الْحِجَارَةُ
... فإذا بأحدهم يرميهم بواحدة من مثيلاتها قد أمسكت بها يداه، وإذا بإحداهن تدعو الله أن يريها فيهم وفي أمثالهم يوما أسودا، ثم ما هي إلا صيحة عليهم قد انبعثت مقهورة مدوية، حتى صاروا أهدافاً لوابل كثيف من الحجارة وسيل جارف من الدعاء عليهم بالعذاب المبين، فبدت لهم السماء وكأنها تنظر إليهم شزراً، وتمطرهم من شدة غضبها بداء عضال لا يرجى الشفاء منه، وخيلت إليهم الأرض وكأنها تكشر لهم عن أنيابها، وتهتز تحت أقدامهم مستعجلة الخسف بهم...
ظلوا على عجل يلتمسون المزيد منها هنا وهناك، فيلتقطونها بأيديهم الصغيرة مسرعين، ثم يرمونهم بها مسددين بكل ما تبقى لهم من قوة، فهذه حال من سبقوهم بالأمس وكانوا في مثل سنهم، إذ لم يجدوا أفصح من الحجارة تعبيراً عما كدر عيشهم من ظلم وقهر، ولم يكن ما أقبلوا على التقاطه منها سوى انتقاء لكلمات ملقاة على الطريق تُسمعُ صوتَهم من به صممُ، إذ لم يعد لأي حديث مكان في هذا المقام سوى ما تنطق به الحجارة، فهي تقص مسترسلة حكايتهم التي خطها بنبض أفئدتهم الدمُ، وليس بإمكان أي صوت أن يعلو في هذا الموقف فوق صوت الحجارة...
ثم إن الرمي تواصل على أشده، فلم تنفذ الحجارة، ولم تكل سواعد الصغار، ولم يتسرب الملل إلى أيديهم، وظل عَرقهم يصب على أهل الفتنة نار المقت الشديد قبل أن يتصبب من جباههم عاصفاً، ومكثت دماؤهم تحرق قلوب عبدة الجور قبل أن تجري غاضبة في عروقهم، فتلك كانت قصتهم الدامية وما تزال، وكأنها حياة قدتْ من حجارة...

نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي
aghanime@hotmail.com