ارتعاشات القلوب الحزينة




تقابلت الوجوه الشاحبة ، والعيون الحزينة الخائفة ، والأيادي المرتعشة .
ولما كان الصمت أقوي من الكلام،كتبا حكاية على الهواء، نقشتها دماء القلوب الرهيفة ، وطرزتها العيون المتعبة ، وبين الشط والبحر وقفنا نحتضن النوارس وهى تستحم في بحر النهار.
لكن ما كان على الشاشة غراب.. ودرس.. ودم.. وكان الدرس قاسياً، ليس الدرس فى الحساب ، ولكن فى التعامل مع اللغة .
ولما كنت أنا من زمن قديم ضعيفة فى النحو والصرف ، بالفعل قد كنت ضعيفة .
لا أعرف الفرق بين الصفة والحال ، لكن رغم ذلك التقينا ، ولما ائتلفنا خفنا، من البحر ..خفنا،.. من نوارسنا الحزينة ..خفنا..
وقفنا نتابع كل الكلمات التي كتبناها..خفنا..
من نوارسنا الحزينة ..خفنا..
وقفنا نتابع كل الكلمات وهى ترتجف ، من الخوف كانت ترتجف ، من الحزن كانت ترتجف، من الحكايات القديمة كنا نرتجف..ولما كنت لا أعرف الفرق بين المضاف والمضاف إليه ، والعطف والمعطوف علية ، كنت أرتجف .. فقط كنت أعرفه هو،وأعرف فقط ، أن هناك جملة كاملة ، ولكي تكون كاملة لابد أن تكون من ، فعل. وفاعل. ومفعول به .
ومن المؤكد أن الجملة الاسمية هي التي تبدأ بالاسم ، والجملة الفعلية هي التي تبدأ بالفعل، هذا أكيد، فقد كانت الأمواج عالية،والرياح عاتية، والضباب كثيفاً،والنور يغتاله الظلام، ولما خرجت الكلمات الساكنة من بين الضلوع الواهنة، كتبت على الهواء، لابد أن ننقسم، لابد أن نفترق،تصير أنت أنت.. وأصير أنا أنا،هكذا مفرداً واحداً، لوحت الأيادي في الفضاء، ومحت ما كتب على الهواء،وابتعد البحر عن الشاطيء ، والمفعول به مازال يشغل رأسي، لكنة كان ثابتاً في ذاكرتي، فحينما يأكل الولد التفاحة، أو الولد يأكل التفاحة ،فسواء بدأت الجملة بالفعل أو بالفاعل المهم أن الولد أكل التفاحة، والفعل هو الأكل، والفاعل هو الولد،والمفعول به هو التفاحة .
..ومع ذلك كان طعم الأكل يساوي طعم الفراق المر، والمياه المالحه،وتشقق الحلق الجاف، وانشطار الأفئدة،والعيون الحزينة،كان الخوف المسافر فينا ،يسافر ،والحزن المسافر فينا، يباعد بيننا، فابتعدنا .
بالفعل وليس بالفاعل كنا ابتعدنا ، في المكان فقط قد كان الابتعاد، سافر الصمت داخلي،والحزن داخلي، وارتعاشات القلب المشتعل بداخلي ،أطبقت جفوني كي لا أراه وهو يبتعد ،وظلة يتباعد، والزبد على الشط يتلاشي.
رغم أنني عرفت العطف والمعطوف عليه،وأداة العطف،فإذا قلنا أنا وأنت يكون أنا ألمعطوف علي، وأنت العطف ،والواو أداة العطف،إما إذا قلنا،أنت وأنا فتكون النتيجة معكوسة تماما.
وقفت لأول مرة وجها لوجه،عارية أمامه ،كان عبوثاً ،جامداً،ثقيلاً، متحدياً، كانت قسمات وجهه تنم عن قتلي،فوقفت أمام شاشة التليفزيون كى أقتله،نعم لابد أن أقتله لا احتمل سيره ببطء على سماء روحي
كانت كل الحكايات ،عارية وقديمة، رجل وامرأ،رجلان وامرأة، امرأتان ورجل،رجال كثيرون ونساء كثيرات،حكايات من الزمن البيعد لكن بثوب جديد،جاء بعضها متشابهاً وبعضها غير متشابه ، ولكنها تدور كلها في دائرة واحدة ثم أنها تعود كلها إلى نقطة البدء .
رغم كل شيء كانت تعود إليه، انتفي كل شيء من ذاكرتي إلا هو،نظرت حولي فلم أجده،من الشباك نظرت لم أجده،إلى المدى البعيد،إلى الشوارع،في كل الأماكن فتشت عنه فلم أجده في الميادين ، في الطرقات في كل الوجوه المتناثرة فلم أجده،ذهبت إلى البحر أسأل عنه فلم يجيبني،
رجعت لذاتي فتشت في داخلي،في دماغي ،في خارطة روحي أخذت نفساً عميقاً ، عميقاً، حين وجدته متجسداً أمامي،على البعد كنت قد كلمته،وقفت الكلمات عاجزة حين إليّ دعوته،
حيث انقسمنا فاكتملنا، وافترقنا فاقتربنا وأنا مصلوبة أمامه كنت أشعر بالاغتراب، والفرق كبير بين الغربة والاغتراب، والغرابة والغروب ..والتغريب والغريب..
فسألته عن كل شيء،عبر حدود الزمان والمكان ..عن كل المسائل قد سألته.
ليست المسائل الحسابية، ولكن المسائل اللغوية،عن الفعل والفاعل والمفعول به،عن الصفة ، والحال، عن العطف والمعطوف عليه ، وعن موعد العودة ، قبل أن يجيبني اختفي.
--------------------------------------------------------------------------------