قبل أن يدهمنا القصّ، فابتسم وضرب بكفّه على كتفي وأخذ يقرأ:
1
الرّؤية القرآنية تتمحور على توحيد الله وتحقيق النفع للناس، إقامة مجتمع أكثر عدالة وحرية، بناء دولة قويّة، وتطبيق الإسلام عن طريق الحوار والإقناع. { إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9)} سورة الإسراء
2
إظهار القوّة الدّفاعيّة الهائلة الكامنة في المجتمع الأهلي، وإن كانت اليوم دفينة، والعمل على توجيهها بما يحقّق تفعيل سلطة القرآن على المدينة وتحقيق المصالح العليا للنّاس وإعادة توحيد البلاد. شدّة في القتال مع العدوّ.. التعامل بالحُسنى مع الناس في المجتمع.. ومرونة مع باقي القوى والأحزاب دون بتر التزامنا الكامل بالقرآن. إستراتيجية النصر: الإيمان بالله العظيم ثم الإعداد والقيادة الحكيمة، منظومة نيران متطوّرة، والقوات المقاتلة التي لا تنهار أو تهرب في المعارك، وشبكة السرايا المستقلة، والإعلام لمواصلة العمل طوال الحرب بحيث لا سبيل للتشويش على الإرادة السياسية، ولا على الروح المعنوية للمجتمع. هذه هي عوامل الثبات إن شاء الله وانتصار المدينة. ضرورة بناء مجتمع مقاوم،لنشر الإسلام والحبّ والتوحيد، حضارة ترتّل القرآن وتستمع له... وتفعيل كتلة تاريخية مسلمة تضم بين جنباتها تيارات وتنويعات سياسية وفكرية مختلفة تلتقي جميعها في إطار البناء وهندسة الحضارة وفي مواجهة تاريخية مع العدو.
3
حرّاس رسالة القرآن. نعمل على نشرها في العالمين، كما لنا دور في تحقيق الأمن الداخلي لبلادنا ومواجهة أعداء المجتمع الأهلي. نقدّم دائما البيان القرآني ونطوّر بالفعل عناصر الوحدة والتركيب والبنية الذكية بشكل كاف، لخوض حرب طويلة على أوسع نطاق ضدّ عدوّ يمتلك تفوّقا كبيرا في الأسلحة المتطوّرة. التعاون والتكامل بين مختلف المكوّنات القتالية من جهة وبين الناس من جهة أخرى (مقاومة الهابطين بالمظلات، الكشف عن الجواسيس والعملاء، أعمال الدفاع المدني المتعلقة بإنشاء المخابئ والأنفاق، وإطفاء الحرائق، وإسعاف الجرحى، وتعلّم السلوك السّليم تحت الغارات التقليدية أو أنواع التصرّف في المواجهات البيولوجية والكيماوية أو النووية أو غيرها). هدف كسب المعركة النفسية، والإفادة منه سياسيا. توجّه الحرب النفسية للعدوّ كما توجّه للحلفاء والموالين والمحايدين والجنود والمدنيين.. وتغيير اتجاه القوى بالتأثير في مشاعرهم وميولهم وترسّبات أفكارهم وآرائهم.. أو في بناء "الصورة" عن الوقائع لدى الناس وعند مختلف الأطراف. رفع الحالة المعنوية للسّرايا برفع قدراتها وزيادة طاقاتها في العمل والصبر والتضحية والذكاء والعطاء، ولإرباك معنويات الأعداء وخلق حالة من الانشقاق والتذمّر والوهن بين صفوفهم، وبشكل عام إضعاف القدرة القتالية للخصم وتشكيكه في صواب قضيته.. فتغيير المشاعر والميول والاتجاهات والآراء والمعلومات والمعتقدات لتغيير السلوك... هو الهدف الرئيس من هذه الحرب، حتى يقتنع الخصم بالهزيمة وبأنه لا جدوى من الاستمرار في الحرب، وأنّ الكفّ عن العدوان هو الحل الوحيد.
4
برنامج ساسة العدوّ هو تجفيف المنابع القرآنية، تجفيف المنابع المالية، تخريب وترويع "البلاد الآمنة"، قتل القيادات السياسية والتنظيمية والفكرية والعلمية، أسر وسجن واغتيال العناصر الناشطة، تشجيع "مَسْلمة" النفاق والمنافقين، تطوير وتوسيع اللقاءات والمؤتمرات الأمنية لتبادل المعلومات والخبرات، تكوين جيوش وقوى عسكرية "خاصّة" من المرتزقة لمحاربة الإسلام وللتدخّل العسكري ضدّ مدننا أو ضدّ جبهات المقاومة. عقيدة العدو هي أنّ المزيد من الوقت والمزيد من بطش القوة يحققان المزيد من الإنجازات. العمليات النفسيّة المُوجَّهة بهدف شلّ قدرة الناس عندنا على العمل، التشويه وعزل الأمّة معنويّا وجغرافيّا والحرب المتعددة الجبهات على الإسلام. الركائز الإستراتيجية للعدوّ هي الإجهاض المبكّر، الهجوم الإستباقي، وطريقة "الردع بالصدمة والرعب" (ضربات كبيرة وعشوائية وبلا رحمة بهدف شلّ العقول وزرع الرّهبة في نفوس الناس ودفعهم للاستسلام وعدم المقاومة). أواليات سيطرته هي القوة العسكرية (تدمير المدن بالقصف الجوّي)، والدولار المحمول على بحر من النفط، وشركات التسويق العابرة للقارات (هوليوود وأخواتها ومنظمات "العمل الإنساني").
5
القتال ينجح بأربعة عناصر، أولا الإنسان المؤمن حارس الرسالة الحيّة للقرآن، السلاح، نوع القتال وآخرها طريقة التنظيم والقيادة. البصيرة والإحسان، أي وضوح "لماذا يُقاتل ومَنْ يقاتل وكيف ومتى"... مدرسة قرآنية للمسؤولية الدقيقة أمام الله سبحانه وتعالى. تنمية تأثير الأفراد في اتخاذ القرار فتتحرّك القدرات ويقوى عنصر المبادرة. ففي الحروب القادمة، غير المتوازية، العامل الحاسم للنجاح هو المقاتل الذي يخوض هذه الحروب... ونوعيّة استخدامه لسلاحه بتوجيهه لنقاط ضعف العدوّ... واكتساب القدرة على إدخال التغييرات المصلحية في خططنا، بغرض تعزيز أهدافنا القرآنية والحركية الشاملة، وتعديل إستراتيجيتنا وتكتيكنا لمواصلة تقوية المجتمع الأهلي أو الحرب، حسب التغيرات الإستراتيجية والتكتيكية لدى العدو وحسب النزاعات والنقاشات والتكتلات في مجتمعنا ومن حولنا، دون التضحية بفعالية شخصيتنا القرآنية، ومن غير "تخفيف" التزامنا بالقرآن.
6
السّرايا كنظام عمل، من خصائصها أنّها توَزّع أفقيا القيادة السياسية والقتالية، فتحتفظ بوجودها وبقدرتها على المجابهة في كلّ الأحوال المهولة.. لكونها ليست هرمية ولا مركزية. سرايا مستقلة عن بعضها تماما ليس لها قرن واحد، فكل سريّة تملك رأسها الخاص. حركة السرايا توافقية بين أفرادها وعهد الله بينهم. يعني أن الهمجية القمعية، من إجهاض مبكّر واختراقات وقصف همجي، لا تجدي مع هذا المنهج الحركي ولا تستطيع هزيمة المدينة. نظام الوحدات المستقلة (السرايا) التي تتصرف حسب الظروف، وتصبر بكلّ "طبيعية" على شظف العيش وقلة الأكل وخشونة الحياة وندرة المواد { ... ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (120) وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (121)} سورة التوبة.
7
المال هو عصب الحرب في كلّ زمان ومكان.
8
ما هو الهدف المطلوب بالضبط؟ هل في طاقة قواتنا أن تحقق هذا الهدف؟ ما هو الأسلوب المناسب لتحقيق هذا الهدف؟ ما هي أبعاد معركة "المفاوضات" ومتطلباتها أثناء الحرب وبعد المعركة؟ وعدم تعتيم أهداف القرآن الإستراتيجية من أفق تحرّكاتنا وأعمالنا. الدعوة إلى التوحيد... حماية أمن المجتمع الأهلي الدّاخلي... ردع أيّ عدوان خارجي... والجهاد الأهلي للبناء والإعمار... حشد تأييد الناس لسياسة العدل وقراءة القرآن، القدرة على تمثّل هموم الناس الفعلية، ودعوة العالمين للتوحيد... والظلام الدامس الذي يجب أن تعيشه قيادة العدو فيما يخص المعلومات... (السِّرية في العمل ليست بالهزل، ولا بالثرثرة مع الثقات الذين يتبادلونها بدورهم مع الثقات حتى تصل السلسلة إلى الثقات من العدوّ ؟!!) مصالح المجتمع الأهلي بدلا من مصالح "الفرقة التي تسيطر"... واستمرار معارضة تعيين "الذين هجروا القرآن" أو "المرجفين" في مناصب قيادية. وصدّ أي ضغط في هذا الاتجاه أو أي محاولات "صديقة".. سياسة العدوّ هي التدمير الكلّي لبنية المدن المستهدفة، دون مراعاة لوجود السكان المدنيين فيها (مئات الأطنان من القنابل شديدة التدمير تلقى يومياً على المدن المحتلة)... وعدم زج العدوّ لقواته في قتال المدن إلا بعد أن "يضمن تطهيرها من المقاومين تماماً" ولو أدّى إلى إبادة سكان المدينة جميعا، والأمثلة تكاد لا تحصى؟؟؟ ثمّ بعد التدمير الهائل بسلاح الجوّ.. يتمّ استعمال قوات خاصة.. مهمتها اقتحام المدن والتجمعات السكنية (هناك دروسا مهمّة أمكن استخلاصها من معارك "جنين"، "الفلّوجة"، "غزّة"، ومن فشل العدوّ في"فيتنام"، "الجزائر"، "عيتا الشعب" و"مارون الرأس").
9
واجب الإطلاع على ما كتبه المحللون الإستراتيجيون على اختلاف مشاربهم وأهدافهم، من دراسات حول الثغرات الأمنية والأخطار التي تهدد أمن وأمان العدو، الحقيق منها والمتوهم، ودراسة هذه المخاوف بعناية لأنها غالباً ما تشير إلى مواطن ضعف حقيقية في الأمن القومي للعدوّ.
10
الإمبراطورية المهيمنة حاليا تحكمها "مؤسسة دائمة" هي التي تقوم بانتقاء أعضاء المؤسسة المؤقتة المنتخبة... (تضع لها البرامج الاقتصادية والسياسية وتقدم لها المال لحملاتها الانتخابية، ولحروب المصادر) وهي التي تساند حكومات_العالة في البلاد التابعة.. وأهدافها الكبرى هي خدمة المال وشركاته وفتح الأسواق في أرجاء العالم كافة بتطويع قوانين الدول والشعوب لمتطلبات تلك الشركات العابرة للقارات باسم العولمة. وعدم السماح بقيام أي مجتمع يمكن أن يمثل نموذجا ناجحا يتنافس مع النظام الرأسمالي (والذي تزعم نخبهم المسيطرة بأنه النظام العالمي الصالح لكل الدول والأفراد وفي كلّ مكان). والهيمنة الكاملة على أنظمة العالم لتحقيق علوّ وهيمنة بني إسرائيل.
مسيرة العولمة تحتاج إلى أربعة محرّكات: النفط، وأمن المفسدين، وتدفق الأموال، واستغلال العمال. وطبقا لمفهوم النظام الرأسمالي الإمبريالي، فانه عندما يعاني اقتصاد ما من مصاعب فان الحرب تساعد دائما في الخروج من الأزمة، أي ضربات استباقية وصواريخ لكل من يتجرأ على تحدي إرادة "المؤسسة الدائمة"...
11
أهمّ مسائل الحروب القادمة هي الإيمان الثابت ودوافع القتال "وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر"، زائد أسلحة نوعية كالصواريخ، وتحييد سيطرة العدوّ على الجوّ بخبرة واسعة في إعداد الكمائن والعتاد الخفيف وبمعرفة تامة بالطرق والأماكن التي نعيش فيها، زائد القتال البرّي المتقارب (نخبة احتكاك مباشر)، والاستشهاد في القتال مع نخبة جيش العدوّ وليس بالانتحار العشوائي وسط المدنيين، زائد شبكة الإعلام، ومسألة القيادة (الوصول إلى القيادة بناء على السلوك في المعارك الحقيقية...)، والتصدي الفوري لواقع التخلف والهزيمة والانحلال الخلقي، وتعزيز التعاون الاجتماعي بالتنظيم المؤسسي المتفوّق للخدمات الاجتماعية من صحة وتعليم وإسكان... والعمل على مشاركة جميع الشعب المجند بمستويات مختلفة، لمجابهة دولة العدوّ!! تحقّيق ذلك مع بناء وتثبيت المتانة الخلقية والمناعة العصية على اختراق العدوّ باستخباراته وجواسيسه والمنافقين. فعل كل ذلك، بنفَس طويل هادئ، والتحلي بالحلم مع الاقتدار، والممارسة الكثيرة لذكر الله سبحانه وتعالى، والتواصي بالحق والتواصي بالصبر، مصداقاً للقرآن العظيم: {وَالْعَصْرِ، إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْر}.
هذا الخبر فيه لذّة المذاق، فهل يخرجنا نحن من المأزق؟ أعني في هذا الوقت المرّ، كيف نفكّ حصارا؟ أو نتجاوز إشكالا؟ أو نفكك حاجزا؟ كيف نفهم أزماتنا، أزمة الإنسان مع نفسه ونوعه وأزمة الشعوب والقبائل مع نفسها ومع العولمة، المجتمع الأهلي وعلاقاته مع الفساد المتعدد الجنسية ومع العالم كتحولات وانفجار وعلاقات واقعية وافتراضية وبالكوارث المحيطة به أو التي تهدّد الأرض ومستقبلها ونوع الحياة فيها؟!! كيف نقتحم مشكلات عصية على الفهم أو مستبعدة؟ كيف نفعّل العلاقة بالحق وبالقرآن وبواقعنا وبأنفسنا وبالآخرين وبالعالم؟ كيف الخروج من دوائر الجهل والخوف واللامبالاة التي تخنق الفرد والجمع؟ كيف نقارب اللغة والسلاح والجسم والإرادة والهوى والشراكة والتداول والكتاب؟ ما معنى الحقيقة أو الإنسان أو العقل أو الحرية أو الحضارة بعد كل ما عشناه وشاهدناه من تخريب وتدمير وقتل باسم هذه المقولات نفسها منذ سقوط طُليْطلة وسلب الحداثة وإلى يوم الناس هذا...؟!! أين الإخفاقات وأين الانتصارات؟ مَن يفكّ قيدا أو يداوي جرحا أو يكشف غامضا أو يتكفّل يتيما أو يفتح طريقا أو يشقّ نفقا؟