الأميرة ذات الرداء الورقي والأبعاد الأنثوية والذكورية
بقلم:عماد موسى
قصة الأميرة ذات الرداء الورقي للكاتب روبرت منش، والتي نقلتها إلى العربية الكاتبة روز شوملي مصلح، والتي نشرتها صحيفة (صوت النساء)في عددها رقم (149)الصادر بتاريخ 4/9/2002
اثارت في نفسي عددا من التساؤلات، ومع ان هذه القصة تنتمي إلى الأدب الطفلي إلا أنها غنية بالدلالات والأبعاد الإجتماعية والثقافية، ولعل الأبرز على هذه التساؤلات هو:
ماذا يحمل عنوان هذه القصة من أبعاد ودلالات؟
إن العنوان هو الذي يؤسس للفكرة التي يتم بناء القصة عليها منذ البداية وإلى النهاية، وهو الذي يحتقب العناصر الهامة التالية:
- إن المرأة التي تتمحور حولها القصة هي أميرة وليست إمرأة عادية.
- إن الأميرة تخالف العادات والتقاليد وتخرج عن المألوف عندما تلبس رداء بسيطا.
- غياب أو تغييب للشخصية المركزية الذكورية عن العنوان، وهو الأمير والتنين، فالعنوان لا يحمل أي إشارة لا من قريب ولا من بعيد، كما جرت عليها العادة، وهي إسناد البطولة الى الذكورة من خلال العنوان ،حتى أن عنوان هذه القصة ليس عنوانا مشتركا بين الأميرة والتنين أوالأمير.
الصفات البرانية للأميرة:
يقدم روبرت منش الأميرة في واقعها الإجتماعي والإقتصادي والثقافي بكلمات مكثفة مقتضبة بعيدا عن الإسهاب،إلا أنها تفي بالغرض الوصفي وتتلاءم مع المخيلة الطفلية .
فيقول: ( اليزابيث أميرة جميلة،تعيش في قصر كبير،وتلبس ملابس غالية الثمن تليق بالأميرات ،وكانت ستتزوج أميرا يدعى رونالد.)
لقد حدد الكاتب من خلال هذا التوصيف أربعة اتجاهات هي:
_ أن هناك إمرأة أميرة تتمتع بقدر كبير من الجمال ،وهذا الخط ينسجم مع عنوان القصة.
- إن هذه المراة الأميرة تعيش في قصر، وليس في مكان بائس ،فحدد بذلك الإتجاه الطبقي والبيئة الإجتماعية والثقافية لهذه الشخصية في القصة.
- حدد المظهر البراني للأميرة والمتمثل في ملابسها الباهظة الثمن، والتي تليق بالأميرات دون سواهن ،وهذا يتناقض مع العنوان، وهو عنصر ينبغي استكشافه.
- الأميرة سوف تتزوج بأمير وليس برجل ينتمي إلى العامة.
التنين رمز القوة والسيطرة
الكاتب سرعان ما يبدد أحلام الأميرة ،إذ تصبح إمراة عادية مجردة من السمات البرانية للأميرات،وتفتقد المكان الذي يرمز إلى الطبقة الاجتماعية وتخسر الممتلكات الشخصية ويختطف زوج المستقبل ليصبح في الأسر.(إذ دمر تنين قصر اليزابيث ،وأحرق جميع ملابسها بأنفاسه اللاهبة وأخذ رونالد بعيدا).
إن فكرة اختطاف التنين للأمير رونالد تعد مفارقة أيضا،ومتعارضة مع الموروث الثقافي والإجتماعي والقصصي الذي عادة ما يظهر هذا الموروث الفروسية الذكورية التي تخوض الأهوال وتقتحم الصعاب بحثا عن الأنوثة المخطوفة لأجل إنقاذها ،وتوفير الحماية لها،لكونها مخلوق ضعيف بالمقارنة مع قوة الذكورة وسيطرتها.
فالتنين هو الرمز الاسطوري الذي يحمل دلالات مكثفة للذكورة المتسلطة والمتعالية التي تمارس كل انواع البطش والقهر والتدمير والإضطهاد والهيمنة لأنها تتمتع بعناصر القوة الفيزيقية الأسطورية، والتي عززت من توظيفها الثقافة المجتمعية التي تجيز للذكورة ممارسة إضطهاد الآخر ،فالذكورة الأسطورية تخطف الذكورة الإنسانية بقصد إبراز الصراع الخفي بين عناصر القوة الذكورية.
الأميرة في مركز صنع القرار:
إن اختيار الكاتب لامرأة أميرة ليس اختيارا اعتباطيا، بل هو منبثق من طبيعة الثقافة المجتمعية،فالأميرة غالبا ما تكون في مركز صنع القرار واتخاذه ،وهي تختلف عن سائر النساء العاديات أو العوام نساء ورجالا أيضا ،لذلك، كان من السهل عليها أن تتخذ القرار وتتحدى الأعراف والتقاليد ،فقال الكاتب(قررت اليزابيث أن تطارد التنين وتعيد رونالد ،لبست الكيس الورقي ولحقت بالتنين)
فالمرأة الأميرة قررت مطاردة التنين لأنها في موقع يؤهلها اتخاذ القرار، ف لم يثنها المظهر البراني عن المضي قدما نحو تحقيق أهدافها ،ولمتكترث بما سوف يقال عنها،وركزت جل إهتمامها على جوهرها الإنساني.الارادة والشجاعة عناصر القوة الانثوية:
لا شك أن الأميرة تتمتع بإرادة عالية وشجاعة كبيرة ،فلم تعرف الضعف او الإستكانة او القبول بالأمر الواقع التي هي سمات ثقافية شعبية ملصقة بالمرأة ،ولم تعرف الخوف او التردد،بل عرفت الإصرار والإقدام دون الإلتفات إلى النتائج ،خصوصا إذا علمنا أن الثقافة الموروثة قد قدمت المرأة في صور مختلفة من الخوف والتردد وفقدان الإدارة.
(واخيرا وصلت اليزابيث إلى كهف له باب ضخم، عليه مطرقة كبيرة، أمسكت اليزابيث بالمطرقة ودقت الباب... وقرعت ثانية..)
فالأميرة لديها إصرار كبير على مواجهة التنين على الرغم من قوته وبطشه،لكن السؤال كيف ستواجه الأميرة التنين؟
الذكاء الانثوي في مواجهة القوة الجسدية الذكورية:
لقد واجهت الأميرة بذكائها وحنكتها قوة التنين وبطشه،وعملت من خلال أسئلتها لإاستنكارية على استنزاف قوته، وهدر طاقته بدلا من المواجهة الجسدية التي ستفقد ها حياتها في معادلة القوة الفيزيقية بينهما ،وهذه دلالة اخرى تحملها القصة وهي كيف يمكن للمرأة أن توظف قدراتها العقلية وذكائها في مواجهة التحديات والقوى المجتمعية اذا ما توفرت لديها الإارادة والعزيمة والشجاعة، وتمتعت بقدر كبير من المسؤولية والإستقلالية.
المقابلة وردود الافعال:
تمكنت اليزابيث من إستنزاف قوة التنين وطاقته الخارقة، وسارت فوق التنين تماما، وفتحت الباب المؤدي الى الكهف حيث كان الأمير رونالد ،فنظر إليها، وقال:
إنك في حال مخزية
رائحتك مثل الرماد
وشعرك مشعث
وتلبسين كيسا قذرا باليا من الورق
عودي
عندما تكونين في ثياب أميرة حقيقية)
لم يتوجه الأمير رونالد بآيات الشكر والإمتنان للأميرة اليزابيث،ولم يمجد العمل الفروسي والبطولي الذي قامت به ،لأن الفروسية والأعمال البطولية من سمات الذكورة لهذا فقد الأمير توازنه، فانقض عليها بوابل من عبارات الإستنكار والإهانة والتحقير في محاولة منه لإخفاء عجزه الواضح أمامها ،فراح يرثي حالها الجديدة ،اذ وجد في مظهرها الجديد المتواضع مساحة كافية لتحطيم ما أنجزته والعودة بها إلى حالتها الأولى حيث الجسد الجميل الذي تنبعث من أرجائه الروائح الذكيه.
من هنا ركز هجومه على مظهرها الخارجي وعلى جسدها، فلم يرحب بها، فإذا بالأميرة تتلقى خطاب إدانة نظير ما فعلته من اجل انقاذه.
ردة الفعل الأنثوي
ولهول الموقف ولفظاعة الكلمات التي تفوه بها الأمير رونالد لم تتمالك الأميرة نفسها، فردت بقسوة وتحد غير معهودتين بالأنوثة المقموعة والمزجورة والمضطهدة، وبالعبارات ذاتها التي تعبر عن المظهر البراني للأمير وعن جسده التي تفوح منه رائحة الطيب مع أنه واقع بالأسر، لأنه قبل العيش دون حرية مقابل الحفاظ على هيئته وهندامه فقالت له:
(رونالد
ملابسك جميلة حقا
وشعرك مرتب جدا
وانت تبدو مثل أمير حقيقي
ولكنك
شخص تافه)
من الواضح أن الموقف الذكوري من الأنوثة في حاله من الثبات، وعدم التحول ،في حين أن الموقف الأنثوي قد اصبح اكثر تحررا وثورية وتطورا ورفضا للصورة النمطية التي رسمتها الذكورة لها.
فلأامير ظل ينظر إلى لأاميرة نظرة جمالية فيزيقية محضة لم تتجاوز حدود الجسد وما يكسوه من ملابس تزيده جاذبية ومتعة ،لذا لم يكن بمقدورالأمير أن يتطلع إلى ما هو أبعد من ذلك،أمام موقف الأميرة من جسدها وملابسها، فقد تغيرت تبعا لتغير الظروف والمستجدات لذلك صعدت من جوهرها الأنثوي وأعلت من صور العقل عندها،ففجرت ما لديها من طاقات الإرادة والشجاعة والقدرة على إتخاذ القرار غير مكترثة بمظهرها البراني الذي يجعلها حلية لإمتاع الذكورة وشيئا جميلا لإرضاء غروره،وهذا مخالف لدورها التاريخي والتقليدي الذي حددته الذكورة لتحقيق ما يرضي رغباتها واحتياجاتها ،ومن هنا نكتشف لماذا أصر رونالد على اليزابيث ان تعود الى سجنها التقليدي لأانثوي حتى يتمكن من السيطرة عليها وليحد من ثوريتها وتحررها الذي تصدت له اليزابيث بشجاعة أنهت مستقبل علاقتها به لأنها صاحبة قرار لأنها أقصت بقوة الصورة العاطفية، والإنفعالية المرسومة عنها، وأثبتت أنها ليست ظلا لرونالد...