صورة حواء في المسرح والسينما في عالمنا العربي
(عزيزتي المرأة العربية_أمي وأختي وحبيبتي وابنتي وزميلتي وقد تكون صديقتي أو ملهمتي_اكملى هذا المشوار)
ترجم العرب في عصر ازدهار الحضارة الإسلامية الكثير من التراث اليوناني القديم، والذي كان مهدداً بالإبادة في العصور الوسطي الأوروبية عندما اعتبرته الكنيسة كفراً وهرطقة،ولكن العرب ترجموا الأدب والفلسفة، ولم يترجموا المسرح اليوناني القديم الذي يعتبر بداية فن المسرح فى العالم. لم يستسغ العرب النصوص التي تقوم على حوار
وصراع بين شخصيات خيالية.
وعندما تولى محمد على حكم مصر من 1805 إلى 1848 وضع أسس النهضة العربية الحديثة، وأرسل إلى باريس بعثة لدراسة العلوم الحديثة،وكان واعظ هذه البعثة رفاعة رافع الطهطاوى,ولكنه أصبح أول مفكري النهضة،وكان أول من كتب في اللغة العربية عن فن المسرح كما شاهده في باريس.
ولكن معظم علماء الإسلام اعتبروا المسرح خلاعة ومجونا وإهدارا للوقت فيما لا يفيد،ولذلك تعثرت المحاولات المسرحية الأولى في دمشق وبيروت في منتصف القرن التاسع عشر،برغم أن كل المسرحيات كانت مترجمة،وبرغم أن كل أدوار النساء كان يقوم بها رجال,وهذا من أهم الأسباب التي جعلتهم يعتقدون ذلك,ولكن أحداً لم يخطر على باله أن تقوم النساء بتمثيل أدوار النساء.
ولذلك لم يكن من الغريب أن يكون أول مؤلف مسرحي عربي هو المصري اليهودي يعقوب صنوع بتشجيع من الخديوي إسماعيل الذي حكم مصر من 1863 إلى 1879، وبلور النهضة التي بدأها محمد على.
ولم يكن من الغريب أيضاً أن أوائل الممثلات في المسرح العربي في القاهرة والإسكندرية كن من يهود مصر أو أرمن لبنان في عهد الخديوي عباس حلمي الثاني الذي حكم مصر من 1892 إلى 1914،وواصل النهضة بدوره.
فكانت "مريم سماط" أول امرأة عربية تمثل على خشبة المسرح عام 1907 وهى مصرية قبطية،وفى عام 1915 اعتزلت بناء على ضغط الكنيسة القبطية,لتمثل في نفس العام على المسرح أول امرأة عربية مسلمة وهى المصرية منيرة المهدية,وفى عهد الملك فؤاد الذي حكم مصر من 1917 إلى 1936 شهدت مصر عام 1919 أول ثورة شعبية في العالم العربي،وكان من ثمار الثورة حصول مصر على استقلالها السياسي عام 1922،وصدور أول دستور في العالمين العربي والإسلامي عام 1923،وفى نفس العام تأسس الاتحاد النسائي المصري كأول اتحاد من نوعه في هذين العالمين،بفضل هدى شعراوى وصفية زغلول,وفى نفس العام لم يعد تمثيل المرأة على المسرح يمثل مشكلة اجتماعية كبيرة مع تأسيس فرقة رمسيس لفنان المسرح والسينما يوسف وهبي.
بدأ إنتاج الأفلام التسجيلية العربية في مصر عام 1907،وبدأ إنتاج الأفلام الروائية الطويلة العربية في مصر عام 1923،وتطور عام 1927عندما أنتجت عزيزة أمير فيلم "ليلى" الذي قامت بتمثيل الدول الأول فيه،وعندما أخرج إبراهيم لاما " قبله في الصحراء" عام 1928,وقد ظل المسرح المصري هو المسرح العربي والسينما المصرية هي السينما العربية فعلياً من حيث كم الإنتاج،ومن حيث التأثير في العالم العربي لمدة تزيد عن 50 سنة من العشرينيات إلى الستينيات من القرن الماضي.
ففي فيلم " ليلى" تقع الفتاة الريفية ليلى في غرام أحمد الذي يعمل دليلاً للسياح، وتحمل منه، ولكنه يتركها ويهرب مع سائحة أمريكية، فتفر ليلى من القرية إلى القاهرة حيث تلد طفلها وتنتحر,وقد احتج الجمهور على نهاية الفيلم،فأعيد تصويرها لتكون نهاية سعيدة يعود فيها أحمد إلى ليلى مستغفراً ونادماً,أما في فيلم "قبله في الصحراء" شاب بدوى يهرب من قبيلته لاتهامه ظلماً بقتل عمه,يتبادل الحب مع سائحة أمريكية تقنعه بالعودة إلى القبيلة لإثبات براءته، وينتهي الفيلم بزواجهما.
ولاحظ صورة المرآة في هذين الفيلمين،والمستمرة بدرجة أو أخرى حتى اليوم في المسرح والسينما في العالم العربي:
أولاً:أن كلا الفيلمين يتأثر بالنظرة السائدة إلى المرأة في الأفلام والمسرحيات الأجنبية التجارية،وهى لا تختلف عن مثيلتها في مصر والعالم العربي.
ثانياً: أن الرجل فدى كلا الفيلمين يفضل المرأة الأجنبية (الأمريكية على وجه التحديد)_ليس لهذا بالطبع علاقة بزيارة أوباما غدا للقاهرة _ وهو بهذا ينهى مشكلته مع مواطنته بإلغاء هذه المشكلة,بل إن الأمريكية في "قبله في الصحراء" تنقذ الرجل من الضياع.
ثالثاً:أن المرأة في "ليلى" تدفع حياتها ثمنا لثقتها في الرجل الذي أحبته،وهو من ناحية أخرى يتركها بسبب هذه الثقة، وذلك تعبيراً عن المقولة السائدة بأن على المرأة ألا تثق في الرجل قبل الزواج،وعلى الرجل ألا يثق في المرأة إلا بعد الزواج.
رابعاً: بينما أرادت عزيزة أمير في النهاية الأصلية لفيلم "ليلى" إدانة الرجل الذي قابل حب المرأة وثقتها بالهرب،وإثارة العطف على المرأة بانتحارها،أراد الجمهور،وأغلبه من الرجال في ذلك الوقت،مشاهدة الرجل كإنسان نبيل يندم على خطأه،وينقذ المرأة من الانتحار.
وفى الفترة من 1929 إلى 1939 شهدت مصر أربع مخرجات للأفلام هن عزيزة أمير في "بنت النيل" 1929،وفاطمة رشدي في "الزواج" 1933،وبهيجة حافظ في "ليلى بنت الصحراء"1937،وأمينة محمد في" تيتا وونج" 1939,وكان عدد مخرجات السينما في كل العالم يعد على أصابع اليدين.
ومنذ بداية الحرب العالمية الثانية (1939- 1945) تحولت السينما في مصر إلى صناعة كبيرة يمتد جمهورها إلى العالم العربي والشرق الأوسط وأفريقيا،وهنا ظهر الوجه الذكورى للمجتمع العربي حيث تم استبعاد النساء من عالم الإخراج في مصر،واقتصرت أدوارهن على التمثيل والمونتاج والماكياج وتصميم الأزياء,ولم تكن هوليود الشرق في الجيزة تختلف في ذلك عن هوليود الغرب في لوس انجليس,ولم تعد المرأة العربية للوقوف وراء الكاميرا إلا عندما أخرجت ماجدة في مصر "من أحب" 1966.
ومنذ الستينيات من القرن الماضي تطور إنتاج المسرح والسينما في العالم العربي خارج مصر,حيث شهدت الثمانينيات بروز أول مخرجة تونسية وهى ناجية بن مبروك في "السامه" 1982،ثم سلمى بكار وكلثوم برناز ومفيدة التلاتلى ورجاء عمارى،وأول مخرجة لبنانية وهى هينى سرور في "ليلى والذئاب" 1984،ثم جوسلين صعب ورانده شهال وكرستين دبغى وجوانا حاجى توما ودانييل عربيد،وأول مخرجة مغربية وهى فريدة بن اليزيد فى "باب السماء" 1987، ثم فريدة بورقيبه وليلى مراكشى،وأول مخرجة عراقية وهى خيرية المنصور في "6 على 6" ,1987,وشهدت التسعينيات أول مخرجة جزائرية وهى حفصه زينات فى "الشيطان امرأة" 1994,وفى عام 2003 ظهرت أول مخرجة سورية وهى واحة الراهب في "رؤى حالمة".
وعادت المرأة في مصر للوقوف وراء الكاميرا عام 1984 مع نادية حمزة في "بحر الأوهام"،وإيناس الدغيدى في "عفوا أيها القانون" 1985،وهى صاحبة أكبر عدد من الأفلام بين كل مخرجات السينما العربيات (14 فيلماً حتى 2004)_وكان لي معها تجربة لم تكتمل_وأسماء البكرى وساندرا نشأت وكاملة أبو ذكرى وهالة خليل,وفى أغلب أفلام المخرجات نرى صورة إيجابية مختلفة للمرأة عن الصورة السلبية السائدة،ولكن لا يزال عدد مخرجات السينما العربيات أقل من خمسة في المائة،وحديثنا يقتصر على إخراج الأفلام الروائية الطويلة باعتبارها أكثر الأفلام تأثيراً،وهناك عدد أكبر من المخرجات للأفلام التليفزيونية والتسجيلية وأفلام التحريك,أما عدد مخرجات المسرح فلا يتجاوز واحد في المائة,ولا ننسى إنعام محمد على مخرجة المسلسل الخالد "كوكب الشرق" ومن قبله "الطريق إلى ايلات",كذلك استاذتى الفاضلة مجيدة نجم مخرجة مسلسلات وبرامج الأطفال القديرة.
كانت أول دراسة عربية عن صورة المرأة في الفنون رسالة منى الحديدي للدكتوراة في كلية الإعلام بجامعة القاهرة عن "صورة المرأة في السينما المصرية" عام 1974، وفيها درست الموضوع عبر تحليل أربعمائة وعشرة فيلما من إنتاج الفترة من 1962 إلى 1972. وحسب الدراسة، كانت شخصيات النساء في هذه الأفلام بالنسب المئوية التالية: 4ر43 بدون مهنة واضحة _ 0ر22 ربة بيت/ زوجة/ مطلقة/ أرملة/ عانس 5ر20 نساء عاملات _5ر10 طالبات _ 5ر9 فنانات _ 4ر5 منحرفات ,أكثر هذه النسب دلالة هي نسبة النساء من دون مهنه واضحة، أي مجرد أنثى، وهى النسبة الأكبر.ويمكن القول أن المرأة كمجرد أنثى هي الشخصية النسائية بنسبة تزيد عن ثمانين في المائة من الأفلام العربية التجارية،وهى الأكثر تأثيراً في الجمهور,المرأة في هذه الأفلام شيطان ماكر لا تريد غير المتعة خارج أو داخل مؤسسة الزواج،لا تريد غير الحصول على الرجل،أي رجل،وباعتبار الحصول عليه الهدف الأسمى لأي امرأة،وكل امرأة.
والدراسة الثانية عن صورة المرأة رسالة ماجستير إحسان سعيد في كلية الآداب بجامعة عين شمس عن "صورة المرأة المصرية في سينما التسعينيات" عام 2002، وفيها درست 31 فيلماً من إنتاج الفترة من 1990 إلى 2001,وتنتهي الدراسة إلى النتائج التالية:
1- وجود قصور في طرح وتجسيد صورة المرأة وحصرها في نماذج متشابهة والهدف منها مداعبة غرائز الجمهور وإثارته.
2- وجود مغالاة في تجسيد العنف الذي تمارسه المرأة والعنف الذي يمارس ضدها.
3- الأدوار التي ورد ذكرها في أفلام العينة والمتصلة بدور المرأة في الحياة السياسية جاء معظمها سطحياً وغير فعال ولا يتناسب مع دورها الجاد على المستوى الراقي.
4- أغفلت السينما في فترة التسعينيات قضايا المرأة الفلاحة والكادحة وركزت على المرأة العصرية دون التعرض للأبعاد الحقيقة في شخصيتها من الناحية الإنسانية والأدبية.
5- لم تقدم السينما طبقا لما جاء في أفلام العينة نموذجاً للمرأة القدوة التي يعول عليها في الصمود والقدرة على الارتقاء ومواجهة مشاكلها.
6- غاب عن الأفلام التنبؤات المستقبلية للتطور المرجو في دور المرأة الاجتماعي,والسياسي والثقافي خاصة في ظل تأكيد نوازع التحرر والدراسات العلمية والإنسانية.
الواقع الراهن لمصر والعالم العربي يهدد النهضة التي بدأت قبل مائتي عام في مصر محمد على,والنهضة تعنى من بين ما تعنى تمكين المرأة من القيام بدورها في المجتمع،خارج المنزل,وينعكس ذلك على صورة المرأة في المسرح والسينما
كانت مصر قد بدأت تحصد ثمار النهضة بعد مئة سنة مع بداية القرن العشرين،وطوال النصف الأول منه،كانت القدوة بالنسبة إلى الدول العربية الأخرى,بما في ذلك الدولة السعودية التي تأسست نهضتها عام 1932,ولكن ظهور نتائج الحكم العسكري في مصر منذ 1952،الذي ألغى دستور 1923 وأفسد الحياة المدنية والحياة العسكرية معاً (وهو ما ثبت من حرب 1967)، وطفرة أسعار البترول بعد حرب 1973 التي وفرت السيولة المالية في السعودية ودول الخليج، دفعا الملايين من أبناء الطبقة الوسطي في مصر والدول العربية للهجرة إلى دول الوفرة الجديدة،ولكنهم لم يعودوا إلى بلادهم بالمال فقط،وإنما أيضاً بالقيم.
لم تعد مصر هي القدوة،وإنما السعودية ودول الخليج,والسعودية هي الدولة الوحيدة في العالم التي تحرم السينما وتحرم تمثيل المرأة على المسرح،وتناقش صحفها عام 2005 "قضية" قيادة النساء للسيارات. والسعودية ودول الخليج لا تزال حتى اليوم في صراع بين النظم القبلية والنظم الحديثة التي تقوم على المواطنة.
وقد قام أمير قطر في 2005 بإسقاط الجنسية القطرية عن أكثر من ستة آلاف فرد من قبيلة اشترك بعض منهم فيما اعتبر مؤامرة ضد نظام الحكم,وكانت القضية الكبرى في النصف الثاني من عام 2004 في صفحات الفنون في مصر والعالم العربي على صعيد السينما,هي قضية الفيلم المصري "بحب السيما" إخراج أسامة فوزي،وذلك لتناوله شخصية زوجة قبطية تعانى الحرمان الجنسي بسبب التطرف الديني لزوجها حتى أنها تقيم علاقة جنسية مع رجل آخر،ولرفضه الحكم البابوي في الحياة السياسية والحياة الدينية معا,منعت الرقابة الفيلم ثم عادت وصرحت به بعد الحذف ثم عادت وخففت من المحذوفات،ولكن شخصيات ومؤسسات مدنية رفعت دعاوى قضائية طالبت فيها بمنع الفيلم،والأهم أنه وربما لأول مرة وقف الأزهر مع الكنيسة القبطية ضد الفيلم,وقد تحول الأزهر إلى القيام بدور الكنيسة بالنسبة للمسلمين رغم تعارض ذلك مع الدين الإسلامي,وكانت القضية الكبرى في النصف الأول من عام 2005 هي قضية الفيلم المصري "الباحثات عن الحرية" إخراج إيناس الدغيدى_ رغم أن اغلب بطلاته لسن مصريات_لتناوله مشاكل ثلاث نساء من المغرب ومصر ولبنان يعشن في باريس بحثاً عن حريتهن المفتقدة في بلادهن,فقد نُشرت عشرات المقالات ضد الفيلم، وأُطلق عليه الباحثات عن الجنس،وشُوهت ملصقاته في الشوارع،وجرت دعوات لمقاطعته،وخاصة أنه من إخراج امرأة، وتم اتهام المخرجة بالعديد من التهم الكاذبة،بل وتهديدها بالقتل تحريرياً وشفهياً,لدرجة أن إحدى السيدات حاولت ضرب مخرجته بالجزمة.
وفى سوريا أخرج محمد ملص فيلم "باب المقام" عن حادثة حقيقية وقعت في حلب مع بداية القرن الميلادي الجديد،قام فيها شاب سوري بقتل شقيقته لأنها تهوى ترديد أغاني أم كلثوم داخل بيتها،ومادامت تهوى هذه الأغاني فهي عاشقة، ومادامت عاشقة فقد "عابت" على حد تعبير والدها في الفيلم_ولا ساتر في زمانه_وبرغم مرور ما يقرب من سنة على إتمام الفيلم لم يعرض حتى الآن,ما بال هذا الشاب لو شاهد كليبات هذه الأيام وبطلات هذه الكليبات,على شاكلة هيفا وأخواتها نانسى ومروة ودانا وأولاد عمها روبى واليسا وميلسا,ولسه ولسه,فالتأكيد كان سينتحر.
سينارست وائل مصباح عبد المحسن
01114005523 مصر 01001261829
waelmosbah@yahoo.com