ليس بالفتات اليابس ننقذ غزة من محنتها وجوعها !!

الباحث : عبدالوهاب محمد الجبوري


معروف للجميع ان حصار غزة ومعاناة اهلها سببه صمت الموقف الدولي وضعف الموقف العربي والاسلامي والخلافات الفلسطينية واستغلال هذه الظروف من قبل اسرائيل لمواصلة عدوانها على شعبنا في فلسطين ، وهذا يعني وجود ثلاثة انماط من المسؤولية التي لم تتحرك بجدية لايقاف الموت البطيء لشعبنا في غزة ، مسؤولية دولية عاجزة تماما عن اتخاذ موقف مساند للحق الفلسطيني وسبب ذلك هو هيمنة السياسة الامريكية على الموقف الدولي ومسؤولية عربية مخجلة لم ترتفع الى مستوى التحدي المطلوب للتحرك بفاعلية وجدية لوقف تداعيات ما يحصل في غزة اليوم ونحن هنا لا نعتب على العرب ايضا او سمهم اعرابا ان شئت ، لان الموقف العربي من قضية فلسطين معروف منذ نكبة فلسطين عام 1948 ، وهذا الضعف في الموقف العربي اسبابه معروفة هو الاخر كون معظم الانظمة العربية مسلوبة الارادة وترتبط سياساتها واقتصادياتها ومنهجها بدول اجنبية يجعلها غير قادرة على اتخاذ قرار شجاع مستقل يضع حدا للعدوان الاسرائيلي باستثناء رفع الشعارات والتحركات الديبلوماسية من باب ذر الرماد في العيون وتثبيت المواقف البائسة وهم يظنون ان الشعب الفلسطيني او الشعب العربي لا يعرف حقيقة هذا السلوك المخجل ..

وهنا نقول لهم كفانا ايها المسؤولون العرب متاجرة بقضايا امتنا ، فالالم لم يعد يحتمل المزيد والجرح النازف من الجسد الفلسطيني لن يندمل بسفينة امدادات من باب اسقاط الفرض .. الجرح النازف يندمل بسلوك وسياسة واضحة وشجاعة وتحمل مسؤولية تاريخية بالوقوف وقفة رجل واحد في وجه اسرائيل وتحديها واتخاذ القرارات المصيرية والحاسمة والشجاعة لاجبارها على التراجع والرضوخ للمطالب الفلسطينية حتى لو تطلب ذلك رفع السلاح العربي في وجهها وما اكثر السلاح العربي الذي تم شراؤه بمئات المليارات من الدولارات لكنه سلاح نائم ومخزون ونتباها به ايام الاستعراضات والذكرى السنوية للاستقلال وانعاش اقتصاد شركات بيع الاسلحة الامريكية والغربية على حساب فقراء العرب وجياعهم الذين هم احق بهذه الاموال التي سيسال عنها اصحابها يوم لا ينفع مال ولا بنون الا من اتى الله بقلب سليم !!! ، هذا عدا عن امكانية استخدام النفط كسلاح اقتصادي مؤثر ضد الولايات المتحدة الداعم الرئيس لاسرائيل كما حصل في حرب تشرين عام 1973 ، فاين الكرامة والغيرة والنخوة ايها العرب ؟

فنحن وان كنا نعرف انه لايوجد من يجرؤ على فعل ذلك ، لكننا اردنا التذكير به فقط فلعل التذكير يحرك ما تبقى من ضمير او احساس بالمسؤولية التاريخية وسنظل نذكر بايام العرب والمسلمين الخوالد ايام سعد والقعقاع و صلاح الدين والرشيد ، فهل من متعظ ؟

اما المسؤولية الثالثة على ما يحصل لشعب غزة هاشم - دون المسؤولين - فهي خلافات الفلسطينيين فيما بينهم رغم المناشدات المستمرة بتجاوز هذه الحالة من اجل المصالح الفلسطينية العليا ، ولكن يبدو ان الكل مصر على موقفه ويدعي انه هو صاحب الحق وان الاخر هو الباطل وفي غمرة هذه المناوشات وتبادل الاتهامات ومحاولات اثبات وجهة النظر الشخصية لكل طرف تستمر معاناة غزة ويستمر نحيب اطفالها وانين ثكالاها واراملها وتستمر الامهم ومعاناتهم ..

لقد قلناها مرارا وتكرارا للاخوة في فتح وحماس وكافة الفصائل ، ضعوا حدا لخلافاتكم فاسرائيل تراهن عليها وحذار من اجندات اجنبية لا تصب في مصلحة شعبكم وقضيتكم .. الكل مسؤول امام الله والتاريخ وامام الحسرات والاهات والانات لابناء شعبنا ، الكل مسؤول عندما يدير ظهره بسلوكه الخاطيء واصراره على استمرار سياسة التعصب والتصلب في المواقف في وقت شعبنا في فلسطين هو بامس الحاجة الى ازالة الخلافات وتوحيد الرؤى والمواقف و وتغليب المصلحة الوطنية الفلسطينية العليا على اي اعتبار اخر ..

اما انتم يا اهلنا واخوتنا الصابرون والصامدون في غزة يا من تدفعون الثمن من دمائكم وجوعكم والامكم وحسراتكم ، فان الله لن يتخلى عنكم وسيزيد صبركم صبرا وسيجزيكم خير الجزاء ، وسيعينكم على مواصلة تحد العدو وستنتصر ارادتكم وستجبر اسرائيل على التراجع وتتحقق مطالبكم بجهودكم ونضالكم ونقول لاسرائيل ان حصار غزة لن يتحول الى مقبرة جماعية كما تتمنين وسيفشل بعون الله ، فنحن نعرف صبر اخوتنا في غزة وصمودهم وتحملهم ومعاناتهم فهم وحدهم من سيقبر مخططات اسرائيل ..

نقول هذ لاخوتنا في غزة ، ونحن على ثقة بما نقول ، لاننا في العراق عشنا اخطر واكبر تجربة حصار قاس وظالم شهده بلد منذ فجر التاريخ واستمر 13 عاما من الصمت العربي والجبن العربي والتشجيع العربي على ذبح العربي وغض الطرف عن هذا الذبح ..

عشنا الحصار ونعرف الامه ومرارته وموته البطيء حتى وصلنا الى مرحلة اكل لحم الحيوانات وبيع الناس الفقراء لاولادهم مقابل دريهمات قليلة كما قام العراقيون ببيع كل ما يملكون من اثاث وتجهيزات ومواد منزلية وملابس شخصية للحصول على رغيف خبز شريف ومات خلال الحصار اكثر من مليون ونصف المليون انسان جلهم من الاطفال والنساء والشيوخ هذا عدا عما سببه الحصار من امراض سرطانية وامراض خطيرة لا نعرف اسمها ومات من جراء ذلك اكثر من مليون اخرين خاصة في جنوب العراق نتيجة استخدام اسلحة اليورالنيوم المنضب من قبل امريكا خلال حرب 1991 وترافقت ظهور تاثيرات هذه الاسلحة مع بدء الحصار القاسي على العراق في ظل صمت عربي ودولي مخز فلا دواء ولا علاج ولا حليب للاطفال ، ولا طعام للناس كي تعيش فكان الموت يلاحق ابناء شعبنا يوميا ، والحديث عن حصار العراق يطول لكني اشرت اليه فقط تعاطفا مع الام اهلنا في غزة لاننا عشناها وذقنا مرارتها ، فاقول ايها الاخوة الصابرين في غزة ، مع كل ما حصل للعراقيين من ماسي وموت ودمار خلال الحصار لكن همة العراقيين لم تخفت وتمخض صبرهم فولد جلدا وكبرياءً وشموخا وعزا وظلّ ينبض بالحيوية رغم الاحتلال الامريكي ومازالت مقاومته تقارع قوى الشر والظلام والاحتلال بكل عزيمة وفخر سيسجله التاريخ باحرف من نور مثلما سيجل بالسواد والعار كل من سهل من الاعراب احتلال العراق وشجع عليه او سكت عنه وهو راض ، من هنا ولهذه الاعتبارات فانني ابشر اهلنا في غزة واقول لهم صبرا ال هاشم فموعدكم النصر والفخر باذن الله ، انتم وحدكم الذين ستصنعون هذا النصر بصبركم وتضحياتكم ، هكذا علمنا التاريخ وهكذا تعلمنا من دروسه وهكذا تتعلمون انتم ايضا من دروسه ..
الله وحده هو من سيعينكم على الصبر والصمود والنصر خاصة والعيد على الابواب ، وليس المزايدات والشعارات والادعاءات والخلافات والفتات اليابس .. اللهم كن مع اهلنا في غزة والعراق والطف بهم وشد من ازرهم وعزيمتهم واعنهم على مصيبتهم وبلواهم وانصرهم على من عاداهم .. انك سميع مجيب الدعاء .. اللهم امين .
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي